راي عثمان في القصاص والدية











راي عثمان في القصاص والدية



أخرج البيهقي في السنن الکبري 33: 8 من طريق الزهري: ان ابن شاس الجذامي قتل رجلا من أنباط الشام، فرفع إلي عثمان رضي الله عنه فأمر بقتله، فکلمه الزبير رضي الله عنه وناس من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم رضي الله عنهم، فنهوه عن قتله، قال: فجعل ديتة ألف دينار. وذکره الشافعي في کتاب الام 293: 7.

وأخرج البيهقي من طريق الزهري، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنه: إن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الذمة عمدا، ورفع إلي عثمان رضي الله عنه فلم يقتله وغلظ عليه الدية مثل دية المسلم.

وقال أبوعاصم الضحاک في الديات ص 76: وممن يري قتل المسلم بالکافر عمر

[صفحه 168]

ابن عبدالعزيز، وابراهيم، وأبان بن عثمان بن عفان، وعبدالله، رواه الحکم عنهم، و ممن أوجب دية الذمي مثل دية المسلم عثمان بن عفان.

قال الاميني: إن عجبي مقسم بين إرادة الخليفة قتل المسلم بالکافر، وبين جعل عقل الکافر مثل دية المسلم، فلا هذا مدعوم بحجة، ولا ذلک مشفوع بسنة، وأي خليفة هذا يزحزحه مثل الزبير المعروف سيرته والمکشوف سريرته عن رأيه في الدماء وينهاه عن فتياه؟ غير انه يفتي بما هو لدة رأيه الاول في البعد عن السنة، ويسکت عنه الزبير وأناس نهوا الخليفة عما ارتآه أولا واکتفوا بحقن دم المسلم وماراقهم مخالفة الخليفة مرة ثانية، وهذه النصوص النبوية صريحة في ان المسلم لا يقتل بالکافر، و ان عقل الکتابي الذمي نصف عقل المسلم، وإليک لفظ تلکم النصوص في المسألتين أما الاولي منهما فقد جاء:

1- عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي بن أبي طالب: هل عندکم شئ من العلم ليس عند الناس؟ قال: لا والله ماعندنا إلا ماعند الناس إلا أن يرزق الله رجلا فهما من القرآن أو ما في هذه الصحيفة، فيها الديات عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وأن لا يقتل مسلم بکافر.

وفي لفظ الشافعي: لا يقتل مؤمن بکافر. فقال: لا يقتل مؤمن عبد ولا حر ولا امرأة بکافر في حال أبدا، وکل من وصف الايمان من أعجمي وأبکم يعقل ويشير بالايمان ويصلي فقتل کافرا فلا قود عليه، وعليه ديته في ماله حالة، وسواء أکثر القتل في الکفار أو لم يکثر، وسواء قتل کافرا علي مال يأخذه منه أو علي غير مال، لا يحل والله أعلم قتل مؤمن بکافر بحال في قطع طريق ولا غيره.

راجع صحيح البخاري 78: 10، سنن الدارمي 190: 2، سنن ابن ماجة 145: 2، سنن النسائي 23: 8، سنن البيهقي 28: 8، صحيح الترمذي 169: 1، مسند أحمد 79: 1، کتاب الام للشافعي 92 و 33: 6، أحکام القرآن للجصاص 165: 1، الاعتبار لابن حزم ص 190، تفسير ابن کثير 210: 1 فقال ذهب الجمهور إلي أن المسلم لا يقتل بالکافر لما ثبت في البخاري عن علي قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا يقتل مسلم بکافر. ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا، وأما أبوحنيفة فذهب إلي أنه يقتل به لعموم آية المائدة.

[صفحه 169]

قال الاميني: يعني من آية المائدة قوله تعالي: وکتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص الآية: 45. وقد خفي علي المجتهد في تجاه النصوص الصحيحة الثابته أن عموم الآية لا يأباها عن التخصيص، وقد خصصها هو نفسه بمخصصات، أجاب عن هذا الاستدلال الواهي کثير من الفقهاء وفي مقدمهم الامام الشافعي قال في کتاب الام 295: 7 في مناطرة وقعت بينه وبين بعض أصحاب أبي حنيفة: قلنا: فلسنا نريد أن نحتج عليک بأکثر من قولک ان هذه الآية عامة، فزعمت أن فيها خمسة أحکام مفردة وحکما سادسا جامعا فخالفت جميع الاربعة الاحکام التي بعد الحکم الاول و الحکم الخامس والسادس جماعتها في موضعين: في الحر يقتل العبد. والرجل يقتل المرأة. فزعمت أن عينه ليس بعينها ولاعين العبد، ولاأنفه بأنفها ولا أنف العبد، ولا أذنه بأذنها ولاأذن العبد، ولاسنه بسنها ولا سن العبد، ولا جروحه کلها بجروحها ولا جروح العبد، وقد بدأت أولا بالذي زعمت أنک أخذت به فخالفته في بعض ووافقته في بعض، فزعمت أن الرجل يقتل عبده فلا تقتله به، ويقتل إبنه فلا تقتله به، ويقتل المستأمن فلا تقتله به، وکل هذه نفوس محرمة.

