راي عثمان في الاحرام قبل الميقات











راي عثمان في الاحرام قبل الميقات



أخرج البيهقي في السنن الکبري 31: 5 بالاسناد عن داود بن أبي هند ان عبد الله[1] بن عامر بن کريز حين فتح خراسان قال: لاجعلن شکري لله أن أخرج من موضعي محرما فأحرم من نيسابور فلما قدم علي عثمان لامه علي ماصنع قال: ليتک تضبط من الوقت الذي يحرم منه الناس.

لفظ آخر من طريق محمد بن اسحاق قال: خرج عبدالله بن عامر من نيسابور معتمرا قد أحرم منها، وخلف علي خراسان الاحنف بن قيس، فلما قضي عمرته أتي عثمان ابن عفان رضي الله عنه وذلک في السنة التي قتل فيها عثمان رضي الله عنه فقال له عثمان رضي الله عنه: لقد غررت بعمرتک حين أحرمت من نيسابور.

وقال ابن حزم في المحلي 77: 7: روينا من طريق عبدالرزاق نا؟ معمرعن أيوب السختياني عن محمدبن سيرين قال: أحرم عبدالله بن عامر من حيرب[2] فقدم عثمان بن عفان فلامه فقال له: غررت وهان عليک نسکک. وفي لفظ ابن حجر: غررت بنفسک. فقال ابن حزم: قال أبومحمد (يعني نفسه): وعثمان لايعيب عملا صالحا عنده ولا مباحا وإنما يعيب مالا يجوز عنده لا سيما وقد بين انه هوان بالنسک والهوان بالنسک لايحل وقد أمرالله تعالي بتعظيم شعائرالحج.

وذکره ابن حجر في الاصابة 61: 3 وقال: أحرم ابن عامر من نيسابور شکرا لله تعالي وقدم علي عثمان فلامه علي تغريره بالنسک. فقال: کره عثمان أن يحرم من خراسان أو کرمان، ثم ذکر الحديث من طريق سعيد بن منصور وأبي بکر ابن أبي شيبة وفيه: أن ابن عامر أحرم من خراسان. فذکره من طريق محمد بن سيرين والبيهقي فقال: قال البيهقي: هوعن عثمان مشهور.[3] .

[صفحه 209]

وذکر هذه کلها في تهذيب التهذيب 273: 5 غير کلمة البيهقي في شهرة الحديث وفي تيسير الوصول 265: 1: عن عثمان رضي الله عنه: انه کره أن يحرم الرجل من خراسان وکرمان. أخرجه البخاري في ترجمته.

قال الاميني: إن الذي ثبت في الاحرام بالحج أو العمرة ان هذه المواقيت حد للاقل من مدي الاحرام بمعني انه لا يعدوها الحاج وهو غير محرم، وأما الاحرام قبلها من أي البلاد شئ أو من دويرة أهل المحرم، فإن عقده باتخاذ ذلک المحل ميقاتا فلا شک انه بدعة محرمة کتأخيره عن المواقيت، وأماإذا جئ به للاستزادة من العبادة عملا باطلاقات الخير والبر، أو شکرا علي نعمة، أولنذر عقده المحرم فهو کالصلاة والصوم وبقية القرب للشکر أو بالنذر أو لمطلق البر، تشمله کل من أدلة هذه العناوين ولم يرد عنه نهي من الشارع الاقدس، وإنما المأثور عنه وعن أصحابه مايلي:

1- أخرج أئمة الحديث باسناد صحيح من طريق الاخنسي عن ام حکيم عن ام سلمة مرفوعا: من أهل من المسجد الاقصي لعمرة أو بحجة غفر الله ماتقدم من ذنبه. قال الاخنسي: فرکبت ام حکيم عند ذلک الحديث إلي بيت المقدس حتي اهلت منه بعمرة.

وفي لفظ أبي داود والبيهقي والبغوي: من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الاقصي إلي المسجد الحرام غفر له ماتقدم من ذنبه وماتأخر. أو: وجبت له الجنة. وفي لفظ: ووجبت له الجنة.

وفي لفظ ابن ماجة: من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له.

وفي لفظ له أيضا: من أهل بعمرة من بيت المقدس کانت له کفارة لما قبلها من الذنوب. قالت: فخرجت أمي من بيت المقدس بعمرة.

وقال أبوداود بعد الحديث: يرحم الله وکيعا أحرم من بيت المقدس يعني إلي مکة.راجع مسند أحمد 299: 6، سنن أبي داود 275: 1، سنن إبن ماجة 235: 2 سنن البيهقي 30: 5، مصابيح السنة للبغوي 170: 1، والترغيب والترهيب للمنذري 61: 2 ذکره بالالفاظ المذکورة وصححه من طريق ابن ماجة وقال: ورواه ابن حبان في صحيحه.

[صفحه 210]

2- أخرج ابن عدي والبيهقي من طريق أبي هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي: «وأتموا الحج والعمرة لله»:[4] إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلک. سنن البيهقي 30: 5، الدر المنثور 208: 1، نيل الاوطار 26: 5 قال: ثبت ذلک مرفوعا من حديث أبي هريرة.

