العناية بحديث الغدير
ولم يزل مثل هذه العناية لنبينا الاعظم صلي الله عليه وآله حيث استنفر امم الناس للحج في سنته تلک، فالتحقوا به ثباثبا، وکراديس کراديس، وهو صلي الله عليه وآله يعلم انه سوف يبلغهم في منتهي سفره نبأ عظيما، يقام به صرح الدين، ويشاد علاليه، وتسود به امته الامم، ويدب ملکها بين المشرق والمغرب، لو عقلت صالحها، وأبصرت طريق رشدها[2] ولکن. [صفحه 13] ولهذه الغاية بعينها لم يبرح أئمة الدين سلام الله عليهم يهتفون بهذه الواقعة، ويحتجون بها لامامة سلفهم الطاهر، کما لم يفتأ أميرالمؤمنين صلوات الله عليه بنفه يحتج بها طيلة حياته الکريمة، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور في حجة الوداع في المنتديات ومجتمعات لفائف الناس، کل ذلک لتبقي غضة طرية، بالرغم من تعاور الحقب والاعوام ولذلک أمروا شيعتهم بالتعيد في يوم الغدير والاجتماع وتبادل التهاني والبشائر، إعادة لجدة هاتيک الواقعة العظيمة، کما ستمر عليک تفاصيل هذه الجمل في هذا الکتاب انشاء الله تعالي، فإلي الملتقي. وللامامية مجتمع باهر يوم الغدير عند المرقد العلوي الاقدس، يضم اليه رجالات القبائل ووجوه البلاد من الدانين والقاصين، إشادة بهذا الذکر الکريم،ويروون عن أئمة دينهم الفاظ زيارة مطنبة فيها تعداد أعلام الامامة، وحجج الخلافة الدامغة من کتاب وسنة، وتبسط في رواية حديث الغدير، فتري کل فرد من أفراد تلکم الآلاف المألفة يلهج بها، رافعا عقيرته، مبتهجا بما اختصه الله من منحة الولاية والهداية إلي صراطه المستقيم، ويري نفسه راويا لتلک الفضيلة، مثبتا لها، يدين الله بمفادها، ومن لم يتح له الحظوة بالمثول في ذلک المشعر المقدس [صفحه 14] فإنه يتلوها في نائية البلاد، ويومي اليه من مستقره، وليوم الغدير وظائف من صوم وصلاة ودعاء فيها هتاف بذکره، تقوم بها الشيعة في أمصارها، وحواضرها، وأوساطها، و القري، والرساتيق فهناک تجد ما يعدون بالملايين، او يقدرون بثلث المسلمين أو نصفهم رواتا للحديث، مخبتين إليه معتنقين له دينا ونحلة. وأما کتب الامامية في الحديث والتفسير والتاريخ وعلم الکلام فضع يدک علي أي منها تجده مفعما باثبات قصة الغدير والاحتجاج بمؤداها، فمن مسانيد عنعنتها الرواة إلي منبثق أنوار النبوة، ومراسيل أرسلها المؤلفون إرسال المسلم، حذفوا أسانيدها لتسالم فرق المسلمين عليها. ولا احسب ان أهل السنة يتأخرون بکثير من الامامية في اثبات هذا الحديث، والبخوع لصحته، والرکون اليه، والتصحيح له، والاذعان بتواتره، أللهم إلا شذاذ تنکبت عن الطريقة، وحدت بهم العصبية العمياء إلي رمي القول علي عواهنه،وهؤلاء لايمثلون من جامعة العلماء إلا أنفسهم، فان المثبتين المحققين للشأن المتولعين في الفن لا تخالجهم أية شبهة في اعتبار أسانيدهم التي أنهوها متعاضدة متظافرة بل متواترة[3] إلي جماهير من الصحابة والتابعين، وإليک اسماء جملة وقفنا علي الطرق المنتهية إليهم علي حروف الهجاء
کان للمولي سبحانه مزيد عناية باشهار هذا الحديث، لتتداوله الالسن وتلوکه أشداق الرواة، حتي يکون حجة قائمة لحامية دينه الامام المقتدي صلوات الله عليه، ولذلک أنجز الامر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير عند منصرف نبيه صلي الله عليه وآله من الحج الاکبر، فنهض بالدعوة وکراديس الناس وزرافاتهم من مختلف الديار محتفة به، فرد المتقدم، وجعجع بالمتأخر، وأسمع الجميع[1] وأمر بتبليغ الشاهد الغايب ليکونوا کلهم رواة هذا الحديث، وهم يربون علي مائة ألف ولم يکتف سبحانه بذلک کله حتي أنزل في امره الآيات الکريمة تتلامع مر الجديدين بکرة وعشيا، ليکون المسلمون علي ذکر من هذه القضية في کل حين، وليعرفوا رشدهم، والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم.
صفحه 13، 14.