مروان وما مروان؟











مروان وما مروان؟



مر في صفحة 246 ماصح من لعن رسول الله صلي الله عليه وآله علي أبيه وعلي من يخرج من صلبه.وأسلفنا ماصح من قول عائشة لمروان: لعن رسول الله صلي الله عليه وآله سلم أباک فأنت فضض من لعنة الله.

وأخرج الحاکم في المستدرک 479: 4 من طريق عبدالرحمن بن عوف وصححه انه قال: کان لايولد لاحد بالمدينة ولد إلا أتي به إلي النبي صلي الله عليه وسلم فادخل عليه مروان بن الحکم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون.

وذکر الدميري في حيوة الحيوان 399: 2، وابن حجر في الصواعق ص 108، والحلبي في السيرة 337: 1 ولعل معاوية أشار إليه بقوله لمروان: يا ابن الوزغ لست هناک.فيما ذکره ابن أبي الحديد 56: 2.

وأخرج ابن النجيب من طريق جبير بن مطعم قال: کنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله فمر الحکم بن أبي العاص فقال النبي صلي الله عليه وآله: ويل لامتي مما في صلب هذا.[1] .

وفي شرح ابن أبي الحديد 55: 2 نقلا عن الاستيعاب: نظر علي عليه السلام يوما إلي مروان فقال له: ويل لک وويل لامة محمد منک ومن بيتک إذا شاب صدغاک.وفي لفظ ابن الاثير: ويلک وويل أمة محمد منک ومن بنيک. «أسد الغابة 348: 4» ورواه ابن عساکر بلفظ آخر کما في کنز العمال 91: 6.

وقال مولانا أميرالمؤ منين يوم قال له الحسنان السبطان: يبايعک مروان ياأمير

[صفحه 261]

المؤمنين: أو لم يبايعني قبل قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته، إنها کف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبته، أما إن له إمرة کلعقة الکلب أنفه، وهو أبوالاکبش الاربعة[2] وستلقي الامة منه ومن ولده يوماأحمر «نهج البلاغة».

قال ابن أبي الحديد في الشرح 53: 2: قد روي هذا الخبر من طريق کثيرة ورويت فيه زيادة لم يذکرها صاحب «نهج البلاغة» وهي قوله عليه السلام في مروان: يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه وإن له إمرة. الخ.

هذه الزيادة أخذها ابن أبي الحديد من ابن سعد ذکرها في طبقاته 30: 5 ط ليدن قال: قال علي بن أبي طالب يوما ونظر إليه: ليحملن راية ضلالة بعد مايشيب صدغاه، وله إمرة کلحسة الکلب أنفه.اه. وهذا الحديث کما تري غير ما في «نهج البلاغة» وليس کما حسبه ابن أبي الحديد زيادة فيه، ولا توجد تلک الزيادة في رواية السبط أيضا في تذکرته ص 45. والله العالم.

قال البلاذري في الانساب 126: 5: کان مروان يلقب خيط باطل لدقته وطوله شبه الخيط الابيض الذي يري في الشمس، فقال الشاعر ويقال: إنه عبدالرحمن بن الحکم أخوه:


لعمرک ماأدري وإني لسائل
حليلة مضروب القفا کيف يصنع[3] .


لحي الله قوماأمروا خيط باطل
علي الناس يعطي مايشاء ويمنع[4] .


وذکر البلاذري في الانساب 144: 5 في مقتل عمرو بن سعيد الاشدق الذي قتله عبدالملک بن مروان ليحيي بن سعيد أخي الاشدق قوله:


غدرتم بعمرو يابني خيط باطل
ومثلکم يبني البيوت علي الغدر


وذکر ابن أبي الحديد في شرحه 55: 2 لعبد الرحمن بن الحکم في أخيه قوله:

[صفحه 262]

وهبت نصيبي منک يامرو کله
لعمرو ومروان الطويل وخالد


ورب ابن ام زائد غير ناقص
وأنت ابن ام ناقص غير زائد


ومن شعر مالک الريب «المترجم في الشعر والشعراء لابن قتيبة» يهجو مروان قوله:


لعمرک ما مروان يقضي امورنا
ولکن ماتقضي لنا بنت جعفر[5] .