3- أخرج الحفاظ من طريق علي أميرالمؤمنين انه قال في قوله تعالي: وأتموا الحج والعمرة لله: إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلک.

أخرجه وکيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه ص 34، وابن جرير في تفسيره 120: 2، والحاکم في المستدرک 276: 2، وصححه وأقره الذهبي، والبيهقي في السنن الکبري 30: 6، والجصاص في أحکام القرآن 354 و 337: 1، تفسير ابن جزي 74: 1، تفسير الرازي 162: 2 تفسير القرطبي 343: 2، تفسير ابن کثير 230: 1، الدر المنثور 208: 1، نيل الاوطار 26: 5.

4- قال الجصاص في أحکام القرآن 310: 1: روي عن علي وعمر وسعيد بن جبير وطاوس قالوا: إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلک.

وقال في ص 337: أما الاحرام بالعمرة قبل الميقات فلاخلاف بين الفقهاء فيه. وروي عن الاسودبن يزيد قال: خرجنا عمارا، فلما انصرفنا مررنا بأبي ذر فقال: أحلقتم الشعث وقضيتم التفث؟ أماإن العمرة من مدرکم. وإنما أراد أبوذر: أن الافضل إنشاء العمرة من أهلک، کما روي عن علي: تمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلک.

وقال الرازي في تفسيره 162: 2: روي عن علي وابن مسعود: إن اتمامهما أن يحرم من دويرة أهله. وقال في ص 172: أشتهر عن أکابر الصحابة إنهم قالوا: من إتمام الحج أن يحرم المرء من دويرة أهله.

وقال القرطبي في تفسيره 343: 2 بعد ذکره حديث علي عليه السلام: وروي ذلک عن عمر وسعدبن أبي وقاص وفعله عمران بن حصين. ثم قال: أما ماروي عن علي وما فعله عمران بن حصين في الاحرام قبل المواقيت التي وقتها رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد قال به عبدالله

[صفحه 211]

ابن مسعود وجماعة من السلف، وثبت أن عمر أهل من ايلياء[5] وکان الاسود وعلقمة وعبدالرحمن وأبوإسحاق يحرمون من بيوتهم، ورخص فيه الشافعي. ثم ذکر حديث أم سلمة المذکورة.

وقال ابن کثير في تفسيره 230: 1 بعد حديث علي عليه السلام: وکذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وسفيان الثوري.

5- أخرج البيهقي في السنن الکبري 30: 5 من طريق نافع عن ابن عمر: انه أحرم من ايلياء عام حکم الحکمين.

وأخرج مالک في الموطأ 242: 1: ان ابن عمر أهل بحجة من ايلياء. وذکره ابن الديبع في تيسير الوصول 264: 1، وسيوافيک عن ابن المنذر في کلام أبي زرعة: انه ثابت.

قال الشافعي في کتاب «الام» 118: 2: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمروبن ديناد عن طاوس قال: «ولم يسم عمرو القائل إلا انا نراه ابن عباس » الرجل يهل من أهله ومن بعد مايجاوز أين شاء ولا يجاوز الميقات إلا محرما. إلي أن قال:

قلت: إنه لا يضيق عليه أن يبتدئ الاحرام قبل الميقات کمالا يضيق عليه لو أحرم من أهله، فلم يأت الميقات إلا وقد تقدم باحرامه لانه قد أتي بماأمربه من أن يکون محرما من الميقات. اه.

قال ملک العلماء في بدايع الصنايع 164: 2: کلما قدم الاحرام علي المواقيت هو أفضل وروي عن أبي حنيفة: ان ذلک أفضل إذا کان يملک نفسه أن يمنعها مايمنع منه الاحرام، وقال الشافعي: الاحرام من الميقات أفضل بناء علي أصله أن الاحرام رکن فيکون من أفعال الحج، ولو کان کما زعم لما جاز تقديمه علي الميقات لان أفعال الحج لايجوز تقديمها علي أوقاتها[6] وتقديم الاحرام علي الميقات جايز بالاجماع إذا کان في أشهر الحج، والخلاف في الافضلية دون الجواز، ولنا قوله تعالي: وأتموا

[صفحه 212]

الحج والعمرة لله، وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما انهما قالا: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلک. وروي عن أم سلمة. الخ.

وقال القرطبي في تفسيره 345: 2: أجمع أهل العلم علي أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات أنه محرم، وانما منع من ذلک من رأي الاحرام عند الميقات أفضل کراهية أن يضيق المرأ علي نفسه ماوسع الله عليه، وأن يتعرض بما لايؤمن أن يحدث في إحرامه، وکلهم ألزمه الاحرام اذا فعل ذلک، لانه زاد ولم ينقص.

