كلمة أميرالمؤمنين لما أخرج أبوذر إلي الربذة











کلمة أميرالمؤمنين لما أخرج أبوذر إلي الربذة



يا اباذر إنک غضبت لله فارج من غضبت له، إن القوم خافوک علي دنياهم وخفتهم علي دينک، فاترک في أيديهم ما خافوک عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلي ما منعتهم، وما أغناک عما منعوک، وستعلم من الرابح غدا، والاکثر حسدا، ولو ان السماوات والارضين کانتا علي عبد رتقا ثم اتقي الله لجعل الله له منهما مخرجا، لا يؤنسنک إلا الحق، ولا يوشنک إلا الباطل، فلو قبلت دنياهم لاحبوک، ولو قرضت منها لامنوک.[1] .

ذکر ابن أبي الحديد في الشرح 387 -375: 2 تفصيل قصة أبي ابي ذر ورآه

[صفحه 301]

مشهورا متضافرا وإليک نصه قال:

واقعة أبي ذر وإخراجه إلي الربذة أحد الاحداث التي نقمت علي عثمان وقد روي هذا الکلام أبوبکر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في کتاب السقيفة عن عبدالرزاق عن أبيه عن عکرمة عن ابن عباس قال: لما أخرج ابوذر إلي الربذة أمر عثمان فنودي في الناس: أن لا يکلم أحد أبا ذر ولا يشيعه، وأمر مروان بن الحکم أن يخرج به فخرج به وتحاماه الناس إلا علي بن ابي طالب عليه السلام وعقيلا أخاه وحسنا وحسينا عليهماالسلام وعمارا فانهم خرجوا معه يشييعونه فجعل الحسن عليه السلام يکلم أبا ذر فقال له مروان: أيها يا حسن الا تعلم أن أميرالمؤمنين قد نهي عن کلام هذا الرجل؟ فان کنت لا تعلم فاعلم ذل. فحمل علي عليه السلام علي مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته وقال: تنح نحاک الله إلي النار. فرجع مروان مغضبا إلي عثمان فأخبره الخبر فتلظي علي علي عليه السلام ووقف أبوذر فودعه القوم ومعه ذکوان مولي أم هاني بنت ابي طالب قال ذکوان: فحفظت کلام القوم وکان حافظا فقال علي عليه السلام:

يا أباذر! إنک غضبت لله أن القوم خافوک علي دنياهم، وخفتهم علي دينک، فامتحنوک بالقلي ونفوک إلي القلا، والله لوکانت السموات والارض علي عبد رتقا ثم اتقي الله لجعل له منها مخرجا، يا أبا ذر لا يؤنسنک إلا الحق، ولا يوحشن إلا الباطل.

ثم قال لاصحابه: ودعوا عمکم. وقال لعقيل: ودع أخاک فتکلم عقيل فقال: ما عسي ما نقول يا أبا ذر؟ وأنت تعلم أنا نحبک وأنت تحبنا، فاتق الله فإن التقوي نجاة، واصبر فان الصبر کرم، واعلم أن استثقالک الصبر من الجزع، واستبطاءک العافية من اليأس، فدع الياس والجزع.

ثم تکلم الحسن فقال: يا عماه لولا انه لا ينبغي للمودع أن يسکت وللمشيع ان ينصرف لقصر الکلام وإن طال الاسف، وقد أتي من القوم إليک ما تري، فضع عنک الدنيا بتذکر فراغها، وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها، واصبر حتي تلقي نبيک صلي الله عليه وآله وهو عنک راض.

ثم تکلم الحسين عليه السلام فقال: يا عماه إن الله تعالي قادر أن يغير ما قد تري، الله کل يوم هو في شأن، وقد منعک القوم دنياهم ومنعتهم دينک، فما أغناک عما منعوک، وأحوجهم.

[صفحه 302]

إلي ما منعتهم؟ فاسأل الله الصبر والنصر، واستعذبه من الجشع والجزع، فإن الصبر من الدين والکرم، وإن الجشع لا يقدم رزقا، والجزع لا يؤخر أجلا.

