المسائلة حول أيواء الحكم











المسائلة حول أيواء الحکم



هلم معي نسائل الخليفة في إيواء لعين رسول الله وطريده (الحکم) وبمسمع منه ومرأي نزول القرآن فيه واللعن المتواصل من مصدر النبوة عليه وعلي من تناصل منه عدا المؤمنين، وقليل ماهم، ما هو المبرر لعمله هذا ورده إلي مدينة الرسول؟ وقد طرده صلي الله عليه وآله وأبناءه منها تنزيها لها من تلکم الارجاس والادناس الاموية وقد سأل أبابکر وبعده عمر أن يرداه فقال کل منهما: لاأحل عقدة عقدها رسول الله صلي الله عليه وآله[1] .

وقال الحلبي في السيرة 85: 2: کان يقال له: طريد رسول الله صلي الله عليه وسلم ولعينه وقد کان صلي الله عليه وسلم طرده إلي الطائف ومکث به مدة رسول الله ومدة أبي بکر بعد أن سأله عثمان في إدخاله المدينة فأبي فقال له عثمان: عمي، فقال: عمک إلي النار، هيهات هيهات أن أغير شيئا فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم، والله لا رددته أبدا، فلما توفي أبوبکر وولي عمر کلمه عثمان في ذلک فقال له: ويحک ياعثمان تتکلم في لعين رسول الله صلي الله عليه وسلم وطريده وعدو الله وعدورسوله؟ فلما ولي عثمان رده إلي المدينة فاشتد ذلک علي المهاجرين والانصار فانکر ذلک عليه أعيان الصحابة، فکان ذلک من أکبر الاسباب علي القيام عليه.ه ألم تکن للخليفة أسوة في رسول الله؟ والله يقول: لقد کان لکم في رسول الله أسوة حسنة لمن کان يرجو الله واليوم الآخر وذکرالله کثيرا.[2] أو کان قومه وحامته أحب إليه من الله ورسوله؟ وبين يديه الذکر الحکيم: قل إن کان آباؤکم وأبناؤکم وإخوانکم

[صفحه 255]

وأزواجکم وعشيرتکم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون کسادها ومساکن ترضونها أحب إليکم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتي يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين. التوبة.24.

ثم ما هو المبرر لتخصيص الرجل بتلک المنحة الجزيلة من حقوق المسلمين و إعطياتهم؟ بعد تأمينه علي أخذ الصدقات المشترط فيه الثقة والامانة واللعين لايکون ثقة ولا أمينا. ثم نسائل الحکم والخليفة علي تقريره لما ارتکبه من حمل صدقات قضاعة إلي دار الخلافة وقد ثبت في السند کما مر ص 245 انها تقسط علي فقراء المحل و عليها أتت الاقوال قال أبوعبيد في الامول ص 596: والعلماء اليوم مجمعون علي هذه الآثار کلها: أن أهل کل بلد من البلدان، أو ماء من المياه أحق بصدقتهم مادام فيهم من ذوي الحاجة واحد فمافوق ذلک وإن أتي ذلک علي جميع صدقتها حتي يرجع الساعي ولا شئ معه منها، بذلک جاءت الاحاديث مفسرة.ثم ذکر أحاديثا فقال ص 597: قال أبوعبيد: فکل هذه الاحاديث تثبت ان کل قوم أولي بصدقتهم حتي يستغنوا عنها، ونري إستحقاقهم ذلک دون غيرهم إنما جاءت به السنة لحرمة الجوار وقرب دراهم من دار الاغنياء.اه.

ألم يکن في قضاعة ذو حاجة فيعطي؟ أو لم يکن في المدينة الطيبة من فقراء المسلمين أحد فيقسم ذلک المال الطائل بينهم بالسوية؟ إنما الصدقات للفقراء و المساکين والعاملين عليها.الآية. فتخصيصها للحکم لماذا؟.

وهلم معي إلي المسکين صاحب المال تؤخذ منه الصدقات شاء أو أبي وهو يعلم مصب تلکم الاموال ومدرها من أيدي أولئک الجبابرة أو الجباة الجباه السود (نظراء الحکم ومروان والوليد وسعيد) وما يرتکبونه من فجور ومجون، وبعد لم ينقطع من اذنه صدي ما ارتکبه خالدبن وليد سيف.. مع مالک بن نويرة وحليلته وذويه وما يملکه، وکان يسمع من وحي الکتاب قوله تعالي: خذ من أموالهم صدقة تطهر هم بها وتزکيهم (سورة التوبة 140) فهل يري المسکين أن هذا الاخذ يطهره ويزکيه؟ لا حکم إلا لله.

[صفحه 256]

نعم يقول المغيرة بن شعبة زاني ثقيف: إن النبي صلي الله عليه وآله أمرنا أن ندفعها إليهم و عليهم حسابهم[3] ويقول ابن عمر: إدفعواها إليهم وإن شربوا بها الخمر.ويقول: إدفعها إلي الامراء وان تمزعوا بها لحوم الکلاب علي موائدهم.[4] .

