راي عثمان في صيد الحرم











راي عثمان في صيد الحرم[1]



.

أخرج إمام الحنابلة أحمد وغيره باسناد صحيح عن عبدالله بن الحارث بن نوفل

[صفحه 187]

قال: أقبل عثمان إلي مکة فاستقبلت بقديد فاصطاد أهل الماء حجلا فطبخناه بماء وملح فقدمناه إلي عثمان وأصحابه فأمسکوا فقال عثمان: صيد لم نصده ولم نأمر بصيده إصطاده قوم حل فأطعموناه فما بأس به. فبعث إلي علي فجاء فذکر له فغضب علي و قال: انشد رجلا شهد رسول الله صلي الله عليه وسلم حين أتي بقائمة حمار وحش فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم إنا قوم حرم فأطعموه أهل الحل؟ فشهد إثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، ثم قال علي: أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلي الله عليه وسلم حين أتي ببيض النعام فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إناقوم حرم أطعموه أهل الحل؟ فشهد دونهم من العدة من الاثني عشر قال: فثني عثمان ورکه من الطعام فدخل رحله وأکل الطعام أهل الماء.

وفي لفظ آخر لاحمد عن عبدالله بن الحرث: إن أباه ولي طعام عثمان قال: فکأني أنظر إلي الحجل حوالي الجفان فجاء رجل فقال: إن عليا رضي الله عنه يکره هذا فبعث إلي علي وهو ملطخ يديه بالخبط فقال: إنک لکثير الخلاف علينا فقال علي: اذکر الله من شهد النبي صلي الله عليه وسلم أتي بعجز حمار وحش وهو محرم فقال: إنا محرمون فأطعموه أهل الحل، فقام رجال فشهدوا ثم قال: اذکر الله رجلا شهد النبي صلي الله عليه وسلم أتي بخمس بيضات بيض نعام فقال: إنا محرمون فأطعموه أهل الحل فقام رجال فشهدوا، فقام عثمان فدخل فسطاطه وترکوا الطعام علي أهل الماء.

وفي لفظ الامام الشافعي: ان عثمان أهديت له حجل وهو محرم فأکل القوم إلا عليا فانه کره ذلک.

وفي لفظ لابن جرير: حج عثمان بن عفان فحج علي معه فاتي عثمان بلحم صيد صاده حلال فأکل منه ولم يأکله علي فقال عثمان: والله ماصدنا ولا أمرنا ولاأشرنا فقال علي: وحرم عليکم صيدالبر مادمتم حرما. «سورة المائدة: 96».

وفي لفظ: ان عثمان بن عفان رضي الله عنه نزل قديدا فاتي بالحجل في الجفان شائلة بأرجلها فأرسل إلي علي رضي الله عنه وهو يضفر[2] بعيرا له فجاء والخبط ينحات من يديه، فأمسک علي وأمسک الناس فقال علي: من هاهنا من أشجع؟ هل تعلمون

[صفحه 188]

أن النبي صلي الله عليه وسلم جاء أعرابي ببيضات نعام وتتمير[3] وحش فقال: أطعمهن أهلک فانا حرم؟ قالوا: بلي. فتورک عثمان عن سريره ونزل فقال: خبثت علينا.

وفي لفظ البيهقي: کان الحارث خليفة عثمان رضي الله عنه علي الطائف، فصنع لعثمان رضي الله عنه طعاما وصنع فيه من الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش قال: فبعث إلي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فجاء الرسول وهو يخبط لاباعرله، فجاءه وهو ينفض الخبط من يده فقالوا له: کل. فقال: اطعموه قوما حلالا فانا قوم حرم، ثم قال علي رضي الله عنه: أنشدالله من کان هاهنا من أشجع، أتعلمون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أهدي إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبي أن يأکله؟ قالوا: نعم.

