وحده الأمه الإسلاميه











وحده الأمه الإسلاميه



وقد تضمن المبادئ التالية:

1- مبدأ إلغاء آثار الجاهلية ومآثرها وتشريعاتها المخالفة للإسلام.

2- مبدأ الأخوة والتکافؤ بين المسلمين.

3- مبدأ احترام الملکية الشخصية، وتحريم أموال المسلمين علي بعضهم.

4- مبدأ احترام حياة المسلم، وتحريم دماء المسلمين علي بعضهم.

5- مبدأ احترام عرض المسلم وکرامته، وتحريم أعراضهم علي بعضهم.

6- مبدأ من قال لاإله إلا الله، فقد عصم ماله ودمه.

7- مبدأ ختام النبوة به صلي الله عليه وآله، وختام الأمم بأمته.

8- مبدأ شهادة النبي علي الأمة في الآخرة، وموافاتها له علي الحوض.

9- مبدأضرورة الدقة والحذر من محقرات الأعمال التي تجر إلي الإنحراف.

10- مبدأ التحذير من الکذب علي النبي صلي الله عليه وآله، والتحقق فيما ينقل عنه.

وقد روي المسلمون فقرات الخطب التي تتعلق بالمبادئ الخمس الأولي من هذا الأساس بکثرة، وحفظوها وکرروها، حتي ليتصور الإنسان لأول وهلة أنها الموضوع الوحيد في خطب حجة الوداع!

والسبب في ذلک: أن المجتمع العالمي کان في عصره صلي الله عليه وآله مجتمع تمييزٍ حادٍ علي أساس قومي وقبلي وطبقي.. وکان يحکمه (قانون الغلبة والقوة) فالغالب علي حق دائماً، سواء کان حاکماً، أو قبيلة، أو فارساً، أو صعلوکاً!! فما دام استطاع أن يقهر الآخرين، أو يغزوهم ويقتلهم ويسرق أموالهم، أو يغصبها منهم عنوة، أو يحتال عليهم بحيلة.. فهو علي حق!

فجاءت تشريعات الإسلام لتلغي ذلک کله، وتعلن تساوي الناس أمام الشرع، وتحرم کل أنواع الاعتداء علي الحقوق الشخصية، وترکز احترام الإنسان وملکيته وکرامته.

فالأمر الذي جعلهم يحفظون هذه المبادئ من خطب النبي صلي الله عليه وآله أکثر من غيرها، هو إعجاب المسلمين المؤمنين بها، وکونها تمثل حلاً لمشکلة الغزو والقتل التي کانوا يعانون منها.

وقد کان لهذه التوجيهات بصيغها الإلهية والنبوية البليغة، تأثير کبير علي مجري احترام الإنسان وماله وعرضه ورأيه في حياة النبي صلي الله عليه وآله وبعد وفاته، إذ لولاها لساء وضع مجتمع المسلمين أضعاف ما وصل إليه من سوء! ولعادت النظرة إلي الإنسان والتصرف معه إلي الحالة الجاهلية مئة بالمئة!

ولا يحتاج المرء الي جهد ليلاحظ هبوط هذه القيم والقوانين هبوطاً حاداً بعد النبي صلي الله عليه وآله.. وأن أکثر الناس احتراماً للإنسان وحرياته المشروعة، هم عترة النبي وأهل بيته الطاهرون،

ثم الأقرب منهم فالأقرب! فعلي عليه السلام هو الحاکم الوحيد بعد النبي صلي الله عليه وآله الذي لم يجبر أحداً علي بيعته، ولم يستعمل قانون الطوارئ أو الأحکام العرفية، ولا أي قانون استثنائي، حتي مع خصومه والممتنعين عن بيعته، بل حتي في حروبه.. مع أنه ابتلي بثلاثة حروب استوعبت مدة خلافته کلها!

بينما استعمل أبوبکر وعمر قانون الجاهلية في القوة والقهر في السقيفة ضد الأنصار، وهموا بقتل سعد بن عبادة! ثم هاجموا الممتنعين عن بيعتهم وهم مجتمعون في بيت علي وفاطمة عليهماالسلام، مع أنهم في عزاء بوفاة النبي صلي الله عليه وآله وجنازته کانت مسجاة لم تدفن بعد! وهددوهم بإحراق البيت عليهم إن لم يخرجوا ويبايعوا! ولما تأخروا عن الخروج أشعلوا النار في الحطب، وأحرقوا الباب... الخ!!

