تسيير عثمان أباذر إلي الربذة











تسيير عثمان أباذر إلي الربذة



روي البلاذري: لما اعطي عثمان مروان بن الحکم ما أعطاه، وأعطي الحارث ابن الحکم بن ابي الاعاص ثلاثمائة الف درهم، وأعطي زيد بن ثابت الانصاري مائة الف درهم جعل أبوذر يقول: بشر الکانزين بعذاب أليم ويتلو قول الله عزوجل: والذين يکنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم[1] فرفع ذلک

[صفحه 293]

مروان بن الحکم إلي عثمان فأرسل إلي أبي ذر ناتلا مولاه أن انته عما يبلغني عنک فقال: أينهاني عثمان عن قرائة کتاب الله، وعيب من ترک أمر الله؟ فوالله لان ارضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن أسخط الله برضاه.فأغضب عثمان ذلک و أحفظه فتصابر وکف، وقال عثمان يوما: أيجوز للامام أن يأخذ من المال فاذا أيسر قضي؟ فقال کعب الاحبار: لا بأس بذلک.فقال أبوذر: يا ابن اليهوديين أتعلمنا ديننا؟ فقال عثمان: ما أکثر أذاک لي وأولعک بأصحابي؟ إلحق بمکتبک وکان مکتبه بالشام إلا أنه کان يقدم حاجا ويسال عثمان الاذن له في مجاورة قبر رسول الله صلي الله عليه وآله فيأذن له في ذلک، وإنما صار مکتبه بالشام لانه قال لعثمان حين رأي البناء قد بلغ سلعا: إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إذا بلغ البناء سلعا فالهرب. فأذن لي آتي الشام فأغزو هناک. فأذن له، وکان أبوذر ينکر علي معاوية اشياء يفعلها وبعث اليه معاوية بثلاث مائة دينار فقال: إن کانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا؟ قبلتها، وإن کانت صلة؟ فلا حاجة لي فيها.وبعث اليه حبيب بن مسلمة الفهري بمائتي دينار فقال: أما وجدت أهون عليک مني حين تبعث الي بمال؟ وردها.

وبني معاوية الخضراء بدمشق فقال: يا معاوية إن کانت هذه الدار من مال الله؟ فهي الخيانة، وإن کانت من مالک؟ فهذا الاسراف.فسکت معاوية، وکان أبوذر يقول: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في کتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لاري حقا يطفأ، وباطلا يحيي، وصادقا يکذب، وأثرة بغير تقي، وصالحا مستأثرا عليه.فقال حبيب بن مسلمة لمعاوية: إن أبا ذر مفسد عليک الشام فتدارک أهله إن کانت لکم به حاجة.فکتب معاوية إلي عثمان فيه فکتب عثمان إلي معاوية: أما بعد فاحمل جندبا الي علي أغلظ مرکب وأوعره فوجه معاوية من ساربه الليل والنهار، فلما قدم أبوذر المدينة جعل يقول: تستعمل الصبيان، وتجمي الحمي، وتقرب أولاد الطلقاء.فبعث إليه عثمان: ألحق بأي أرض شئت.فقال: بمکة.فقال: لا.قال: فبيت المقدس.قال: لا.قال: فبأحد المصرين.قال: لا.ولکني مسيرک إلي الربذة.فسيره اليها فلم يزل بها حتي مات.

ومن طريق محمد بن سمعان قال لعثمان: إن أبا ذر يقول: إنک أخرجته إلي

[صفحه 294]

الربذة.فقال: سبحان الله ما کان من هذا شئ قط، واني لاعرف فضله، وقديم اسلامه وما کنا نعد في أصحاب النبي صلي الله عليه وآله أکل شوکة منه.

ومن طريق کميل بن زياد قال: کنت بالمدينة حين أمر عثمان أبا ذر باللحاق بالشام وکنت بها في العام المقبل حين سيره إلي الربذة.

