عثمان في ليلة وفاة ام كلثوم











عثمان في ليلة وفاة ام کلثوم



أخرج البخاري في صحيحه في الجنائز باب يعذب الميت ببکاء أهله. وباب من يدخل قبر المرأة ج 244 و 225: 2 بالاسناد من طريق فليح بن سليما عن أنس بن مالک قال: شهدنا بنت[1] رسول الله صلي الله عليه وسلم ورسول الله صلي الله عليه وسلم جالس علي القبر فرأيت

[صفحه 232]

عينيه تدمعان فقال: هل فيکم من أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبوطلحة «زيد بن سهل الانصاري»: أنا، قال: فأنزل في قبرها. قال: فنزل في قبرها فقبرها. قال ابن مبارک: قال فليح: أراه يعني الذنب. قال أبوعبدالله «يعني البخاري نفسه»: ليقترفوا ليکتسبوا[2] وفي مسند أحمد: قال سريج: يعني ذنبا.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات 31: 8 ط ليدن، وأحمد في مسنده 270 و 229 و 228 و 126: 3، والحاکم في المستدرک 47: 4، والبيهقي في السنن الکبري 53: 4 من طريقين، وذکره السهيلي في الروض الانف 107: 2 نقلا عن تاريخ البخاري وصحيحه وعن الطبري فقال: قال ابن بطال: أراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يحرم عثمان النزول في قبرها وقد کان أحق الناس بذلک لانه کان بعلها وفقد منها علقا لا عوض منه لانه حين قال عليه السلام: أيکم لم يقارف الليلة أهله. سکت عثمان ولم يقل أنا لانه کان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ولم يشغله الهم بالمصيبة وانقطاع صهره من النبي صلي الله عليه وسلم عن المقارفة فحرم بذلک ماکان حقاله وکان أولي من أبي طلحة وغيره، وهذا بين في معني الحديث ولعل النبي صلي الله عليه وسلم قد کان علم ذلک بالوحي فلم يقل له شيئا لانه فعل فعلا حلالا غير ان المصيبة لم تبلغ منه مبلغا يشغله حتي حرم ماحرم من ذلک بتعريض غير تصريح والله أعلم.

ويوجد الحديث في نهاية ابن الاثير 276: 3، لسان العرب 189: 11، الاصابة 489: 4، تاج العروس 220: 6.

قال الاميني: إضطربت کلمات العلماء حول هذا الحديث غير ان فليحا المتوفي سنة 163، الذي فسر المقارفة بالذنب، وأيد البخاري کلامه بقوله: ليقترفوا ليکتسبوا وسريجا المتوفي سنة 217 هم أقدم من تکلم فيه، وقال الخطابي:[3] معناه لم يذنب[4] وجاء ابن بطال[5] وخصه بمقارفة النساء، وجمع بينهما العيني،[6] وأيا ماکان

[صفحه 233]

فلاشک في انه أمر استحق من جرائه عثمان الحرمان من النزول في قبر زوجته ابنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وکان أولي الناس بها، والمسلمون کلهم کانوا يعلمون ذلک، لکن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الداعي إلي الستر علي المؤمنين والاغضاء عن العيوب، الناهي عن إشاعة الفحشاء في کتابه الکريم، والمانع عن التجسس عما يقع في الخلوات، ألمبعوث لاعزاز أهل الدين، شاء وماينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي أن يستثني موردا واحدا تلوح بأمر عظيم حرم لاجله عثمان من الحظوة بالنزول في قبر حليلته أو معقد شرفه بصهر رسول الله صلي الله عليه وآله وواسطة مفخره بهاتيک الصلة، فعرف المسلمون ذلک المقتضي بالطبع الاول وهذا المانع من المقارفة المختلف في تفسيرها، فان کان ذنبا أثر في رسول الله صلي الله عليه وسلم أن حط من رتبته بماقلناه؟ ولو کانت صغيرة وهي غير ظاهرة تسترها، لکنها بلغت من الکبر حدا لم ير صلي الله عليه وآله سترها، ولا رعي حرمة ولا کرامة لمقترفها، فإن کانت سيئة هذا شأنها؟ فلا خير فيمن يجترح السيئآت.

