كلمتنا الاخيرة











کلمتنا الاخيرة



لو درست الاساتذة حقيقة الشيوعية وما يهتفون به من اصولها وحقيقة ابي ذر العالم الصحابي ونظراءه وما يؤثر عنهم من قول وعمل وأحاديث جاءت فيهم عرفوا البون الشاسع بين المبدأين، وإن مثل أبي ذر لا يکون شيوعيا مهما أسف من أوج عظمته وانکفأ عن صهوة علمه، وتنازل عن مبادئه المقدسة، وانه لا يعتنق ذلک المذهب عالم وإن قلت بضاعته، وضعفت منته العلمية.

أني يهتف بالشيوعية ويعتنقها من وقف واطلع علي ما جاء به الاسلام المقدس في تأمين مؤن الفقراء وسد عيلتهم، وما وطد من مشارع تخفف عنهم ما يبهضهم من عمب ء حزانتهم، وما شرع لهم من منابع الحياة المادية في أموال الاغنياء، بقدر ما يسعهم کما أخبر به النبي الاعظم بقوله: إن الله فرض علي اغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء اذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، الا و

[صفحه 383]

إن الله يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما.[1] فبعد ترصيف السياسة المالية علي أحسن نظام وأرقي منهج وتعبية ما يسد خلة الفقراء، سد عليهم أبواب السؤال و التکدي وشدد النکير عليهما بمثل قوله صلي الله عليه وآله: إن المسالة لا تصلح إلا لثلاث: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع[2] ورغبهم إلي الاستعفاف والاستغناء عن الناس بکل ما تيسر من العمل بقوله صلي الله عليه وآله: لان يأخذ أحدکم حبلا فيأتي الجبل فيجئ بحزمة من حطب علي ظهره فيبيعها فيستغني بها خير له من أن يسأل الناس اعطوه أو منعوه[3] وقرر علي أهل اليسار للفقراء والمساکين حقوقا محدودة من شتي النواحي بعناوين مختلفة کرواتب سنوية أو کجراية شهرية تتعلق علي الانعام والغلات والنقدين وأرباح المکاسب والرکاز والمعادن والانفال وغيرها من الواجب المالي المقرر، مضافا علي ما قد يجب علي الانسان حينا بعد حين لموجب هنالک کالکفارات والنذور والمظالم.

وأما التطوع بالصدقات والانفاق مما فضل وهو الذي کاد أن يعد من فروض الانسانية فحدث عنه ولا حرج، وقد بالغ الصادع الکريم في الحث عليه ومر شطر من أحاديثه، وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما من طريق ابي أمامة مرفوعا: يا ابن آدم إنک إن تبذل الفضل خير لک، وإن تمسکه شر لک، ولا تلام علي کفاف. الترغيب والترهيب 252 و 232: 1.

وأخرج مسلم من طريق ابي سعيد الخدري مرفوعا: من کان معه فضل من ظهر فليعد به علي من لا ظهر له، ومن کان عنده فضل من زاد فليعد به علي من لا زاد له. سنن البيهقي 182: 4.

وفي صحيح مر في ص 354 قوله صلي الله عليه وآله وسلم: علي کل نفس يوم طلعت فيه الشمس صدقة عنه علي نفسه.

[صفحه 384]

وللإسلام وراء هذه کلها آداب وسنن تعرب عن حرمة من قتر عليه رزقه وعن کرامته في الملا الديني تصديقا للانکار الوارد في قوله تعالي: فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأکرمه ونعمه فيقول ربي أکرمن، وأما اذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن. کلا.[4] فأمر کتابه المقدس بالانفاق من جيد المال ونفيسه بقوله: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ماکسبتم ومما أخرجنا لکم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون. الآية[5] وقوله تعالي: لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم[6] ونهي عن نهر السائل وإبطال الصدقات بالمن والاذي ورياء الناس فقال عز من قائل: وأما السائل فلا تنهر[7] وقال: يا ايها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتکم بالمن والاذي کالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله کمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فترکه صلدا لا يقدرون علي شئ مما کسبوا.[8] .

وقال: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا اذي لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.[9] وقال: قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها اذي والله غني حليم.[10] .

وقال النبي الاعظم صلي الله عليه وآله: لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان والمتحدث بصدقته يطلب السمعة، والمعطي في ملا من الناس يبغي الرياء[11] .

وأخرج مسلم في صحيحه مرفوعا: ثلاثة لا يکلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزکيهم ولهم عذاب اليم: المنان بما أعطي.. سنن البيهقي 191: 4.

وذکر ابن کثير مرفوعا: لا يدخل الجنة عاق، ولا منان، ولا مدمن خمر. تفسير ابن کثير 318: 1.