ومن طريق عبدالرزاق عن معمر عن قتادة قال: تکلم أبوذر بشئ کرهه[2] عثمان فکذبه[3] فقال: ما ظننت ان أحدا يکذبني بعد قول رسول الله صلي الله عليه وآله: ما أقلت الغبراء وما أطبقت الخضراء علي ذي لهجة اصدق من أبي ذر، ثم سيره إلي الربذة فکان أبوذر يقول: ما ترک الحق لي صديقا.فلما سار إلي الربذة قال: ردني عثمان بعد الهجرة أعرابيا.

قال: وشيع علي أباذرفأراد مروان منعه منه فضرب علي بسوطه بين أذني راحلته، وجري بين علي وعثمان في ذلک کلام حتي قال عثمان: ما أنت بأفضل عندي منه.وتغالظا فأنکر الناس قول عثمان ودخلوا بينهما حتي اصطلحا.

وقد روي أيضا: انه لما بلغ عثمان موت ابي ذر بالربذة قال: رحمه الله.فقال عمار بن ياسر: نعم.فرحمه الله من کل أنفسنا.فقال عثمان: يا عاض أيرأبيه أتراني ندمت علي تسييره؟ «ياتي تمام الحديث في ذکر مواقف عمار».

ومن طريق ابن حراش الکعبي قال: وجدت أباذر بالربذة في مظلة شعر فقال: ما زالا بي الامر بالمعروف والنهي عن المنکر حتي لم يترک الحق لي صديقا.

ومن طريق الاعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه قال: قلت لابي ذر: ما أنزلک الربذة؟ قال: أنصح لعثمان ومعاوية.

ومن طريق بشر بن حوشب الفزاري عن أبيه قال: کان أهلي بالشربة[4] فجلبت غنما لي إلي المدينة فمررت بالربذة وإذا بها شيخ أبيض الراس واللحية قلت.من هذا؟ قالوا: أبوذر صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.وإذا هو في حفش[5] ومعه قطعة من غنم فقلت:

[صفحه 295]

والله ما هذا البلد بمحلة لبني غفار فقال أخرجت کارها.فقال بشر بن حوشب: فحدثت بهذا الحديث سعيد بن المسب فأنکر أن يکون عثمان أخرجه وقال: إنما خرج أبوذر إليها راغبا في سکناها.[6] .

وأخرج البخاري في صحيحه من حديث زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فقلت لابي ذر: ما أنزلک هذا؟ قال: کنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: الذين يکنزون الذهب والفضة. فقال: نزلت في أهل الکتاب. فقلت: فينا وفيهم. فکتب يشکوني إلي عثمان فکتب عثمان: إقدم المدينة. فقدمت فکثر الناس علي کأنهم لم يروني قبل ذلک فذکر ذلک لعثمان فقال: إن شئت تنحيت فکنت قريبا. فذلک الذي أنزلني هذا المنزل.قال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث: وفي رواية الطبري انهم کثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام فخشي عثمان علي أهل المدينة ما خشيه معاوية علي أهل الشام.وقال بعد قوله: إن شئت تنحيت. في رواية الطبري: تنح قريبا.قال: والله لن ادع ماکنت اقوله. ولابن مردويه: لا ادع ما قلت.

وذکر المسعودي أمر أبي ذر بلفظ هذا نصه: إنه حضر مجلس عثمان ذات يوم فقال عثمان: أرأيتم من زکي ماله هل فيه حق لغيره؟ فقال کعب: لا يا أمير المؤمنين فدفع أبوذر في صدر کعب وقال له: کذبت يا ابن اليهودي ثم تلا: ليس البر أن تولوا وجوهکم قبل المشرق والمغرب ولکن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائکة والکتاب والنبيين وآتي المالا علي حبه ذوي القربي واليتامي والمساکين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتي الزکاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا.الآية.[7] .

