ليلة الغار والخليفة فيها











ليلة الغار والخليفة فيها



أخرجها أبونعيم الاصبهاني في حلية الاولياء 22: 1 عن عبدالله بن محمد بن جعفر عن محمد بن العباس بن أيوب عن أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب عن أبي معاوية عن هلال بن عبدالرحمن عن عطاء بن أبي ميمونة أبي معاذ عن أنس بن مالک قال: لما کان ليلة الغار قال: أبوبکر يارسول الله دعني فلادخل قبلک فان کانت حية أو شئ کانت لي قبلک. قال: ادخل، فدخل أبوبکر فجعل يلتمس بيديه،فکلما رأي جحرا جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتي فعل ذلک بثوبه أجمع، قال: فبقي جحر فوضع عقبه عليه، ثم أدخل رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: فلما أصبح قال له النبي صلي الله عليه وسلم: فاين ثوبک ياأبابکر؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلي الله عليه وسلم يده فقال: أللهم اجعل أبابکر معي في درجتي يوم القيامة. فأوحي الله تعالي إليه: إن الله قد استجاب لک.

وقال ابن هشام في السيرة 98: 2: حدثني بعض أهل العلم ان الحسن البصري قال: أنتهي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبوبکر إلي الغار ليلا فدخل أبوبکر رضي الله عنه قبل رسول الله صلي الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلي الله عليه وسلم بنفسه.

وذکره ابن کثير في تاريخه 179: 3 فقال: فيه إنقطاع من طرفيه.

وفي مرسل المحب الطبري في الرياض 65: 1: دخل أبوبکر الغار فلم ير فيه جحرإلا أدخل إصبعه فيه حتي أتي علي جحر کبير فأدخل رجله فيه إلي فخذه ثم قال: ادخل يا رسول الله فقد مهدت لک الموضع تمهيدا.

وبات أبوبکر بليلة منکرة من الافعي فلما أصبح قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما

[صفحه 42]

هذا ياأبابکر؟ وقد تورم جسده فقال: يارسول الله الافعي، فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم فهلا أعلمتني؟ فقال أبوبکر: کرهت أن أفسد عليک، فأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم يده علي أبي بکر فاضمحل ماکان بجسده من الالم وکأنه أنشط من عقال.

وقال في مرسل آخر عن عمر في ص 68: کان في الغار خروق فيها حيات و أفاعي فخشي أبوبکر أن يخرج منها شئ يؤذي رسول الله صلي الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والافاعي، وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقول له: ياأبا بکر لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سکينته وهي الطمأنينة لابي بکر.

والذي صححه الحاکم في المستدرک من طريق عمر من الحديث قوله: فلما انتهيا إلي الغار قال أبوبکر: مکانک يارسول الله حتي استبرئ الحجرة فدخل واستبرأ ثم قال: أنزل يارسول الله فنزل فقال عمر: والذي نفسي بيده لتلک الليلة خير من آل عمر. فقال الحاکم: صحيح لولا إرسال فيه.

وفي حديث زيفه ابن کثير بالارسال أيضا: قال أبوبکر: کماأنت حتي أدخل يدي فأحسه وأقصه فان کانت فيه دابة أصابتني قبلک. قال نافع: فبلغني انه کان في الغار جحر فألقم أبوبکر رجله ذلک الجحر تخوفا أن يخرج منه دابة أو شئ يؤذي رسول الله صلي الله عليه وسلم.

وفي لفظ: لما دخل الغار سدد تلک الاجحر کلها وبقي منها جحر واحد، فألقمه کعبه فجعلت الافاعي تنهشه ودموعه تسيل «تاريخ ابن کثير 180: 3» فقال: في هذا السياق غرابة ونکارة.

وزاد عليه الحلبي في السيرة: قدکان صلي الله عليه وسلم وضع رأسه في حجر أبي بکر رضي الله تعالي عنه ونام فسقطت دموع أبي بکر رضي الله تعالي عنه علي رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: مالک ياأبابکر؟ قال لدغت فداک أبي وأمي، فتفل رسول الله علي محل اللدغة فذهب مايجده.

وقال: زاد في رواية: وانه رأي علي أبي بکر أثر الورم فسأل عنه فقال: من لدغة الحية فقال: هلا أخبرتني؟ قال: کرهت أن أوقظک فمسحه النبي صلي الله عليه وسلم فذهب مابه من الورم والالم.

