تعطيل عثمان القصاص











تعطيل عثمان القصاص



أخرج الکرابيسي في أدب القضاء بسند صحيح إلي سعيد بن المسيب ان عبد الرحمن بن أبي بکر قال: لما قتل عمر إني مررت بالهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم نجي فلما رأوني ثاروا فسقط من بيتهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه فانظروا إلي الخنجر الذي قتل به عمر فاذا هو الذي وصفه فانطلق عبيد الله بن عمر فأخذ سيفه حتي سمع ذلک من عبدالرحمن فأتي الهرمزان فقتله وقتل جفينة بنت أبي لؤلؤة صغيرة وأراد قتل کل سبي بالمدينة فمنعوه، فلما استخلف عثمان قال له عمرو بن العالص: إن هذا الامر کان وليس لک علي الناس سلطان فذهب دم الهرمزان هدرا.

وأخرجه الطبري في تاريخه 42: 5 بتغيير يسير والمحب الطبري في الرياض 150. 2، وذکره ابن حجر في الاصابة 619: 3 وصححه باللفظ المذکور.

وذکر البلاذري في الانساب 24: 5 عن المدائني عن غياث بن ابراهيم: ان عثمان صعد المنبر فقال: أيها الناس إنا لم نکن خطباء وإن نعش تأتکم الخطبة علي وجهها إن شاءالله، وقد کان من قضاءالله ان عبيدالله بن عمر أصاب الهرمزان وکان الهرمزان من المسلمين[1] ولا وارث له إلاا لمسلمون عامة وأنا إمامکم وقد عفوت أفتعفون؟ قالوا: نعم. فقال علي: أقدالفاسق فانه أتي عظيما قتل مسلما بلاذنب.وقال لعبيدالله: يا فاسق لئن ظفرت بک يوما لاقتلنک بالهرمزان.

وقال اليعقوبي في تاريخه 141: 2 أکثر الناس في دم الهرمزان وإمساک عثمان

[صفحه 133]

عبيدالله بن عمر فصعد عثمان المنبر فخطب الناس ثم قال: ألا إني ولي دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر وترکته لدم عمر. فقام المقداد بن عمرو فقال: إن الهرمزان مولي لله ولرسوله وليس لک أن تهب ماکان لله ولرسوله. قال: فننظر وتنظرون، ثم أخرج عثمان عبيدالله بن عمر من المدينة إلي الکوفة وأنزل دارا له فنسب الموضع اليه «کويفة ابن عمر» فقال بعضهم.


أبا عمرو عبيدالله رهن
فلا تشکک بقتل الهرمزان


وأخرج البيهقي في السنن الکبري 61: 8 باسناد عن عبيدالله بن عبيد بن عمير قال: لما طعن عمر رضي الله عنه وثب عبيدالله بن عمر علي الهرمزان فقتله فقيل لعمر: إن عبيدالله بن عمر قتل الهرمزان. قال ولم قتله؟ قال: إنه قتل أبي. قيل: وکيف ذالک؟ قال: رأيته قبل ذلک مستخليا بأبي لؤلؤة وهو أمره بقتل أبي. وقال عمر: ماأدري ماهذا انظروا إذا أنا مت فاسألوا عبيدالله البينة علي الهرمزان، هو قتلني؟ فان أقام البينة فدمه بدمي، وإن لم يقم البينة فأقيدوا عبيدالله من الهرمزان. فلما ولي عثمان رضي الله عنه قيل له: ألا تمضي وصية عمر رضي الله عنه في عبيدالله؟ قال: ومن ولي الهرمزان؟ قالوا: أنت ياأميرالمؤمنين فقال: قد عفوت عن عبيدالله بن عمر.