فياليتها کانت علينا أميرة
وليتک يامروان أمسيت ذاحر


وروي الهيثمي في مجمع الزوائد 72: 10 من طريق أبي يحيي قال: کنت بين الحسن والحسين ومروان يتسابان فجعل الحسن يسکت الحسين فقال مروان: أهل بيت ملعونون. فغضب الحسن وقال: قلت أهل بيت ملعونون. فوالله لقد لعنک الله وأنت في صلب أبيک. أخرجه الطبراني وذکره السيوطي في جمع الجوامع کما في ترتيبه 6: 90 نقلا عن ابن سعد وأبي يعلي وابن عساکر.

إن الذي يستشفه المنقب من سيرة مروان وأعماله انه ماکان يقيم لنواميس الدين الحنيف وزنا، وإنما کان يلحظها کسياسات زمنية فلا يبالي بابطال شئ منها أو تبديله إلي آخر حسب ما تقتضيه ظروفه وتستدعيه أحواله، وإليک من شواهد ذلک عظائم وعليها فقس مالم نذکره:

1- أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده 94: 4 من طريق عباد بن عبدالله بن الزبير قال: لما قدم عينا معاوية حاجا، قدمنا معه مکة قال: فصلي بنا الظهر رکعتين ثم انصرف إلي دار الندوة قال: وکان عثمان حين أتم الصلاة فإذا قدم مکة صلي بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا أربعا، فإذا خرج إلي مني وعرفات قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمني أتم الصلاة حتي يخرج من مکة، فلما صلي بناالظهر رکعتين نهض اليه مروان بن الحکم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمک بأقبح ماعبته به.فقال لهما: وماذاک؟ قال: فقال له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمکة؟ قال: فقال لهما: ويحکما وهل کان غير ماصنعت؟ قدصليتهما مع رسول الله صلي الله عليه وآله ومع أبي بکر وعمر رضي الله عنهما. قالا: فان ابن عمک قد أتمها وإن خلافک إياه

[صفحه 263]

له عبب. قال: فخرج معاوية إلي العصر فصلاها بنا أربعا.

وذکره الهيثمي في مجمع الزوائد 156: 2 نقلا عن أحمد والطبراني فقال: رجال أحمد موثقون.

فاذا کان لعب مروان وخليفة وقته معاوية بالصلاة التي هي عماد الدين إلي درجة يقدم فيها التحفظ علي عثمان في عمله الشاذ عن الکتاب والسنة علي العمل بسنة رسول الله صلي الله عليه وآله حتي أخضع معاوية لما ارتآه من الرأي الشائن في صلاة العصر، فما ذا يکون عبثهما بالدين فيما هو دون الصلاة من الاحکام؟.

وإن تعجب فعجب انه يعد مخالفة عثمان في رأيه الخاص له عيبا عليه يغير لاجله الحکم الديني الثابت، ولا يعد مخالفة رسول الله وما جاء به محظورة تترک لاجلها الاباطيل والاحداث.

ومن العجيب أيضا أن ينهي معاوية عن مخالفة عثمان، ولا ينهي من خالف رسول الله صلي الله عليه وآله عن مخالفته. أهؤلاء من خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنکر وتؤمنون بالله؟ وأعجب من کل ذلک حسبان أولئک العابثين بدين الله عدولا وهذه سيرتهم ومبلغهم من الدين الحنيف.

2- أخرج البخاري من طريق أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحي أو فطر، فلما أتينا المصلي إذا منبر بناه کثيربن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت ثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت: غيرتم والله. فقال: أباسعيد قد ذهب ما تعلم.فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم.فقال: إن الناس لم يکونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. وفي لفظ الشافعي: ياأباسعيد ترک الذي تعلم.