ثم تکلم عمار مغضبا فقال: لا آنس الله من أوحشک، ولا آمن من أخافک، أما و الله لو أردت دنياهم لامنوک، ولو رضيت أعمالهم لاحبوک، وما منع الناس ان يقولوا بقولک إلا الرضا بالدنيا والجزع من الموت، ومالوا إلي ما سلطان جماعتهم عليه، والملک لمن غلب، فوهبوا لهم دينهم ومنحهم القوم دنياهم، فخسروا الدنيا والآخرة، الا ذل هو الخسران المبين.

فبکي أبوذر رحمه الله وکان شيخا کبيرا وقال: رحمکم الله يا أهل بيت الرحمة إذا رأيتکم ذکرت بکم رسول الله صلي الله عليه وآله، مالي بالمدينة سکن ولاشجن، غيرکم، إني ثقلت علي عثمان بالحجاز کما ثقلت علي معاوية بالشام، وکره أن اجاور اخاه وابن خاله بالمصرين[2] فافسد الناس عليهما فسيرني إلي بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلا الله، والله ما اريد إلا الله صاحبا، وما أخشي مع الله وحشة.

ورجع القوم إلي المدينة فجاء علي عليه السلام إلي عثمان فقال له: ما حملک علي رد رسولي وتصغير أمري؟ فقال علي عليه السلام: اما رسولک فأراد ان يرد وجهي فرددته، و أما أمرک فلم اصغره، قال: أما بلغت نهيي عن کلام ابي ذر؟ قال: أو کلما أمرت بأمر معصية أطعناک فيه؟ قال عثمان: أقد مروان من نفسک. قال: مم ذا؟ قال: من شتمه و جذب راحلته. قال: أما راحلته فراحلتي بها، وأما شتمه إياي فوالله لا يشتمني شتمة إلا شتمتک مثلها لا أکذب عليک. فغضب عثمان وقال: لم لا يشتمک؟ کأنک خير منه؟ قال علي: اي والله ومنک. ثم قام فخرج فأرسل عثمان إلي وجوه المهاجرين والانصار وإلي بني أمية يشکو إليهم عليا عليه السلام فقال القوم: أنت الوالي عليه وإصلاحه أجمل.

قال: وددت ذاک. فأتوا عليا عليه السلام فقالوا: لو اعتذرت إلي مروان وأتيته. فقال: کلا أما مروان فلا آتيه ولا اعتذر منه، ولکن إن أحب عثمان أتيته. فرجعوا إلي عثمان فأخبروه فأرسل عثمان إليه فأتاه ومعه بنو هاشم فتکلم علي عليه السلام فحمد الله وأثني عليه

[صفحه 303]

ثم قال: أما ما وجدت علي فيه من کلام أبي ذر ووداعه فوالله ما أردت مساءتک ولا الخلاف عليک ولکن أردت به قضاء حقه، وأما مروان فانه اعترض يريد ردي عن قضاء حق الله عزوجل فرددته، رد مثلي مثله، وأما ما کان مني إليک فإنک أغضبتني فأخرج الغضب مني ما لم أرده.

فتکلم عثمان فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما ما کان منک إلي فقد وهبته لک، وأما ما کان منک إلي مروان فقد عفي الله عنک، وأما ما حلفت عليه فأنت البر الصادق، فادن يدک. فأخذ يده فضمها إلي صدره، فلما نهض قالت قريش وبنو امية لمروان: أأنت رجل جبهک علي وضرب راحلتک؟ وقد تفانت وائل في ضرع ناقة، وذبيان و عبس في لطمة فرس، والاوس والخزرج في نسعة[3] افتحمل لعلي عليه السلام ما أتاه اليک؟ فقال مروان: والله لو أردت ذلک لما قدرت عليه.