وقال الحافظ ابوزرعة في طرح التثريب 5: 5 قد بيناان معني التوقيت بهذه المواقيت منع مجاوزتها بلا احرام إذا کان مريدا للنسک، أماالاحرام قبل الوصول إليها فلا مانع منه عند الجمهور، ونقل غير واحد الاجماع عليه، بل ذهب طائفة من العلماء إلي ترجيح الاحرام من دويرة أهله علي التأخير إلي الميقات وهو أحد قولي الشافعي، ورجحه من أصحابه القاضي أبوالطيب والروياني والغزالي والرافعي وهو مذهب أبي حنيفة، وروي عن عمر وعلي انهما قالا في قوله تعالي: واتموا الحج والعمرة لله: اتمامهما أن تحرم بهما من دويرة اهلک، وقال ابن المنذر: ثبت ان ابن عمر اهل من ايلياء يعني بيت المقدس، وکان الاسود وعلقمة وعبدالرحمن وأبواسحاق يحرمون من بيوتهم. انتهي. لکن الاصح عند النووي من قولي الشافعي: ان الاحرام من الميقات أفضل، ونقل تصحيحه عن الاکثرين والمحققين، وبه قال أحمد وإسحاق، وحکي ابن المنذر فعله عن عوام أهل العلم بل زاد مالک عن ذلک فکره تقدم الاحرام علي الميقات، وقال ابن المنذر: وروينا عن عمر انه أنکر علي عمران بن حصين إحرامه من البصرة، وکره الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ومالک الاحرام من المکان البعيد. انتهي.

وعن أبي حنيفة رواية أنه إن کان يملک نفسه عن الوقوع في محظور فالاحرام من دويرة أهله أفضل، وإلا فمن الميقات، وبه قال بعض الشافعية.

وشذ ابن حزم الظاهري فقال: إن أحرم قبل هذه المواقيت وهو يمر عليها فلا إحرام له أن ينوي إذا صار الميقات تجديد إحرام، وحکاه عن داود وأصحابه وهو قول مردود بالاجماع قبله علي خلافه قاله النووي، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات فهو محرم، وکذا نقل الاجماع في ذلک الخطابي وغيره. اه.

[صفحه 213]

وذکر الشوکاني في نيل الاوطار 26: 5 جواز تقديم الاحرام علي الميقات مستدلا عليه بما مر في قوله تعالي: واتموا الحج والعمرة لله. ثم قال:

وأما قول صاحب المنار: انه لو کان أفضل لماترکه جميع الصحابة. فکلام علي غير قانون الاستدلال، وقد حکي في التلخيص انه فسره ابن عيينة فيما حکاه عنه أحمد بأن ينشئ لهما سفرا من أهله. لکن لا يناسب لفظ الاهلال الواقع في حديث الباب ولفظ الاحرام الواقع في حديث أبي هريرة. اه.

والامعان في هذه المأثورات من الاحاديث والکلم يعطي حصول الاجماع علي جواز تقديم الاحرام علي الميقات، وإن الخلاف في الافضل من التقديم والاحرام من الميقات، لکن الخليفة لم يعطي النظر حقه، ولم يوف للاجتهاد نصيبه، أو أنه عزبت عنه السنة المأثورة، فطفق يلوم عبدالله بن عامر، أو انه أحب أن يکون له في المسألة رأي خاص، وقد قال شمس الدين أبوعبدالله الذهبي:


العلم قال الله قال رسوله
إن صح والاجماع فاجهد فيه


وحذار من نصب الخلاف جهالة
بين الرسول وبين رأي فقيه


وهلم معي واعطف النظرة فيما ذکرناه عن ابن حزم من أن عثمان لايعيب عملا صالحا. الخ. فانه غير مدعوم بالحجة غير حسن الظن بعثمان، وهذا يجري في أعمال المسلمين کافة ما لم يزع عنه وازع، وسيرة الرجل تأبي عن الظن الحسن به، وأما مسألتنا هذه فقد عرفنا فيها السنة الثابتة وإن نهي عثمان مخالف لها، وليس من الهين الفت في عضد السنة لتعظيم إنسان وتبرير عمله، فان المتبع في کافة القرب ما ثبت من الشرع، ومن خالفه عيب عليه کائنامن کان.

وأما تشبثه بالهوان بالنسک فتافه جدا، وأي هوان بها في التأهب لها قبل ميقاتها بقربة مطلقة إن لم يکن تعظيما لشعائر الله، وإنما الهوان المحرم بالنسک إدخال الآراء فيها علي الميول والشهوات، ولا تقولوا لما تصف ألسنتکم الکذب هذا حلال و هذا حرام لتفتروا علي الله الکذب، إن الذين يفترون علي الله الکذب لا يفلحون.

«النمل 116».

[صفحه 214]



صفحه 209، 210، 211، 212، 213، 214.





  1. هوابن خال عثمان بن عفان. کمافي الاصابة راجع ج 61: 3.
  2. وفي نسخة: جيرب. ولم اجد هما في المعاجم.
  3. توجد کلمة البيهقي هذه في سننه الکبري 31: 5.
  4. سورة البقرة: 195.
  5. ايلياء بالمد وتقصر: اسم مدينة بيت المقدس.
  6. لا صلة بين رکنية الاحرام وکونه من افعال الحج وبين عدم جواز تقديمه علي المواقيت کما زعمه ملک العلماء، بل هو رکن يجوز تقديمه عليها لمامر من الادلة.