استشهاد اللجنة بكلمة ابن حجر











استشهاد اللجنة بکلمة ابن حجر



أما الشاهد الثالث (ابن حجر) فليت اللجنة الحاکمة لم تلخص کلامه ففيما سرده في فتح الباري 213: 3 مالا يلائم خطة اللجنة ففيه من أعلام النبوة ما قدمنا ذکره من عهد النبي صلي الله عليه وآله بذلک النفي والاخراج في سياق يؤدي أن أباذر سيکون مضطهدا في ذلک مظلوما، ويؤکد هذا السياق ما اسلفناه من قوله صلي الله عليه وآله: يا أباذر أنت

[صفحه 379]

رجل صالح وسيصيبک بلاء بعد. قال: في الله؟ فقال صلي الله عليه وآله: في الله. قال: مرحبا بأمر الله. وما کان في الله وبعين الله ويعرف صلي الله عليه وآله صاحبه بالصلاح، ويراه في هديه ونسکه وزهده شبيه نبي معصوم کعيسي سلام الله عليه، ويأمره بالصبر لا يکون فاسدا ولا تترتب عليه مفسدة، إذن فلا أدري أين يکون مقيل نظرية ابن حجر الملخصة عند اللجنة من الصدق؟

ومما ذکره ابن حجر في فتح الباري ما حکاه عن بعض أعلام قومه: الصحيح أن انکار أبي ذر کان علي سلاطين الذين يأخذون المال لانفسهم ولا ينفقونه في وجهه.

نعم هذا هو الصحيح کما قدمناه في صفحة 335 ويعرفه کل من سبر التاريخ و الحديث. إذن فليس من المتسالم عليه ما حاوله ابن حجر في ملخص قوله وتحرته اللجنة في حکمها والاستشهاد بکلامه، مثل هذا الاساس لا تبني عليه برهنة، ولا يصح به حکم لاي إنسان أو عليه لکن ابن حجر قال، واللجنة حکمت، والقوة نفذت ذلک الحکم، فإنا لله وإنا اليه راجعون.

هؤلاء شهود اللجنة الحاکمة، وقد اختبرت أنت أيها القارئ حالهم ومقالهم، إذن فما ظنک بما ابتنوه علي ذلک من شفا جرف هار؟ نحن أعلم بما يقولون، وما أنت عليهم بجبار، فذکر بالقرآن من يخاف وعيد.

هاهنا اکرر مخاطبة اللجنة بأن دليلها في إثبات شيوعية أبي ذر غيرنا ناهضة لاثبات ما ترتأيه لان نظرية ابي ذر علي ما ادعته هي وجوب إنفاق ما فضل عن حاجة الانسان، ومقتضاه انه يملک التصرف في قدر الحاجة، والشيوعي لا يقول بذلک وإنما يحاول الغاء الملکية راسا، ثم ان الحکومة الشيوعية تدر عليه قدر الحاجة أو بمقدار العمل صونا لحياته فهو کالاجير عندها يقتات بما يعمل او کعائلتها تسد عيلتها بمقدار خلتها، علي ما قدمناه من ان راي أبي ذر لا يستوعب المال کله وإنما يريد الاخراجات الواجبة وما تدعو اليه العاطفة البشرية والمروءات من الاعطيات المندوبة، فاللجنة لم تعط النصفة حقها في إسناد ما اسندته إلي ابي ذر، کما انها لم تؤد حق الرد علي الشيوعية الممقوتة، فهي مائنة فيما تقول خبريا اومخبريا، وجائرة في حکمها من حيث لا تشعر.

کان حقا علينا أن ننظر في بقية الکلمات المقولة في شيوعية أبي ذر علي وجه.

[صفحه 380]

التفصيل ککلمة الخضري في المحاضرات 37 و 36: 2. و

عبدالحيمد بک العبادي عميد کلية الآداب في (صور من التاريخ الاسلامي) ص 13 -109 تحت عنوان (أبوذر الغفاري). و

احمد امين في فجر إسلامه 136: 1. و

محمد أحمد جاد المولي بک في «إنصاف عثمان» ص 45- 41. و

صادق إبراهيم عرجون في «إنصاف عثمان» ص 35. و

عبدالوهاب النجار في «الخلفاء الراشدون» ص 317.

ومن حذا حذوهم ممن إقتحم معارک التاريخ والابحاث الخطرة من دون منة علمية تنقذهم من القحمة وصرعة الاسترسال التي لا تستقال، لکنهم لم يألوا باکثر مما فندناه غير ما ذکره بعضهم[1] من أن أبا ذر أخذ المبدأ الشيوعي من عبدالله بن سبا إستنادا إلي رواية الطبري السابقة في ص 326 عن السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي، وقد عرفناک هنالک ما في رجالها من أفاک وضاع، أو معتد أثيم، أو ضعيف متفق علي ضعفه، أو مجهول لا يعرف، وما في متنها من ملامح الکذب وآثار الإفتعال.