وفي طبقات ابن سعد 8: 5 تا10 ط ليدن: انطلق عبيدالله فقتل ابنة أبي لؤلؤة وکانت تدعي الاسلام، وأراد عبيد الله الا يترک سبيا بالمدينة يومئذ إلا قتله فاجتمع المهاجرون الاولون فأعظموا ماصنع عبيدالله من قبل هؤلاء واشتدوا عليه وزجروه عن السبي فقال: والله لاقتلنهم وغيرهم. يعرض ببعض المهاجرين، فلم يزل عمرو ابن العاص يرفق به حتي دفع اليه سيفه فأتاه سعد فأخذ کل واحد منهما برأس صاحبه يتناصيان، حتي حجز بينهما الناس، فأقبل عثمان وذلک في الثلاثة الايام الشوري قبل أن يبايع له، حتي أخذ برأس عبيدالله بن عمر وأخذ عبيد الله برأسه ثم حجز بينهما وأظلمت الارض يومئذ علي الناس، فعظم ذلک في صدور الناس وأشفقواأن تکون عقوبة حين قتل عبيد الله جفينة والهرمزان وابنة أبي لؤلؤة.

وعن أبي وجزة عن أبيه قال: رأيت عبيدالله يومئذ وانه ليناصي عثمان وان عثمان ليقول: قاتلک الله قتلت رجلا يصلي وصبية صغيرة، وآخر من ذمة رسول الله صلي الله عليه وسلم

[صفحه 134]

ما في الحق ترکک. قال: فعجبت لعثمان حين ولي کيف ترکه؟ ولکن عرفت ان عمروبن العاص کان دخل في ذلک فلفته عن رأيه.

وعن عمران بن مناح قال جعل سعدبن أبي وقاص يناصي عبيدالله بن عمر حيث قتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة، وجعل سعد يقول وهو يناصيه:


لاأسد إلا أنت تنهت واحدا
وغالت أسودالارض عنک الغوائل[2] .


فقال عبيدالله:


تعلم أني لحم مالا تسيغه
فکل من خشاش الارض ماکنت آکلا


فجاء عمرو بن العاص فلم يزل يکلم عبيدالله، ويرفق به حتي أخذ سيفه منه، وحبس في السجن حتي أطلقه عثمان حين ولي.

عن محمودبن لبيد: کنت أحسب إن عثمان إن ولي سيقتل عبيدالله لما کنت أراه صنع به، کان هو وسعد أشد أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم عليه.

وعن المطلب بن عبدالله قال: قال علي لعبيد الله بن عمر: ماذنب بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها؟ قال: فکان رأي علي حين استشاره عثمان ورأي الاکابر من أصحاب رسول الله علي قتله، لکن عمروبن العاص کلم عثمان حتي ترکه، فکان علي يقول: لوقدرت علي عبيدالله بن عمر ولي سلطان لاقتصصت منه.

وعن الزهري: لما استخلف عثمان دعا المهاجرين والانصار فقال: أشيروا علي في قتل هذا الذي فتق في الدين مافتق. فاجمع رأي المهاجرين والانصار علي کلمة واحدة يشجعون عثمان علي قتله وقال: جل الناس: أبعد الله الهرمزان وجفينة يريدون يتبعون عبيدالله أباه. فکثر ذلک القول، فقال عمرو بن العاص: ياأميرالمؤمنين إن هذا الامرقد کان قبل أن يکون لک سلطان علي الناس فاعرض عنه، فتفرق الناس عن کلام عمرو بن العاص.

وعن ابن جريج: ان عثمان استشار المسلمين فاجمعوا علي ديتها، ولا يقتل بهما عبيدالله بن عمر، وکانا قد أسلما، وفرض لهما عمر، وکان علي بن أبي طالب لما بويع له أراد قتل عبيدالله بن عمر، فهرب منه إلي معاوية بن أبي سفيان، فلم يزل معه فقتل بصفين[3] .

[صفحه 135]

وذکر الطبري في تاريخه 41: 5 قال: جلس عثمان في جانب المسجد لما بويع ودعا عبيد الله بن عمر، وکان محبوسا في دار سعدبن أبي وقاص، وهو الذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة والهرمزان وابنة أبي لؤلؤة، وکان يقول: والله لاقتلن رجالا ممن شرک في دم أبي. يعرض بالمهاجرين والانصار فقام إليه سعد فنزع السيف من يده، وجذب شعره حتي أضجعه إلي الارض وحبسه في داره حتي أخرجه عثمان إليه فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والانصار: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الاسلام ما فتق، فقال علي: أري أن تقتله. فقال بعض المهاجرين: قتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم؟ فقال عمروبن العاص: ياأميرالمؤمنين إن الله قد أعفاک أن يکون هذا الحدث کان ولک علي المسلمين سلطان، إنما کان هذا الحدث ولا سلطان لک، قال عثمان: أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها في مالي، قال: وکان رجل من الانصار يقال له: زيادبن لبيد البياضي إذا رأي عبيد الله بن عمر قال:


