نادرة الدفن في حجرة النبي











نادرة الدفن في حجرة النبي



عن عمر وبن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب لابنه عبدالله: انطلق إلي عائشة ام المؤمنين فقل: يقرأ عليک عمرالسلام، ولا تقل: أميرالمؤمنين، فاني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فمضي فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبکي فقال: يقرأ عليک عمرالسلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه. قالت: کنت اريده لنفسي ولاوثرن به اليوم علي نفسي فلما أقبل قيل: هذا عبدالله بن عمر قد جاء فقال: ارفعوني. فأسنده رجل إليه فقال: مالديک؟ قال: الذي يحب أميرالمؤمنين

[صفحه 190]

أذنت. قال: ألحمدلله ما کان شئ أهم إلي من ذلک المضجع، فإذا أنا قضيت فاحملوني وأن ردتني فردوني إلي مقابر المسلمين[1] .

قال الاميني: ليت الخليفة عرفنا ما وجه الاستيذان من عائشة؟ فهل ملکت هي حجرة رسول الله صلي الله عليه واله وسلم بالارث؟ فأين قوله صلي الله عليه واله وسلم المزعوم: نحن معاشر الانبياء لا نورث ما ترکناه صدقة؟ وبذلک زحزحوا عن الصديقة الطاهرة فدکا، وبذلک منع أبوبکر عائشة وبقية أزواجه صلي الله عليه واله وسلم لما جئن إليه يطلبن ثمنهن[2] وإن کان الخليفة عدل عن ذلک الرأي لما انکشف له من عدم صحة الرواية؟ فإن ورثة ابنة رسول الله کانت أولي بالاذن فإنها هي المالکة إذن، وأما عائشة فلها التسع من الثمن فإن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم توفي عن تسع، فکان الذي يلحق عائشة من الحجرة الشريفة ألتسع من الثمن، وما عسي أن يکون من ذلک لها إلا شبرا أو دون شبرين وذلک لا يسع دفن جثمان الخليفة وهب أنه کان يضم إلي ذلک نصيب ابنته حفصة فإن الجميع يقصر عن ذلک المضطجع، فالتصرف في تلک الحجرة الشريفة من دون رخصة من يملکها من العترة النبوية الطاهرة وامهات المؤمنين لايلائم ميزان الشرع المقدس.

ربما يقرأ القارئ في المقام ماجاء به إبن بطال من قوله: إنما استأذنها عمر لان الموضع کان بيتها وکان لها فيه حق.[3] فيحسب هناک حقا لام المؤمنين يستدعي ذلک الاستيذان ويصححه، وإن هو إلا حق السکني ومجرد إضافة البيت إلي عائشة وهما لا يوجبان الملک، قال ابن حجر في فتح الباري 7 ص 53: استدل به وباستيذان عمر لها علي ذلک علي أنها کانت تملک البيت، وفيه نظر بل الواقع انها کانت تملک منفعته بالسکني فيه والاسکان ولا يورث عنها، وحکم أزواج النبي کالمعتدات لانهن لا يتزوجن بعده صلي الله عليه واله وسلم. اه.

وقال في ج 6 ص 160: ويؤيده- يعني عدم الملک- ان ورثتهن لم يرثن عنهن منازلهن، ولو کانت البيوت ملکا لهن لانتقلت إلي ورثتهن وفي ترک ورثتهن

[صفحه 191]

حقوقهم دلالة علي ذلک، ولهذا زيدت بيوتهن في المسجد النبوي بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين کما فعل فيما کان يصرف لهن من النفقات. والله أعلم. اه. وقال العيني في عمدة القاري 7 ص 132 في حديث عائشة (لماثقل رسول الله استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي): أسندت البيت إلي نفسها، ووجه ذلک أن سکني أزواج النبي صلي الله عليه وسلم في بيوت النبي من الخصايص، فلما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السکني مابقين، فنبه البخاري بسوق أحاديث هذا الباب وهي سبعة علي أن بهذه النسبة تتحقق دوام إستحقاق سکناهن للبيوت ما بقين. اه.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري 5 ص 190: أسندت (عائشة) البيت إلي نفسها ووجه ذلک أن سکن أزواجه عليه الصلاة والسلام في بيوته من الخصائص، فکما استحققن النفقة لحبسهن إستحققن السکني مابقين، فنبه علي أن بهذه النسبة تحقق دوام إستحقاقهن لسکني البيوت مابقين. اه.

فالقارئ جد عليم عندئذ بأن ام المؤمنين لم يکن لها من حجرة رسول الله صلي الله عليه واله وسلم إلا السکني فيها کالمعتدة، وليس لها قط أن تتصرف فيها بما يترتب علي الملک.

والخطب الفظيع عد الحفاظ هذا الاستيذان وهذا الدفن من مناقب الخليفة ذاهلين عن قانون الاسلام العام في التصرف في أموال الناس.

ولست أدري بأي حق أوصي الامام الحسن السبط الزکي صلوات الله عليه أن يدفن في تلک الحجرة الشريفة؟ وهل منعته عائشة عن أن يدفن بها؟ أو أذنت له وما اطيعت؟- ولا رأي لمن لايطاع- فتسلح بنو امية وقالوا: لاندعه أن يدفن مع رسول الله صلي الله عليه واله وسلم وکاد أن تقع الفتنة[4] لم هذه کلها؟ أنا لا أدري.


صفحه 190، 191.








  1. صحيح البخاري 5 ص 226 وج 2 ص 263 وأخرجه جمع کثير من الحفاظ وأئمة الحديث لا نطيل بذکرهم المقام.
  2. .
  3. السيرة الحلبية 3 ص 390.
  4. تاريخ ابن کثير 8 ص 44 وجملة اخري من معاجم السير.