راي عثمان في الاموال والصدقات











راي عثمان في الاموال والصدقات



لم تکن فدک ببدع من ساير الاموال من الفئ والغنائم والصدقات عند الخليفة بل کان له رأي حر فيها وفي مستحقيها، کان يري المال مال الله، ويحسب نفسه ولي المسلمين، فيضعه حيث يشاء ويفعل فيه مايريد، فقام کما قال مولاناأميرالمؤمنين نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع.[1] .

کان يصل رحمه بمال يستوي فيه المسلمون کلهم، ولکل فرد من الملا الديني منه حق معلوم للسائل والمحروم، لا يسوغ في شرعة الحق وناموس الاسلام المقدس حرمان أحد من نصيبه وإعطاء حقه لغيره من دون مرضاته.

جاء عن رسول الله صلي الله عليه وآله في الغنائم: لله خمسه وأربعة أخماس للجيش، وما أحد أولي به من أحد، ولا السهم تستخرجه من جنبک، ليس أنت أحق به من أخيک المسلم.[2] .

[صفحه 239]

وکان صلي الله عليه وآله إذا جاءه فئ قسمه من يومه فأعطي ذاالاهل حظين، وأعطي العزب حظا[3] .

والسنة الثابتة في الصدقات ان أهل کل بيئة أحق بصدقتهم مادام فيهم ذو حاجة، وليست الولاية علي الصدقات للجباية وهملها إلي عاصمة الخلافة وإنما هي للاخذ من الاغنياء والصرف في فقراء محالها، وقد ورد في وصية رسول الله صلي الله عليه وآله معاذا حين بعثه إلي اليمن يدعوهم إلي الاسلام والصلاة انه قال: فإذا أقروا لک بذلک فقل لهم: إن الله قد فرض عليکم صدقة أموالکم تؤخذ من أغنيائکم فترد في فقرائکم[4] .

قال عمروبن شعيب: إن معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله إلي اليمن حتي مات النبي صلي الله عليه وسلم وأبوبکر ثم قدم علي عمر فرده علي ماکان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنکر ذلک عمر وقال: لم أبعثک جابيا ولا آخذجزية، ولکن بعثتک لتأخذ من أغنياء الناس فترد هاعلي فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليک بشئ وأنا أجد أحدا يأخذه مني. الحديث[5] .

ومن کتاب لمولانا أميرالمؤمنين إلي قثم بن العباس يوم کان عامله علي مکة: «وانظر إلي ما اجتمع عندک من مال الله فاصرفه إلي من قبلک من ذوي العيال والمجاعة مصيبا به مواضع الفاقة والخلات، وما فضل عن ذلک فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا» نهج البلاغة 128: 2.

وقال عليه السلام لعبد الله بن زمعة لما قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا: «إن هذا المال ليس لي ولالک، وإنماهو فئ للمسلمين وجلب أسيافهم، فإن شرکتهم في حربهم کان لک مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لاتکون لغيرأفواههم.» نهج البلاغة 461: 1.

ومن کلام له عليه السلام: «إن القرآن أنزل علي النبي صلي الله عليه وآله والاموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفي الفرائض، والفئ فقسمه علي مستحقيه، و

[صفحه 240]

والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها.» راجع ماأسلفناه في ج 77: 6 ط 2.

وأتي عليا أميرالمؤمنين مال من اصبهان فقسمه بسبعة أسباع ففضل رغيف فکسره بسبع فوضع علي کل جزء کسرة ثم أقرع بين الناس أيهم يأخذ أول[6] .

وأتته عليه السلام إمرأتان تسألانه عربية ومولاة لها فأمر لکل واحد منها بکر من طعام وأربعين درهما أربعين درهما، فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت، وقالت العربية يا أميرالمؤمنين تعطني مثل الذي أعطيت هذه وأناعربية وهي مولاة؟ قال لها علي رضي الله عنه: إني نظرت في کتاب الله عزوجل فلم أر فيه فضلا لولد إسماعيل علي ولد إسحاق[7] .

