راي عثمان في امرأة المفقود











راي عثمان في امرأة المفقود



أخرج مالک من طريق سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فانها تنتظر أربع سنين، ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا، ثم تحل. وقضي بذالک عثمان بن عفان بعد عمر.

وأخرج أبوعبيد بلفظ: ان عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا: امرأة المفقود تربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم تنکح.

وفي لفظ الشيباني: إن عمر رضي الله عنه أجل امرأة المفقود أربع سنين. وفي لفظ شعبة من طريق عبدالرحمن بن أبي ليلي قال: قضي عمر رضي الله عنه في المفقود تربص امرأته أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها، ثم تربص بعد ذلک أربعة أشهر وعشرا ثم تزوج.

[صفحه 201]

ومن طريق ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه في امرأة المفقود قال: إن جاء زوجها وقد تزوجت خير بين امرأته وبين صداقها، فإن اختار الصداق کان علي زوجها الآخر، وإن اختار امرأته اعتدت حتي تحل، ثم ترجع إلي زوجها الاول وکان لها من زوجها الآخر مهرها بما استحل من فرجها. قال ابن شهاب: وقضي بذلک عثمان بعد عمر رضي الله عنهما.

وفي لفظ الشافعي: إذا تزوجت فقدم زوجها قبل أن يدخل بها زوجها الآخر کان أحق بها فإن دخل بها زوجها الآخر فالاول المفقود بالخيار بين امرأته والمهر[1] .

قال الاميني: من لي بمتفقه في المسألة؟ يخبرني عن علة تريث المفقود عنها زوجها أربع سنين، أهو مأخوذ من کتاب الله؟ فاين هو؟ أم أخذ من سنة رسول الله صلي الله عليه وآله فمن ذا الذي رواها ونقلها؟ والصحاح والمسانيد للقوم خالية عنها، نعم ربما يتشبث للتقدير بانها نهاية مدة الحمل قال البقاعي في فيض الاله المالک 263: 2: وسبب التقدير بأربع سنين إنها نهاية مدة الحمل وقد أخبر بوقوعه لنفسه الامام الشافعي وکذا الامام مالک وحکي عنه أيضا انه قال: جارتنا امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل کل بطن أربع سنين، وورد هذا عن غير تلک المرأة ايضا. اه.

وهذا التعليل حکاه ابن رشد في مقدمات المدونة الکبري 101: 2 عن أبي بکر الابهري ثم عقبه بقوله: وهو تعليل ضعيف لان العلة لوکانت في ذلک هذا لوجب أن يستوي فيه الحر والعبد[2] لاستوائهما في مدة لحوق النسب. ولوجب أن يسقط جملة في الصغيرة التي لا يوطأ مثلها إذا فقد عنها زوجها فقام عنها أبوها في ذلک فقد قال: إنها لو أقامت عشرين سنة ثم رفعت أمرها لضرب لها أجل أربعة أعوام وهذا يبطل تعليله إبطالا ظاهرا. اه.

وليت هذا المتشبث أدلي في حجته بذکر اناس تريثوا في الارحام النزيهة

[صفحه 202]

عن الخنا أربعا قبل فتيا الخليفتين وإلا فما غناء قصة وقعت بعدهما بردح طويل من الزمن ولا يدري أصحيحة هي أم مکذوبة؟ وعلي فرض الصحة فهل کان الخليفتان يعلمان الغيب؟ وانه سينتج المستقبل الکشاف رجلا يکون حجة لما قدراه من مدة التربص؟ أو کان ماقدراه فتوي مجردة؟ فنحتت لهاالايام علة بعدالوقوع.

علي أن أقصي مدة الحمل محل خلاف بين الفقهاء، ذهب أبوحنيفة وأصحابه والثوري إلي أنه عامان، ومذهب الشافعي أنه أربعة أعوام، وأختار ابن القاسم أن اکثره خمسة أعوام[3] وروي أشهب عن مالک سبعة أعوام علي ماروي: ان امرأة إبن عجلان ولدت ولدامرة لسبعة أعوام[4] .

