اجتهاد الخليفة في الطلاق الثلاث











اجتهاد الخليفة في الطلاق الثلاث



1- عن إبن عباس قال: کان الطلاق علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بکر وسنتين- وسنين- من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة فقال عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر کانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.

مسند أحمد 1 ص 314، صحيح مسلم 1 ص 574، سنن البيهقي 7 ص 336، مستدرک الحاکم 2 ص 196، تفسير القرطبي 3 ص 130 وصححه، إرشاد الساري 8 ص 127، ألدر المنثور 1 ص 279.

2- عن طاوس قال: إن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما کانت الثلاث تجعل واحدة علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بکر رضي الله عنه وثلاث في إمارة عمر رضي الله عنه؟ قال ابن عباس: نعم.

صحيح مسلم 1 ص 574، سنن أبي داود ص 344، احکام القرآن للجصاص 1

[صفحه 179]

ص 459، سنن النسائي 6 ص 145، سنن البيهقي 7 ص 336، ألدر المنثور 1 ص 279. إن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتک ألم يکن طلاق الثلاث علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بکر رضي الله عنه واحدة؟ قال: قد کان ذلک فلما کان في عهد عمر رضي الله عنه تتابع الناس في الطلاق فأمضاه عليهم-فأجازه عليهم-

صحيح مسلم 1 ص 574، سنن البيهقي 7 ص 336.

صورة اخري:

کان أبوالصهباء کثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل کان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بکر و صدرا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: بلي کان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم وأبي بکر رضي الله عنه وصدرا من إمارة عمر رضي الله عنه، فلما رأي الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم

سنن أبي داود 1 ص 344، سنن البيهقي 7 ص 339، تيسير الوصول 2 ص 162، ألدر المنثور 1 ص 279.

3- أخرج الطحاوي من طريق ابن عباس انه قال: لما کان زمن عمر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس قد کان لکم في الطلاق أناة، وإنه من تعجل أناة الله في الطلاق ألزمناه إياه. وذکره العيني في عمدة القاري 9 ص 537 وقال: إسناد صحيح.

4- عن طاوس قال: قال عمر بن الخطاب: قد کان لکم في الطلاق أناة فاستعجلتم أناتکم، وقد أجزنا عليهم ما استعجلتم من ذلک.

(کنز العمال 5 ص 162 نقلا عن أبي نعيم)

5- عن الحسن إن عمر بن الخطاب کتب إلي أبي موسي الاشعري: لقد هممت أن أجعل إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس أن أجعلها واحدة، ولکن أقواما جعلوا علي أنفسهم فالزم کل نفس ما لزم نفسه، من قال لامرأته: أنت علي حرام. فهي حرام، ومن قال لامرأته: أنت بائنة. فهي بائنة، ومن طلق ثلاثا فهي ثلاث.

(کنزالعمال 5 ص 163 نقلا عن أبي نعيم)

قال الاميني: إن من العجب أن يکون استعجال الناس مسوغا لان يتخذ الانسان

[صفحه 180]

کتاب الله ورائه ظهريا ويلزمهم بما رأوا، هذا الذکر الحکيم يقول بکل صراحة: ألطلاق مرتان فإمساک بمعروف أو تسريح بإحسان. إلي قوله تعالي: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتي تنکح زوجا غيره. فقد أوجب سبحانه تحقيق المرتين والتحريم بعد الثالث، وذلک لا يجامع جمع التطليقات بکلمة- ثلاثا- ولا بتکرار صيغة الطلاق ثلاثا متعاقبة بلا تخلل عقدة النکاح بينها.

أما الاول: فلانه طلاق واحد وقول- ثلاثا- لا يکرره ألا تري؟ أن الوحدة المأخوذة في الفاتحة في رکعات الصلاة لا تکرر لو شفعها المصلي بقوله: خمسا أو عشرا، ولا يقال: إنه کرر السورة وقرأها غير مرة.

وکذلک کل حکم اعتبر فيه العدد کرمي الجمرات السبع فلا يجزي عنه رمي الحصيات مرة واحدة، وکالشهادات الاربع في اللعان لا تجزي عنها شهادة واحدة مشفوعة بقوله- أربعا-

وکفصول الاذان المأخوذة فيها التثنية لا يتأتي التکرار فيها بقراءة واحدة و إردافها بقول- مرتين-

وکتکبيرات صلاة العيدين الخمس أو السبع المتوالية- عند القوم- قبل القرائة[1] لا تتأتي بتکبيرة واحدة بعدها قول المصلي خمسا أو سبعا.

