روايات أبي ذر في الاموال











روايات أبي ذر في الاموال



وأما ما رواه أبوذر في باب الاموال عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فينادي بما لا يلائم الاشتراکية قط و إليک جملة منه:

1- ما من مسلم ينفق من کل مال له زوجين في سبيل الله عزوجل إلا إستقبلته حجبة الجنة کلهم يدعوه إلي ما عنده. قلت: وکيف ذلک؟ قال صلي الله عليه وآله: إن کانت رجالا فرجلين، وإن کانت إبلا فبعيرين، وإن کانت بقرا فبقرتين.

وفي لفظ: من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة[1] .

ففيه إثبات المال لکل إنسان بالرغم من المبدأ الاشتراکي، والترغيب بالتطوع بالانفاق في سبيل الله من کل نوع زوجين.

2- في الابل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته.

3- ما من رجل يموت فيترک غنما أو إبلا أو بقرا لم يؤد زکاته إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما تکون واسمن حتي تطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها.

وفي لفظ: ما من صاحب إبل ولا بقر ولاغنم لا يؤدي زکاتها إلا جاءت يوم القيامة الحديث.[2] .

[صفحه 251]

فهي تثبت المالية وانه لا فريضة علي الانسان في ماله غير الزکاة، وهي من بعضها وإن الباقي لصاحبه، رضي الاشتراکي أو غضب.

وأما ما وقع له مع کعب الاحبار في مشهد عثمان وهو من عمدة ما تشبث به المتحاملون علي أبي ذر وقاذفوه مما أخرجه الطبري باسناده الواهي عن السري الکذاب الوضاع، عن شعيب المجهول الذي لا بعرف، عن سيف بن عمر الوضاع المتهم بالزندقة الذين عرفت حالهم في صفحة 327 -326 من طريق ابن عباس قال: کان أبوذر يختلف من الربذة إلي المدينة مخافة الاعرابية وکان يحب الوحدة والخلوة فدخل علي عثمان وعنده کعب الاحبار فقال لعثمان: لا ترضوا من الناس بکف الاذي حتي يبذلوا المعروف، وقد ينبغي لمؤدي الزکاة أن لا يقتصر عليها حتي يحسن إلي الجيران والاخوان ويصل القرابات فقال کعب: من ادي الفريضة فقد قضي ما عليه. فرفع ابوذر محجنه فضربه فشجه فاستوهبه عثمان فوهبه له وقال: يا أباذر إتق الله واکفف يدک ولسانک. وقد کان قال له: يا ابن اليهودية ما أنت وما هاهنا؟ والله لتسمعن مني أو لادخل عليک.[3] .

ومر ص 295 في لفظ المسعودي: إن أباذر حضر مجلس عثمان ذات يوم فقال عثمان: أرأيتم من زکي ماله هل فيه حق لغيره؟ فقال کعب: لا يا أميرالمؤمنين فدفع أبوذر في صدر کعب وقال له: کذبت يا ابن اليهودي ثم تلا: ليس البر أن تولوا وجوهکم قبل المشرق والمغرب ولکن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائکة والکتاب والنبيين وآتي المال علي حبه ذوي القربي واليتامي والمساکين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتي الزکاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا. الآية[4] .

فقال عثمان: أترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فنفقه فيما ينوبنا من أمورنا ونعطيکموه؟ فقال کعب: لا باس بذل. فرفع أبوذر العصا فدفع بها في صدر کعب وقال: يا ابن اليهودي ما أجرأک علي القول في ديننا؟ فقال له عثمان: ما اکثر اذاک لي؟ غيب وجهک عني فقد آذيتني فخرج أبوذر إلي الشام[5] .

[صفحه 252]

فإنما دعا أبوذر في هذه الواقعة إلي العطاء المندوب المدلول عليه بقوله: «ينبغي» الوارد في رواية الطبري، وبالآية الکريمة الواردة في حديث المسعودي، وهو من واجبات البشرية وفروض الانسانية التي ضيعتها الشيوعية الممقوتة، و الاحاديث المرغبة لکل مما ذکر أبوذر أکثر من أن تحصي.

جاء من طريق فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلي الله عليه وآله إنه قال: إن في المال حقا سوي الزکاة ثم قرأ: ليس البر أن تولوا وجوهکم قبل المشرق والمغرب ولکن البر من آمن بالله واليوم الآخر. الآية المذکورة. وروي بيان وإسماعيل هذا الحديث عن الشعبي.

أخرجه ابن ابي حاتم والترمذي وابن ماجة وابن عدي وابن مردويه والدار قطني وابن جرير وابن المنذر. راجع سنن البيهقي 84: 4، أحکام القرآن للجصاص 153: 1، تفسير القرطبي 223: 2، تفسير اين کثير 208: 1، شرح سنن ابن ماجة 546: 1 تفسير الشوکاني 151: 1، تفسير الآلوسي 472.

