مهمه نبينا في التبليغ











مهمه نبينا في التبليغ



والذي يتصل بموضوعنا مباشرة هو تبليغ نبينا محمد صلي الله عليه وآله فقد قال تعالي عن مهمته ومسؤوليته: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإن توليتم فاعلموا أنما علي رسولنا البلاغ المبين). سورة المائدة-92.

(قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليکم

ما حملتم، وإن تطيعوه تهتدوا، وما علي الرسول إلا البلاغ المبين). النور- 54.

(فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليک البلاغ، والله بصير بالعباد). سورة آل عمران-20.

فإن أعرضوا فما أرسلناک عليهم حفيظاً، إن عليک إلا البلاغ. الشوري-48.

وقد أرسل الله نبينا محمداً صلي الله عليه وآله بنفس نظام الرسالة والتبليغ، الذي أرسل به جميع الأنبياء عليهم السلام وهو قاعدة: إقامة الحجة وإتمامها علي الناس، وعدم إجبارهم علي العمل. وهذا هو معني (فإنما عليک البلاغ) فقط، وفقط! وهذا هو معني قوله صلي الله عليه وآله: (أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لاإله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم).

فالإجبار الذي جاء به النبي صلي الله عليه وآله هو إجبار أهل الکتاب علي التعايش مع المسلمين، وليس علي الدخول في الإسلام، وإجبار المشرکين الوثنيين علي الدخول في الإطار العام للإسلام.. وما عداه متروکٌ للأمة، داخل هذا الإطار، يطيع منها من يطيع، ويعصي من يعصي، ويهتدي منها من يهتدي، ويضل من يضل.. والمحاسب هو الله تعالي.

ومن الطبيعي إذن، أن تحتاج مهمة التبليغ إلي حماية للنبي صلي الله عليه وآله حتي يؤديها، وإلا فإن قبائل قريش الذين يدرکون خطر دعوته علي نفوذهم وآلهتهم، سرعان ما يدبرون قتله، أو تشويه سمعته وعزله، وحجب الناس عن سماع صوته.

ورغم أن الألطاف الإلهية علي أنبيائه عليهم السلام کثيرة ومتنوعة، وما خفي عنا منها أعظم وأکثر مما عرفناه، بل مما يمکن أن يبلغه فهمنا.. لکن سنته سبحانه في الرسل أن يترک أکثر حمايتهم للأسباب (الطبيعية) مضافاً إلي تلک الألطاف. ولا يوجد دليلٌ واحدٌ علي ما ذکروه من ضمان الله تعالي عصمة نبيه صلي الله عليه وآله من الجرح والقتل، وأنواع الأذي التي قد يتعرض لها.. وستأتي النصوص علي استمرار حراسته صلي الله عليه وآله إلي آخر حياته، ونذکر هنا ما رواه الجميع من أنه صلي الله عليه وآله کان يطلب من قبائل العرب تأمين هذه الحماية حتي يبلغ رسالة ربه.

ففي سيرة ابن هشام:23:2 عن ربيعة بن عباد، قال: (إني لغلامٌ شاب مع أبي بمني ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقف علي منازل القبائل من العرب فيقول: يا بني فلان إني رسول الله إليکم يأمرکم أن تعبدوا الله ولا تشرکوا به شيئاً، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتي أبين عن الله ما بعثني به). انتهي. ورواه الطبري في تاريخه: 83:2 وابن کثير في سيرته:155:2.

وقال اليعقوبي في تاريخه:36:2 (وکان رسول الله يعرض نفسه علي قبائل العرب في کل موسم، ويکلم شريف کل قوم، لايسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول: لاأکره أحداً منکم، إنما أريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل، حتي أبلغ رسالات ربي، فلم يقبله أحد، وکانوا يقولون: قوم الرجل أعلم به)!. انتهي.

