كتمان عثمان حديث النبي











کتمان عثمان حديث النبي



أخرج أحمد في مسنده 65: 1 عن أبي صالح قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول علي المنبر: ايها الناس إني کتمتکم حديثا سمعته من رسول الله صلي الله عليه وسلم کراهية تفرقکم عني، ثم بدالي أن احدثکموه ليختار امرؤ لنفسه ما بداله، سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم: يقول: رباط يوم في سبيل الله تعالي خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل.

وأخرج في المسند 65 و 61: 1 عن مصعب قال: قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب علي منبره: إني محدثکم حديثا سمعته من رسول الله صلي الله عليه وسلم ما کان يمنعني أن أحدثکم إلا الضن بکم وإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: حرس ليلة في سبيل الله تعالي أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها.

وأخرج في المسند 57: 1 عن حمران قال: توضأ عثمان رضي الله عنه علي البلاط ثم قال: لاحدثنکم حديثا سمعته من رسول الله صلي الله عليه وسلم لولا آية في کتاب الله ما حدثتکموه سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل فصلي غفر له ما بينه و بين الصلاة الاخري حتي يصليها.

وذکرها غيرواحد من الحفاظ أخذا من مسند أحمد.

قال الاميني: ليت مخبرا يخبرني عن مبرر هذا الشح عن تعليم أمة محمد صلي الله عليه وآله بتلکم الاحاديث، والناس في حاجة أکيدة إلي الحديثين في فضل الجهاد والمرابطة الذين بهما قام عمودالدين، ومطط أديمه، ودخلت هيبته القلوب، وکانوا يومئذ يتسابقون علي الجهاد لکثرة ماانتهي إليهم من فضله، ولتعاقب الفتوح التي مرنتهم علي الغزو وشوقتهم إلي توسيع دائرة المملکة، وحيازة الغنائم، فلو کان الخليفة يروي لهم شيئا مما لم يزل له نقر في آذانهم، ونکت في قلوبهم لازدادوا اليه شوقا، وازدلفوا اليه رغبة، وکان يعلم العالم منهم من لم يعلم، لا أنهم کانوا يتفرقون عنه کما حسبه الخليفة، ولو کان يريد تفرقهم عنه إلي الجهاد فهو حاجة الخليفة إلي مجتمعه وحاجة المجتمع إلي الخليفة الذي يکتنفون به، فهي مقصورة من الجانبين علي التسرب إلي الجهاد والدفاع والدعوة إلي الله تعالي، والي دينه الحق وصراطه المستقيم، لاأن يجتمعوا حوله فيأنسونه

[صفحه 152]

بالمعاشرة والمکاشرة، إذن فلا وجه للضنة بهم عن نقل تلکم الروايات.

وأما ثالث الاحاديث فهو من حاجة الناس إلي أميرهم في ساعة السلم، وأي نجعة في الامير هي خير من بعث الامة علي إحسان الوضوء، والصلاة بعده التي هي خير موضوع وهي عماد الدين، ووسيلة إلي المغفرة، ونجح الطلباب، وأحد اصول الاسلام، فلماذا يشح به الخليفة؟ فيحرم أمته عن تلکم المثوبات والاجور.

وأما الآية التي بعثته علي التنويه بالحديث، فليته کان يدلنا عليها ويعرب عنها، وقد کانت موجودة منذ نزولها، وفي أبان شح الخليفة علي رواية الحديث، فما الذي جعجع به إلي هذا التاريخ؟ وأرجأ روايته إلي الغاية المذکورة؟ ولعله أراد ما نص عليه أبو هريرة فيما أخرجه الجصاص في آيات الاحکام 116: 1 عن أبي هريرة انه قال: لولا آية في کتاب الله عزوجل ما حدثتکم، ثم تلا: «إن الذين يکتمون ماأنزلنا من البينات والهدي» قال الجصاص: فأخبر ان الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من البينات والهدي الذي أنزله الله تعالي.

وهب أن الآية لم تنزل، فهل الحکم الذي هتف به رسول الله صلي الله عليه وآله يسدل عليه ستار الاخفاء إلي أن يرتئي الخليفة أن يبوح به؟. أنالا ادري السر في هذه کلها، و لعل عند الخليفة مالا أعلمه.

م وهل کان مبلغ جهل الصحابة الاولين بالسنة هذا الحد بحيث کان يخفي عليهم مثل الحديثين؟ وکان علمهما يخص بالخليفة فحسب والخليفة مع هذا کان يعلم جهل جميعهم بذلک وانه لو کتمه لمابان.

