راي عثمان في المعترفة بالزنا











راي عثمان في المعترفة بالزنا



عن يحيي بن حاطب قال: توفي حاطب فأعتق من صلي من رقيقه وصام وکانت له أمة نوبية قدصلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم ترعه إلا بحبلها وکانت ثيبا فذهب إلي عمر رضي الله عنه فحدثه فقال: لانت الرجل لاتأتي بخير، فأفزعه ذلک فأرسل إليها عمر رضي الله عنه فقال: أحبلت؟ فقالت: نعم من مرعوش بدرهمين. فاذا هي تستهل بذالک لاتکتمه قال: وصادف عليا وعثمان وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهم فقال: أشيروا علي وکان عثمان رضي الله عنه جالسا فاضطجع فقال علي وعبدالرحمن: قد وقع عليها الحد. فقال: أشر علي ياعثمان فقال: قد أشارعليک أخواک، قال: أشر علي أنت. قال: أراها تستهل به کأنها لا تعلمه وليس الحد إلا علي من علمه فقال: صدقت صدقت والذي نفسي بيده، ماالحد إلا علي من علمه. فجلد ها عمر مائة وغربها عاما.

قال الاميني: أسلفنا هذا الحديث في الجزء السادس[1] وتکلمنا هنالک حول رأي الخليفة الثاني وما أمر به من الجلد والاغتراب وانه خارج عن نطاق الشرع، وهاهنا ننظر إلي رأي عثمان وفتياه بعدم الحد.

ولو کان ما يقوله الخليفة حقا لبطلت الاقارير والاعترافات في أمثال المورد فيقال في کلها انه لا يعلم الحد ولو علمه لاخفاه خيفة إجرائه عليه، وکان رسول الله صلي الله عليه وآله يحد بالاقرار ولو بعد استبراء الخبر والتريث في الحکم رجاء أن تکون هناک شبهة يدرأ بها الحد فکان صلي الله عليه وآله يقول للمعترف بالزنا: أبک جنون؟[2] أو يقول: لعلک قبلت

[صفحه 228]

أو غمزت أو نظرت؟[3] وکذلک مولا نا أميرالمؤمنين علي وقبله الخليفة الثاني کانا يدافعان المعترف رجاء أن ينتج الاخذ والرد لشبهة في الاقرار، لکنهما بعد ثبات المعترف علي ماقال کانا يجريان عليه الحد، ألا تري قول عمر للزانية: مايبکيک؟ إن المرأة ربما استکرهت علي نفسها. فاخبرت إن رجلا رکبها وهي نائمة فخلي سبيلها، وإن عليا عليه السلام قال لشراحة حين أقرت بالزنا: لعلک عصيت نفسک؟ قالت: أتيت طائعة غير مکرهة فرجمها[4] .

ولعل من جراء أمثال هذه القضايا طرق سمع الخليفة ان الحدود تدرأ بالشبهات، والحدود تدفع ما وجد لها مدفع، غير أنه لم يدر ان للاقرار ناموسا في الشريعة لا يعدوه ولا سيما في مورد الزنا فانه يؤاخذ به المعترف في أول مرة کما تعطيه قصة العسيف الواردة في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، أو بعد أربع أقارير إما في مجلس واحد کما ورد في قصة الماعز في لفظ الشيخين في الصحيحين، أوفي عدة مجالس کما يظهر من حديث زاني بني ليث الوارد في سنن البيهقي 228: 8، فتقوم تلکم الاقارير مقام أربع شهادات، کما وقع في سارق جاء إلي علي فقال: إني سرقت، فرده فقال: إني سرقت. فقال: شهدت علي نفسک مرتين فقطعه.[5] وقد عزب عن الخليفة فقه المسألة کمابيناه، وهي علي ماجاءت في الاحاديث المذکورة يختلف حکمها عند أئمة المذاهب قال القاضي ابن رشد في بداية المجتهد 429: 2: أما عدد الاقرار الذي يجب به الحد فان مالکا[6] والشافعي[7] يقولان يکفي في وجوب الحد عليه إعترافه به مرة واحدة وبه قال داود وأبوثور الطبري وجماعة، وقال أبوحنيفة وأصحابه وابن أبي ليلي: لا يجب الحد إلا بأقارير أربعة مرة بعد مرة، وبه قال أحمد واسحاق، وزاد أبوحنيفة وأصحابه في مجالس متفرقة.

[صفحه 229]

ثم ما ذايعني الخليفة بقوله: أراها تستهل به کأنها لا تعلمه، وليس الحد إلا علي من علمه؟ هل يريد جهلها بالحد أو بحرمة الزنا؟ أما العلم بثبوت الحد فليس له أي صلة بإجراء حکم الله فانه يتبع تحقق الزنا في الخارج علم الزاني أو الزانية بترتب الحد عليهما أم لم يعلما.

علي انه ليس من الممکن في عاصمة النبوة أن يجهل ذلک أي أحد وهو يشاهد في الفينة بعد الفينة مجلودا تنال منه السياط، ومرجوما تتقاذفه الاحجار.

