عذر مفتعل











عذر مفتعل



ان المحب الطبري أعماه الحب وأصمه فجاء بعذر مفتعل غير ماذکر قال في رياض النضرة 150: 2: عنه جوابان: الاول ان الهرمزان شارک أبا لؤلؤة في ذلک وملاه، وإن کان المباشر أبولؤلؤة وحده لکن المعين علي قتل الامام العادل يباح قتله عند جماعة من الائمة، وقد أوجب کثير عن الفقهاء القود علي الآمر والمأمور وبهذا اعتذر عبيدالله بن عمر وقال: إن عبدالرحمن بن أبي بکر أخبره انه رأي أبا لؤلؤة و الهرمزان وجفينة يدخلون في مکان ويتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه في وسطه فقتل عمر في صبيحة تلک فاستدعي عثمان عبدالرحمن فسأله عن ذلک فقال: انظروا إلي السکين فان کانت ذات طرفين فلا أري القوم إلا وقد اجتمعوا علي قتله. فنظروا اليها فوجدوها کما وصف عبدالرحمن، فلذلک ترک عثمان قتل عبيدالله بن عمر لرؤيته عدم وجود القود لذلک، أولتردده فيه فلم يرالوجوب للشک.

والجواب الثاني: ان عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة لانه کان بنوتيم وبنو عدي مانعون من قتله، ودافعون عنه، وکان بنوأمية أيضا جانحون اليه، حتي قال له عمروبن العاص: قتل أميرالمؤمنين عمر بالامس، ويقتل ابنه اليوم؟ لا والله لا يکون هذا أبدا، ومال في بني جمح، فلمارأي عثمان ذلک اغتنم تسکين الفتنة وقال: أمره إلي وسأرضي أهل الهرمزان منه.

قال الاميني: إن إثبات مشارکة هرمزان أبالؤلؤة في قتل الخليفة علي سبيل البت لمحض ما قاله عبدالرحمن بن أبوبکر من انه رآهما متناجيين وعند أبي لؤلؤة خنجر له رأسان دونه خرط القتاد، فان من المحتمل انهما کانا يتشاوران في أمر آخر بينهما، أو أن أبالؤلؤة استشاره فيما يريد أن يرتکب فنهاه عنه الهرمزان، لکنه لم يصغ إلي قيله فوقع القتل غدا، إلي أمثال هذين من المحتملات، فکيف يلزم الهرمزان

[صفحه 142]

والحدود تدرأ بالشبهات؟[1] .

هب ان عبدالرحمن شهد بتلک المشارکة، وأدعي انه شاهد الوقفة بعينه، فهل يقتل مسلم بشهادة رجل واحد في دين الله؟ ولم تعقد البينة الشرعية مصافقة لتلک الدعوي، ولهذا لما أنهيب القضية من اختلاء الهرمزان بأبي لؤلؤة إلي آخرها إلي عمر نفسه قال: ماأدري هذا انظروا إذا أنامت فاسألوا عبيد الله البينة علي الهرمزان، هو قتلني؟ فان أقام البينة فدمه بدمي، وإذا لم يقم البينة فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان.

وهب أن البينة قامت عند عبيد الله علي المشارکة، فهل له أن يستقل بالقصاص؟ أو انه يجب عليه أن يرفع أمره إلي أولياء الدم؟ لاحتمال العفو في بقية الورثة مضافا إلي القول بأنه من وظائف السلطان أو نائبه، وعلي هذا الاخير الفتوي المطردة بين العلماء.[2] .

علي انه لو کانت لعبيدالله أو لمن عطل القصاص منه معذرة کهذه لابدياها أمام الملا المنتقد، ولما قال مولانا أميرالمؤمنين اقتل هذا الفاسق، ولما تهدده بالقتل متي ظفربه، ولما طلبه ليقتله أبان خلافته، ولما هرب عنه عبيد الله إلي معاوية، ولما اقتصر عثمان بالعذر بأنه ولي الدم، وان المسلمين کلهم أولياء المقتول، ولما وهبه واستوهب المسلمين، ولما کان يقع الحوار بين الصحابة الحضور في نفس المسألة، ولما قام اليه سعد بن أبي وقاص وانتزع السيف من يده وجزه من شعره حتي أضجعه وحبسه في داره.

وهب إنه تمت لعبيد الله هذه المعذرة فبما ذاکان اعتذاره في قتل بنت أبي لؤلؤة المسکينة الصغيرة، وتهديده الموالي کلهم بالقتل؟

أنا لاأدري من أين جاء المحب بهذا التاريخ الغريب من نهضة تيم وعدي ومنعهم من قتل عبيد الله، وجنوح الامويين اليهم بصورة عامة؟ حتي يخافهم الخليفة

[صفحه 143]

الجديد. وأي خليفة هذا يستولي عليه الفرق من أول يومه؟ فاذا تبينت عليه هذه الضؤلة في مفتتح خلافته، فبأي هيبة يسوس المجتمع بعده؟ ويقتص القاتل، ويقيم الحدود، ولکل مقتص منه أو محدود قبيلة تغضب له، ولها أحلاف يکونون عند مرضاتها.

ليس في کتب التاريخ والحديث أي أثر مما ادعاه المحب المعتذر، وإلا لکان سعدبن أبي وقاص أولي بالخشية يوم قام إلي عبيد الله وجز شعره، وحبسه في داره، ولم ير أي تيمي طرق باب سعيد، ولا عدوي أنکر عليه، ولا أموي أظهر مقته علي ذلک، لکن المحب يريد أن يستفزهم وهم رمم بالية.

ثم لو کان عند من ذکرهم جنوح إلي تعطيل هذاالحکم الالهي حتي أوجب ذلک حذار الخليفة من بوادرهم؟ فانه معصية تنافي عدالة الصحابة، وقد أطبق القوم علي عدالتهم. ولو کان الخليفة يروعه إنکار المنکرين علي مايريد أن يرتکب؟ فلما ذا لم يرعه إنکار الصحابة علي الاحداث في أخرياته؟ حتي أودت به، أکان هيابا ثم تشجع؟ سل عنه المحب الطبري.



صفحه 142، 143.





  1. سنن ابن ماجة 112: 2، سنن البيهقي 238: 8،سنن الترمذي 171: 2، أحکام القرآن للجصاص 330: 3، تيسير الوصول 20: 2.
  2. کتاب الام للشافعي 11: 6، المدونة الکبري 502: 4، فيض الاله المالک للبقاعي 286: 2.