عثمان والشجرة الملعونة في القرآن











عثمان والشجرة الملعونة في القرآن



کان مزيج نفس الخليفة حب بني أبيه آل امية الشجرة الملعونة في القرآن و

[صفحه 289]

تفضيلهم علي الناس، وقد تنشب ذلک في قلبه وکان معروفا منه من أول يومه، وعرفه بذلک من عرفه قال عمر بن الخطاب لابن عباس: لو وليها عثمان لحمل بني ابي معيط علي رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه.[1] .

وفي لفظ الامام ابي حنيفة: لو وليتها عثمان لحمل آل ابي معيط علي رقاب الناس، والله لو فعلت لفعل، ولو فعل لاوشکوا أن يسير وإليه حتي يجزوا راسه، ذکره القاضي أبويوسف في الآثار ص 217.

ووصي إلي عثمان بقوله: إن وليت هذا الامر فاتق الله ولا تحمل آل ابي معيط علي رقاب الناس.[2] .

وبهذه الوصية أخذه علي وطلحة والزبير لما ولي الوليد بن عقبة علي الکوفة وقالوا له: ألم يوصک عمر ألا تحمل آل ابي معيط وبني امية علي رقاب الناس؟ فلم يجبهم بشئ. (انساب البلاذري 30: 5).

کان يبذل کل جهده في تأسيس حکومة أموية قاهرة في الحواضر الاسلامية کلها تقهر من عداهم، وتنسي ذکرهم في القرون الغابرة، غير أن القدر الحاتم راغمه علي منوياته فجعل الذکر الجميل الخالد والبقية المتواصلة في الحقب والاجيال کلها لآل علي عليه وعليهم السلام، وأما آل حرب فلا تجد من ينتمي إليهم غير متوار بانتسابه، متخافت عند ذکر نسبه، فکأنهم حديث أمس الدابر، فلا تري لهم ذکرا، ولا تسمع لاحد منهم رکزا.

کان الخليفة يمضي وراء نيته هاتيک قدما، وراء أمل ابي سفيان فيما قال له يوم استخلف: فادرها کالکرة واجعل أوتادها بني امية.فولي علي الامر في المراکز الحساسة والبلاد العظيمة أغلمة بني امية، وشبابهم المترف المتبختر في شرح الشبيبة وغلوائها وأمر فتيانهم الناشطين للعمل، الذين لم تحنکهم الايام ولم يأدبهم الزمان، وسلطهم علي رقاب الناس، ووطدلهم السبل، وکسح عن مسيرهم العراقيل، وفتح باب الفتن والجور بمصراعيه علي الجامع الصالح في الامصار الاسلامية، وجر الويلات بيد أولئک الطغام

[صفحه 290]

علي نفسه وعلي الامة المرحومة من يومه وهلم جرا.

قال أبوعمر: دخل شبل بن خالد علي عثمان رضي الله عنه حين لم يکن عنده غير أموي فقال: ما لکم يا معشر قريش؟ أما فيکم صغير تريدون.أن ينبل؟ أو فقير تريدون غناه؟ أو خامل تريدون التنويه باسمه؟ علام أقطعتم هذا الاشعري- يعني أباموسي- العراق يأکلها هضما؟ فقال عثمان: ومن لها؟ فأشاروا بعبدالله[3] بن عامر وهو ابن ستة عشر سنة[4] فولاه حينئذ.

وکان هؤلاء الاغلمة لا يبالي أحدهم بما يفعل، ولا يکترث لما يقول، والخليفة لا يصيخ إلي شکاية المشتکي، ولا يعي عذل اي عاذل، ومن اولئک الاغلمة والي الکوفة سعيد بن العاص ذاک الشاب المترف، کان يقول کما مر في ص 270 علي صهوة المنبر إن السواد بستان لاغلمة من قريش.

وهؤلاء الاغلمة هم الذين أخبر عنهم رسول الله صلي الله عليه وآله بقوله: إن فساد أمتي علي يدي غلمة سفهاء من قريش.[5] .

وبقوله صلي الله عليه وآله: هلاک هذه الامة علي يد أغيلمة من قريش.[6] .

واولئک السفهاء الامراء هم المعنيون بقوله صلي الله عليه وآله لکعب بن عجزة: أعاذک الله يا کعب من إمارة السفهاء.قال: وما إمارة السفهاء يا رسول الله؟ قال: أمراء يکونون بعدي لا يهدون بهديي ولا يستنون بسنتي.الحديث مر في صفحة 256.

وأولئک هم المعنيون بقوله صلي الله عليه وآله: إسمعوا هل سمعتم؟ إنه سيکون بعدي

[صفحه 291]

أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بکذبهم، وأعانهم علي ظلمهم، فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الاحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بکذبهم ولم يعنهم علي ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض،وفي لفظ: سيکون امراء يکذبون و يظلمون فمن صدقهم بکذبهم. الخ.[7] .

وفي لفظ أحمد في المسند 267: 4: ألا انه سيکون بعدي امراء يکذبون و يظلمون، فمن صدقهم بکذبهم ومالاهم علي ظلمهم فليس مني ولا أنا منه، ومن لم يصدقهم بکذبهم ولم يمالئهم علي ظلمهم فهو مني وأنا منه.