ولعل أبناء عجلان آخرين في أرجاء العالم لايرفع أمر حلائهم إلي مالک والشافعي وقد ولدن أولادا لثمانية أوتسعة أوعشرة أعوام، دع العقل والطبيعة والبرهنة تستحيل ذلک کله، ماهي وما قيمتها تجاه ماجاءت به امرأة عجلان وحکم به مالک؟ أو وجاه ما أتت به ام الامام الشافعي فافتي به.

نقل ابن رشد في سبب التقدير بأربعة أعوام عللا غيرهذا وإن رد ها وفندها، منها انها المدة التي تبلغها المکاتبة في بلد الاسلام مسيرا ورجوعا، ومنها: انه جهل إلي أي جهة سار من الاربع جهات، فلکل جهة تربص سنة فهي أربع سنين. هذا مبلغ علمهم بفلسفة آراء جاء بها عمر وعثمان فأين يقع هو من حکم ماصدع به النبي الاقدس؟.

ثم يخبرني هذا المتفقه عن هذه العدة التي أثبتها الخليفتان لما ذاهي؟ فان کانت عدة الوفاة؟ فأنها غير جازمة بها، ولا تثبت بمجرد مرور أربع سنين أو أکثر وفي رواية عن عمر کما سمعت انه قضي في المفقود تربص امرأته أربع سنين ثم يطلقها ولي روجها ثم تربص بعد ذلک اربعة أشهر وعشرا ثم تزوج.[5] فعلي هذا انها عدة الطلاق فيجب أن تکون ثلاثة قروء، فما هذا أربعة أشهر وعشرا؟ وعلي فرض ثبوت هذه العدة ولو بعد الطلاق من باب الاخذ بالحائطة فماعلاقة الزوج بها؟ حتي انه إذاجاء

[صفحه 203]

بعد النکاح خير بين امرأته وبين صداقها، وقد قطع الشرع أي صلة بينهما ورخص في تزويجها، فنکحت علي الوجه المشروع، قال ابن رشد:[6] ألا تري انها لو ماتت بعد العدة لم يوقف له ميراث منها، وإن کان لو أتي في هذه الحالة کان أحق بها، ولو بلغ هو من الاجل مالا يجئ إلي مثله من السنين وهي حية لم تورث منه، وإنما يکون لها الرضا بالمقام علي العصمة مالم ينقض الاجل المفروض، وأما إذا انقضي واعتدت فليس ذلک لها وکذلک إن مضت بعد العدة.

ثم ما وجه أخذ الصداق من الزوج الثاني عند اختيار الاول الصداق ولم يأت بمأثم وإنما تزوج بامرأة أباحها له الشريعة.

وأعجب من کل هذه أن هذه الروايات بمشهد من الفقهاء کلهم ولم يفت بمقتضاها أئمة المذاهب في باب الخيار، قال مالک في الموطأ 28: 2: إن تزوجت بعدانقضاء عدتها فدخل بها زوجهاأو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الاول إليها. و قال: وذلک الامر عندنا، وإن أدرکها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها.

وقال الشافعي وأبوحنيفة والثوري: لا تحل إمرأة المفقود حتي يصح موته. قاله القاضي ابن رشد في بداية المجتهد 52: 2 فقال: وقولهم مروي عن علي وابن مسعود.

وقال الحنفية: يشترط لوجوب النفقة علي الزوج شروط: أحدها أن يکون العقد صحيحا فلو عقد عليها عقدافاسدا أوباطلا وأنفق عليها ثم ظهر فسادالعقد أو بطلانه فان له الحق في الرجوع عليها بما أنفقه.

ومن ذلک ما إذاغاب عنها زوجها فتزوجت بزوج آخر ودخل بها ثم حضر زوجها الغائب فان نکاحها الثاني يکون فاسدا، ويفرق القاضي بينهما، وتجب عليها العدة بالوطئ الفاسد، ولا نفقة لها علي الزوج الاول ولا علي الزوج الثاني[7] .

