عمر وفرق الشيطان منه











عمر وفرق الشيطان منه



أخرج البخاري في صحيحه في کتاب بدءالخلق باب صفة إبليس وجنوده ج 89: 5، وفي کتاب المناقب باب مناقب عمر 256: 5 عن سعد بن أبي وقاص قال: استأذن عمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يکلمنه ويستکثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلي الله عليه وسلم ورسول الله صلي الله عليه وسلم يضحک، فقال عمر: أضحک الله سنک يارسول الله قال: عجبت من هؤلاء اللاتي کن عندي فلما سمعن صوتک إبتدرن الحجاب. قال عمر: فأنت يارسول الله کنت أحق أن يهبن، ثم قال «عمر» أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده مالقيک الشطان قط سالکا فجا إلا سلک فجا غير فجک.

قال الاميني: ماأوقح هذا الراوي الذي ساق هذا الحديث في عداد الفضائل وهو بعده عند سياق السفاسف أولي، حسب أولا أن النساء کن لم يهبن رسول الله صلي الله عليه وآله وهبن عمر، فعلي هذا نسائله: أکن هذه النسوة نساؤه صلي الله عليه وآله؟ کما ذکره شراح الحديث[1] ستر العوار الرواية، أم کن أجنبيات عنه صلي الله عليه وآله؟ وعلي الاول فلا وجه

[صفحه 95]

لهيبتهن إياه علي الاسفار أو الاکثار أمامه، فان للحلائل مع زوجاتهن شؤونا خاصة فتسترهن عن عمر فلکونه أجنبيا عنهن لاهيبة له.

وعلي الثاني وهو الذي يعطيه سياق الحديث کقوله: وعنده نساء من قريش. و قوله صلي الله عليه وآله: عجبت من هؤلاء اللاتي کن عندي. الخ. وقول عمر: فأنت يا رسول الله کنت. الخ. وقوله: ياعدوات أنفسهن. الخ. فکل هذه لا يلتئم مع کونهن نساؤه لتنکير النساء في الاول، وظهور قوله: کن عندي في أن حضورهن لديه من ولائد الاتفاق لا أنهن نساؤه الکائنات معه أطراف الليل وآناء النهار، وقلنا أيضا: إنه لاوجه للهيبة مع کونهن أزواجه، ولاهن علي ذلک عدوات أنفسهن، فان إبداء الزينة والجمال للزوجة عبادة لامعصية، فجلوسهن وهن أجنبيات عندرسول الله صلي الله عليه وآله سافرات علي هذا الوجه إما لانه صلي الله عليه وآله لم يحرم السفور، وإما لانه حرمه ونسيه، أو أنه صلي الله عليه وآله تسامح في النهي عنه، أوأنه هابهن وإن لم يهبن، وکان مع ذلک يروقه أن ينتهين عما هن عليه، ولذلک استبشر لما بادرن الحجاب وأثني علي عمر، ولازم هذا أن يکون عمر أفقه من رسول الله صلي الله عليه وآله، أوأثبت منه علي المبدأ، أو أخشن منه في ذات الله، أو أقوي منه نفسا. أعوذبالله من التقول بلا تعقل.

وأما ما عزي اليه صلي الله عليه وآله ثانيا من قوله: والذي نفسي بيده ما لقيک الشيطان قط سالکا فجا غير فجک، فما بالشيطان يهاب الخليفة فيسلک فجا غير فجه ولا تروعه عظمة النبي صلي الله عليه وآله ولا قوة ايمانه؟ فيسلک في فجه فلا يدعه أن ينهي عن المنکر، و يحدو بصواحب المنکر إلي أن يتظاهرون به أمامه. بل الشيطان لعنه الله يعرض له صلي الله عليه وآله ليقطع عليه صلاته وإن رجع عنه خائبا کماأخرجه البخاري في صحيحه ج 1 ص 143 في کتاب الصلاة باب مالا يجوز من العمل في الصلاة. ومسلم في صحيحه ج 1 ص 204 باب جواز لعن الشيطان في الصلاة، أخرجا بالاسناد عن أبي هريرة قال: صلي رسول الله صلاة فقال: إن الشيطان عرض لي فشد علي بقطع الصلاة علي فأمکنني الله منه فذعته[2] الحديث.

هب ان اللعين في هذه المرة لم يصب من رسول الله صلي الله عليه وآله لکنه تجرأعلي مقامه

[صفحه 96]

الاسمي وقد جاء في الصحيحين[3] عن أبي هريرة ان الشيطان اذاسمع الاذان للصلاة من أي مسلم کان أدبر هاربا وولي فرقا، وله ضراط هلع جزع.

کيف يجرأ اللعين علي رسول الله حتي في حال صلاته؟ ولم يتجرأ قط علي عمر لان يسلک فجا غير فجه. وجاء فيما أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان عن بريدة ان الشيطان ليفرق منک يا عمر[4] وفيما أخرجه الطبراني وابن مندة وابونعيم عن سديسة مولاة حفصة عن حفصة بنت عمر مرفوعا: ان الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه[5] .

إني وإن لايروقني خدش العواطف بذکر مواقف الرجل التي لم يکن العامل الوحيد فيها إلا الشيطان، غير اني لست أدري هل الشيطان کان يفرق ويفر منه، و يخر علي وجهه، ويسلک فجا غير فجه ايضا منذ أسلم إلي سنة الفتح الثامن من الهجرة النبوية؟ إلي نزول آية «فهل أنتم منتهون» إلي يوم قول الرجل: انتهينا انتهينا؟ إلي يوم النادي في دار أبي طلحة الانصاري؟ فعلي الباحث الوقوف علي ماأسلفناه في الجزء السادس ص 261 -251، وفي الجزء السابع ص 102 -95 ط 2.

ثم اين کانت تلک البسالة من رسول الله- الحاجزة بين الشيطان الرجيم وبين صلاته صلي الله عليه وآله لما عرض له وشد عليه- يوم کانت عنده نساء قريش فتخنقه وتردع النسوة؟ فبهذه کلها تعلم مقدار هده الرواية ومقيلها من الصدق، ومبلغ صحيح البخاري من الاعتبار، وتعرف ما يفعله الغلو في الفضائل والحب المعمي والمصم.

أضف إلي هذه المخاريق ما أسلفناه في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات مما وضعته يدالغلو في فضائل عمر.

کذلک نقص عليک من أنباء ماقد سبق، وقد آتيناک من لدنا ذکرا،

من أعرض عنه فانه يحمل يوم القيامة وزرا

«طه 100 و 99»

[صفحه 97]



صفحه 95، 96، 97.





  1. راجع ارشاد الساري 290: 5.
  2. فذعته: فخنقته والذعت والدعت بالمهملة والمعجمة: الدفع العنيف.
  3. صحيح البخاري 78: 1 کتاب الاذان. صحيح مسلم ج 153: 1 باب فضل الاذان.
  4. فيض القدير 359: 2.
  5. الاصابة 226: 4، فيض القدير 352: 2.