فقال ابن أبي الحديد: واعلم أن الذي عليه أکثر ارباب السيرة وعلماء الاخبار والنقل: ان عثمان نفي أبا ذر أولا إلي الشام ثم استقدمه إلي المدينة لما شکي منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلي الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما کان يعمل بالشام، اصل هذه الواقعة: ان عثمان لما أعطي مروان بن الحکم وغيره بيوت الاموال واختص زيد بن ثابت بشئ منها جعل ابوذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع: بشر الکانزين[4] بعذاب أليم، ويرفع بذلک صوته ويتلو قوله تعالي: والذين يکنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم. فرفع ذلک إلي عثمان مرارا وهو ساکت ثم انه أرسل اليه مولي من مواليه أن انته عما بلغني عنک فقال أبوذر: أينهاني عثمان عن قراءة کتاب الله تعالي، وعيب من ترک أمر الله تعالي؟ فوالله لان ارضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن أسخط الله برضا عثمان، فأغضب عثمان ذلک واحفظ فتصابر وتماسک إلي أن قال عثمان يوما والناس حوله: أيجوز للامام أن يأخذ من المال شيئا قرضا فإذا ايسر قضي؟ فقال کعب الاحبار: لا بأس بذلک. فقال أبوذر: يا ابن اليهوديين أتعلمنا ديننا؟ فقال عثمان: قد کثر اذاک لي وتولعک بأصحابي، الحق بالشام. فأخرجه إليها فکان

[صفحه 304]

أبوذر ينکر علي معاوية اشياء يفعلها فبعث اليه معاوية يوما ثلثمائة دينار فقال أبوذر لرسوله: إن کانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا؟ اقبلها، وإن کاتنت صلة؟ فلا حاجة لي فيها. وردها عليه، ثم بني معاوية الخضراء بدمشق فقال أبوذر: يا معاوية إن کانت هذه من مال الله؟ فهي الخيانة، وإن کانت من مالک؟ فهي الاسراف، وکان أبوذر يقول بالشام، والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في کتاب الله ولا سنة نبيه صلي الله عليه وآله، والله إني لاري حقا يطفأ، وباطلا يحيا، وصادقا مکذبا، وأثرة بغير تقي، وصالحا مستأثرا عليه. فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: إن أباذر لمفسد عليکم الشام فتدارک أهله إن کان لک فيه حاجة.

وروي شيخنا أبوعثمان الجاحظ في کتاب السفيانية عن جلام بن جندل الغفاري قال: کنت غلاما لمعاوية علي قنسرين والعواصم في خلافة عثمان فجئت اليه يوما اساله عن حال عملي إذ سمعت صارخا علي باب داره يقول: أتتکم القطار بحمل النار، اللهم العن الآمرين بالمعروف والتارکين له، اللهم العن الناهين عن المنکر المرتکبين له.

فازبأر[5] معاوية وتغير لونه وقال: يا جلام أتعرف الصارخ؟ فقلت: الله لا. قال: من عذيري من جندب بن جناده يأتينا کل يوم فيصرخ علي باب قصرنا بما سمعت ثم قال: ادخلوه علي فجئ بأبي ذر قوم يقودونه حتي وقف بين يديه فقال له معاوية: يا عدو الله وعدو رسوله تأتينا في کل يوم فتصنع ما تصنع، أما إني لو کنت قاتل رجل من اصحاب محمد من غير إذن أميرالمؤمنين عثمان لقتلتک ولکنک استاذن فيک.

قال جلام: وکنت أحب ان اري أبا ذر لانه رجل من قومي فالتفت إليه فإذا رجل أسمر ضرب[6] من الرجال خفيف العارضين في ظهره حناء فأقبل علي معاوية وقال: ما أنا بعدو لله ولا لرسوله، بل أنت وأبوک عدوان لله ولرسوله، اظهرتما الاسلام وأبطنتما الکفر، ولقد لعنک رسول الله صلي الله عليه وآله ودعا عليک مرات أن لا تشبع، سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إذا ولي الامة الاعين[7] الواسع البلعوم الذي يأکل

[صفحه 305]

ولا يشبع فلتأخذ الامة حذرها منه.[8] فقال معاوية: ما أنا ذاک الرجل. قال أبوذر: بل أنت ذلک الرجل أخبرني بذلک رسول الله صلي الله عليه وآله وسمعته يقول وقد مررت به: اللهم العنه ولا تشبعه إلا بالتراب. وسمعته صلي الله عليه وآله يقو: ل إست معاوية في النار. فضحک معاوية وأمر بحبسه وکتب إلي عثمان فيه فکتب عثمان إلي معاوية: أن احمل جندبا الي علي أغلظ مرکب وأوعره. فوجه به مع من ساربه الليل والنهار وحمله علي شارف ليس عليها إلا قتب حتي قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد فلما قدم بعث اليه عثمان: الحق بأي أرض شئت قال: بمکة. قال: لا. قال: بيت المقدس. قال: لا. قال: بأحد المصرين. قال: لا، ولکني مسيرک إلي الربذة فسيره اليها فلم يزل بها حتي مات. وفي رواية الواقدي: أن أبا ذر لما دخل علي عثمان قال له:


لا أنعم الله بقين عينا
نعم ولا لقاه يوما زينا


تحية السخط إذا التقينا

فقال أبوذر: ما عرفت إسمي قينا فط. وفي رواية أخري: لا أنعم الله بک عينا يا جنيدب. فقال أبوذر: أنا جندب وسماني رسول الله صلي الله عليه وآله عبدالله فاخترت اسم رسول لله صلي الله عليه وآله الذي سماني به علي اسمي، فقال له عثمان: أنت الذي تزعم إنا نقول: يد الله مغلولة وإن الله فقير ونحن اغنياء؟ فقال أبوذر: لو کنتم لا تقولون هذا؟ لانفقهم مال الله علي عباده، ولکني اشهد أني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إذا بلغ بنو ابي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا، وعباده خولا، ودينه دخلا. فقال عثمان لمن حضر: اسمعتوها من رسول الله؟ قالوا: لا. قال عثمان: ويلک أبا ذر أتکذب علي رسول الله؟ فقال أبوذر لمن حضر: أما تدرون اني صدقت؟ قالوا: لا والله ما ندري. فقال عثمان: ادعوا لي عليا. فلما جاء قال عثمان لابي ذر: اقصص عليه حديثک في بني ابي العاص.

فأعاده فقال عثمان لعلي عليه السلام: أسمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه وآله؟ قال: لا وقد صدق أبوذر فقال: کيف عرفت صدقه؟ قال: لاني سمعت رسول الله صلي الله عليه ونله وسلم يقول: ما اظلت

[صفحه 306]

الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من ابي ذر. فقال من حضر: أما هذا فسمعناه کلنا من رسول الله. فقال ابوذر: أحدثکم اني سمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه وآله فتتهموني؟ ما کنت اظن اني اعيش حتي اسمع هذا من اصحاب محمد صلي الله عليه وآله.

وروي الواقدي في خبر آخر باسناده عن صهبان مولي الاسلميين قال: رأيت أباذريوم دخل به علي عثمان فقال له: أنت الذي فعلت وفعلت؟ فقال أبوذر: نصحتک فاستغششتني ونصحت صاحبک فاستغشني قال عثمان: کذبت ولکنک تريد الفتنة وتحبها قد انغلت الشام علينا قال له ابوذر: إتبع سنة صاحبيک لا يکن لاحد عليک کلام فقال عثمان: مالک وذل؟ لا أم لک. قال أبوذر: والله ما وجدت لي عذرا إلا الامر بالمعروف و النهي عن المنکر. فغضب عثمان وقال: أشيروا علي في هذا الشيخ الکذاب، إما أن أضربه أوأحبسه أو أقتله فانه قد فرق جماعة المسلمين، أو أنفيه من ارض الاسلام.

فتکلم علي عليه السلام وکان حاضر فقال: اشير عليک بما قال مؤمن آل فرعون فإن يک کاذبا؟ فعليه کذبه، وإن يک صادقا، يصبکم بعض الذي يعدکم، إن الله يهدي من هو مسرف کذاب. فأجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه علي عليه السلام بمثله ولم نذکر الجوابين تذمما منهما.

قال الواقدي: ثم إن عثمان حظر علي الناس أن يقاعدوا أباذر و يکلموه فمکث کذلک أياما ثم أتي به فوقف بين يديه فقال أبوذر: ويحک يا عثمان أما رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله؟ ورأيت أبا بکر وعمر؟ هل هديک کهديهم؟ أما إنک لتبطش بي بطش جبار. فقال عثمان: اخرج عنا من بلادنا. فقال ابوذر: ما أبغض إلي جوارک فإلي إين أخرج؟ قال: حيث شئت. قال: اخرج إلي الشام ارض الجهاد. قال: إنما جلبتک من الشام لما قد افسدتها، أفاردک اليها؟ قال: أفأخرج إلي العراق؟ قال: لا إنک إن تخرج اليها تقدم علي قوم أولي شقة وطعن علي الائمة والولاة. قال: افاخرج إلي مصر؟ قال: لا، قال: فإلي أين أخرج؟ قال: إلي البادية. قال أبوذر: أصير بعد الهجرة أعرابيا؟ قال: نعم. قال أبوذر: فأخرج إلي بادية نجد. قال عثمان: بل إلي الشرق الابعد أقصي فأقصي امض علي وجهک هذا فلا تعدون الربذة فخرج اليها.