فقال عثمان: أترون باسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فنفقه فيما ينوبنا من امورنا ونعطيکموه؟ فقال کعب: لا باس بذلک.فرفع ابو ذر العصا فدفع بها في صدر کعب وقال: يا ابن اليهودي ما أجرأک علي القول في ديننا؟ فقال له عثمان: ما أکثر أذاک لي غيب وجهک عني فقد آذيتني.فخرج أبوذر إلي الشام فکتب معاوية إلي عثمان: أن أبا ذر تجتمع اليه الجموع ولا آمن أن يفسدهم عليک، فإن کان في

[صفحه 296]

القوم حاجة فاحمله اليک.فکتب اليه عثمان يحمله فحمله علي بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتي أتوا به المدينة قد تسلخت بواطن أفخاذه وکاد أن يتلف، فقيل له: إنک تموت من ذلک. فقال: هيهات لن أموت حتي أنفي، وذکر جوامع ما نزل به بعد ومن يتولي دفنه، فأحسن اليه في داره أياما ثم دخل اليه فجلس علي رکبتيه وتکلم بأشياء وذکر الخبر في ولد أبي العاص: اذا بلغوا ثلاثين رجلا اتخذوا عباد الله خولا. ومر في الخبر بطوله وتکلم بکلام کثير وکان في ذلک اليوم قد أتي عثمان بترکة عبدالرحمن بن عوف الزهري من المال فنضت البدر حتي حالت بين عثمان وبين الرجل القائم فقال عثمان: إني لارجو لعبد الرحمن خيرا لانه کان يتصدق ويقري الضيف وترک ما ترون.فقال کعب الاحبار: صدقت يا أميرالمؤمنين فشال أبوذر العصا فضرب بها راس کعب ولم يشغله ما کان فيه من الالم وقال: يا ابن اليهودي تقول لرجل مات و ترک هذا المال ان الله اعطاه خير الدنيا وخير الآخرة وتقطع علي الله بذلک وأنا سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: ما يسرني أن أموت وأدع ما يزن قيراطا.فقال له عثمان: وارعني وجهک. فقال: أسير إلي مکة. قال: لا والله. قال: فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتي أموت؟ قال: اي والله. قال: فإلي الشام.قال: لا والله. قال: البصرة. قال: لا والله فاختر غير هذه البلدان. قال: لا والله ما أختار غير ما ذکرت لک ولو ترکتني في دار هجرتي ما أردت شيئا من البلدان، فسيرني حيث شئت من البلاد.قال: فاني مسيرک إلي الربذة.

قال: الله اکبر صدق رسول الله صلي الله عليه وآله قد أخبرني بکل ما أنا لاق.قال عثمان: وما قال لک؟ قال: أخبرني بأني امنع عن مکة والمدينة وأموت بالربذة ويتولي مواراتي نفر ممن يردون من العراق نحو الحجاز وبعث أبوذر إلي جمل له فحمل عليه امرأته و قيل ابنته، وأمر عثمان أن لا يتجافاه الناس حتي يسير إلي الربذة، فلما طلع عن المدينة ومروان يسيره عنها إذ طلع عليه علي بن أبيطالب رضي الله عنه ومعه ابناه وعقيل أخوه وعبدالله بن جعفر وعمار بن ياسر فاعترض مروان فقال: يا علي ان امير المؤمنين قد نهي الناس ان يصحبوا أبا ذر في مسيره ويشيعوه فإن کنت لم تدر بذلک فقد أعلمتک.فحمل عليه علي بن ابي طالب بالسوط بين اذني راحلته وقال: تنح نحاک الله إلي النار: ومضي مع أبي ذر فشيعه ثم ودعه وانصرف، فلما أرادا الانصراف بکي أبوذر وقال:

[صفحه 297]