[صفحه 43]

وقال: قال بعضهم: والسر في اتخاذ رافضة العجم اللباد المقصص علي رؤوسهم تعظيما للحية التي لدغت أبابکر في الغار، لانهم يزعمون أن ذلک علي صورة تلک الحية.

السيرة الحلبية 40 و 39: 2، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية 342: 1.

قال الاميني: للباحث حق النظر في هذه الرواية من عدة نواحي، أولا من حيث رجال السند ولاإسناد لها منذيوم وضعت، ولا تروي في کتب السلف والخلف إلا مرسلة إما من الطرفين کرواية ابن هشام، وإما من طرف واحد کاسناد الحاکم وأبي نعيم، ومن الغريب جدا أن القضية مشترکة بين اثين ليس إلا، وهما: رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبوبکر، وروايتها بطبع الحال تنحصر بهما غير أنهالم تنقل عنهما ولم يوجد لهما ذکر في أي سند، والدواعي في مثلها متوفرة لان يذکر مع الابد، وتتداولها الالسن، إذ فيها من أعلام النبوة، وکرامة مع ذلک لابي بکر.

وإسناد أبي نعيم المذکورلا يعول عليه لمکان عبدالله بن محمد بن جعفر، قال ابن يونس: خلط في الآخر، ووضع أحاديث علي متون معروفة، وزاد في نسخ مشهورة فافتضح وحرقت الکتب في وجهه.

وقال الحاکم عن الدار قطني: کذاب ألف کتاب سنن الشافعي وفيها نحو مائتي حديث لم يحدث بها الشافعي.

وقال الدارقطني: وضع في نسخة عمروبن الحارث أکثر من مائة حديث.

وقال علي بن رزيق: کان إذا حدث يقول: لابي جعفرابن البرقي في حديث بعد حديث: کتبت هذا عن أحد. فکان يقول نعم عن فلان وفلان. فاتهمه الناس بأنه يفتعل الاحاديث، ويدعيها ابن البرقي کعادته في الکذب. قال: وکان يصحف أسماء الشيوخ[1] .

علي أن عبدالله بن محمد توفي سنة 315 کما في لسان الميزان فلا تتم رواية أبي نعيم عنه وهو من مواليد 336.

[صفحه 44]

وفيه: محمد بن العباس بن أيوب الحافظ الشهير باين الاخزم، قال أبونعيم نفسه: اختلط قبل موته بسنة کما في لسان الميزان 216: 5 ولما لم يعلم تاريخ صدور الرواية منه أهو قبل الاختلاط أم بعده؟- إن لم تعد الرواية من بينات الاختلاط- سقطت عن الاعتبار کما هوالشأن في رواية کل من اختلط. عن:

أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب، أحسبه السرخسي، أخرج الخطيب في تاريخه 140: 5 حديثا من طريقه فقال: رجاله کلهم ثقات معروفون بالثقة إلا المودب. عن:

أبي معاوية محمدبن خازم، مرجئ مدلس رئيس المرجئة بالکوفة کمافي تهذيب التهذيب 139: 9. عن:

هلال بن عبدالرحمن قال العقيلي: منکر الحديث، وقال بعد ماذکر له أحاديث: کل هذه مناکير لا أصول لها ولا يتابع عليها. وقال الذهبي: الضعف علي أحاديثه لائح فليترک. «لسان الميزان 202: 6» عن:

عطاء بن أبي ميمون. ثقة صالح قدري لا يحتج بحديثه، راجع تهذيب التهذيب 215: 7.

ولما لم يصح شئ من اسانيد الرواية ومتونها لم يوعز إليها السيوطي في الخصايص الکبري في باب ماوقع في الهجرة النبوية من الآيات والمعجزات، وقد ذکر فيه أحاديث ضعيفة مع النص علي ضعفها، فکأنه عرف بأن ذکر هذه الرواية تمس کرامة المؤلف وتحط مکانة تأليفه عن الانظار، وهکذا لم يذکرها أحد ممن ألف في أعلام النبوة ومعاجز النبي الاعظم.

ثانيا: إن الاصول القديمة في القرون الاولي لايوجد فيها إلا أن أبابکر دخل الغار قبل النبي صلي الله عليه وآله لينظر أفيه سبع أو حية کما في سيرة ابن هشام، ولم يصح عند الحاکم من القصة إلا هذا المقدار کهاسمعت ولو صح شئ زايد علي هذا لما فاتته روايته ولومرسلة.