وروي الواقدي أيضا عن مالک بن أبي الرجال عن موسي بن ميسرة: إن اباالاسود

[صفحه 307]

الدؤلي قال: کنت أحب لقاء أبي ذر لاساله عن سبب خروجه إلي الربذة فجئته فقلت له: ألا تخبرني أخرجت منا المدينة طائعا؟ أم أخرجت کرها؟ فقال کنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم فأخرجت إلي المدينة فقلت: دار هجرتي وأصحابي، فاخرجت من المدينة إلي ما تري، ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله إذ مر بي عليه السلام فضربني برجله وقال: لا أراک نائما في المسجد. فقلت: بابي أنت وامي غلبتني عيني فنمت فيه. قال: فکيف تصنع إذا أخرجوک منه؟ قلت: إذا الحق بالشام فانهاارض مقدسة وارض الجهاد. قال: فکيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: ارجع. إلي المسجد. قال: فکيف تصنع إذا اخرجوک منه؟ قلت: آخذ سيفي فأضربهم به فقال: الا ادلک علي خير من ذلک؟ انسق معهم حيث ساقوک وتسمع وتطيع. فسمعت وأطعت و أنا أسمع وأطيع، والله ليلقين الله عثمان وهوآثم في جنبي.

ثم ذکر ابن ابي الحديد الخلاف في أمر أبي ذر وحکي عن ابي علي حديث البخاري الذي اسلفناه ص 295 فقال: ونحن نقول: هذه الاخبار وإن کانت قد رويت لکنها ليست في الاشتهار والکثرة کتلک الاخبار، والوجه أن يقال في الاعتذار عن عثمان و حسن الظن بفعله: انه خاف الفتنة واختلاف کلمة المسلمين فغلب علي ظنه ان اخراج ابي ذر إلي الربذة أحسم للشغب وأقطع لاطماع من يشرئب إلي شق العصا، فأخرجه مراعاة للمصلحة ومثل ذلک يجوز للامام، هکذا يقول اصحابنا المعتزلة وهو الاليق بمکارم الاخلاق فقد قال الشاعر:


إذا ما أتت من صاحب لک زلة
فکن أنت محتالا لزلته عذرا


وإنما يتأول أصحابنا لمن يحتمل حاله التأويل کعثمان، فاما من لم يحتمل حاله التأويل وإن کانت له صحبة سالفة کمعاوية وأضرابه فانهم لا يتأولون لهم، إذا کانت أفعالهم وأحوالهم لا وجه لتأويلها ولا تقبل العلاج والاصلاح. انتهي.

من المستصعب جدا التفکيک بين الخليفتين وبين أعمالهما، فانهما من شجرة واحدة، وهما في العمل صنوان، لا يشذ أحدهما عن الآخر، فتربص حتي حين، وسنوقفک علي جلية الحال.

[صفحه 308]



صفحه 301، 302، 303، 304، 305، 306، 307، 308.





  1. نهج البلاغة 247: 1.
  2. يعني مصر والبصرة، کان والي مصر عبدالله بن سعيد بن ابي سرح أخا عثمان من الرضاعة وکان علي البصرة عبدالله بن عامر ابن خاله کمامر ص 290.
  3. النسعة بکسر النون: حبل عريض طويل تشد به الرحال.
  4. في النسخة: الکافرين. والصحيح ما ذکرناه کما مر عن البلاذري.
  5. ازبأر الرجل ازبئرارا: تهيأ للشر.
  6. الضرب: الرجل الماضي الندب.
  7. في لفظ الحديث سقط کما لا يخفي.
  8. وفي حديث علي عليه السلام: لا يذهب أمر هذه الامة الاعلي رجل واسع السرم، ضخم البلعوم ذکره ابن الاثير في النهاية 112: 1، لسان العرب 322: 14، تاج العروس 206: 8.