نحن لا نقيم لامثال هذه الآراء وزنا، ولا أحسب ان الباحث يقدر لها قيمة فانها ولائد ظنون مجردة.وقد جاء في اولئک الامراء باسناد صححه الحا کم والذهبي من طريق جابر بن عبدالله قال قال صلي الله عليه وآله لکعب بن عجرة: أعاذک الله ياکعب من إمارة السفهاء.قال: وما إمارة السفهاء يارسول الله؟ قال: امراء يکونون بعدي لا يهدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بکذبهم وأعانهم علي ظلمهم فاولئک ليسوا مني و لست منهم، ولا يردون علي حوضي[5] .

فإعطاء الصدقات لاولئک الامراء من أظهر مصاديق الاعانة علي الاثم والعدوان والله تعالي يقول: تعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الاثم والعدوان «سورة المائدة2».

ثم إن الصدقات کضرائب مالية في اموال الاغنياء لاعاشة الضعفاء من الامة قال مولانا اميرالمؤمنين عليه السلام: إن الله عزوجل فرض علي الاغنياء في أموالهم ما يکفي الفقراء فان جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الاغنياء، وحق علي الله تبارک وتعالي أن يحاسبهم ويعذبهم. (الاموال لابي عبيد ص 595، المحلي لابن حزم 158: 6، و أخرجه الخطيب في تاريخه 208: 5 من طريق علي مرفوعا)

وفي لفظ: إن الله سبحانه فرض في أموال الاغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله سائلهم عن ذلک (نهج البلاغة 214: 2)

هذا هو مجري الصدقات في الشريعة المطهرة، وهو الذي يطهر صاحب المال و يزکيه، ويکتسح عن المجتمع معرة الآراء الفاسدة من الفقراء، المقلقة للسلام و المعکرة لصفو الحياة.

[صفحه 257]

ثم: الخليفة يدعي[6] ان رسول الله صلي الله عليه وآله وعده رد الحکم بعد أن فاوضه في ذلک، إن کان هذا الوعد صحيحا فلم لم يعلم به أحد غيره؟ ولا عرفه الشيخان قبله.وهلا رواه لهما حين کلمهما في رده فجبهاه بما عرفت؟ أو أنهما لم يثقا بتلک الرواية؟ فهذه مشکلة أخري.أو انهما صدقاه؟ غيرانهما رأيا أن صلي الله عليه وآله وعده أن يرده هو صلي الله عليه وآله ولم يرده، ولعل المصلحة الواقعية أو الظروف لم تساعده علي إنجاز الوعد حتي قضي نحبه، فمن أين عرف الترخيص له في رده؟ ولو کانت هناک شبهة رخصة؟ لعمل بها الشيخان حين فاوضهما هو في ذلک، لکنهما ماعرفا الشبهة ولا علما تلميحا للرخصة بل رأياه عقدة لرسول الله صلي الله عليه وآله لاتنحل، وفي الملل والنحل للشهرستاني 25: 1: فما أجابا إلي ذلک ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا.ه د.ومن هنا رأي ابن عبد ربه في العقد، وأبوالفدا في تاريخه 168: 1: أن الحکم طريد رسول الله وطريد أبي بکر وعمر أيضا، وکذلک الصحابة کلهم ماعرفوا مساغا لرد الرجل وأبناؤه وإلا لما نقموا به عليه ولعذروه علي ما ارتکبه وفيهم من لا تخفي عليه مواعيد النبي صلي الله عليه وآله.

وللخليفة معذرة أخري قال ابن عبد ربه في العقد الفريد 272: 2: لما رد عثمان الحکم طريد النبي صلي الله عليه وسلم وطريد أبي بکر وعمر إلي المدينة تکلم الناس في ذلک فقال عثمان: ماينقم الناس مني؟ أني وصلت رحما وقريت عينا.اه ونحن لا نخدش العواطف بتحليل کلمة الخليفة هذه، ولا نفصل القول في مغزاها وانما نمر به کراما، وأنت إذا عرفت الحکم وما ولد فعلمت أن ردهم إلي المدينة المشرفة وتوليهم علي الامور، وتسليطهم علي ناموس الاسلام، وإتخاذ الحمي لهم کمامر ص 242 جناية کبيرة علي الامة لا تغتفر، ولا تقر بها قط عين.



صفحه 255، 256، 257.





  1. الانساب للبلاذري 27: 5، الرياض النضرة 143: 2، أسدالغابة 35: 2، السيرة الحلبية 337: 1، الاصابة 345: 1،.
  2. سورة الاحزاب: 21.
  3. سنن البيهقي 115: 4.
  4. سنن البيهقي 115: 4، الاموال لابي عبيد ص. 57.
  5. مستدرک الحاکم 422: 4.
  6. الانساب للبلاذري 27: 5، الرياض النضرة 143: 2، مرآة الجنان لليافعي 85: 1 الصواعق ص 68، السيرة الحلبية 86: 2.