وزيدت في القرن الرابع قصة الثوب وبقاءجحر وإتکاء أبي بکر عليه بعقبه ودعاء النبي صلي الله عليه وآله له لاتقائه عنه صلي الله عليه وآله بثوبه عن لدغ الحشرات المزعومة.

[صفحه 45]

وجددت النغمات في قرن المحب الطبري المتخصص الفنان في رواية الموضوعات وجمع شتاتها، فجاء في روايته ماسمعت غير أن ألفاظه مع وجازته مضطربة جدالا يلتئم شئ منها مع الآخر.

ثم جاءالحلبي فنوم رسول الله صلي الله عليه وآله ورأسه في حجر أبي بکر، وسقي وجه رسوله الکريم بدموع أبي بکر المتساقطة من الالم، کل هذه لم يبرد کبد الحلبي وما شافي غليله، فوجه قوارصه علي الرافضة وألبس رؤوسهم لبادا مقصصا علي صورة تلک الحية الموهومة التي لم يزعن رافضي قط بوجوده.

ثم لما أدخل أبوبکر رجله في الجحر ونزل النبي صلي الله عليه وآله ووجده قاعدا لا يتحرک، ورام أن ينام، ووضع رأسه الشريف في حجره، هلا سأل صلي الله عليه وآله صاحبه عن حالته العجيبة وجلوسه المستغرب الذي لايقوم عنه؟ وهل يمکن له أن يستر علي صاحبه کلما فعل وهو معه ينظر إليه من کثب؟.

وأي لديغ هذا؟ وأي تصبر وتجلد؟ وأي منظرمهول؟ رجل الرجل في الجحر إلي فخذه ولا ثوب عليه، ورأس النبي العظيم في حجره، والافاعي والحيات تلدغه و تلسعه من هناوهنا، لا اللديغ يتململ السليم، حتي يحرک رجله أو عقبه فتجد تلکم الحشرات مسرحا فتبعد عنه، ولا يأن ولا يحن ولا تسمع له زفرة وإن الدموع تتحادر حتي يستيقظ النبي الذي تنام عينه ولا ينام قلبه[2] فينجي صاحبه الذي اختاره لصحبته من لسعة الحيات والافاعي.

وهل من العدل والعقل والمنطق أن يحفظ الله نبيه عن کل هاتيک النوازل؟ و يري له في الدرأ عنه آية بعد آية في سويعات؟ من ستره عن أعين مشرکي قريش لما مر بهم من بين أيديهم، وانباته شجرة في وجهه تستره بها، وإيقاعه حمامتين وحشيتين بفم الغار، ونسج العناکيب باب الغار بأمرمنه تعالي شأنه،[3] ويدع صاحبه الذي اتخذه بأمره، وتفاني في حب النبي صلي الله عليه وآله، وعرض نفسه للمهالک دونه بدخوله الغار قبله، فلم يدفع عنه لدغ الحيات والافاعي، ولا يرحمه في تلک الحالة التي تکسر

[صفحه 46]

القلوب، وتشجي الافؤدة، وينظراليه رسول الله صلي الله عليه وآله، ويقول له: لا تحزن إن الله معنا. والمسکين يبکي وتسيل دموعه.

م- وهلا کان يعلم أبوبکر أن الله الذي أمر نبيه بالهجرة وأدخله الغار يکلاءه عن لدغ الحيات والافاعي بقدرته کما أعمي عنه عيون البشر الضاري، وقصر عن النيل منه مخالب تلک الفئة الجاهلة؟.

وهلا کان يؤمن بأن صاحبه المفدي لواطلع علي حاله لينجيه بمسحة مسيحية أو بدعوة مستجابة؟ فکل ماحکي عنه لماذا؟

نعم: أعمي الحب مختلق الرواية وأصمه فجاء بالتافهات غلوا في الفضائل.



صفحه 42، 43، 44، 45، 46.





  1. لسان الميزان 345: 3.
  2. أخرج الشيخان في الصحيحين مرفوعا: ان عيني تنامان ولا ينام قلبي، وأخرجا ايضا مرفوعا: ان الانبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
  3. طبقات ابن سعد 213: 1، الخصايص الکبري 185: 1 و 186.