وکصلاة التسبيح[2] وقد اخذ في تسبيحاتها العدد عشرا وخمسة عشر فلا تجزي عنها تسبيحة واحدة مردوفة بقوله عشرا أو خمسة عشر. وهذه کلها مما لا خلاف فيه.

وأما الثاني فإن الطلاق يحصل باللفظ الاول، وتقع به البينونة، وتسرح به المعقودة بالنکاح، ولا يبقي ما بعده إلا لغوا، فإن المطلقة لا تطلق، والمسرحة لا تسرح، فلا يحصل به العدد المأخوذ في موضوع الحکم، بل تعدد الطلاق يستلزم تخلل عقدة الزواج بين الطلاقين ولو بالرجوع، ومهما لم تتخلل يقع الطلاق الثاني لغوا و يبطله قوله صلي الله عليه واله وسلم: لا طلاق إلا بعد نکاح. وقوله صلي الله عليه واله وسلم: لا طلاق قبل نکاح. وقوله

[صفحه 181]

صلي الله عليه واله وسلم: لا طلاق لمن لا يملک.[3] .

قال سماک بن الفضل: إنما النکاح عقدة تعقد والطلاق يحلها، وکيف تحل عقدة قبل أن تعقد. اه.[4] .

م- وروي أبويوسف القاضي عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن إبن مسعود رضي الله عنه إنه قال: طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته واحدة حين تطهر من حيضتها من غير أن يجامعها، وهو يملک الرجعة حتي تنقضي العدة، فإذا انقضت فهو خاطب من الخطاب، فإن أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها حين تطهر من حيضتها الثانية، ثم يطلقها حين تطهر من حيضتها الثالثة. کتاب الآثار ص 129 ومراده کما يأتي تخلل الرجوع بعد کل طلقة.

وقال الجصاص في أحکام القرآن 1 ص 447: والدليل علي أن المقصد في قوله: ألطلاق مرتان- ألامر بتفريق الطلاق وبيان حکم ما يتعلق بايقاع ما دون الثلاث من الرجعة انه قال: ألطلاق مرتان. وذلک يقتضي التفريق لا محالة، لانه لو طلق اثنتين معالما جاز أن يقال طلقها مرتين، وکذلک لو دفع رجل إلي آخر درهمين لم يجز أن يقال: أعطاه مرتين حتي يفرق الدفع فحينئذ يطلق عليه، وإذا کان هذا هکذا فلو کان الحکم المقصود باللفظ هو ما تعلق بالتطليقتين من بقاء الرجعة لادي ذلک إلي إسقاط فائدة ذکر المرتين إذا کان هذا الحکم ثابتا في المرة الواحدة إذا طلق اثنتين، فثبت بذلک ان ذکر المرتين إنما هو أمر بايقاعه مرتين، ونهي عن الجمع بينهما في مرة واحدة، ومن جهة اخري انه لو کان اللفظ محتملا للامرين لکان الواجب حمله علي اثبات الحکم في ايجاب الفائدتين وهوالامر بتفريق الطلاق متي أراد أن يطلق اثنتين، وبيان حکم الرجعة إذا طلق کذلک، فيکون اللفظ مستوعبا للمعنيين. اه

هذا ما نطق به القران الکريم وليس الرأي تجاه کتاب الله إلا تلاعبا به کما نص عليه رسول الله صلي الله عليه واله في صحيحة أخرجها النسائي في السنن[5] عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول

[صفحه 182]

الله صلي الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبانا ثم قال: أيلعب بکتاب الله وأنا بين أظهرکم؟ حتي قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله؟

م- وروي ابن اسحاق في لفظ عن عکرمة عن ابن عباس قال: طلق رکانة زوجه ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلي الله عليه وسلم کيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثا في مجلس واحد. قال: إنما تلک طلقة واحدة فارتجعها «بداية المجتهد 2 ص 61».

ولبعض أعلام القوم في المسألة کلمات في المسألة کلمات تشدق بها، وأعجب ما رأيت فيها کلمة العيني قال في عمدة القاري 9 ص 537:

إن الطلاق الوارد في الکتاب منسوخ، فإن قلت؟ ما وجه هذا النسخ وعمر رضي الله عنه لا ينسخ؟ وکيف يکون النسخ بعد النبي صلي الله عليه وسلم؟ قلت: لما خاطب عمر الصحابة بذلک فلم يقع إنکار صار إجماعا والنسخ بالاجماع جوزه بعض مشايخنا بطريق أن الاجماع موجب علم اليقين کالنص فيجوز النسخ به، والاجماع في کونه حجة أقوي من الخبر المشهور، فإن قلت: هذا إجماع علي النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلک في حقهم. قلت: يحتمل أن يکون ظهر لم نص أوجب النسخ ولم ينقل إلينا ذلک. اه.