قال الشافعي في کتاب «الام» 221: 5: لم أعلم مخالفا في أن الرجل أوالمرأة لو غابا أو أحدهما برا أو بحرا علم مغيبهما أولم يعلم فماتا أو أحدهما فلم يسمع لهما بخبر

[صفحه 204]

أو أسرهما العدو فصيروهما إلي حيث لاخبر عنهما لم نورث وحدا منهما من صاحبه إلا بيقين وفاته قبل صاحبه، فکذلک عندي امرأة الغائب أي غيبة کانت مماوصفت أو لم أصف باسار عدو أو بخروج الزوج ثم خفي مسلکه أو بهيام من ذهاب عقل أو خروج فلم يسمع له ذکر أو بمرکب في بحر فلم يأتي له خبر أوجاء خبر أن غرق کان يرون انه قد کان فيه ولا يستيقنون انه فيه، لاتعتد إمرأته ولا تنکح أبدا حتي يأتيها بيقين وفاته، ثم تعتد من يوم استيقنت وفاته وترثه، ولا تعتد امرأة من وفاة ومثلها يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته، ولو طلقها وهو خفي الغيبة بعد أي هذه الاحوال کانت، أوآلي منها، أوتظاهر، أو قذفها، لزم مايلزم الزوج الحاضر في ذلک کله، وإذا کان هذا هکذا لم يجز أن تکون امرأة رجل يقع عليها مايقع علي الزوجة تعتد لامن طلاق ولا وفاة، کما لو ظننت أنه طلقها أو مات عنها لم تعتد من طلاق إلا بيقين، وهکذا لو تربصت سنين کثيرة بأمر حاکم واعتدت وتزوجت فطلقها الزوج الاول المفقود لزمها الطلاق، وکذا إن آلي منها، أو تظاهر، أو قذفها، لزمه مايلزم الزوج، وهکذا لو تربصت بأمر حاکم أربع سنين ثم اعتدت فاکملت أربعة أشهر و عشرا ونکحت ودخل بها أو نکحت ولم يدخل بها أو لم تنکح وطلقها الزوج الاول المفقود في هذه الحالات لزمها الطلاق لانه زوج، وهکذا لو تظاهر منها أو قذفها أو آلي منها لزمه ما يلزم المولي غير انه ممنوع من فرجها بشبهة بنکاح غيره فلا يقال له فئ حتي تعتد من الآخر إذا کانت دخلت عليه، فإذا أکملت عدتها أجل من يوم تکمل عدتها أربعة أشهر، وذلک حين حل له فرجها وإن أصابها فقد خرج من طلاق الايلاء وکفر وإن لم يصبها قيل له: أصبها أو طلق.

قال: وينفق عليها من مال زوجها المفقود من حين يفقد حتي يعلم يقين موته، وإن أجلها حاکم أربع سنين أنفق عليها فيها وکذلک في الاربعة الاشهر والعشر من مال زوجها، فاذا نکحت لم ينفق عليها من مال الزوج المفقود لانها مانعة له نفسها، وکذلک لا ينفق عليها وهي في عدة منه لوطلقها أومات عنها ولو بعد ذلک، ولم أمنعها النفقة من قبل إنها زوجة الآخر، ولا إن عليها منه عدة، ولا ان بينهما ميراثا، ولا انه يلزمها طلاقه، ولا شئ من الاحکام بين الزوجين إلا لحوق الولد به إن أصابها وإنما

[صفحه 205]

منعتها النفقة من الاول لانها مخرجة نفسها من يديه ومن الوقوف عليه، کما تقف المرأة علي زوجها الغائب بشبهة، فمنعتها نفقتها في الحال التي کانت فيها مانعة له نفسها بالنکاح والعدة، وهي لوکانت في المصر مع زوج فمنعته نفسها منعتها نفقتها بعصيانها، ومنعتها نفقتها بعد عدتها من زوجها الآخر بترکها حقها من الاول وإباحتها نفسها لغيره، علي معني انها خارجة من الاول، ولو أنفق عليها في غيبته ثم ثبتت البينة علي موته في وقت ردت کل ماأخذت من النفقة من حين مات فکان لها الميراث.