[صفحه 385]

ولقطع اصول المن بالاعطاء وتنزيه نفوس أهل اليسار عن الاستعلاء والترفع والعجب بإعطياتهم، ومن کان غنيا فليستعفف، وتطهير قلوب الفقراء الشريفة عما يعتريها من ذل المسکنة، وتطييب خواطرهم من هوان بسط يد الاخذ إلي الاغنياء، قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الصدقة تقع بيد الله عزوجل قبل أن تقع في يد السائل.[12] .

وفي صحيح أخرجه مسلم 85: 3 من طريق ابي هريرة مرفوعا: ما تصدق أحد بصدقة من طيب- ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمان بيمينه وإن کانت تمرة، فتربو في کف الرحمان حتي تکون أعظم من الجبل. الحديث.

فيري المعطي المسلم وجهه إلي الله وهومحسن انه مسلم إلي الله جلا وعلا حقه مما خوله سبحانه بمنه إياه. والفقير يري أنه آخذ من اله وباسط کفه إلي الله و يدالله هي مدر الانعم، وهي اليد العليا، وهي الوسيطة بين المعطي والآخذ، وله المن عليهما، والله الغني وأنتم الفقراء[13] إن يکن غنيا أو فقيرا فالله أولي بهما[14] .

فالشيوعي لا يکون شيوعيا إلا ويغمره تيار الجهل الهائج، وان سماسرة الشيوعية يمنعون قبل کل شئ عن تحري العلم الصحيح ويسوقون الملا إلي مستوي الجهل والبساطة، ولعلک لا تشک في ذلک متي جست خلال الديار في المملکة «السوفيتية» ومن جنح اليها من أقطار الارض، فانک لا تجد من يهملج إلي الغاية الشيوعية إلا الرجرجة الدهماء الذين لم يعطوا من العلم شيئا، لکن البلاد الخصبة بالعلم والعلماء کلها من اسلامي وغيره في منتأي عن تلک الخسة، وکذلک کل من أوتي نصيبا من العلم لا تدعه عقليته ان يسف إلي تلکم الهوة الوبيئة وکيف بأبي ذر «وعاء العلم» وأمثاله؟.

نعم: للبلاد الإسلامية خاصتها في الابتعاد عن هاتيک السفاسف لوجود العلم الصحيح الناجع عند علمائها «لا ما جاءت به اللجنة الحاکمة» والمواد الحيوية المبثوثة في دينها الاسلامي الحنيف، فهي وهم سدان قويان لدفع ذلک السيل الاتي، فليس لمجابهة الشيوعية ومکافحتها شئ أقوي من العلم والدين، وتنوير فکرة الشعب الإسلامي

[صفحه 386]

بهما، فمن واجب الدول الاسلامية «وقد شعرت هي بهذا الواجب» توسيع نطاق العلم، وبث نواميس الدين، وإحياء ناشئة الانسان الذي خلق جهولا بروح الثقافة الدينية وتربية أبناء الوطن العزيز في صفوف المدارس الابتدائية إلي العالية بدراسة العلوم الناجعة، والتحفظ علي حقوق ضعفاء الامة، والاخذ بناصر أخي عيلة العائل باجراء مقررات الدين المبين، وتعظيم العلماء الصالحين، وتقدير رجالات الوعظ والخطابة لتستمر طهارة البلاد عن تلکم الرجاسة، فحيا الله العلماء العاملين، وحيا الله الحکومات الإسلامية الناهضين بکلاءة العباد والبلاد.

فلذلک فادع واستقم کما أمرت ولا تتبع أهوائهم، وقل:

آمنت بما أنزل الله من کتاب وأمرت لاعدل بينکم، الله ربنا لنا

أعمالنا ولکم أعمالکم، لا حجة بيننا وبينکم، الله

يجمع بيننا وإليه المصير

سورة الشوري آية: 15.

الحمد لله أولا وآخرا

انتهي الجزء الثامن

من کتاب «الغدير» ويتلوه الجزء التاسع

يبتدأ فيه بتتمة هذه المباحث إن شاء الله فتربص حتي حين

ولا تعجل بالقران من قبل ان يقضي اليک

[صفحه 387]



صفحه 383، 384، 385، 386، 387.





  1. أخرجه الطبراني في الاوسط والصغير کما في الترغيب والترهيب 213: 1، وروي موقوفا علي امير المؤمنين کما مر ص 256.
  2. الترغيب والترهيب 233: 1 نقلا عن ابي داود والبيهقي.
  3. صحيح البخاري 34: 3، صحيح مسلم 97: 3، سنن البيهقي 195: 4، الترغيب والترهيب 233: 1.
  4. سورة الفجر آية 16 و 15.
  5. سورة البقرة آية 267.
  6. سورة آل عمران آية 92.
  7. سورة الضحي آية 10.
  8. سورة البقرة آية 264.
  9. سورة البقرة آية 262.
  10. سورة البقرة آية 263.
  11. احياء العلوم 222: 1.
  12. اخرجه الدار قطني والبيهقي في شعب الايمان.
  13. سورة محمد آية 38.
  14. سورة النساء آية 135.