لم تسمع الآذان نبأ هذا النسخ في القرون السالفة إلي أن جاد الدهر بالعيني فجاء يدعي ما لم يقل به أحد، ويخبط خبط عشواء، ويلعب بکتاب الله، ولا يري له ولا لسنة الله قيمة ولاکرامة

أني للرجل إثبات حکمه البات باجماع الصحابة علي ما أحدثه الخليفة لما خاطبهم بذلک؟ وکيف يسوغ عزو رفض محکم الکتاب والسنة إليهم برأي رئاه النبي الاقدس لعبا بالکتاب العزيز کما مر عن صحيح النسائي قبيل هذا، وقد کانوا علي حکمها غير انه لا رأي لمن لا يطاع. هذا ودرة الخليفة تهتز علي رؤسهم.

ثم إن کان نسخ بالاجماع فيکف ذهب أبو حنيفة ومالک والاوزاعي والليث إلي أن الجمع بين الثلاث طلاق بدعة. وقال الشافعي وأحمد وأبوثور ليس بحرام لکن

[صفحه 183]

الاولي ألتفريق. وقال السندي: ظاهر الحديث التحريم؟[6] .

م وکيف أجمعت الامة علي النقيضين في يوميها وهي لن تجتمع علي الخطاء؟ هذا إجماع العيني المزعوم يوم بدو رأي الخليفة في الطلاق، وهذا إجماع صاحب عون المعبود قبله قال: وقد أجمع الصحابة إلي السنة الثانية من خلافة عمر علي ان الثلاث بلفظ واحد واحدة، ولم ينقض هذا الاجماع بخلافه، بل لا يزال في الامة من يفتي به قرنا بعد قون إلي يومنا هذا. ه د. تيسير الوصول 3 ص 162.

هب أن الامة جمعاء قديما وحديثا أجمعت علي خلاف ما نطق به محکم القرآن ونقضت ما هتف به المشرع الاقدس، فهل لنا مسوغ لرفع اليد عنهما والاخذ بقول امة غيرمعصومة، والنسخ بالخبر المشهور بعد الغض عما فيه من الخلاف الثائر إنما هو لعصمة قائله فلا يقاس به قول من لا عصمة له.

وإحتمال إستناد إجماع الصحابة إلي نص لم ينقل الينا خرافة تکذبه نصوص الخليفة وغيره من الصحابة علي أن ما ذهب إليه الخليفة لم يکن إلا مجرد رأي، و سياسة محضة

م- وما أحسن کلمة الشيخ صالح بن محمد العمري الفلاني المتوفي 1298 في کتابه «ايقاظ همم اولي الابصار» في صفحة 9 حيث قال: إن المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم باحسان إلي يوم الدين وعند سائر العلماء المسلمين أن حکم الحاکم المجتهد إذا خالف نص کتاب الله تعالي أو سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وجب نقضه ومنع نفوذه، ولا يعارض نص الکتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية بأن يقال: لعل هذا المجتهد قد اطلع علي هذا النص وترکه لعلة ظهرت له، أو أنه اطلع علي دليل آخر، ونحو هذا مما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين وأطبق عليه جهلة المقلدين.


صفحه 179، 180، 181، 182، 183.








  1. السنن الکبري 3 ص 291 -285.
  2. صلاة التسبيح هي المسماة بصلاة جعفر عند أصحابنا، ولا خلاف بين الفريقين في فضلها وکمها وکيفها، غير أن أئمة القوم أخرجوها في الصحاح والمسانيد عن ابن عباس.
  3. سنن الدارمي 2 ص 161، سنن أبي داود 1 ص 342، سنن ابن ماجة 1 ص 631، السنن الکبري 7 ص 321 -318، مستدرک الحاکم 2 ص 24، مشکل الاثار للطحاوي 7 ص 280.
  4. سنن البيهقي 7 ص 321.
  5. ج 6 ص 142، وذکر في تيسير الوصول 3 ص 160، تفسير ابن کثير 1 ص 277، ارشاد الساري 8 ص 128، الدر المنثور 1 ص 283.
  6. راجع حاشية الامام السندي علي سنن النسائي 6 ص 143.