علي ان کاتم العلم وتعاليم النبوة بين اثين رحمة يزوي عنه، وذموم تتوجه إليه، وإليک في المقامين أحاديث جمة فمن الفريق الثاني ماورد:

1- عن ابن عمر مرفوعا: علم لايقال به، ککنز لاينفق منه. أخرجه ابن عساکر.

2- عن ابن مسعود مرفوعا: علم لاينفع، ککنز لاينفق منه. أخرجه القضاعي.

3- عن أبي هريرة مرفوعا: مثل الذي يتعلم العلم، ثم لايحدث به کمثل الذي يکنز الکنز فلا ينفق منه. أخرجه الطياسي والطبراني والمنذري.

[صفحه 153]

4- عن أبي سعيد مرفوعا: کاتم العلم يلعنه کل شئ حتي الحوت في البحر و الطير في السماء. أخرجه ابن الجوزي في العلل.

5- عن ابن مسعود مرفوعا: أيما رجل آتاه الله علما فکتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني.

6- عن أبي هريرة مرفوعا: ما آتي الله تعالي عالما علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يکتمه. أخرجه ابن النظيف وابن الجوزي.

7- عن ابن مسعود مرفوعا: من کتم علما عن أهله ألجم يوم القيامة لجاما من نار. أخرجه ابن عدي.

8- عن أبي هريرة مرفوعا: مامن رجل يحفظ علما فيکتمه إلا أتي يوم القيامة ملجما بلجام من نار. أخرجه ابن ماجة.

9- عن أبي سعيد مرفوعا: من کتم علما مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه ابن ماجة والمنذري.

10- عن أبي هريرة مرفوعا: مثل الذي يتعلم العلم ثم لايحدث به کمثل رجل رزقه الله مالا فکنزه فلم ينفق منه. أخرجه أبوخيثمة في العلم وأبونصر في الابانة

11- عن ابن عمر مرفوعا: من بخل بعلم اوتيه أتي به يوم القيامة مغلولا ملجوما بلجام من نار. أخرجه ابن الجوزي في العلل.

12- وفي لفظ ابن النجار عن ابن عمرو: من علم علما ثم کتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار.

وفي لفظ الخطيب: من کتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه ابن حبان والحاکم والمنذري.

13- عن ابن مسعود مرفوعا: من کتم علما ينتفع به ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني في الکبير وابن عدي في الکامل والسجزي والخطيب.

14- عن ابن عباس مرفوعا: من کتم علما يعلمه الجم يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني في الکبير.

15- عن قتادة: ميثاق أخذه الله علي أهل العلم فمن علم علما فليعلمه الناس، و

[صفحه 154]

اياکم وکتمان العلم، فان کتمان العلم هلکة. أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم کما في تفسير الشوکاني 375: 1.

16- عن الحسن قال: لولا الميثاق الذي أخذه الله علي أهل العلم ما حدثتکم بکثير مماتسألون عنه. أخرجه ابن سعد.

وحسبک من الفريق الاول قوله صلي الله عليه وآله:

1- رحم الله امرءا سمع مني حديثا فحفظ حتي يبلغه غيره. أخرجه ابن حبان.

2- رحم الله امرءا سمع منا حديثا فوعاه ثم بلغه من هو أوعي منه. أخرجه ابن عساکر.

3- اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي، يروون أحاديثي وسنتي و يعلمونها الناس. أخرجه الطياسي والرامهرمزي والخطيب بن النجار.

4- رحمة الله علي خلفائي، قيل: من خلفاؤک يارسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس. أخرجه أبونصر في الابانة وابن عساکر والمنذري في الترغيب.

5- نظر الله امرءا سمع منا حديثا فبلغه غيره. أخرجه المنذري.

راجع مسند أحمد مسانيد الصحابة المذکورين، مسند الطيالسي، الترغيب والترهيب للمنذري، کتاب العلم لابي عمر، إحياء العلوم للغزالي، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ج 1، کنز العمال کتاب العلم.

نعم: لعل الخليفة إتبع في کتمانه سنة رسول الله صلي الله عليه وآله رأي الشيخين قبله في نهيهما عن إکثار الحديث عن النبي صلي الله عليه وآله کما فصلنا القول فيه في ج 6 ص 294 ط 2، و لست أدري ان قلة رواية الخليفة وقد بلغت عدتها کما ذکرها السيوطي في تاريخ الخلفاءص 100، وابن العماد الحنبلي في الشذرات 136: 1 مائة وستة وأربعين حديثا أهي لقلة منته في السنة، وصفريده من العلم بها؟ أو لشحه علي بثها وضنه بالامة؟ والله يعلم ماتکن صدورهم ومايعلنون.



صفحه 152، 153، 154.