وأخرج الطبري من طريق صبيح بن عبدالله العبسي قال: بعث عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث علي العروض فنزل قديدا فمر به رجل من أهل الشام معه باز و سقر فاستعار منه فاصطاد به من اليعاقيب فجعلهن في حظيرة فلما مر به عثمان طبخهن ثم قدمهن إليه فقال عثمان: کلوا فقال بعضهم: حتي يجئ علي بن أبي طالب. فلما جاء فرأي مابين أيديهم قال علي: إنا لانأکل منه. فقال عثمان مالک لاتأکل؟ فقال: هو صيد لايحل أکله وأنامحرم. فقال عثمان: بين لنا. فقال علي: «يا أيها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم». فقال عثمان: أونحن قتلناه؟ فقرأ عليه: أحل لکم صيد البحر وطعامه متاعا لکم وللسيارة وحرم عليکم صيد البر ما دمتم حرما.

وأخرج سعيد بن منصور کما ذکره ابن حزم من طريق بسربن سعيد قال: إن عثمان بن عفان کان يصاد له الوحش علي المنازل ثم يذبح فيأکله وهو محرم سنتين من خلافته، ثم إن الزبير کلمه فقال: ماأدري ماهذا يصاد لنا ومن أجلنا، لو ترکناه فترکه.

قال الاميني: هذه القصة تشف عن تقاعس فقه الخليفة عن بلوغ مدي هذه المسألة، أو أنه راقه إتباع الخليفة الثاني في الرأي حيث کان يأمر المحرم بأکل لحم الصيد، ويحذر أهل الفتوي عن خلافه مهددا بالدرة إن فعل وسيوافيک

[صفحه 189]

تفصيله إنشاءالله تعالي، غير أن عثمان أفحمه مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام بالکتاب والسنة فلم يجد ندحة من الدخول في فسطاطه والاکتفاء بقوله: إنک لکثير الخلاف علينا.

وهذا القول ينم عن توفر الخلاف بين مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام وبين الخليفة، ومن الواضح الجلي ان الحق کلما شجر خلاف بين مولانا علي عليه السلام وبين غيره کائنامن کان لا يعدو کفة الامام صلوات الله عليه للنص النبوي: علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض يوم القيامة[4] وقوله: علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتي يردا علي الحوض[5] وانه باب مدينة علم النبي صلي الله عليه وآله، ووارث علمه، وعيبة علمه وأقضي أمته[6] وکان سلام الله عليه منزها عن الخلاف لاتباع هوي أواحتدام بغضاء بينه وبين غيره، فإن ذلک من الرجس الذي نفاه الله عنه عليه السلام في آية التطهير. وقد طأطأ کل عيلم لعلمه، وکان من المتسالم عليه انه اعلم الناس بالسنة؟ ولذلک لما نهي عمر عبدالله بن جعفر عن لبس الثياب المعصفرة في الاحرام جابهه الامام عليه السلام بقوله: ما أخال أحدا يعلمنا السنة[7] فسکت عمر إذ کان لم يجد منتدحا عن الاخبات إلي قوله، ولو کان غيره عليه السلام لعلاه بالدرة، ولذلک کان عمر يرجع إليه في کل أمر عصيب فإذا حله قال: لولا علي لهلک عمر[8] أو نظير هذا القول وسيوافيک عن عثمان نفسه قوله: لولا علي لهلک عثمان.

فرأي الامام الطاهر هو المتبع وهو المعتضد بالکتاب بقوله تعالي: وحرم عليکم صيد البر مادمتم حرما، کما استدل به عليه السلام علي عثمان، فبعمومه کماحکاه ابن حزم في المحلي 249: 7 عن طائفة ظاهر في أن الشئ المتصيد هو المحرم ملکه وذبحه وأکله کيف کان، فحرموا علي المحرم أکل لحم الصيد وإن صاده لنفسه حلال، وإن ذبحه حلال، وحرموا عليه ذبح شئ منه وإن کان قد ملکه قبل احرامه.