وإن اريدت مقارفة النساء علي الوجه المحلل فهي من منافيات المروءة ومن لوازم الفظاطة ولغلظة فأي إنسان تحبذله نفسه التمتع بالجواري في أعظم ليلة عليه هي ليلة تصرم مجده، وانقطاع فخره، وانفصام عري شرفه، فکيف هان ذلک علي الخليفة؟ فلم يراع حرمة رسول الله صلي الله عليه وآله واستهانت تلک المصيبة العظيمة فتلذذ بالرفث إلي جارية[7] والمطلوب من الخلفاء معرفة فوق هذه من أول يومهم، ورأفة أربي مماوقع، ورقة تنيف علي ماصدرمنه، وحياء يفضل علي ماناء به.

ومن العسير جدا الخضوع للاعتقاد بان رسول الله صلي الله عليه وآله ارتکب ذالک الهتک والاهانة علي أمر مباح مع رأفته الموصوفة علي أفراد الامة وإغراقه نزعا في الستر عليهم، وکيف في حق رجل يعلم صلي الله عليه وآله انه سيشغل منصة الخلافة.

هذا ما عندنا وأما أنت فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر.

أيحکم ضميرک الحر عند ئذ في رجل هذا شأنه وهذه سيرته مع کريمة رسول الله صلي الله عليه وآله بصحة ماأخرجه ابن سعد في طبقاته 38: 3 من القول المعزو إلي رسول الله صلي الله عليه وآله يوم قارف الرجل، يوم سمع من النبي الاعظم تلک القارصة: لوکان عندي ثالثة

[صفحه 234]

زوجتهما عثمان، قاله لما ماتت أم کلثوم. کذا قال ابن سعد.

أوقوله: لوکن (يعني بناته) عشرا لزوجتهن عثمان[8] .

أو قوله فيما أخرجه ابن عساکر: لو ان لي أربعين بنتا لزوجتک واحدة بعد واحدة حتي لا تبقي منهن واحدة[9] .

أو قوله فيما جاء به ابن عساکر[10] من طريق أبي هريرة قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لقي عثمان بن عفان علي باب المسجد فقال: ياعثمان هذا جبريل يخبرني ان الله قد زوجک ام کلثوم بمثل صداق رقية علي مثل مصاحبتها.

أکانت مصاحبة عثمان هذه ام کلثوم لدة مصاحبتها رقية وکانت مرضية للمولي سبحانه؟ أو تري عثمان متخلفا عن شرط الله في ام کلثوم؟ أنا لا أدري.

علي أن اسناد هذا الحديث معلول من جهات، وکفاه علة عبدالرحمن بن أبي الزناد القرشي وقد ضعفه ابن معين وابن المديني وابن أبي شيبة وعمرو بن علي والساجي وابن سعد، وقال ابن معين والنسائي: لا يحتج بحديثه[11] .



صفحه 232، 233، 234.





  1. الصحيح عند شراح الحديث انها أم کلثوم زوجة عثمان بن عفان، وجاء في لفظ أحمد وغيره انها رقية. وعقبه السهيلي وقال: هو وهم بلاشک. راجع الروض الانف 107: 2، فتح الباري 122: 3، عمدة القاري 85: 4.
  2. ايعاز إلي قوله تعالي: وليقترفوا ما هم مقترفون. کما في فتح الباري 163: 3، وفي قوله تعالي: إن الذين يکسبون الاثم سيجزون بماکانوا يقترفون.
  3. أبوسليمان حمد بن محمد البستي صاحب التآليف القيمة المتوفي 388.
  4. ذکره العيني في عمدة القاري 85: 4.
  5. ذکرکلامه السهيلي في الروض الانف 107: 2 کما مر بلفظه.
  6. عمدة القاري 85: 4.
  7. کما في عمدة قاري 85: 4.
  8. طبقات ابن سعد ط ليدن 25: 8.
  9. تاريخ ابن کثير 212: 7 وقال: اسناد ضعيف، أخبار الدول للقرماني ص 98.
  10. راجع تاريخ ابن کثير 211: 7.
  11. تهذيب التهذيب 171: 6.