علي أن عبدالله بن سبا المعروف باليهودية والافساد وتفريق کلمة المسلمين الذي عزوا إليه ثورة المصريين، وانه يمم الحواضر الاسلامية لالقاح الفتن وإثارة الملا علي خليفة الوقت، وبث تلکم المبادئ التعيسة، لم ينظر اليه رامق شزرا، ولا وقع عليه قبض من سلطات الوقت، ولا اصابه نفي عن الاوساط الدينية، وقد ترک يلهو ويلعب کما تشاء له الميول والشهوات، لکن النقمات کلها توجهت علي الابرار من صحابة محمد صلي الله عليه وآله والتابعين لهم بإحسان کأبي ذر، وعبدالله بن مسعود، وعمار بن ياسر، ومالک بن الحارث الاشتر، وزيد وصعصعة ابني صوحان، وجندب بن زهير، وکعب بن عبدة الناسک، ويزيد الارحبي العظيم عند الناس، وعامر بن قيس الزاهد الناسک، وعمرو بن الحمق المعروف بدعاء النبي صلي الله عليه وآله له، وعروة البارقي الصحابي الجليل، وکميل بن زياد الثقة الامين، والحارث الهمداني الفقيه الثقة[2] فمن منفي

[صفحه 381]

هلک في تسييره، إلي مضروب کسرت اضالعه، إلي مهان توجهت اليه لسبات الالسن

وقبل هؤلاء مولانا أميرالمؤمنين صالح الامة، يراه عثمان أحق بالنفي من اولئک کما يأتي حديثه، وأخرجه إلي ينبع مرة بعد أخري ليقل هتاف الناس باسمه للخلافة، وقال لابن عباس: اکفني ابن عمک. وقال ابن عباس: ابن عمي ليس بالرجل يري له ولکنه يري لنفسه فارسلني اليه بما احببت. قال: قل له: فليخرج إلي ماله بالينبع فلا اغتم به ولا يغتم بي. فأتي عليا فاخبره فقال: ما اتخذني عثمان إلا ناضحا ثم أنشد يقول:


فکيف به إني ادواي جراحه
فيدوي فلا مل الدواء ولاالداء


وقال: يا ابن عباس ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب[3] اقبل وادبر بعث الي أن أخرج، ثم بعث الي أن أقدم، ثم هو الآن يبعث الي أن أخرج والله لقد دفعت عنه حتي خشيت أن أکون آثما.[4] .

فهلا کان ابن سبا واصحابه بمرأي من الخليفة ومسمع وقد طغوا في البلاد و أکثروا فيها الفساد؟ وکيف بهضة امر اولئک الآمرين بالمعروف والناهين عن المنکر ولا يهمه قمع تلکم الجرثومة الخبيثة باجتثاث اصلها؟ باعدام عبدالله بن سبا، أو صلبه علي جذوع النخل، أو قطع يده ورجله من خلاف، أو نفيه من الارض.

هلا کان واجب الخليفة أن يشاور صلحاء الصحابة في الرجل الضال المضل بدل ما شاور أبناء بيته الساقط في أبي ذر العظيم بقوله القارص: اشيروا علي في هذا الشيخ الکذاب إما أن اضربه أو أحبسه أو اقتله، فانه قد فرق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الاسلام؟[5] .

نعم: کان عبدالله بن سبا من جراثيم العيث والفساد، وجذوم الکفر والالحاد، ولم يفتأ يتقلب بين المسلمين بنواياه السيئة وإن لم يثبت عنه المبدا الشيوعي قط، ولا

[صفحه 382]

إثارة الثائرين علي عثمان الا بمکتوبة السري عن شعيب عن سيف المکذوبة الساقطة التي لا قيمة لها في سوق الاعتبار[6] فان المسلمين خصوصا الثائرين علي عثمان والمتجمهرين عليه وهم جل الصحابة لو لم نقل کلهم (کما يأتي تفصيله في الجزء التاسع باذن الله) و خصوصا من لاث بمولانا أميرالمؤمنين من علية الصحابة کأبي ذر وعمار ومالک الاشتر وابني صوحان وأمثالهم ما کان يقيمون وزنا لنعرات اي ابن انثي تجاه ما اتخذوه من مستقي الوحي فضلا عن مثل ابن سبا المعروف عندهم ملکاته ونزعاته في أمسه ويومه ذاک، فاني يصيخون إلي ماله من هلجة وهم رجال الفکرة الصالحة في المجتمع الديني ولم يثبت التاريخ الصحيح اتصال احد منهم بهذا الرجل فضلا عن تأثيره في نفسياتهم وإثارة الفتن في المجتمع الديني بأيديهم، وهلا کان خليفة الوقت أراح المسلمين من شره بتشتيت شمله وتمزيق جمعه؟ کا فعله مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام، فقطع عن اديم الارض اصول تلک النزعات الوبيلة بالقاء الدخان علي حامليها کما مر في الجزء السابع ص 156 ط 2، وذکره ابن حزم في الفصل 186: 4.



صفحه 379، 380، 381، 382.





  1. کالخضري واحمد امين.
  2. سيوافيک حديث امرهم في الجزء التاسع باذن الله تعالي.
  3. نضح الجمل حمله من بئر او نهر ليسقي به الزرع فهو ناضح. والغرب بالفتح فسکون: الدلو العظيمة، والکلام تمثيل للتسخير.
  4. نهج البلاغة 468: 1، العقد الفريد 274: 2.
  5. راجع ما مر ص 306 و 298 من هذا الجزء.
  6. راجع ص 328 -326 من هذا الجزء.