رحمکم الله أهل البيت اذا رأيتک يا أبا الحسن وولدک ذکرت بکم رسول الله صلي الله عليه وآله فشکا مروان إلي عثمان ما فعل به علي بن أبي طالب فقال عثمان: يا معشر المسلمين من يعذرني من علي، رد رسولي عمار وجهته له وفعل کذا والله لنعطينه حقه.فلما رجع علي استقبله الناس[8] فقالوا: إن أمير المؤمنين عليک غضبان لتشييعک أبا ذر.فقال علي: غضب الخيل علي اللجم.ثم جاء فلما کان بالعشي جاء إلي عثمان فقال له: ما حملک علي ما صنعت بمروان واجترأت علي ورددت رسولي وأمر؟ قال: أما مروان فانه استقبلني يردني فرددته عن ردي؟ وأما أمرک فلم أرده، قال عثمان: أولم يبلغک اني قد نهيت الناس عن أبي ذر وعن تشييعه؟ فقال علي: أو کل ما أمرتنا به من شئ يري طاعة لله والحق في خلافه اتبعنا فيه امرک؟ بالله لا نفعل.قال عثمان: أقد مروان. قال: وما أقيده؟ قال: ضربت بين أذني راحلته[9] قال علي: أما راحلتي فهي تلک فإن أراد أن يضربها کما ضربت راحلته فليفعل، وأما أنا فوالله لئن شتمني لاشتمنک أنت مثلها بمالا أکذب فيه ولا أقول إلا حقا.قال عثمان: ولم لا يشتمک اذا شتمته فوالله ما أنت عندي بأفضل منه. فغضب علي بن ابي طالب وقال: إلي تقول هذا القول؟ وبمروان تعدلني؟ فأنا والله أفضل منک، وأبي افضل من أبيک، وأمي افضل من أمک، وهذه نبلي قد نثلتها وهلم فاقبل بنبلک. فغضب عثمان واحمر وجهه فقام ودخل داره وانصرف علي فاجتمع اليه أهل بيته ورجال من المهاجرين والانصار، فلما کان من الغد واجتمع الناس إلي عثمان شکا اليهم عليا وقال: إنه يعيبني ويظاهر من يعيبني يريد بذل أبا ذر وعمار بن ياسر وغيرهما فدخل الناس بينهما وقال له علي: والله ما اردت تشييع أبي ذر إلا لله.

وفي رواية الواقدي من طريق صهبان مولي الاسلميين قال: رأيت أباذر يوم دخل به علي عثمان فقال له: أنت الذي فعلت ما فعلت؟ فقال له أبوذر: نصحتک فاستغششتني ونصحت صاحبک فاستغشني. فقال عثمان: کذبت ولکنک تريد الفتنة وتحبها قد أنغلت

[صفحه 298]

الشام علينا فقال له أبوذر: إتبع سنة صاحبک لا يکن لاحد عليک کلام.قال عثمان: مالک وذلک؟ لا أم لک قال أبوذر: والله ما وجدت لي عذرا إلا الامر بالمعروف والنهي عن المنکر. فغضب عثمان وقال: أشيروا علي في هذا الشيخ الکذاب إما أن اضربه أو احبسه أو أقتله فانه قد فرق جماعة المسلمين أو أنفيه من أرض الاسلام. فتکلم علي عليه السلام وکان حاضرا وقال: اشير عليک بما قاله مؤمن آل فرعون: فإن يک کاذبا فعليه کذبه، وإن يک صادقا يصبکم بعض الذي يعدکم إن الله لا يهدي من هو مسرف کذاب. قال: فأجابه عثمان بجواب غليظ لا أحب ذکره وأجابه علي بمثله. قال:

ثم إن عثمان حظر علي الناس أن يقاعدوا أبا ذر ويکلموه فمکث کذلک اياما ثم أمر أن يؤتي به فاتي به فلما وقف بين يديه قال: ويحک يا عثمان أما رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله ورأيت أبا بکر وعمر؟ هل رأيت هذا هديهم؟ إنک لتبطش بي بطش الجبار فقال: أخرج عنا من بلادنا. فقال أبوذر: ما أبغض إلي جوارک فإلي أين أخرج؟ قال: حيث شئت.قال: فاخرج إلي الشام ارض الجهاد. قال: إنما جلبتک من الشام لما قد أفسدتها، افأردک اليها؟ قال: فأخرج إلي العراق.قال: لا. قال: ولم؟ قال: تقدم علي قوم أهل شبه وطعن في الامة؟ قال: فأخرج إلي مصر. قال: لا. قال: فإلي أين أخرج؟ قال: حيث شئت.قال أبوذر.فهو إذن التعرب بعد الهجرة أخرج إلي نجد فقال عثمان: الشرف الابعد أقصي فالاقصي إمض علي وجهک هذا ولا تعدون الربذة فسر اليها فخرج اليها.

وقال اليعقوبي: وبلغ عثمان أن أبا ذر يقعد في مجلس رسول الله صلي الله عليه وآله ويجتمع اليه الناس فيحدث بما فيه الطعن عليه وأنه وقف بباب المسجد فقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبوذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي، إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. محمد الصفوة من نوح فالاول من إبراهيم والسلالة من إسماعيل و العترة الهادية من محمد، إنه شرف شريفهم واستحقوا الفضل في قوم هم فينا کالسماء المرفوعة، وکالکعبة المستورة، أو کالقبلة المنصوبة، أو کالشمس الضاحية، أو کالقمر الساري، أو کالنجوم الهادية، أو کالشجر الزيتونية اضاء زيتها وبورک زيدها[10] ومحمد

[صفحه 299]

وارث علم آدم وما فضلت به النبيون إلي أن قال:

وبلغ عثمان أن أبا ذر يقع فيه ويذکر ما غير وبدل من سنن رسول الله صلي الله عليه وآله وسنن أبي بکر وعمر فسيره إلي الشام إلي معاوية، وکان يجلس في المجلس فيقول کما کان يقول ويجتمع اليه الناس حتي کثر من يجتمع اليه ويسمع منه، وکان يقف علي باب دمشق اذا صلي صلاة الصبح فيقول: جاءت القطار تحمل النار، لعن الله الآمرين بالمعروف والتارکين له، ولعن الله الناهين عن المنکر والآتين له. فقال:

وکتب معاوية إلي عثمان انک قد افسدت الشام علي نفسک بابي ذر فکتب اليه ان احمله علي قتب بغير وطاء فقدم به إلي المدينة وقد ذهب لحم فخذيه، فلما دخل اليه وعنده جماعة قال: بلغني أنک تقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إذا کملت بنو امية ثلاثين رجلا اتخذوا بلاد الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا؟ فقال: نعم سمعت رسول الله يقول ذلک. فقال لهم: أسمعتم رسول الله يقول ذلک؟ فبعث إلي علي بن أبيطالب فأتاه فقال: يا أبا الحسن أسمعت رسول الله يقول ما حکاه أبوذر؟ وقص عليه الخبر فقال علي: نعم. قال: فکيف تشهد؟ قال لقول رسول الله: ما اظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر. فلم يقم بالمدينة إلا أياما حتي أرسل اليه عثمان: والله لتخرجن عنها، قال: أتخرجني من حرم رسول الله؟ قال: نعم وأنفک راغم، قال: فإلي مکة؟ قال: لا. قال: فإلي البصرة؟ قال: لا. قال: فإلي الکوفة؟ قال: لا. ولکن إلي الربذة التي خرجت منها حتي تموت فيها. يا مروان أخرجه ولا تدع أحدا يکلمه حتي يخرج. فأخرجه علي جمل ومعه امرأته وابنته فخرج علي والحسن والحسين وعبدالله بن جعفر وعمار بن ياسر ينظرون فلما رأي أبوذر عليا قام اليه فقبل يده ثم بکي وقال: إني إذا رأيتک ورأيت ولدک ذکرت قول رسول الله فلم اصبر حتي أبکي. فذهب علي يکلمه، فقال مروان: إن أميرالمؤمنين قد نهي أن يکلمه أحد. فرفع علي السوط فضرب وجه ناقة مروان وقال: تنح نحاک الله إلي النار. ثم شيعه وکلمه بکلام يطول شرحه، وتکلم کل رجل من القوم وانصرفوا والنصرف مروان إلي عثمان، فجري بينه وبين علي في هذا بعض الوحشة وتلاحيا کلاما.