وأما المبدأ السادس من هذا الأساس: (من قال: لاإله إلا الله فقد عصم ماله ودمه)، فقد جاء في رواية تفسير علي بن إبراهيم القمي بصيغة (وإني أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لاإله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم علي الله). وهو مبدأ له ثلاثة أبعاد:

الأول: أن من أعلن الشهادتين من أي دين أو قبيلة کان فهو مسلم، يحرم ماله ودمه وعرضه، إلا إذا انطبقت عليه مواد الفئة الباغية، أو المفسد في الأرض، أو قتل أحداً عمداً، أو ارتد عن الإسلام، أو زني وهو محصن.

الثاني: أن أهل الکتاب مستثنوْن من هذه القاعدة، والموقف منهم في الحرب والسلم نصت عليه أحکام التعايش الشرعية الخاصة بهم.

الثالث: أن النبي صلي الله عليه وآله أشهد أمته أنه تقيد في الجهاد بأمر ربه عزوجل، ولم يتعده.. فمهمته في الجهاد إنما کانت علي تنزيل القرآن، وتحقيق إعلان الشهادتين فقط، أي لتکوين الشکل الکلي للأمة، ولم يؤمر بقتال المنحرفين، أو الذين يريدون أن ينحرفوا من المسلمين، لأن ذلک قتال علي التأويل، يکون من بعده، لافي عهده.

وأما المبدأ السابع (ختم النبوة به صلي الله عليه وآله وختم الأمم بأمته).

فقد ورد في رواية مجمع الزوائد المتقدمة وغيرها: (فقال: لانبي بعدي، ولا أمة بعدکم، فاعبدوا ربکم، وأقيموا خمسکم، وصوموا شهرکم، وأطيعوا ولاة أمرکم، ثم ادخلوا جنة ربکم).

وهو مبدأ هيمنة شريعته صلي الله عليه وآله علي شرائع الأنبياء السابقين عليهم السلام.. وردُّ مدعي النبوة الکذابين، الذين ظهر بعضهم في زمنه صلي الله عليه وآله، وظهر عددٌ منهم بعد وفاته.کما أنه يعطي الأمة الإسلامية شرف ختام أمم الأنبياء عليهم السلام، ويلقي عليها مسؤولية هذه الخاتمية في هداية الأمم الأخري. وقد حدد النبي صلي الله عليه وآله لهم الخطوط العامة بعبادة الله تعالي والصلاة والصوم وإطاعة ولي الأمر.. ولکن لايبعد أن الراوي نقل ما حفظه من کلامه صلي الله عليه وآله ونسي بعضه کالزکاة والحج.

ومن الملاحظ في هذه المبدأ وجود فريضة إطاعة ولي الأمر علي لسان النبي صلي الله عليه وآله! وإذا أوجب الله تعالي إطاعة أحد بدون شروط، فمعناه أنه معصومٌ لايظلم ولا يأمر ولا ينهي إلا بالحق.. وبما أن النص النبوي لم يذکر شروطاً لإطاعة أولي الأمر، فيکون مقصوده الإثني عشر إماماً المعينين من الله تعالي، الذين بشر الأمة بهم.

وأما المبدأ الثامن (شهادة النبي صلي الله عليه وآله علي الأمة في الآخرة، وموافاتها له علي الحوض). فقد ورد في مصادر متعددة کما مر، وفي بعضها (ألا وإني فرطکم علي الحوض وأکاثر بکم الأمم، فلا تسودوا وجهي)، وفي بعضها (وإني مکاثر بکم الأمم، فلا تقتتلن بعدي).