ألايا عبيد الله مالک مهرب
ولاملجأمن ابن أروي[4] ولاحفر


أصبت دما والله في غير حله
حراما وقتل الهرمزان له خطر


علي غير شئ غير أن قال قائل
أتتهمون الهرمزان علي عمر؟


فقال سفيه والحوادث جمة
: نعم اتهمه قد أشار وقد أمر


وکان سلاح العبد في جوف بيته
يقلبها والامر بالامر يعتبر


قال: فشکا عبيد الله بن عمر إلي عثمان زيادبن لبيد وشعره فدعا عثمان زيادبن لبيد فنهاه قال: فأنشأ زياد يقول في عثمان:


أباعمرو عبيدالله رهن
فلاتشکک بقتل الهرمزان


فانک إن غفرت الجرم عنه
وأسباب الخطا فرسا رهان


أتعفو؟ إذ عفوت بغير حق
فما لک بالذي تحکي بدان


فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه وشذ به. وذکره ابن الاثير في الکامل 31: 5.

قال الاميني: الذي يعطيه الاخذ بمجامع هذه النقول أن الخليفة لم يقد عبيد الله قاتل الهرمزان وجفينة وإبنة أبي لؤلؤة الصغيرة، مع إصرار غير واحد من الصحابة

[صفحه 136]

علي القصاص، ووافقه علي ذلک مولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام، لکنه قدم علي رأيه الموافق للکتاب والسنة، وهو أقضي الامة بنص النبي الامين وعلي آراء الصحابة إشارة عمروابن العاصي ابن النابغة المترجم في الجزء الثاني صفحة 120 تا 176 ط 2 بترجمة ضافية تعلمک حسبه ونسبه وعلمه ودينه حيث قال له: إن هذا الامر کان وليس لک علي الناس سلطان.. الخ. علي حين ان من کانت له السلطة عندئذ وهو الخليفة المقتول في آخر رمق من حياته حکم بأن يقتص من إبنه إن لم يقم البينة العادلة بأن هرمزان قتل أباه، ومن الواضح انه لم يقمها، فلم يزل عبيدالله رهن هذا الحکم حتي أطلق سراحه، وکان عليه مع ذلک دم جفينة وإبنة أبي لؤلؤة.

وهل يشترط ناموس الاسلام للخليفة في اجرائه حدودالله وقوع الحوادث عند سلطانه؟ حتي يصاخ إلي ماجاءبه ابن النابغة، وان صحت الاحلام؟ فاستيهاب الخليفة لما ذا؟ وهب ان خليفة الوقت له أن يهب أو يستوهب المسلمين حيث لايوجد ولي للمقتول، ولکن هل له إلغاء الحکم النافذ من الخليفة قبله؟ وهل للمسلمين الذين استوهبهم فوهبوا مالا يملکون رد ذلک الحکم البات؟ وعلي تقدير أن يکون لهم ذلک فهل هبة أفراد منهم وافية لسقوط القصاص، أو يجب أن يوافقهم عليها عامة المسلمين؟ وأنت تري ان في المسلمين من ينقم ذلک الاسقاط وينقد من فعله، حتي ان عثمان لما رأي المسلمين انهم قد أبوا إلا قتل عبيد الله أمره فارتحل إلي الکوفة وأقطعه بها دارا وأرضا، وهي التي يقال لها: کويفة ابن عمر، فعظم ذلک عند المسلمين وأکبروه وکثر کلامهم فيه.[5] .