أتري مروان کيف يغير السنة؟ وکيف يفوه ملا فمه بمالايسوغ لمسلم أن يتکلم به؟ کأن ذلک مفوض إليه، وکأن ترکها المنبعث عن التجري علي الله ورسوله يکون مبيحا لادامة الترک، لماذا ذهب ماکان يعلمه أبو سعيد من السنة؟ ولماذا ترک؟

نعم: کان لمروان في المقام ملحوظتان: الاولي اقتصاصه أثر ابن عمه عثمان، والآخر انه کان يقع في الخطبة في مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام ويسبه ويلعنه فتتفرق عنه

[صفحه 264]

الناس لذلک فقدمها علي الصلاة لئلا يجفلوا فيسمعوا العظائم ويصيخوا إلي ما يلفظ به من کبائر وموبقات. راجع تفصيلا أسلفناه صفحة 171 -164 من هذا الجزء.

ويستظهر مما سبق ص 166 من کلام عبدالله بن الزبير: کل سنن رسول الله صلي الله عليه وآله قدغيرت حتي الصلاة.ان تسرب التغيير ولعب الاهواء بالسنن لم يکن مقصورا علي الخطبة قبل الصلاة فحسب، وإنما تطرق ذلک إلي کثير من الاحکام کما يجده الباحث السابر أغوار السير والحديث.

3- سبه لمولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام وکان الرجل کما قال أسامة بن زيد: فاحشا متفحشا.[6] .

الحجر الاساسي في ذلک هو عثمان جرأ الوزغ اللعين علي أميرالمؤمنين يوم قال له: أقد مروان من نفسک.قال عليه السلام مم ذا؟ قال: من شتمه وجذب راحلته.وقال له: لم لايشتمک؟ کأنک خير منه؟[7] وعلاه معاوية بکل ماعنده من حول وطول، لکن مروان تبعه شر متابعة، ولم يأل جهدا في تثبيت ذلک کلما أقلته صهوة المنبر، أو وقف علي منصة خطابة، ولم يزل مجدا في ذلک وحاضا عليه حتي عاد مطردا بعد کل جمعة وجماعة في أي حاضرة يتولي أمرها، وبين عماله يوم تولي خلافة هي کلعقة الکلب أنه «تسعة أشهر» کما وصفها مولانا أميرالمؤمنين، ولم تکن هذه السيرة السيئة إلا لسياسة وقتية، وقد أعرب عما في سريرته بقوله فيما أخرجه الدارقطني من طريقه عنه قال: ماکان أحد أدفع عن عثمان من علي.فقيل له: مالکم تسبونه علي المنبر؟ قال: إنه لا يستقيم لنا الامر إلا بذلک[8] .

م قال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص 142: وبسند رجاله ثقات: ان مروان لما ولي المدينة کان يسب عليا علي المنبر کل جمعة، ثم ولي بعده سعيد بن العاص فکان لايسب، ثم أعيد مروان فعاد للسب، وکان الحسن يعلم ذلک فيسکت ولا يدخل المسجد إلا عند الاقامة، فلم يرض بذلک مروان حتي أرسل للحسن في بيته

[صفحه 265]

بالسب البليغ لابيه وله، ومنه: ما وجدت مثلک إلا مثل البغلة يقال لها: من أبوک؟ فتقول: أبي الفرس.فقال للرسول: ارجع إليه فقل له: والله لاأمحو عنک شيئا مما قلت بأني اسبک، ولکن موعدي وموعدک الله، فإن کنت کاذبا فالله أشد نقمة، قد أکرم جدي أن يکون مثلي مثل البغلة. إلخ.

ولم يختلف من المسلمين إثنان في ان سب الامام ولعنه من الموبقات، وإذا صح ماقاله ابن معين کما حکاه عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب 509: 1 من ان کل من شتم عثمان أوطلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله دجال لايکتب عنه وعليه لعنة الله والملائکة والناس اجمعين.اه.