وهو أسلوب نبوي فريد في التأکيد علي الأمة في وداعها، بأنها ستوافي نبيها بين يدي ربها، ويکون کل فردٍ منها بحاجة ماسةٍ إلي أن يسقي من حوض الکوثر، شربةً لايظمأ الإنسان بعدها أبداً، ويصلح بها بدنه لدخول الجنة. وهذا التوجيه منه صلي الله عليه وآله يشبه قول أب لأولاده: إعملوا بوصيتي فإني مسافر عنکم، وسوف تأتون إلي، وتکونون في حالة فقر شديدة، وعندي أموالٌ کثيرة، وسأعرف من عمل بوصيتي منکم، ومن خالفني!

وأما المبدأ التاسع (التحذير من محقرات الأعمال التي توجب الانحراف)، ففيه إلفات إلي قاعدة مهمة في السلوک الفردي والإجتماعي، وهي أن الإنحراف يبدأ بأمر صغير، أو أمور تبدو بسيطة، يحتقرها الإنسان ولا يراها مهمة في ميزان التقوي.. وإذا بها تستتبع أموراً أخري، وتجره إلي هاوية الهلاک الأخروي، أو الدنيوي! وهو أمر مشاهد سواء في حالات الهلاک الفردي أو الإجتماعي.. فقد يتسامح المسلم في النظر إلي امرأة أجنبية تعجبه، ويتسامح في الحديث معها، ثم في التصرف.. حتي ينجر أمره إلي الفاحشة! وقد يتسامح في اتخاذ صديق سوء، ولا ينصت إلي صوت ضميره الديني، ولا يسمع نصح ناصحيه.. حتي يغرق معه في بحر ظلمه للناس، أو بحر انحرافه ورذيلته!

وقد تتسامح الأمة في اعتداء الأجانب عليها، أو في نفوذهم السياسي، أو الإقتصادي أو الثقافي في بلادها.. فينجر الأمر إلي تسلطهم علي مقدراتها، وسيطرتهم عليها..

أو يتسامح المجتمع في مظهر من مظاهر الفساد والمنکر أول ما يحدث في محلة أو منطقة منه، أو في فئة من فئاته.. أو يتسامح المجتمع في شروط حاکمه، ووزرائه وقضاته، أو في ظلمهم وسوء سيرتهم.. فينجر ذلک إلي شمول الفساد في المجتمع، وتسارع هلاکه!

فالمحقرات من الذنوب هي المواقف أو التصرفات الصغيرة، التي تکون في منطق الأحداث والتاريخ بذوراً غير منظورة، لشجرة شر کبيرة، علي المستوي الفردي أو الإجتماعي!! وبهذا ورد تفسيرها عن النبي صليالله عليه وآله في مصادر الطرفين.. ففي الکافي: 288:2 (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: إئتوا بحطبٍ، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب! قال: فليأت کل إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتي رموا بين يديه، بعضه علي بعض، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: هکذا تجتمع الذنوب، ثم قال: إياکم والمحقرات من الذنوب، فإن لکل شي ء طالباً، ألا وإن طالبها يکتب ما قدموا وآثارهم، وکل شي ء أحصيناه في إمام مبين). انتهي.

وفي سنن البيهقي:188:10 (عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إياکم ومحقرات الأعمال، إنهن ليجمعن علي الرجل حتي يهلکنه، وإن رسول الله صلي الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً، کمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يجي ء بالعويد، والرجل يجي ء بالعويد، حتي جمعوا من ذلک سواداً، ثم أججوا ناراً، فأنضجت ما قذف فيها). انتهي.

وهذان الحديثان الشريفان ناظران إلي التراکم الکمي للذنوب والأخطاء المحقرة، وکيف تتحول إلي خطر نوعي في حياة الفرد والمجتمع.

وقد يکون الحديثان التاليان ناظرين إلي التراکم الکيفي في نفس الإنسان والمجتمع، وشخصيتهما.. ففي الکافي:287:2:

(عن الإمام الصادق عليه السلام قال: اتقوا المحقرات من الذنوب، فإنها لاتغفر! قلت: وما المحقرات؟: قال: الرجل يذنب الذنب، فيقول طوبي لي لو لم يکن لي غير ذلک!).

وفي سنن ابن ماجة:1417:2:

(عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا عائشة إياک ومحقرات الأعمال، فإن لها من الله طالباً). في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. انتهي. ورواه الدارمي:303:2 وأحمد:70:6 و151.