ولو حکم لها حاکم بأن تزوج فتزوجت فسخ نکاحها وإن لم يدخل بها فلا مهر لها، وإن دخل بها فأصابها فلها مهرمثلها لا ماسمي لها وفسخ النکاح وإن لم يفسخ حتي مات أو ماتت فلا ميراث لها منه ولاله منها.

قال: ومتي طلقها الاول وقع عليها طلاقه، ولوطلقها زوجها الاول أومات عنها وهي عند الزوج الآخر کانت عند غير زوج فکانت عليها عدة الوفاة والطلاق ولها الميراث في الوفاة والسکني في العدة في الطلاق وفيمن رآه لها بالوفاة، ولو مات الزوج الآخر لم ترثه وکذلک لايرثها لو ماتت. الخ.

فأنت بعد هذه کلها جد عليم بأنه لوکان علي ما أفتي به الخليفتان مسحة من اصول الحکم والفتيا لما عدل عنه هؤلاء الائمة، ولما خالفهما قبلهم مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام، ولماقال عليه السلام في إمرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت امرأته: هي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسک ولا تخير.

ولما قال عليه السلام: إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتي تعلم أمره.

ولما قال عليه السلام: انها لا تتزوج.

ولما قال عليه السلام: ليس الذي قال عمر رضي الله عنه بشئ، هي امرأة الغائب حتي يأتيها يقين موته أوطلاقها، ولها الصداق من هذا بما استحل من فرجها ونکاحه باطل ولما قال عليه السلام: هي امرأة الاول دخل بهاالآخر أو لم يدخل بها.

ولما قال عليه السلام: امرأة ابتليت فلتصبر لا تنکح حتي يأتيها يقين موته.[8] قال

[صفحه 206]

الشافعي بعد ذکر الحديث: وبهذا نقول.

وأميرالمؤمنين کما تعلم أفقه الصحابة علي الاطلاق، وأعلم الامة بأسرها، وباب مدينة العلم النبوي، ووارث علم النبي الاقدس علي ما جاء عنه صلي الله عليه وآله، فليتهما رجعا اليه صلوات الله عليه في حکم المسألة ولم يستبدا بالرأي المجرد کما استعلماه في کثير مما اربکهما من المشکلات، وأني لهما باقتحام المعضلات وهماهما؟ وأي رأي هذا ضربت عنه الامة صفحا؟ وکم له من نظير؟ وکيف أوصي النبي الاعظم باتباع أناس هذه مقاييس آرائهم في دين الله، وهذا مبلغهم من العلم، بقوله فيهم: عليکم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسکوا بها؟[9] .

خصمان بغي بعضنا علي بعض فاحکم بيننا بالحق (سورة ص: 22)



صفحه 201، 202، 203، 204، 205، 206.





  1. موطأ مالک 28: 2،کتاب الام للشافعي 219: 7، سنن البيهقي 446 و 445: 7.
  2. التفصيل بين الحر والعبد بان امرأة الحر يضرب لها الاجل أربعة اعوام ولامرأة العبد تربص عامين کما نص عليه ابن رشد رأي مجرد لادليل عليه.
  3. في الفقه علي المذاهب الاربعة 535: 4: انه خمس سنين علي الراجح.
  4. راجع مقدمات المدونة الکبري للقاضي ابن رشد 102: 2.
  5. سنن البيهقي 445: 7.
  6. مقدمات المدونة الکبري 104: 2.
  7. الفقه علي المذاهب الاربعة 565: 3.
  8. کتاب الام للشافعي 223: 5، البيهقي 446 و 444: 7، مقدمات المدونة الکبري 103: 2.
  9. اسلفنا الحديث في الجزء السادس ص 330 ط 2 وبينا المعني الصحيح المرادمنه.