قال «يعني المدافع عن أبي حنيفة»: اتبعت في هذا أثرا. قلنا: فتخالف الاثر الکتاب؟ قال: لا قلنا: فالکتاب إذا علي غير ماتأولت؟ فلم فرقت بين أحکام الله عزوجل علي ماتأولت؟ قال بعض من حضره: دع هذا فهو يلزمه کله.

قال: والآية الاخري: قال الله عزوجل: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل[1] دلالة علي أن من قتل مظلوما فلوليه أن يقتل قاتله. قيل له: فيعاد عليک ذلک الکلام بعينه في الابن يقتله أبوه، والعبد يقتله سيده، و المستأمن يقتله المسلم.

قال: فلي من کل هذه مخرج. قلت: فاذکر مخرجک. قال: إن الله تبارک و تعا لي لما جعل الدم إلي الولي کان الاب وليا فلم يکن له أن يقتل نفسه. قلنا: أفرأيت إن کان له إبن بالغ أتخرج الاب من الولاية وتجعل للابن أن يقتله؟ قال: لاأفعل.

[صفحه 170]

قلت: فلا تخرجه بالقتل من الولاية؟ قال: لا. قلت: فما تقول في ابن عم لرجل قتله وهو وليه ووارثه لو لم يقتله وکان له ابن عم هو أبعدمنه؟ أفتجعل للابعد أن يقتل الاقرب؟ قال: نعم قلنا: ومن أين وهذاوليه وهو قاتل؟ قال: القاتل يخرج بالقتل من الولاية. قلنا: والقاتل يخرج بالقتل من الولاية؟قال نعم. قلنا: فلم لم تخرج الاب من الولاية وأنت تخرجه من الميراث؟ قال: اتبعت في الاب الاثر. قلنا: فالاثر يدلک علي خلاف ماقلت، قال: فاتبعت فيه الاجماع. قلنا: فالاجماع يدلک علي خلاف ماتأولت فيه القرآن، فالعبد يکون له ابن حر فيقتله مولاه أيخرج القاتل من الولاية ويکون لابنه أن يقتل مولاه؟ قال: لا، بالاجماع. قلت: فالمستأمن يکون معه إبنه أيکون له أن يقتل المسلم الذي قتله؟ قال: لا، بالاجماع. قلت: أفيکون الاجماع علي خلاف الکتاب؟ قال: لا. قلنا: فالاجماع إذا يدلک علي انک قد أخطأت في تأويل کتاب الله عزوجل، وقلناله: لم يجمع معک أحد علي أن لا يقتل الرجل بعبده إلا من مذهبه أن لايقتل الحر بالعبد ولا يقتل المؤمن بالکافر، فکيف جعلت إجماعهم حجة، وقد زعمت أنهم أخطؤا في أصل ما ذهبو إليه. والله أعلم.

2- عن قيس بن عباد قال: إنطلقت أناوالاشتر إلي علي فقلنا: هل عهد إليک رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلي الناس عامة؟ قال: لا إلا مافي کتابي هذا. فأخرج کتابا فاذا فيه: لا يقتل مؤمن بکافر ولا ذو عهد في عهده.

أخرجه أبوعاصم في الديات ص 27، وأحمد في المسند 122 و 119: 1، و أبوداود في سننه 249: 2، والنسائي في سننه 24: 8، البيهقي في السنن الکبري 194 و 29: 8، والجصاص في أحکام القرآن 65: 1، وابن حازم في الاعتبار ص 189، وذکره الشوکاني في نيل الاوطار 152: 7 وقال:

هو دليل علي أن المسلم لايقاد بالکافر، أما الکافر الحربي فذلک إجماع کما حکاه البحر وأما الذمي فذهب اليه الجمهور لصدق اسم الکافر عليه، وذهب الشعبي والنخعي وأبوحنيفة وأصحابه إلي انه يقتل المسلم بالذمي. ثم بسط القول في أدلتهم وذيفها بأحسن بيان. فراجع.

3- عن عائشة قالت: وجد في قائم سيف رسول الله صلي الله عليه وسلم کتابان وفي أحدهما:

[صفحه 171]

لا يقتل مسلم بکافر ولا ذو عهد في عهده.

أخرجه أبوعاصم في الديات ص 27، والبيهقي في سننه الکبري 30: 8.

4- عن معقل بن يسار مرفوعا: لايقتل مؤمن بکافر، ولا ذوعهد في عهده، و المسلمون يد علي من سواهم تتکافأ دماؤهم.

أخرجه البيهقي في سننه الکبري 30: 8.

5- عن ابن عباس مرفوعا: لايقتل مؤمن بکافر، ولا ذو عهد في عهده.

أخرجه ابن ماجة في سننه 145: 2.

6- عن عمروبن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمر بن العاصي مرفوعا: لا يقتل مسلم بکافر.

وفي لفظ أحمد: لايقتل مؤمن بکافر ولا ذوعهد في عهده.