ولذلک کله کانت الصحابة لا ترتضي من الخليفة الثاني تقديمه بعضا من الناس علي بعض في الاموال بمزية معتبرة کان يعتبرها فيمن فضله علي غيره کتقديم زوجات النبي صلي الله عليه وآله امهات المؤمنين علي غيرهن، والبدري علي من سواه، والمهاجرين علي الانصار، والمجاهدين علي القاعدين، من دون حرمان أي أحد منهم،[8] وکان يقول علي صهوات المنبر: من أراد المال فليأتني فإن الله جعلني له خازنا[9] .

ويقول بعد قراءة آيات الاموال: والله مامن أحد من المسلمين إلا وله حق في هذا المال أعطي منه أو منع حتي راع بعدن.[10] .

ويقول أبدأ برسول الله صلي الله عليه وآله ثم الاقرب فالاقرب إليه. فوضع الديوان علي ذلک.

وفي لفظ أبي عبيد: إن رسول الله إمامنا فبرهطه نبدأ، ثم بالاقرب فالاقرب[11] .

[صفحه 241]

وقبل هذه کلها سنة الله في الذکر الحکيم حول الاموال مثل قوله تعالي:

1- واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساکين وابن السبيل. (الانفال 41)

2- إنما الصدقات للفقراء والمساکين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حکيم(التوبة 60)

3- ماأفاء الله علي رسوله منهم فماأوجفتم عليه من خيل ولا رکاب ولکن الله يسلط رسله علي من يشاء والله علي کل شئ قدير.ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساکين وابن السبيل. (الحشر 7 و 6)

هذه سنة الله وسنة نبيه غير أن الخليفة عثمان نسي مافي الکتاب العزيز، وشذ عما جاء به النبي الاقدس في الاموال، وخالف سيرة من سبقه، وتزحزح عن العدل و النصفة، وقدم أبناء بيته الساقط، أثمار الشجرة الملعونة في کتاب الله، رجال العيث والعبث، والخمور والفجور، من فاسق إلي لعين، إلي حلاف مهين هماز مشاء بنميم، وفضلهم علي أعضاء الصحابة وعظماء الامة الصالحين، وکان يهب من مال المسلمين لاحد من قرابته قناطير مقنطرة من الذهب والفضة من دون أي کيل ووزن، ويؤثرهم علي من سواهم کائنا من کان من ذي قربي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وغيرهم.ولم يکن يجرأ أحد عليه بالامر بالمعروف والنهي عن المنکر لما کان يري سيرته الخشنة مع اولئک القائمين بذلک الواجب، ويشاهد فيهم من الهتک والتغريب والضرب بدرة کانت أشد من الدرة العمرية[12] مشفوعة بالسوط والعصا[13] وإليک نبذة من سيرة الخليفة في الاموال:



صفحه 239، 240، 241.





  1. نهج البلااغة 35: 1.
  2. سنن البيهقي 336 و 324: 6.
  3. سنن أبي داود 25: 2، مسند أحمد 29: 6، سنن البيهقي 346: 6.
  4. صحيح بخاري 215: 3، الاموال لابي عبيد ص 612 و 595 و 580، المحلي 146: 6.
  5. الاموال ص 596.
  6. سنن البيهقي 348: 6.
  7. سنن البيهقي 349: 6.
  8. الاموال لابي عبيد ص 227 224، فتوح البلدان للبلاذري ص 416 -453، سنن البهقي 350 و 349: 6، تاريخ عمربن الخطاب لابن الجوزي 83 -79.
  9. راجع ج 6 من کتابنا هذا 92 ط 2.
  10. الاموال ص 213، سنن البيهقي 351: 6.
  11. الاموال 224، سنن البيهقي 364: 6.
  12. راجع محاضرة الاوائل للسکتواري ص 169.
  13. يأتي حديثه بعيد هذا.