[صفحه 190]

وقال القرطبي في تفسيره 321: 6: التحريم ليس صفة للاعيان، وإنما يتعلق بالافعال فمعني قوله: وحرم عليکم صيد البر. أي فعل الصيد، وهو المنع من الاصطياد، أو يکون الصيد بمعني المصيد علي معني تسمية المفعول بالفعل، وهو الاظهر لاجماع العلماء علي انه لا يجوز للمحرم قبول صيد وهب له، ولايجوز له شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملکه بوجه من الوجوه، ولا خلاف بين علماء المسلمين في ذلک لعموم قوله تعالي: وحرم عليکم صيد البر مادمتم حرما، ولحديث الصعب بن جثامة. وقال في ص 322: وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر: انه لايجوز للمحرم أکل صيد علي حال من الاحوال، سواء صيد من أجله أولم يصد لعموم قوله تعالي: وحرم عليکم صيد البر مادمتم حرما. قال ابن عباس: هي مبهمة. وبه قال طاووس، وجابربن زيد وأبوالشعثاء، وروي ذلک عن الثوري، وبه قال اسحاق، واحتجوا بحديث ابن جثامة

ويعتضد رأي الامام عليه السلام ومن تبعه بالسنة الشريفة الثابتة بما ورد في الصحاح والمسانيد وإليک جملة منه:

1- عن ابن عباس قال: يازيد بن أرقم هل علمت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أهدي إليه عضد صيد فلم يقبله وقال: إنا حرم؟ قال: نعم.

وفي لفظ: قدم زيدبن أرقم فقال له ابن عباس يستذکره: کيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله صلي الله عليه وسلم وهو حرام؟ قال: نعم أهدي له رجل عضوا من لحم صيد فرده وقال: إنا لا نأکل إنا حرم.

وفي لفظ مسلم: ان زيد بن أرقم قدم فأتاه ابن عباس رضي الله عنه فاستفتاه في لحم الصيد فقال: أتي رسول الله بلحم صيد وهو محرم فرده.

راجع صحيح مسلم 450: 1، سنن أبي داود 291: 1، سنن النسائي 184: 5، سنن البيهقي 194: 5، المحلي لابن حزم 250: 7 وقال: رويناه من طرق کلها صحاح.

2- عن الصعب بن جثامة قال: مربي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا بالابواء او بودان[9] .

وأهديت له لحم حمار وحش فرده علي فلما رأي في وجهي الکراهية قال: إنه

[صفحه 191]

ليس بنا رد عليک ولکننا حرم. وفي لفظ: إن النبي صلي الله عليه وسلم أتي بلحم حمار وحش فرده وقال: إنا حرم لا نأکل الصيد.

راجع صحيح مسلم 449: 1، مسند احمد 37: 4، سنن الدارمي 39: 2، سنن ابن ماجة 262: 2، سنن النسائي 185: 5، سنن البيهقي 192: 5 بعدة طرق، احکام القرآن للجصاص 586: 2، تفسير الطبري 48: 7، تيسير الوصول 272: 1.

3- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أهدي للنبي صلي الله عليه وسلم شق حمار وحش وهو محرم فرده. وفي لفظ أحمد: ان الصعب بن جثامة أهدي إلي النبي صلي الله عليه وسلم وهو محرم عجز حمار فرده رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يقطردما.

وفي لفظ طاووس في حديثه: عضدا من لحم صيد.

وفي لفظ مقسم: لحم حمار وحش.

وفي لفظ عطاء في حديثه: أهدي له صيد فلم يقبله وقال: إنا حرم.

وفي لفظ النسائي: أهدي الصعب بن جثامة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم رجل حمار وحش تقطر دما وهو محرم وهو بقديد فردها عليه.

وفي لفظ ابن حزم: انه أهدي لرسول الله صلي الله عليه وسلم رجل حمار وحش فرده عليه وقال: إنا حرم لا نأکل الصيد. وفي لفظ: لولا إنا محرمون لقبلناه منک.