وکان أميرالمؤمنين علي عليه السلام وهو سيد الامة وأعلمها بالحدود والاحکام يکاشف عبيد الله ويهدده بالقتل علي جريمته متي ظفربه، ولما ولي الامر تطلبه ليقتله فهرب منه إلي معاوية بالشام، وقتل بصفين، کما في «الکامل» لابن الاثير 32: 3، وفي «الاستيعاب» لابن عبدالبر: انه قتل الهرمزان بعد أن أسلم وعفا عنه عثمان، فلما ولي علي خشي علي نفسه فهر ب إلي معاوية فقتل بصفين، وفي مروج الذهب 24: 2: ان عليا ضربه فقطع ما عليه من الحديد حتي خالط سيفه حشوة جوفه، وان

[صفحه 137]

عليا قال حين هرب فيطلبه ليقيد منه بالهرمزان: لئن فاتني في هذااليوم، لايفوتني في غيره.

هذه کلها تنم عن ان أميرالمؤمنين عليه السلام کان مستمرا علي عدم العفو عنه،و انه لم يکن هناک حکم نافذ بالعفو يتبع، وإلا لما طلبه ولا تحري قتله، وقد ذکره بذلک يوم صفين لما برز عبيدالله أمام الناس فناداه علي: ويحک ياابن عمر علام تقاتلني؟ والله لو کان أبوک حيا ماقاتلني. قال: اطلب بدم عثمان. قال أنت تطلب بدم عثمان، والله يطلبک بدم الهرمزان، وأمر علي الاشتر النخعي بالخروج اليه.[6] .

إلي هنا انقطع المعاذير في ابقاء عبيدالله والعفو عنه، لکن قاضي القضاة اطلع رأسه من ممکن التمويه، فعزي إلي شيخه أبي علي انه قال:[7] انما أراد عثمان بالعفو عنه ما يعود إلي عز الدين، لانه خاف أن يبلغ العدو قتله فيقال: قتلوا إمامهم، و قتلوا ولده، ولا يعرفون الحال في ذلک فيکون فيه شماتة. اه.

أولاتسائل هذا الرجل؟ عن أي شماتة تتوجه إلي المسلمين في تنفيذهم حکم شرعهم وإجرائهم قضاء الخليفة الماضي في إبنه الفاسق قاتل الابرياء، وانهم لم تأخذهم عليه رأفة في دين الله لتعديه حدوده سبحانه ومن يتعد حدود الله فأولئک هم الظالمون، ولم يکترثوا لانه في الامس اصيب بقتل أبيه واليوم يقتل هو فتشتبک المصيبتان علي أهله، هذا هو الفخر المرموق اليه في باب الاديان لانه منبعث عن صلابة في إيمان، و نفوذ في البصيرة، وتنمر في ذات الله، وتحفظ علي کتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وآله؟ و أخذ بمجاميع الدين الحنيف، فأي أمة هي هکذا لا تنعقد عليها جمل الثناء ولا تفد اليها ألفاظ المدح والاطراء؟ وإنما الشماتة في التهاون بالاحکام، وإضاعة الحدود بالتافهات، واتباع الهوي والشهوات، لکن الشيخ أباعلي راقه أن يکون له حظا من الدفاع فدافع.

ثم إن ماارتکبه الخليفة خلق لمن يحتذي مثاله مشکلة ارتبکوا في التأول في

[صفحه 138]

تبرير عمله الشاذ عن الکتاب والسنة. فمن زاعم انه عفي عنه ولولي الامر ذلک. و هم يقولون: إن الامام له أن يصالح علي الدية إلا انه لايملک العفو، لان القصاص حق المسلمين بدليل ان ميراثه لهم وإنما الامام نائب عنهم في الاقامة وفي العفو إسقاط حقهم أصلا ورأسا وهذا لايجوز، ولهذا لايملکه الاب والجد وإن کانا يملکان استيفاء القصاص وله أن يصلح علي الدية.[8] .

وثان يحسب انه استعفي المسلمين مع ذلک وأجابوه إلي طلبته وهم أولياء المقتول إذلا ولي له. ونحن لاندري أنهم هل فحصوا عن وليه في بلاد فارس؟ والرجل فارسي هو وأهله، أو انهم إکتفوا بالحکم بالعدم؟ لانهم لم يشاهدوه بالمدينة، وهو غريب فيها ليس له أهل ولا ذووا قرابة، أو أنهم حکموا بذلک من تلقاء أنفسهم؟ وماکان يضر هم لو أرجعوا الامر إلي أولياءه في بلاده فيؤمنوهم حتي يأتوا إلي صاحب ترتهم فيقتصوا منه أو يعفوا عنه؟.