وأماحرمة الزنا فلا يقبل من المتعذر بالجهل بها إلا حيث يمکن صدقه کمن عاش في أقاصي البراري والفلوات والبقاع النائية عن المراکز الاسلامية، فيمکن أن يکون الحکم لم يبلغه بعد، وأما المدني يومئذ الکائن بين لوائح النبوة ومجاري الاحکام والحدود وتحت سيطرة الخلفاء، وهو يعي کل حين التشديد في الزنا وحرمته، ويشاهد العقوبات الجارية علي الزناة من جراء حرمة السفاح، فعقيرة ترتفع من ألم السياط، وجنازة تشال بعد الرجم، فليس من الممکن في حقه عادة أن يجهل حرمة الزنا فلا تقبل منه دعواه الجهل، ولعل هذامما اتفقت عليه أئمة المذاهب، قال مالک في المدونة الکبري 382: 4 في الرجل يطأ مکاتبته يغتصبها أو تطاوعه: لا حد عليه وينکل إذا کان ممن لا يعذر بالجهالة.

وقال فيمن يطلق امرأته تطليقة قبل البناء بها فيطؤها بعد التطليقة ويقول: ظننت أن الواحدة لا تبينها مني وانه لا يبرأها مني إلا الثلاث: قال ابن القاسم: ليس عليه الحد إن عذر بالجهالة، فأري في مسألتک إن کان ممن يعذر بالجهالة أن يدرأ عنه الحد لان مالکا قال في الرجل يتزوج الخامسة: إن کان ممن يعذر بالجهالة وممن يظن انه لم يعرف أن ما بعد الاربع ليس مما حرم الله، أو يتزوج أخته من الرضاع علي هذاالوجه، فان مالکا درأ عنه الحد وعن هؤلاء.

وفي ص 401: من وطئ جارية هي عنده رهن انه يقام عليه الحد، قال ابن القاسم: ولا يعذر في هذاأحد ادعي الجهالة. قال مالک: حديث التي قالت زينب بمرعوش بدرهمين[8] انه لا يؤخذبه. وقال مالک: أري أن يقام الحد ولا يعذرالعجم بالجهالة.

[صفحه 230]

وقال الشافعي في کتاب الام 169: 7 في زناء الرجل بجارية امرأته: إن زناه بجارية امرأته کزناه بغيرها إلا أن يکون ممن يعذر بالجهالة ويقول: کنت أري أنها لي حلال.

قال شهاب الدين أبوالعباس ابن النقيب المصري في عمدة السالک: ومن زني و قال: لاأعلم تحريم الزنا وکان قريب العهد بالاسلام أو نشأ ببادية بعيدة لا يحد، وإن لم يکن کذلک حد.[9] اه.

ولو قبل من کل متعذر بالجهالة لعطلت حدودالله، وتترس به کل زان و زانية، وشاع الفساد، وساد الهرج، وارتفع الامن علي الفروج والنواميس، ولو راجعت ما جاء في مدافعة النبي صلي الله عليه وآله والخلفاء عن المعترف بالزنا لالقاء الشبهة لدرء الحد تراهم يذکرون الجنون والغمز والتقبيل وما شابه ذلک، ولا تجد ذکر الجهل بالحرمة في شئ من الروايات، فلو کان لمطلق الجهل تأثير في درء الحد لذکروه لامحالة من غير شک.

علي أن الجهل حيث يسمع يجب أن يکون بادعاء من الرجل لا بالتوسم من وجناته وأسارير جبهته واستهلاله في إقراره کما زعمه الخليفة وهو ظاهر کلمات الفقهاء المذکورة.

ولما قلناه کله لم يعبأ الحضور بذلک الاستهلال، فأخذها مولانا أمير المؤمنين وعبدالرحمن فقالا: قد وقع عليها الحد. وأما عمر فالذي يظهر من قوله لعثمان؟ صدقت. إلخ. وفعله من إجراء الجلد والاغتراب انه هزأ بهذا القول، ولو کان مصدقا لما جلدها لکنه جلدها وهي تستحق الرجم کمامر في الجزء السادس.



صفحه 228، 229، 230.





  1. صفحة 161 ط 1، و 174 ط 2.
  2. کما في صحيح أخرجه البخاري ومسلم والبيهقي في السنن 225: 8.
  3. کما في حديث ماعز وقد أخرجه غيرواحد من اصحاب الصحاح وفي مقدمهم البخاري في صحيحه 39: 10.
  4. أخرجهما الجصاص في أحکام القرآن 325: 3.
  5. کنز العمال 117: 3 نقلا عن عبدالرزاق وابن المنذر والبيهقي.
  6. ذکر تفصيل ماذهب اليه في الموطأ والمدونة الکبري.
  7. يوجد تفصيل قوله في کتابه الام 169: 7.
  8. يعني الحديث المذکور في عنوان المسألة الذي نبحث عمافيه.
  9. راجع فيض الاله المالک في شرح عمدة السالک 312 و 2.