راجع صحيح مسلم 449: 1، مسند أحمد 341 و 338 و 290: 1، مسند الطيالسي ص 171، سنن النسائي 185: 5، سنن البيهقي 193: 5، المحلي لابن حزم،: 249 وقال: رويناه من طرق کلها صحاح، أحکام القرآن للجصاص 586: 2، تفسير القرطبي 322: 6.

(لفت نظر) أخرج البيهقي في تجاه هذا الصحيح المتسالم عليه في السنن الکبري 193: 5 من طريق عمرو بن امية الضميري ان الصعب بن جثامة أهدي للنبي عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأکل منه وأکل القوم. ثم قال: وهذا إسناد صحيح، فإن کان محفوظا فکأنه رد الحي وقبل اللحم والله أعلم. اه.

لا أحسب هذا مبلغ علم البيهقي وإنما أعماه حبه لتبرير الخليفة في رأيه الشاذ عن الکتاب والسنة، فرأي الضعيف صحيحا، وأتي في الجمع بينه وبين الصحيح المذکور بما

[صفحه 192]

يأباه صريح لفظه، ولهذه الغاية أخرج البخاري ذلک الصحيح المتسالم عليه في صحيحه 165: 3 وحذف منه کلمة: الشق. والعجز. والرجل. والعضد. واللحم. وتبعه في ذلک الجصاص في أحکام القرآن 586: 2 حياالله الامانة

وعقب ابن الترکماني رأي البيهقي فيما أخرجه فقال في سنن الکبري: قلت: هذا في سنده يحيي بن سليمان الجعفي عن ابن وهب اخبرني يحيي بن ايوب هو الغافقي المصري، ويحيي بن سليمان ذکره الذهبي في الميزان والکاشف عن النسائي انه ليس بثقة وقال ابن حبان: ربماأغرب. والغافقي قال النسائي ليس بذلک القوي. وقال أبوحاتم: لايحتج به. وقال أحمد: کان سيئ الحفظ يخطئ خطئا کثيرا، و کذبه مالک في حديثين، فعلي هذا لا يشغل بتأويل هذا الحديث لاجل سنده ولمخالفته للحديث الصحيح، وقول البيهقي: رد الحي وقبل اللحم يرده مافي الصحيح انه عليه السلام رده. اه.

4- عن عبدالله بن الحرث عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال: أتي النبي صلي الله عليه وسلم بلحم صيد وهو محرم فلم يأکله.

مسند أحمد 105: 1، سنن ابن ماجة 263: 2.

5- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين إنها قالت له: ياابن اختي إنما هي عشر ليال فإن يختلج في نفسک شئ فدعه. يعني أکل لحم الصيد.

موطأ مالک 257: 1، سنن البيهقي 194: 5، تيسير الوصول 273: 1.

6- عن نافع قال: أهدي إلي ابن عمر ظبيا مذبوحة بمکة فلم يقبلها، وکان ابن عمر يکره للمحرم أن يأکل من لحم الصيد علي کل حال.

رواه ابن حزم في المحلي 250: 7 من طريق رجاله کلهم ثقات.

ولو کان عند الخليفة علم بسنة نبيه لعله لم يک يخالفها، ولوکان عنده ما يجديه في الحجاج تجاه هذه السنة الثابتة لافاضه وماترک النوبة لاتباعه ليحتجوا له بعد لاي من عمر الدرهر بما لا يغني من الحق شيئا، قال البيهقي في سننه 194: 5: أماعلي وابن عباس رضي الله عنهما فانهما ذهبا إلي تحريم أکله علي المحرم مطلقا، وقد خالفهما عمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم ومعهم حديث أبي قتادة وجابر والله أعلم. اه.

[صفحه 193]

أما حديث أبي قتادة قال: انطلقت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فانطلق النبي صلي الله عليه وسلم وکنت مع أصحابي فجعل بعضهم يضحک إلي بعض فنظرت فإذا حمار وحش فحملت عليه فطعنته فأثبته فاستعنت بهم فأبوا أن يعينوني فأکلنا منه، فلحقت برسول الله وقلت: يارسول الله اني أصبت حمار وحش ومعي منه فاضلة. فقال النبي صلي الله عليه وسلم للقوم: کلوا. وهم محرمون.[10] .