ثم متي أجاب المسلمون إلي طلبة عثمان؟ وسيدهم يقول: أقدالفاسق فانه أتي عظيما. وقد حکم خليفة الوقت قبله بالقصاص منه، ولم يکن في مجتمع الاسلام من يدافع عنه ويعفو إلا ابن النابغة، وقد مر عن ابن سعد قول الزهري من انه أجمع رأي المهاجرين والانصار علي کلمة واحدة يشجعون عثمان علي قتله.

وثالث يتفلسف بما سمعته عن الشيخ أبي علي، وهل يتفلسف بتلک الشماتة والوصمة والمسبة علي بني امية في قتلهم من العترة الطاهرة والدا وماولد وذبحهم في يوم واحد منهم رضيعا ويافعا وکهلا وشيخا سيد شباب أهل الجنة؟.

وهناک من يصوغ لهرمزان وليا يسميه «القماذبان» ويحسب انه عفي بالحاح من المسلمين أخرج الطبري في تاريخه 43: 5 عن السري وقد کتب اليه شعيب عن سيف بن عمر عن أبي منصور قال سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه قال: کانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلي بعض فمر فيروز بأبي ومعه خنجرله رأسان فتناوله منه و قال: ماتصنع في هذه البلاد؟ فقال: أبس به. فرآه رجل فلما أصيب عمر قال: رأيت هذا مع الهرمزان دفعه إلي فيروز، فاقبل عبيدالله فقتله فلما ولي عثمان دعاني فأمکنني

[صفحه 139]

منه ثم قال: يا بني هذا قاتل أبيک وأنت أولي به منا فاذهب فاقتله. فخرجت به وما في الارض أحد إلا معي إلا أنهم يطلبون إلي فيه فقلت لهم: ألي أقتله؟ قالوا: نعم. وسبوا عبيد الله، فقلت: أفلکم أن تمنعوه؟ قالوا: لا، وسبوه. فترکته لله ولهم فاحتملوني، فوالله مابلغت المنزل إلا علي رؤوس الرجال وأکفهم.

ولو کان هذا الولي المزعوم موجودا عند ذاک فما معني قول عثمان في الصحيح المذکور علي صهوة المنبر: لاوارث له إلا المسلمون عامة وأنا إمامکم؟ وماقوله الآخر في حديث الطبري نفسه: أنا وليهم وقد جعلته دية واحتملتها في مالي؟ ولو کان يعلم بمکان هذا الوارث فلم حول القصاصا إلي الدية قبل مراجعته؟ ثم لما حوله فلم لم يدفع الدية إليه واحتملها في ماله؟ ثم أين صارت الدية وما فعل بها؟ أنا لا أدري.

ولوکان المسلمون يعترفون بوجود القماذبان وما في الارض أحد إلا معه وهو الذي عفي عن قاتل أبيه فما معني قول الخليفة: وقد عفوت، أفتعفون؟ وقوله في حديث البيهقي: قد عفوت عن عبيدالله بن عمر؟ وما معني استيهاب خليفة المسلمين وولي المقتول حي يرزق؟ وما معني مبادرة المسلمين إلي موافقته في العفو والهبة؟ ومامعني تشديد مولانا أميرالمؤمنين في النکير علي من تماهل في القصاص؟ وما معني قوله عليه السلام لعبيد الله يافاسق لئن ظفرت بک يوما لاقتلنک بالهرمزان؟ ومامعني تطلبه لعبيدالله ليقتله أبان خلافته؟ وما معني هربه من المدينة إلي الشام خوفا من اميرالمؤمنين؟ ومامعني قول عمرو بن العاصي لعثمان: ان هذا الامر کان وليس لک علي الناس سلطان؟ وما معني قول سعيد بن المسيب: فذهب دم الهرمزان هدرا؟ وما معني قول لبيد بن زياد وهو يخاطب عثمان. أتعفو إذ عفوت بغير حق. الخ؟. وما معني مارواه ملک العلماء الحنفي في بدائع الصنائع 245: 7 وجعله مدرک الفتوي في الشريعة؟ قال: روي انه لما قتل سيد نا عمر رضي الله عنه خرج الهرمزان والخنجر في يده فظن عبيدالله ان هذا هوالذي قتل سيدنا عمر رضي الله عنه فقتله فرفع ذلک إلي سيدنا عثمان رضي الله عنه فقال سيدنا علي رضي الله عنه لسيدنا عثمان: اقتل عبيد الله. فامتنع سيدنا عثمان رضي الله عنه و قال: کيف أقتل رجلا قتل أبوه أمس؟ لا أفعل، ولکن هذارجل من أهل الارض و أنا وليه أعفو عنه وأودي ديته.