ومن القواعد الهامة التي نفهمها من هذا التوجيه النبوي: أن الشيطان عندما ييأس من السيطرة علي أمة في قضاياها الکبيرة، يتجه إلي التخريب والإضلال عن طريق المحقرات! (ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدکم هذا أبداً، ولکن سيکون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالکم، فيرضي بها). سنن ابن ماجة:1015:2:

فقد کان الإسلام الذي أنزله الله تعالي، وبناه رسوله صلي الله عليه وآله صرحاً کبيراً وقلعةً محکمة، يئس الشيطان من قدرته علي هدمها، فعمد الي إقناع شخص من أهله بسحب حجر واحدٍ صغير من رکن الجدار، ثم حجر آخر.. وآخر.. حتي يفرغ تحت الأساس فينهار الصرح علي من فيه! شبيهاً بالجرذ الذي سحب الحجر الأول من جدار سد مارب!

ومن الأمور الملفتة التي وردت في التوجيه النبوي في رواية علي بن إبراهيم أن إطاعة الشيطان في محقرات الذنوب عبادة له، فالذين يبدؤون بالإنحراف في مجتمع، إنما يعبدون الشيطان ولا يعبدون الله تعالي، وهم بدعوتهم الي انحرافهم يدعون الأمة العابدة لله تعالي إلي عبادة الشيطان.. (ولکنه راض بما تحتقرون من أعمالکم، ألا وإنه إذا أطيع فقد عبد!).

کما أن شهادة النبي صلي الله عليه وآله بأن الشيطان راض بما تحتقرون من أعمالکم، شهادةٌ خطيرة يخبر بها عن ارتياح الشيطان من نجاحه في مشروعه في إضلال الأمة، وهدم صرحها عن طريق المحقرات.. وهو ينفع في تفسير قوله تعالي: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين. سبأ-20).

أما أهل البيت عليهم السلام فقد اعتبروا أن طمع الأمة بالسلطة بعد النبي صلي الله عليه وآله وصراعها عليها، کان أعظم المحقرات التي ارتکبتها بعد نبيها.. ففي بحارالأنوار:217:28 عن الإمام الباقر عليه السلام قال في تفسير قوله تعالي: (ظهر الفساد في البر والبحر بما کسبت أيدي الناس) قال: ذلک والله يوم قالت الأنصار: منا أمير ومنکم أمير!). انتهي.

وأما المبدأ العاشر (تحذير النبي صلي الله عليه وآله من الکذب عليه)، فقد ورد في روايتي أحمد المتقدمتين وغيرهما، ووردت فيه أحاديث کثيرة مشددة في مصادر الشيعة والسنة، تدل علي أن هذه المشکلة کانت موجودة في حياة النبي صلي الله عليه وآله، وأنه أخبر بأنها ستزداد من بعده، ويکثر الکذابون عليه!

والمتأمل في هذه المشکلة يشمئز من أولئک الکذابين، لأن عملهم عمل شيطاني من شأنه أن يشوه الإسلام ويزوره، ويمنع وصوله إلي الأجيال.. خاصة أن النبي صلي الله عليه وآله لم يؤمر بمعاقبتهم علي کذبهم الماضي أو الآتي!! فهل يکفي في معالجة المشکلة تحذير الکذابين، وتحذير الأمة منهم؟!

من الواضح أن ذلک علاج لاينفع إلا في تقليل حجم المشکلة الکمي، وإن تصريح النبي صلي الله عليه وآله بوجودها، وإخباره باستمرارها وتفاقمها بعده، دليلٌ علي أنه وضع لها بأمر ربه الحکيم، علاجاً کافياً.. والعلاج ليس إلا بوجود من يميز أحاديثه الصحيحة عن غيرها.. وهم عترته الذين جعلهم عدل الکتاب وأوصي بهم الأمة من بعده (إني تارک فيکم الثقلين کتاب الله وعترتي).. فکل حديث خالف کتاب الله تعالي فهو زخرف باطل يستحيل أن يکون صادراً من النبي صلي الله عليه وآله، لأنه لايقول ما يخالف القرآن! وکل حديث يخالف عترته الطاهرين ورثة القرآن، فهو باطل أيضاً!