وهم المعنيون بقوله صلي الله عليه وآله: سيکون امراء بعدي يقولون ما لا يفعلون، و يفعلون ما لا يؤمرون (مسند أحمد 456: 1).

م- يستعملهم عثمان وهو أعرف بهم من اي ابن أنثي وقد جاء عن رسول الله صلي الله عليه وآله قوله: من استعمل عاملا من المسلمين وهو يعلم أن فيهم أولي بذلک منه وأعلم بکتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين.[8] وفي تمهيد الباقلاني ص 190 من تقدم علي قوم من المسلمين وهو يري أن فيهم من هو افضل منه فقد خان الله ورسوله والمسلمين

فعهد أولئک الاغيلمة عهد هلاک أمة محمد ودور فسادها، منهم بدأت الفتن و عليهم عادت، فتري الولادة يوم ذاک من طريد لعين إلي وزغ مثله، ومن فاسق مهتوک بالذکر الحکيم إلي طليق منافق، ومن شاب مترف إلي اغيلمة سفهاء.

وکان للخليفة وراء ذلک کله أمل بانه لو بيده مفاتيح الجنة ليعطيها بني امية حتي يدخلوها من عند آخرهم، أخرج احمد في المسند 62: 1 من طريق سالم بن ابي الجعد قال: دعا عثمان رضي الله عنه ناسا من اصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله فيهم عمار بن ياسر فقال: إني سائلکم وإني أحب أن تصدقوني، نشدتکم الله أتعلمون أن رسول الله صلي الله عليه وآله کان يؤثر قريشا علي سائر الناس، ويؤثر بني هاشم علي سائر قريش؟ فسکت القوم فقال عثمان رضي الله عنه: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لاعطيتها بني امية حتي يدخلوا من عند آخرهم. (إسناده صحيح رجاله کلهم ثقات رجال الصحيح).

[صفحه 292]

فکأن الخليفة يحسب ان الهرج الموجود في العطاء عنده سوف يتسرب معه إلي باب الاجنة يحابي قومه بالنعيم کما حاباهم في الدنيا بالاموال، فما حظي الخليفة بما أحب لهم في الدنيا يوم طحنهم بکلکله البلا، وأجهزت عليهم المآثم والجرائم، وأما الآخرة فان بينهم وبين الجنة لسدا بما اقترفوه من الآثام، فلا أري الخليفة يحظي بامنيته هنالک، ونحن لا نعرف نظرية الخليفة في أمر الثواب والعقاب، ولا ما يأول به الآي الواردة فيهما في الذکر الحکيم، ولا رأيه في الجنة والنار وأهلهما، أيطمع کل امرء منهم أن يدخل جنة نعيم؟ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم کالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء؟ کلا إن الابرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين. کلا إن کتاب الفجار لفي سجين.کلا لينبذن في الحطمة وما ادراک ما الحطمة؟ نار الله الموقدة التي تطلع علي الافئدة. أزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا إلي ربهم اولئک اصحاب الجنة.

فهؤلاء الامويون لم يکونوا في أمل الخليفة ولا أغنوا عنه شيئا يوم ضحي نفسه وجاهه وملکه لاجلهم حتي قتل من جراء ذلک، ولا أحسب أنهم مغنون عنه شيئا غدا عند الله يوم لا يغني عنه مال ولا بنون.

م- ألا تعجب من خليفة لا يروقه ايثار نبيه بني هاشم علي سائر قريش وتدعوه عصبيته العمياء إلي أن يعارض بمثل هذا التافه المخزي قوله صلي الله عليه وآله فيما أخرجه أحمد: يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بکم.[9] .



صفحه 289، 290، 291، 292.





  1. أنساب البلاذري 16: 5.
  2. طبقات ابن سعد 247: 3، أنساب البلاذري 16: 5، الرياض النضرة 76: 2.
  3. کان ابن خال عثمان لان ام عثمان أروي بنت کريز. وعبدالله بن عامر بن کريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.
  4. أحسبه تصحيفا قال أبوعمر في ترجمة عبدالله بن عامر: عزل عثمان أبا موسي الاشعري عن البصرة وعثمان بن ابي العاص عن فارس وجمع ذلک کله لعبدالله.قال صالح: وهوابن اربع و عشرين سنة. وقال ابواليقظان: قدم ابن عامر البصرة واليا عليها وهو ابن اربع أو خمس و عشرين سنة.
  5. أخرجه البخاري في صحيحه في کتاب الفتن 146: 10، والحاکم في المستدرک 470: 4 صححه هو والذهبي وقال الحاکم: شهد حذيفة بن اليمان بصحة هذا الحديث.
  6. مستدرک الحاکم 479: 4: فقال: حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه ولهذا الحديث توابع وشواهد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الطاهرين والائمة من التابعين لم يسعني الا ذکرها ثم ذکر بعض ما اسلفنا في الحکام ومروان وبني ابي العاص.
  7. تاريخ الخطيب البغدادي 107: 2، ج 362: 5.
  8. سنن البيهقي 118: 10.مجمع الزوائده 211: 5.
  9. الصواعق ص 95.