فهو غير واف بالمقصود لان قصته کانت عام الحديبية السادس من الهجرة کما هو صريح لفظه وکثير من أحکام الحج شرعت في عام حجة الوداع السنة العاشرة ومنها تعيين المواقيت ولذلک ماکان أبوقتادة محرما عندذا، مع احرام رسول الله واحرام أصحابه. قال ابن حجر في فتح الباري 19: 4: قيل کانت: هذه القصة قبل أن يوقت النبي المواقيت. وقال السندي في شرح سنن النسائي 185: 5 عند ذکر حديث أبي قتادة: قوله «عام الحديبية» بهذاتبين أن ترکه الاحرام ومجاوزته الميقات بلا إحرام کان قبل أن تقرر المواقيت، فان تقرير المواقيت کان سنة حج الوداع کما روي عن أحمد.

ومنها أحکام الصيد النازلة في سورة المائدة التي هي آخر مانزل من القرآن، و روي عن النبي صلي الله عليه وآله: انه قرأها في حجة الوداع وقال: ياايها الناس ان سورة المائدة آخر مانزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها. وروي نحوه عن عائشة موقوفا وصححه الحاکم وأقره ابن کثير، وأخرجه أبوعبيد من طريق ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس مرفوعا[11] .

فليس من البدع أن يکون غير واحد من مواضيع الحج لم يشرع لها حکم في عام الحديبية ثم شرع بعده ومنها هذه المسألة، وکان مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام حاضرا في عام الحديبية وقد شاهد قصة أبي قتادة کما شاهد ها غيره «علي فرض صحتها» ومع ذلک أنکر علي عثمان وکذلک الشهود الذين استنشدهم صلوات الله عليه فشهدوا له

[صفحه 194]

لم يعزب عنهم ماوقع في ذلک العام، لکنهم شهدوا علي التشريع الاخير الثابت.

ولو کان لقصة أبي قتادة مقيل من الصحة أو وزن يقام لماترک عثمان الاحتجاج به لکنه کان يعلم أن الشأن فيها کما ذکرناه، وإن العمل قبل التشريع لاحجية له، وأفحمه الامام عليه السلام بحجته الداحضة، فتواري عن الحجاج في فسطاطه وترک الطعام علي أهل الماء.

وأما حديث جابر فقد أخرجه غير واحد من أئمة الفقه والحديث ناصين علي ضعفه من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: صيد البر لکم حلال وأنتم حرم إلا مااصطدتم وصيد لکم[12] .

قال النسائي في سننه: أبوعبدالرحمن عمروبن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث وإن کان قد روي عنه مالک.

وقال ابن حزم في المحلي: أما خبر جابر فساقط لانه عن عمروبن أبي عمرو وهو ضعيف. وقال ابن الترکماني في شرح سنن البيهقي عند قول الشافعي: إن إبن أبي يحيي أحفظ من الدراوردي:[13] قلت: الدراوردي احتج به الشيخان وبقية الجماعة، وقال ابن معين:

ث قة حجة، ووثقه القطان وأبوحاتم وغيرهما، وأما ابن أبي يحيي فلم يخرج له في شئ من الکتب الخمسة، ونسبه إلي الکذب جماعة من الحفاظ کابن حنبل وابن معين وغيرهما، وقال بشربن المفضل: سألت فقهاء المدينة عنه فکلهم يقولون: کذاب أو نحوهذا، وسئل مالک: أکان ثقة؟ فقال: لا ولافي دينه، وقال ابن حنبل: کان قدريا معتزليا جهميا کل بلاء فيه، وقال البيهقي في التيمم والنکاح: مختلف في عدالته. ومع هذا کله کيف يرحج علي الدراوردي؟.

