في غزوة الأحزاب
و بدأ العدو هجومه بعبور عمرو بن عبد ود العامريـأحد أبطال الشرکـالخندقـالذي حفره المسلمونـمع بعض رجاله، فهددوا المسلمين في داخل المدينة بل في داخل تحصيناتهم، و راح ابن عبد ود يصول و يجول، و يتوعد المسلمين و يتفاخر عليهم ببطولته، و يستعلي و ينادي: هل من مبارز؟فقام علي (ع) و قال: أنا له يا رسول الله.قال رسول الله (ص): اجلس إنه عمرو! و کرر ابن عبد ود النداء و جعل يوبخ المسلمين، و يسخر بهم و يقول: أين جنتکم التي تزعمون أن من قتل منکم يدخلها، أفلا تبرزون لي رجلا؟ و لما لم يجبه أحد من المسلمين، کرر علي (ع) طلبه: أنا له يا رسول الله.فقال (ص): اجلس إنه عمرو! فأبدي علي عدم اکتراثه بعمرو و غيره، قائلا: و إن کان عمرا!! فأذن رسول الله لعلي (ع)، و أعطاه سيفه ذا الفقار، و ألبسه درعه، و عممه بعمامته.ثم قال (ص): «اللهم هذا أخي و ابن عمي، فلا تذرني فردا، و أنت خير الوارثين»[2] . و مضي علي (ع) إلي الميدان، و خاطب ابن عبد ود بقوله: يا عمرو! إنک کنت عاهدت الله، أن لا يدعوک رجل من قريش إلي إحدي خلتين إلا قبلتها.قال عمرو: أجل.فقال علي (ع): فإني أدعوک إلي الله و إلي رسوله (ص) و إلي الاسلام.فقال: لا حاجة لي بذلک.قال له الإمام: فإني أدعوک إلي البراز.فقال عمرو: إني أکره أن اهريق دمک، و إن أباک کان صديقا لي. فرد عليه الإمام (ع) قائلا: لکني و الله أحب أن أقتلک، فغضب عمرو، و بدأ الهجوم علي علي (ع) فصده الإمام برباطة جأشه المعتاد، و أرداه قتيلا، فعلا التکبير و التهليل في صفوف المسلمين[3] . و لما عاد الإمام (ع) ظافرا استقبله رسول الله (ص) و هو يقول: «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود، أفضل من عمل امتي إلي يوم القيامة»[4] . و بعد مقتل ابن عبد ود بادر علي (ع) إلي سد الثغرة التي عبر منها عمرو و رجاله و رابط عندها[5] مزمعا القضاء علي کل من تسول له نفسه التسلل من المشرکين، و لو لا ذلک الموقف البطولي لاقتحم جيش المشرکين المدينة علي المسلمين، بذلک العدد الهائل. و هکذا کانت بطولة علي (ع) في غزوة الأحزاب أهم عناصر النصر للمعسکر الاسلامي، و انهزام المشرکين.
في غزوة الأحزاب طوقت المدينة بعشرة آلاف من المشرکين بشتي فصائلهم، و نقض بنو قريظة صلحهم مع رسول الله (ص) و انضموا إلي صفوف الغزاة، فتغير ميزان القوي لصالح العدو، و بلغ الذعر في نفوس المسلمين أيما مبلغ، فقد زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و زلزلت نفوس و ظنت نفوس بالله الظنونـکما حدثنا القرآن[1] ـ.