فما قيمة مروان عندئذ؟ ونحن مهما تنازلنا فانا لانتنازل عن أن مولانا امير المؤمنين کأحد الصحابة الذين يشملهم حکم کل من سبهم ولعنهم، فکيف ونحن نري انه عليه السلام سيد الصحابة علي الاطلاق، وسيد الاوصياء، وسيد من مضي ومن غبر عدا ابن عمه صلي الله عليه وآله وهو نفس النبي الاقدس بنص الذکر الحکيم، فلعنه وسبه لعنه وسبه وقد قال: صلي الله عليه وآله: من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله[9] .

وکان مروان يتربص الدوائر علي آل بيت العصمة والقداسة، ويغتنم الفرص في ايذائهم قال ابن عساکر في تاريخه 227: 4: أبي مروان أن يدفن الحسن في حجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: ماکنت لادع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله، قد دفن عثمان بالبقيع.ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية بذلک، فلم يزل عدوا لبني هاشم حتي مات.اه.

أي خليفة هذا يجلب رضاه بايذاء عترة رسول الله؟ ومن ومن أولي بالدفن في الحجرة الشريفة من السبط الحسن الزکي؟ وبأي کتاب وبأية سنة وبأي حق ثابت کان لعثمان أن يدفن فيها؟ ومن جراء ذلک الضغن الدفين علي بني هاشم کان ابن الحکم يحث ابن عمر علي الخلافة والقتال دونها.أخرج أبوعمر من طريق الماجشون وغيره: ان مروان دخل في نفر علي عبدالله بن عمر بعد ما قتل عثمان رضي الله عنه فعرضوا عليه أن يبايعواله قال: وکيف لي بالناس؟ قال: تقاتلهم ونقاتلهم معک.فقال:

[صفحه 266]

والله لواجتمع علي أهل الارض إلا فدک ما قاتلتهم، قال: فخرجوا من عنده ومروان يقول:

والملک بعد أبي ليلي لمن غلبا[10] .

لماذا ترک الوزغ سنة الانتخاب الدستوري في الخلافة بعد إنتهاء الدور إلي سيد العترة؟ وما الذي سوغ له ذلک الخلاف؟ وحض ابن عمر علي الامر، وتثبيطه علي القتال دونه، بعد إجماع الامة وبيعتهم مولانا أميرالمؤمنين؟ نعم: لم يکن من يوم الاول هناک قط انتخاب صحيح، ورأي حر لاهل الحل والعقد، أني کان ثم أني؟

والملک بعد أبي الزهراء لمن غلبا



صفحه 261، 262، 263، 264، 265، 266.





  1. أسد الغابة 34: 2، الاصابة 346: 1، السيرة الحلبية 337: 1، کنز العمال 40: 6.
  2. هم بنو عبدالملک: الوليد. سليمان. يزيد. هشام. کذا فسره الناس و عند ابن ابي الحديد هم اولاد مروان: عبدالملک. بشر. محمد. عبدالعزيز.
  3. أشار بقوله: مضروب القفا إلي ماوقع يوم الدار، فان مروان ضرب يوم ذاک علي قفاه کما يأتي حديثه في الجزء التاسع ان شاء الله تعالي.
  4. ورواهما وماقبلهما ابن الاثير في أسد الغابة 348: 4.
  5. بنت جعفر هي الهاشمية الشهيرة بام أبيها بنت عبدالله بن جعفر بن أبي طالب زوجة عبد الملک بن مروان. ثم طلقها فتزوجها علي بن عبدالله بن عباس.
  6. الاستيعاب في ترجمة اسامة.
  7. يأتي حديثه تفصيلا في قصة أبي ذر في هذا الجزء ان شاء الله تعالي.
  8. الصواعق لابن حجر ص 33.
  9. مستدرک الحاکم 121: 3، مسند أحمد 323: 6. وسيوافيک تفصيل طريقه.
  10. الاستيعاب ترجمة عبدالله بن عمر.