وأخرج البخاري في الصحيح في کتاب الزکاة 29: 3 من طريق أنس قال: کان ابو طلحة اکثر الانصار بالمدينة مالا من نخل وکان أحب أمواله اليه بيرحاء[6] وکانت مستقبلة المسجد وکان رسول الله صلي الله عليه وآله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس: فلما انزلت هذه الآية: لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون قام ابوطلحة إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إن الله تبارک وتعالي يقول: لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون. وإن أحب أموالي الي بيرحاء وانها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراک الله قال: فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: بخ ذلک مال رابح، ذلک مال رابح، وقد سمعت ما قلت واني أري أن تجعلها في الاقربين، فقال ابوطلحة: افعل يا رسول الله فقسمها ابوطلحة في اقاربه وبني عمه.

وأخرجه مسلم و الترمذي و أبوداود و النسائي مختصرا.

وأخرج أبوعبيد في الاموال ص 358 من طريق ابن جريج قال: سال المؤمنون رسول الله صلي الله عليه وآله: ماذا ينفقون؟ فنزلت: يسألونک ماذا ينفقون قل ما انفقتم من خير فللوالدين

[صفحه 353]

والاقربين واليتامي والمساکين وابن السبيل. قال: فتلک التطوع والزکاة سوي ذلک.

وقال أبوعبيد في الاموال ص 358: إن هذا مذهب ابن عمر وأبي هريرة، واصحاب رسول الله أعلم بتأويل القرآن واولي بالاتباع، ومذهب طاوس والشعبي ان في المال حقوقا سوي الزکاة مثل بر الوالدين، وصلة الرحم، وقري الضيف، مع ما جاء في المواشي من الحقوق.

وفي الاموال ص 358 من طريق ابي حمزة قال: قلت للشعبي: اذا اديت زکاة مالي؟ قال: فقرأ علي هذه الآية: ليس البر أن تولوا وجوهکم قبل المشرق والمغرب ولکن البر من آمن بالله واليوم الآخر. إلي آخر الآية المذکورة.

فنداء ابي ذر في موقفه هذا نداء القرآن الکريم ونداء المشرع الاعظم ونداء تابعيهما من الصحابة والتابعين، ولا يرد ذلک إلا مثل کعب الاحبار الذي هو حديث عهد باليهودية، وقد اعتنق الاسلام أمس، علي حين انه لم يسلم طيلة عهد النبوة وإنما سالم علي عهد عمر، ولا ادري هل حدته إلي ذلک الحقيقة؟ أو الفرق من بطش المسلمين وشوکتهم؟ أو الطمع في العطاء الجاري؟ ولا ادري أيضا انه في مدة اسلامه القصيرة هل احاط خبرا بنواميس الاسلام وفروضه وسننه أولا؟ ولا أحسب. کما اوعز اليه أبوذر الناظر اليه من کثب حيث قال له: يا ابن اليهودية ما أنت وما هاهنا؟ وکان من حقه أن يؤدب بالمحجن کما فعله سيد غفار ساء الخليفة أم سره لانه لم يکن اهلا للفتيا فأفتي تجاه عالم من علماء الصحابة الذي ملا إهابه العلم بالکتاب والسنة، و حشو ردائه الفروض والسنن، ولا يفرغ إلا عن رسول الله صلي الله عليه وآله وما اظلت الخضراء وما اقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق وأوفي من أبي ذر.

الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون بينهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. «التوبة» 79.

وإثبات العطاء مندوبا ومفترضا فرع إثبات المالية للاشخاص، ولا تتفق معه الشيوعية بحال، وأين يقع أبوذر منها؟.

4- ثلاثة يبغضهم الله: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم.

وفي لفظ: إن الله يبغض الشيخ الزاني، والفقير المختال، والمکثر البخيل.

[صفحه 354]

وفي لفظ: إن الله لا يحب کل مختال فخور، والبخيل المنان، والتاجر الحلاف[7] .

في هذه الروايات ذکر لختلاف طبقات الناس وحدودهم بما يملکون، فقير وغني ومکثر وتاجر الذي تقوم تجارته برأس ماله، والاشتراکي يري ان الناس شرع سواء بالنسبة إلي الاموال.

5- قلت: يا رسول الله ذهب الاغنياء بالار يصلون ويصومون ويحجون قال: وأنتم تصلون وتصومون وتحجون. قلت: يتصدقون ولا نتصدق. قال: وأنت فيک صدقة: رفعک العظم عن الطريق صدقة، وهدايتک الطريق صدقه، وعونک الضعيف بفضل قوتک صدقة، وبيانک عن الارتم صدقة، ومباضعتک امرأتک صدقة. قال: قلت: يا رسول الله نأتي شهوتنا ونؤجر؟ قال: أرأيت لو جعلته في حرام أکان تأثم؟ قال: قلت: نعم. قال: فتحتسبون بالشر، ولا تحتسبون بالخير؟

وفي لفظ: قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالاجور يضلون کما نصلي و يصومون کما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: فقال رسول الله: أوليس قد جعل الله لکم ما تصدقون؟ إن بکل تسبيحة صدقة وبکل تحميدة صدقة. الحديث.

وفي لفظ: قيل للنبي صلي الله عليه وآله: ذهب أهل الاموال بالاجر. فقال النبي صلي الله عليه وآله: إن فيک صدقة کثيرة فذکر فضل سمعک فضل بصرک. الحديث.

