اتخاذ عثمان الحمي له ولذويه











اتخاذ عثمان الحمي له ولذويه



لقد جعل الاسلام منابت العشب من مساقط الغيث والمروج کلها شرعا سواء بين المسلمين إذا لم يکن لها مالک مخصوص کما هو الاصل في المباحات الاصلية من أجواز الفلوات واطراف البراري، فترتع فيها مواشيهم وترعي ابلهم وخيلهم من دون أي مزاحمة بينهم، وليس لاي أحد أن يحمي لنفسه حمي فيمنع الناس عنه، فقال صلي الله عليه وآله: المسلمون شرکاء في ثلاث: في الکلا والماء والنار.

وقال: ثلاث لايمنعن: الماء والکلا والنار.

وقال: لا يمنع فضل الماء ليمنع به الکلا. وفي لفظ: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الکلا. وفي لفظ: من منع فضل الماء ليمنع به فضل الکلا منعه الله فضله يوم

[صفحه 235]

القيامة[1] نعم کان في الجاهلية يحمي الشريف منهم مايروقه من قطع الارض لمواشيه وإبله خاصة فلا يشارکه فيه أحد وإن شارکهم هو في مراتعهم، وکان هذا من مظاهر التجبر السائد عند ئذ، فاکتسح رسول الله صلي الله عليه وآله ذلک فيما اکتسحه من عادات الطواغيت و تقاليد الجبابرة فقال صلي الله عليه وآله: لا حمي إلا لله ولرسوله[2] .

وقال الشافعي في تفسير الحديث: کان الشريف من العرب في الجاهلية إذا نزل بلدا في عشيرته استعوي کلبا فحمي لخاصته مدي عواء الکلب لا يشرکه فيه غيره فلم يرعه معه أحد، وکان شريک القوم في سائر المراتع حوله. قال: فنهي النبي صلي الله عليه وسلم أن يحمي علي الناس حمي کماکانوا في الجاهلية يفعلون. قال:

وقوله: إلا لله ولرسوله. يقول: إلا ما يحمي لخيل المسلمين ورکابهم التي ترصد للجهاد ويحمل عليها في سبيل الله وإبل الزکاة کما حمي عمر النقيع[3] لنعم الصدقة و الخيل المعدة في سبيل الله[4] .

واستعمل عمر علي الحمي مولي له يقال له هني فقال له: ياهني ضم جناحک للناس، واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة، وادخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياي ونعم ابن عفان[5] ونعم ابن عوف فانهما إن تهلک يرجعان إلي نخل وزرع، وإن رب الغنيمة والصريمة يأتي بعياله فيقول: ياأميرالمؤمنين أفتارکهم أنا؟ لا أبالک. الخ[6] .

کان هذا الناموس متسالما عليه بين المسلمين حتي تقلد عثمان الخلافة فحمي لنفسه دون إبل الصدقة کما في أنساب البلاذري 37: 5، والسيرة الحلبية 87: 2، أو له و لحکم ابن أبي العاص کما في رواية الواقدي، أو لهما ولبني أمية کلهم کما في شرح

[صفحه 236]

إبن أبي الحديد 67: 1 قال: حمي (عثمان) المرعي حول المدينة کلها من مواشي المسلمين کلهم إلا عن بني أمية. وحکي في ص 235 عن الواقدي انه قال: کان عثمان يحمي الربذة والشرف والنقيع، فکان لايدخل الحمي بعير له ولا فرس ولا لبني امية حتي کان آخر الزمان، فکان يحمي الشرف[7] لابله: وکانت الف بعير ولابل الحکم بن أبي العاص، ويحمي الربذة[8] لابل الصدقة، ويحمي النقيع لخيل المسلمين وخيله و خيل بني أمية. اه.

نقم ذلک المسلمون علي الخليفة فيما نقموه عليه وعدته عائشة مما أنکروه عليه فقالت: وإنا عتبنا عليه کذا وموضع الغمامة المحماة[9] وضربه بالسوط والعصا، فعمدوا إليه حتي إذا ماصوه کما يماص الثوب.[10] قال ابن منظور في ذيل الحديث: الناس شرکاء فيما سقته السماء من الکلا إذالم يکن مملوکا فلذلک عتبواعليه.

کانت في إتخاذ الخليفة الحمي جدة وإعادة لعادات الجاهلية الاولي التي أزاحها نبي الاسلام صلي الله عليه وآله وجعل المسلمين في الکلا مشترکين، وقال: ثلاثة يبغضهم الله. وعد فيهم من استن في الاسلام سنة الجاهلية[11] وکان حقا علي الرجل أن يحمي حمي الاسلام قبل حمي الکلا، ويتخذ ماجاء به الرسول صلي الله عليه وآله سنة متبعة ولا يحيي سنة الجاهلية، ولن تجد لسنة الله تحويلا، ولن تجد لسنة الله تبديلا. ولکنه...



صفحه 235، 236.





  1. توجد هذه الاحاديث في صحيح البخاري 110: 3، الاموال لابي عبيد ص 296، سنن أبي داود 101: 2، سنن ابن ماجة 94: 2.
  2. صحيح البخاري 113: 3، الاموال لابي عبيد ص 294، کتاب الام للشافعي 207: 3، وفي الاخيرين تفصيل ضاف حول المسألة.
  3. علي عشرين فرسخا أو نحو ذلک من المدينة «معجم البلدان».
  4. راجع کتاب الام 208: 3، معجم البلدان 347: 3، نهاية ابن الا ثير 297: 1، لسان العرب 217: 18، تاج العروس 99: 10.
  5. في لفظ أبي عبيد: ودعني من نعم ابن عفان. بدل (واياي ونعم ابن عفان).
  6. صحيح البخاري 71: 4، الاموال لابي عبيد ص 298، کتاب الام 271: 3.
  7. کذا نجد. عند البخاري بالسين المهملة. وفي موطا ابن وهب: الشرف. بالشين المعجمة وفتح الراء وهذا الصواب (معجم البلدان).
  8. الربذة في الشرف «المذکورة» هي الحمي الايمن.
  9. يسمي العشب بالغمامة کما يسمي بالسماء. المحماة من أحميت المکان فهومحمي. أي جعلته حمي. (الفائق للزمخشري).
  10. راجع الفائق للزمخشري 117: 2، نهاية ابن الاثير 298: 1، ج 121: 4، لسان العرب 363: 8: ج 217: 18، تاج العروس 99: 10.
  11. بهجة النفوس للحافظ الازدي ابن أبي جمرة 197: 4.