کذلک نصت مصادر السيرة علي أنه صلي الله عليه وآله طلب البيعة من الأنصار، علي حمايته وحماية أهل بيته مما يحمون أنفسهم وأهليهم.. ففي سيرة ابن هشام:38:2:

(فتکلم رسول الله صلي الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا إلي الله، ورغب في الإسلام ثم قال: أبايعکم علي أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءکم وأبناءکم. قال فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم والذي بعثک بالحق نبياً لنمنعک مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة ورثناها کابراً عن کابر). ورواه الطبري في تاريخه: 92:2 وأسد الغابة: 174:1 وعيون الأثر: 217:1 وسيرة ابن کثير:198:2 ورواه أحمد: 461:3 وقال عنه في مجمع الزوائد:44:6 رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحق وقد صرح بالسماع. ورواه في کنز العمال: 328:1 و.29:8 إلي هنا يتسق الموضوع.. فقد طلب النبي صلي الله عليه وآله الحماية لتبليغ رسالة ربه، علي سنة الله تعالي في من مضي من الأنبياء عليهم السلام، وقد حصل عليها من الأنصار. وقد نصره الله تعالي وهزم أعداءه من المشرکين واليهود، وشملت دولته شبه الجزيرة العربية واليمن والبحرين وساحل الخليج، وامتدت إلي أطراف الشام، وصار جيش الإسلام يهدد الروم في الشام وفلسطين..

وها هو صلي الله عليه وآله في السنة العاشرة يودع المسلمين في حجة الوداع، ويتلقي سورة المائدة ويتلقي فيها آية تأمره بالتبليغ وتطمئنه بالعصمة من الناس!!

فما عدا مما بدا، حتي نزل الأمر بالتبليغ في آخر التبليغ، وصار النبي الآن وهو قائد الدولة القوية، بحاجة إلي حماية وعصمة من الناس!

إن الباحث ملزمٌ هنا أن يستبعد حاجة النبي صلي الله عليه وآله إلي الحماية المادية، لأن الله تعالي أراد لها أن تتم بالأسباب الطبيعية، وقد وفرها علي أحسن وجه، فلا بد أن تکون العصمة هنا من نوع الحماية المعنوية لاالمادية.

والباحث ملزمٌ ثانياً، أن يفسر الأمر بالتبليغ في الآية بأنه تبليغ موضوعٍ ثقيلٍ علي الناس.. وأن الذين يثقل عليهم هم المنافقون من المسلمين، لأنه لم يبق أمرٌ ثقيلٌ علي الکفار إلا وبلغه لهم، کما أنه لم يبلغهم أمراً بارزاً بعد نزول الآية يصح تفسيرها به.

وبهذا لايبقي معني للعصمة النازلة من عند الله تعالي إلا العصمة من الطعن في نبوته إذا هو بلَّغهم أن الحکم من بعده في أهل بيته صلي الله عليه وآله.

فبذلک فقط يتسق معني الآية ويکون معناها: يا أيها الرسول: إنما أنت رسول مبلغ، ولست مسؤولاً عما يحدث، ولا عن النتيجة، بل هو من اختصاص ربک تعالي.. بلغ ما أنزل إليک من ربک: وأمرک به جبرئيل في علي، وحاولت تبليغه مرات في حجة الوداع، فشوش المنافقون عليک.

وإن لم تفعل فما بلغت رسالته: ولم تکمل إقامة الحجة لربک، لأن ولاية عترتک ليست أمراً شخصياً يخصک وإن ظنه المنافقون کذلک، بل هي جزءٌ لايتجزأ من هذه الرسالة الخاتمة الموحدة، وإذا انتفي الجزء من الرسالة.. انتفي الکل، وإذا انتفي الجزء من الحجة.. انتفي الکل.

والله يعصمک من الناس: من طعن قريش بنبوتک بسبب هذا التبليغ مع أنه ثقيلٌ عليها.. فسوف يمنعها الله أن ترفض نبوتک بسببه، وسوف تمر المسألة بسلام، ولا يکون عليک تشويش في التبليغ کما حدث في عرفات ومني، ولا ردة عن الإسلام.. وتکون أتمت الحجة لربک علي أمتک، ولکن علياً سوف يحتاج إلي قتالها علي تأويل القرآن کما قاتلتها أنت علي تنزيله!

إن الله لايهدي القوم الکافرين: الذين يظلمون عترتک من بعدک، ويبدلون نعمة الله کفراً، ويظلمون بذلک الأمة، ويقودونها الي الصراعات علي الحکم، ويسببون انهيارها.. الي أن يبعث الله المهدي من ولدک!