وفي لفظ: علي کل نفس في کل يوم طلعت فيه الشمس صدقة عنه علي نفسه. قلت: يا رسول الله: من أين تصدق وليس لنا أموال؟ قال: لان من أبواب الصدقة: التکبير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، واستغفر الله، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنکر، وتعزل الشوکة عن طريق الناس والعظم والحجر، وتهدي الاعمي وتسمع الاصم والابکم حتي يفقه، وتدل المستدل علي حاجة له وقد علمت مکانها، وتسعي بشدة ساقيک إلي اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيک مع الضعيف. کل ذلک

[صفحه 355]

من أبواب الصدقة منک علي نفسک[8] .

وفي هذه الاحاديث تقرير الاغنياء وأهل الدثور والاموال علي أحوالهم المنوطة بالوفر المخصوص بهم واليسار الممنوح لهم وانه ليس منهم، وذکر الصدقة من فضول أموال المثرين، والتأسف علي ما يفوت الفقراء من صدقاتهم بالاموال فرضا وتطوعا، وأين يثبت الاشتراکي مالا لاحد فيثبت له فضولا؟ ومتي يري في العالم غنيا غير غاصب؟ وأني يبقي موضوعا للصلات والصدقات وفروض الانسانية؟ لکن روايات أبي ذر تثبت کل ذلک.

6- أمرني خليلي صلي الله عليه وآله بسبع أمرني بحب المساکين والدنو منهم، وأمرني أن انظر إلي من هو دوني ولا انظر إلي من هو فوقي.

وفي لفظ: أوصاني حبي بخمس: ارحم المساکين وأجالسهم وأنظر إلي من هو تحتي ولا أنظر إلي من هو فوقي.[9] .

ومما لا غبار عليه ان المراد من الدون والتحت في الحديثين: من هو دونه في المال ليشکر الله سبحانه علي تفضيله عليهم، ولا ينظر إلي من فوقه لئلا يشغله الاستياء او الحسد علي تفضيل غيره عليه عن الذکر والشکر والنشاط في العبادة، وأما الاعمال والطاعات والملکات الفاضلة، فينبغي للانسان أن ينظر إلي من هو فوقه فيها ليتنشط علي مثل عمله فيتحري شأوه، ولا ينظر إلي من هو دونه فيفتر عن العمل ويقعد عن اکتساب الفضائل والفواضل، وربما داخله العجب.

ففي الحديثين إثبات المالية والتفاضل فيها بالرغم من المبدأ الشيوعي.

7- ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع کل فجر يدعو بدعوتين يقول: اللهم خولتني من خولتني من بني آدم فاجعلني من أحب أهله وماله إليه. أو: أحب أهله وماله إليه.[10] .

نحن لا نحتج هنا بدعوة الفرس ورأيه لکن بما أخبر رسول الله صلي الله عليه وآله من إلهام

[صفحه 356]

الله سبحانه اياه أنه يدعو بتلک الدعوة وفيها إثبات التخويل والمالية وإن ازور عنهما الشيوعي.

هذه جملة من روايات ابي ذر الصدوق المصدق تضاد بنصها ما اتهم به من المبدأ الممقوت، وإن هي إلا نداء القرآن الکريم وما صدع به الرسول الأمين.

الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئک الذين هداهم الله

وأولئک هم أولوا الالباب، فأما الذين في قلوبهم زيغ

فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة

وابتغاء تأويله

سورة الزمر 18، سورة التوبة 89

[صفحه 357]



صفحه 251، 252، 353، 354، 355، 356، 357.





  1. أخرجه احمد في مسنده 164 و 159 و 153 و 151: 5.
  2. مسند احمد 179 و 169 و 158 و 152: 5، الاموال لابي عبيد ص 355، سنن ابن ماجة 544: 1.
  3. تاريخ الطبري 67: 5.
  4. سورة البقرة: 177.
  5. هذه القضية کما تري وقعت قبل اخراج ابي ذر إلي الشام وهي السبب الوحيد في نفيه اليها فهذا اللفظ يکذب ما في رواية الطبري من ان أباذرکان يختلف من الربذة إلي المدينة. الخ. ولم يختلف اثنان في ان أباذر في مدة نفيه إلي الربذة لم يأت قط إلي المدينة کما مر في ص 333.
  6. بيرحاء. بفتح الموحدة والراء المهملة: موضع بقرب المسجد بالمدينة يعرف بقصر بني جديلة.
  7. مسند احمد 176 و 153: 5، واخرجه ابوداود وابن خزيمة في صحيحه والنسائي والترمذي في باب کلام الحور العين وصححه، وابن حبان في صحيحه، والحاکم وصححه، راجع الترغيب والترهيب للمنذري 247: 1، وج 238 و 230 و 2.
  8. مسند احمد 178 و 167 و 154: 5، صحيح مسلم 82: 3، سنن البيهقي 188: 4.
  9. مسند احمد 173 و 159: 5، حلية ابي نعيم 160: 1.
  10. مسند احمد 170: 5.