[صفحه 140]

وما معني قول الشيخ أبي علي؟: انه لم يکن للهرمزان ولي يطلب بدمه والامام ولي من لا ولي له، وللولي أن يعفو.

ولبعض ماذکر زيفه ابن الاثير في الکامل 32: 3 فقال: الاول أصح في اطلاق عبيد الله لان عليا لما ولي الخلافة أراد قتله فهرب منه إلي معاوية بالشام، ولوکان اطلاقه بأمرولي الدم لم يتعرض له علي. اه.

وقبل هذه کلها ما في اسناد الرواية من الغمز والعلة، کتبها إلي الطبري السري ابن يحيي الذي لا يوجد بهذه النسبة له ذکر قط، غير ان النسائي أورد عنه حديثا لسيف بن عمر فقال: لعل البلاء من السري[9] وابن حجر يراه السري بن اسماعيل الهمداني الکوفي الذي کذبه يحيي بن سعيد وضعفه غيرواحد من الحفاظ، ونحن نراه السري بن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفي 258، وقد أدرک ابن جرير الطبري شطرا من حياته يربو علي ثلاثين سنة، کذبه ابن خراش، ووهاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث وزاد ابن حبان: ويرفع الموقوفات لايحل الاحتجاج به، وقال النقاش في حديث: وضعه السري[10] فهو مشترک بين کذابين لايهمنا تعيين احدهما.

والتسمية بابن يحيي محمولة علي النسبة إلي أحد أجداده کماذکره ابن حجر في تسميته بابن سهل[11] هذاان لم تکن تدليسا، ولا يحسب القارئ انه السري بن يحيي الثقة لقدم زمانه وقد توفي سنة (167)[12] قبل ولادة الطبري الراوي عنه المولود سنة 224 بسبع وخمسين سنة.

وفي الاسناد شعيب بن ابراهيم الکوفي المجهول، قال ابن عدي: ليس بالمعروف وقال الذهبي: راوية کتب سيف عنه فيه جهالة[13] .

وفيه سيف بن عمر التميمي راوي الموضوعات، المتروک، الساقط، المتسالم علي

[صفحه 141]

ضعفه: المتهم بالزندقة، کمامرت ترجمته في صفحة 84. وقد مر عن السيوطي انه ذکر حديثا بهذا الطريق وقال: موضوع فيه ضعفاء أشدهم سيف بن عمر.

وفيه أبومنصور، مشترک بين عدة ضعفاء لا يعول عليهم ولا علي روايتهم.



صفحه 133، 134، 135، 136، 137، 138، 139، 140، 141.





  1. أسلم علي يد عمر وفرض له في الفين کما في الاصابة وغيرها.
  2. الشعر لکلاب بن علاط اخي الحجاج بن علاط.
  3. حذفنا أسانيد هذه الاحاديث روما للاختصار وهي کلها مسندة.
  4. أروي بنت کريز أم عثمان کمامر في 120.
  5. راجع مامرفي ص 133، ومعجم البلدان 307: 7.
  6. مروج الذهب 12: 2.
  7. راجع شرح ابن أبي الحديد 242: 1.
  8. بدايع الصنايع لملک العلماء الحنفي 245: 7.
  9. تهذيب التهذيب 460: 3.
  10. تاريخ الخطيب 193: 9، ميزان الاعتدال 380: 1، لسان الميزان 13: 3، وما مر في ج 231: 5 ط 2.
  11. لسان الميزان 13: 3.
  12. تهذيب التهذيب 461: 3.
  13. ميزان الاعتدال 448: 1، لسان الميزان 145: 3.