وأخرج ابن سعد من طريق الاحنف بن قيس قال: أتيت المدينة ثم أتيت الشام

[صفحه 300]

فجمعت فإذا أنا برجل لا ينتهي إلي سارية إلا خر أهلها يصلي ويخف صلاته. قال: فجلست إليه فقلت له: يا عبدالله من أنت؟ قال: أنا ابوذر. فقال لي: فأنت من أنت؟ قال: قلت أنا الاحنف بن قيس. قال: قم عني لا أعدک بشر. فقلت له: کيف تعدني بشر؟ قال: إن هذا يعني معاوية نادي مناديه ألا يجالسني أحد.

وأخرج أبويعلي من طريق ابن عباس قال: استأذن أبوذر عثمان فقال: إنه يؤذينا فلما دخل قال له عثمان: أنت الذي تزعم انک خير من أبي بکر وعمر؟ قال: لا، ولکن سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إن أحبکم إلي وأقربکم مني من بقي علي العهد الذي عاهدته عليه وأنا باق علي عهده[11] قال: فأمره أن يلحق بالشام وکان يحدثهم ويقول: لا يبيتن عند أحدکم دينار ولا درهم إلا ما ينفقه في سبيل الله أو يعده لغريم. فکتب معاوية إلي عثمان: إن کان لک بالشام حاجة فابعث إلي أبي ذر. فکتب اليه عثمان: أن اقدم علي فقدم.

راجع الانساب 54 -52: 5 صحيح البخاري في کتابي الزکاة والتفسير، طبقات ابن سعد 168: 4، مروج الذهب 438: 1، تاريخ اليعقوبي 148: 2، شرح ابن أبي الحديد 242 -240: 1 فتح الباري 213: 3، عمدة القاري 291: 4.



صفحه 293، 294، 295، 296، 297، 298، 299، 300.





  1. سورة التوبة.آية 34.
  2. في رواية الواقدي والمسعودي کما يأتي: انه قال: لسمعت رسول الله يقول: اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا- الحديث.
  3. في لفظ الواقدي: قال عثمان: ويلک يا أباذرأتکذب علي رسول الله؟.
  4. الشربة بفتح أوله وثانيه وتشديد الموحدة: موضع بين السليلة والربذة في طريق مکة.
  5. الحفش بکسر المهملة: البيت الصغير، أو هو من الشعر.
  6. انظر إلي ابن المسيب يکذب أبا ذر لتبرير عثمان من تسييره ولا يکترث لاستلزامه تکذيب رسول الله صلي الله عليه وآله، وسيوافيک البحث عنه.
  7. سورة البقرة: 177.
  8. هذه الجملة تعرب عن غيبة الامام عليه السلام عن المدينة المشرفة في تشييع أبي ذر أياما وتقرب ما قاله الاستاذ عبدالحميد جودت السحار المصري في کتابه (الاشتراکي الزاهد) ص 192 ومضي علي ورفائه مع أبي ذر حتي بلغوا الربذة فنزلوا عن رواحلهم وجلسوا يتحدثون.
  9. في العبارة سقط يظهر من الجواب وسيأتي صحيحها بعيد هذا ان شاء الله.
  10. ولعل الصحيح زندها. کما في بعض المصادر.
  11. حديث العهد أخرجه أحمد في مسنده.