أخرجه أبوعاصم الضحاک في الديات ص 51، وأبوداود في سننه 249: 2، وأحمد في مسنده 211 و 2، والترمذي في سننه 169: 1، وابن ماجة في سننه 145: 2، والجصاص في أحکام القرآن 169: 1 بلفظ أحمد، وذکره الشوکاني في نيل الاوطار 150: 7 فقال: رجاله رجال الصحيح. وقال في 151:

هذافي غاية الصحة فلا يصح عن أحد من الصحابة شئ غيرهذا إلا مارويناه عن عمر انه کتب في مثل ذلک أن يقاد به ثم ألحقه کتابا فقال: لا تقتلوه ولکن اعتقلوه.[2] .

7- عن عمران بن الحصين مرفوعا: لايقتل مؤمن بکافر.

قال الشافعي في کتاب الام 33: 6: سمعت عددا من أهل المغازي، وبلغني عن عدد منهم أنه کان في خطبة رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم الفتح: لا يقتل مؤمن بکافر. وبلغني عن عمران بن الحصين رضي الله تعالي عنه انه روي ذلک عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن مجاهد وعطاء وأحسب طاووسا والحسن ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال في خطبة عام الفتح: لا يقتل مؤمن بکافر.

وأخرجه البيهقي في السنن 29: 8 فقال: قال الشافعي رحمه الله صلي الله عليه وسلم: وهذا

[صفحه 172]

عام عند أهل المغازي ان رسول الله صلي الله عليه وسلم تکلم به في خطبته يوم الفتح وهو يروي عن النبي صلي الله عليه وسلم مسندا من حديث عمربن شعيب وحديث عمران بن الحصين.

وذکره الشوکاني في نيل الاوطار 153: 7 فقال: ان السبب في خطبته صلي الله عليه وسلم يوم الفتح بقوله: لايقتل مسلم بکافر. ماذکره الشافعي في «الام» حيث قال: وخطبته يوم الفتح کانت بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة وکان له عهد فخطب النبي صلي الله عليه وسلم فقال: لوقتلت مسلما بکافر لقتلته به. وقال: لا يقتل مؤمن بکافر. الخ.

8- عن عبدالله بن عمرمرفوعا: لايقتل مؤمن بکافر، ولا ذوعهده في عهده.

أخرجه الجصاص في أحکام القرآن 165: 1.

(أما الثانية) ففيها:

عن عمروبن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قضي أن عقل أهل الکتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصاري[3] .

وفي لفظ أبي داود: کانت قيمة الدية علي عهد رسول الله ثمانمائة دينار، ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الکتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، قال: فکان ذلک کذلک حتي استخلف عمر فقام خطيبا فقال: إن الابل قد غلت. ففرضها عمر علي أهل الذهب ألف دينار. الحديث سنن أبي داود 251: 2.

وفي لفظ آخر لابي داود: دية المعاهد نصف دية الحر. 257: 2.

وفي لفظ أبي عاصم الضحاک في الديات ص 51: دية الکافر علي النصف من دية المسلم، ولا يقتل مسلم بکافر.

قال الخطابي في شرح سنن ابن ماجة في ذيل الحديث 142: 2: ليس في دية أهل الکتاب شئ أثبت من هذا، وإليه ذهب مالک وأحمد،وقال أصحاب أبي حنيفة: ديته کدية المسلم. وقال الشافعي: ثلث دية المسلم. والوجه الاخذ بالحديث ولا بأس باسناده.

وأخرج النسائي في سننه 45: 8 من طريق عبدالله بن عمر مرفوعا: عقل الکافر نصف عقل المؤمن. وأخرجه الترمذي في سننه 169: 1.

[صفحه 173]

هذه سنة رسول الله صلي الله عليه وآله، وإليها ذهب الجمهور، وعليها جرت الفقهاء من المذاهب، غيران لابي حنيفة شذوذا عنها في المسألتين أخذا بما يعرب عن قصوره عن فهم السنة، وعرفان الحديث، وفقه الکتاب، وقدذکر غير واحد من أعلام المذاهب أدلته في المقامين وزيفها، وبسط القول في بطلانها، وحسبک في المقام کلمة الامام الشافعي في کتاب الام 291: 7 فانه فصل القول فيها تفصيلا وجاء بفوائد جمة. فراجع وعمدة ما رکن إليه أبوحنيفة في المسألة الاولي تجاه تلکم الصحاح مرسلة عبدالرحمن بن البيلماني، وقد ضعفها الدارقني وابن حازم في الاعتبار ص 189 وغيرهما، وذکر البيهقي في سننه 30: 8: باب بيان ضعف الخبر الذي روي في قتل المؤمن بالکافر. و ذکر لها طرقا وزيفها بأسرها.



صفحه 168، 169، 170، 171، 172، 173.





  1. سورة الاسراء، آية: 33.
  2. اسلفنا في ج 122 و 121: 6 مايعرب عن عدم وقوف الخليفة علي حکم المسألة.
  3. سنن ابن ماجة 142: 2، سنن النسائي 45: 8.