قال: ثم لو رجع عليه هو ومن معه فالحديث في نفسه معلول عمروبن أبي عمرو

[صفحه 195]

مع اضطرابه في هذا الحديث متکلم فيه. قال ابن معين وأبوداود: ليس بالقوي زاد يحيي: وکان مالک يستضعفه. وقال السعدي: مضطرب الحديث.

قال: والمطلب قال فيه ابن سعد: ليس يحتج بحديثه لانه يرسل عن النبي صلي الله عليه وسلم کثيرا، وعامة أصحابه يدلسون، ثم الحديث مرسل، قال الترمذي: المطلب لايعرف له سماع من جابر. فظهر بهذاأن الحديث فيه أربع علل: إحداها: الکلام في المطلب. ثانيها: انه ولو کان ثقة فلا سماع له من جابر فالحديث مرسل. ثالثها: الکلام في عمرو. رابعها: انه ولو کان ثقة فقد اختلف عليه فيه کمامر. اه.

ثم ذکر ما استشکل به الطحاوي في الحديث من وجهة النظر من قوله: إن الشئ لا يحرم علي انسان بنية غيره أن يصيد له.

هذا مجمل القول في حديث أبي قتادة وجابر، فلا يصلحان للاعتماد ورفع اليد عن تلکم الصحاح المذکورة الثابتة، ولا يخصص بمثلهما عموم، ولايتم بهما تقييد مطلقات الکتاب، والمعول عليه في المسألة هو کتاب الله العزيز والسنة الشريفة الثابتة، وماشذ عنهما من رأي أي بشر يضرب به عرض الجدار، فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلمون.



صفحه 187، 188، 189، 190، 191، 192، 193، 194، 195.





  1. مسند أحمد 104 و 100: 1، کتاب الام للشافعي 157: 7، سنن أبي داود 291: 1، سنن البيهقي 194: 5، تفسير الطبري 46 و 45: 7 المحلي لا بن حزم 254: 8، کنز العمال 53: 3، نقلا عن أحمد وأبي داود وابن جرير وقال: صححه، وعن الطحاوي و أبي يعلي والبيهقي.
  2. ضفر الدابة يضفر ها ضفرا: ألقي اللجام في فيها. والضفر: ما شددت به البعير من الشعر المضفور. والمضفور والضفير: الحبل المفتول. الضفائر: الدوائب المضفورة.
  3. التتمير: التقديد. والتتمير: التيبيس. والتتمير: أن يقطع اللحم صغاراو يجفف. واللحم المتمر: المقطع (لسان العرب).
  4. راجع مامر في الجزء الثالث ص 158 -155 ط 1، و 180 -176 ط 2.
  5. راجع مااسلفناه في الجزء الثالث ص 158 ط 1، و 180 ط 2.
  6. راجع ما فصلناه في الجزء السادس ص 73 -54 ط 1، و 81 -61 ط 2.
  7. کتاب الام للامام الشافعي 126: 2، المحلي لابن حزم 260: 7.
  8. راجع نوادر الاثر في علم عمر في الجزء السادس من کتابنا هذا.
  9. ودان بفتح الواو قرية جامعة بين مکة والمدينة، بينها وبين الابواء نحو من ثمانية أميال من الجحفة، ومنها الصعب بن جثامة «معجم البلدان».
  10. صحيح البخاري 163: 3، صحيح مسلم 450: 1، سنن النسائي 185: 5، سنن ابن ماجة 363: 2، سنن البيهقي 188: 5.
  11. مستدرک الحاکم 311: 2، تفسير القرطبي 31: 6، تفسير الزمخشري 403: 1، تفسير ابن کثير 2: 2، تفسير الخازن 448: 2، تفسير الشوکاني 1: 2.
  12. کتاب الام 176: 2، سنن أبي داود 291: 1، سنن النسائي 187: 5، سنن البيهقي 190: 5، المحلي لابن حزم 253: 7.
  13. الرجلان وردا في طريقي الشافعي للحديث.