عماد الدين ابن كثير











عماد الدين ابن کثير



جاء ابن کثير الدمشقي في البداية والنهاية 155: 7 فبني علي اساس ما علاه من قبله في حذف ما کان هنالک من هنات وزاد في الطنبور نغمات قال: کان أبوذر ينکر علي من يقتني مالا من الاغنياء ويمنع أن يدخر فوق القوت ويوجب ان يتصدق بالفضل ويتأول قول الله سبحانه وتعالي: والذين يکنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم. فينهاه معاوية عن إشاعة ذلک فلا يمتنع فبعث يشکوه إلي عثمان

[صفحه 332]

فکتب عثمان إلي ابي ذر أن يقدم عليه المدينة فقدمها فلامه عثمان علي بعض ما صدر منه واسترجعه فلم يرجع فأمره بالمقام بالربذة وهي شرقي المدينة ويقال: إنه سال عثمان ان يقيم بها وقال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله قال لي: اذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها. وقد بلغ البناء سلعا، فأذن له عثمان بالمقام بالربذة وأمره أن يتعاهد المدينة في بعض الايان حتي لا يرتد أعرابيا بعد هجرته ففعل فلم يزل مقيما بها حتي مات. أه.

وقال في ص 165 عند ذکر وفاته: جاء في فضله أحاديث کثيرة من اشهرها ما رواه الاعمش عن ابي اليقظان عثمان بن عمير عن ابي حرب بن ابي الاسود عن عبدالله ابن عمرو ان رسول الله قال: ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء اصدق لهجة من أبي ذر. وفيه ضعف. ثم لما مات رسول الله صلي الله عليه وآله ومات ابوبکر خرج إلي الشام فکان فيه حتي وقع بينه وبين معاوية فاستقدمه عثمان إلي المدينة ثم نزل الربذة فأقام بها حتي مات في ذي الحجة من هذه السنة، وليس عنده سوي امرأته وأولاده فبينما هم کذلک لا يقدرون علي دفنه إذ قدم عبدالله بن مسعود من العراق في جماعة من اصحاب فحضروا موته وأوصاهم کيف يفعلون به، وقيل: قدموا بعد وفاته فولوا غسله ودفنه، وکان قد أمر أهله أن يطبخوا لهم شاة من غنمه ليأکلوه بعد الموت، وقد ارسل عثمان بن عفان إلي أهله فضمهم مع أهله. أه.

هذا کل ما في عيبة ابن کثير من المخاريق في المقام. وفيه مواقع للنظر:

1- إتهامه أبا ذر بأنه کان ينکر اقتناء المال علي الاغنياء. الخ. هذه النظرية قديما ما عزوه إلي الصحابي العظيم إختلاقا عليه وزورا، وقد تحولت في الادوار الاخيرة بصورة مشوهة اخري من نسبة الاشتراکية اليه وسنفصل القول عنها تفصيلا إنشاء الله تعالي.

2- إنه حسب نزوله الشام وهبوطه الربذة بخيرة منه بعدما أوعز إلي أن عثمان امره بالمقام بالربذة، اما حديث الربذة فقد أوقفناک آنفا علي أنه کان منفيا اليها، و اخرج من مدينة الرسول بصورة منکرة، ووقع هنالک ما وقع بين علي عليه السلام ومروان، وبينه وبين عثمان، وبين عثمان وبين عمار، واعتراف عثمان بتسييره، وتسجيل علي أميرالمؤمنين عليه ذلک، وسماع غير واحد من أبي ذر الصادق نفسه حديثه، وان عثمان

[صفحه 333]

جعله أعرابيا بعد الهجرة، وهو مقتضي إعلام النبوة في إخبار رسول الله صلي الله عليه وآله إياه بأنه سوف يخرج من المدينة، ويطرد من مکة والشام، وأما خبر الشام فقد مر إخراجه اليها ولم يکن ذلک باختياره ايضا.

3- وأما حديث بلوغ البناء السلع فإفک مفتري علي ام ذر وقد جاء في مستدرک الحاکم 344: 3، وذکره البلاذري کما مر في ص 293 ورآه سبب خروج أبي ذر إلي الشام بإذن عثمان لا سبب خروجه إلي الربذة کما في حديث الطبري.

علي ان ابن کثير اخذه من الطبري في التاريخ وجل ما عنده إنما هوملخص ما فيه مع التصرف فيه علي ما يروقه، وإسناد الرواية في التاريخ رجاله بين کذاب وضاع وبين مجهول لا يعرف إلي ضعيف متهم بالزندقة کما اسلفناه في ص 327 141 و 140 و 84 وهم:

1- السري 2- شعيب 3- سيف 4- عطية 5- يزيد الفقعسي.

وحديث يکون في إسناده احد من هؤلاء لا يعول عليه، وعلي فرض إعتباره فانه لا يقاوم الصحاح المعارضة له الدالة علي اخبار رسول الله صلي الله عليه وآله بأنه يخرج ويطرد من مکة والمدينة والشام: راجع ص 319 -316 وهي معتضدة بما مر عن ابي ذر وعثمان وغيرهما في تسيير عثمان إياه، اضف اليها الاعذار الباردة الواردة عن أعلام القوم في تبرير عثمان عن هذا الوزر الشائن.

4- وأما ما ذکره من أمر عثمان أبا ذر أن يتعاهد المدينة حتي لا يرتد اعرابيا فانه من جملة تلک الرواية المکذوبة التي تشمل علي حديث السلع، وقد مر من طريق البلاذري باسناد صحيح في ص 294 قول ابي ذر: ردني عثمان بعد الهجرة اعرابيا. علي انه لم يذکر احد ان أبا ذر قدم المدينة خلال أيام نفيه من سنة ثلاثين إلي وفاته سنة إثنتين وثلاثين حتي يکون ممتثلا لامر عثمان بالتعاهد.

5- ما ذکره من انه جاء في فضله احاديث کثيرة من اشهرها. الخ. إن شنشنة الرجل في الفضائل انه اذا قدم لسرد تاريخ من يهواه من الامويين ومن انضوي اليهم من رواد النهم جاء باشياء کثيرة وسرد التافه الموضوع في صورة الصحاح من غير تعرض لاسنادها أو تعقيب لمضامينها، ولا يمل من تسطيرها وإن

[صفحه 334]

سودت اضابير من القراطيس، لکنه اذا وصلت النوبة إلي ذکر فضل احد من أهل البيت عليهم السلام أو شيعتهم وبطانتهم من عظماء الامة وصلحائها کأبي ذر تضييق عليه الارض برحبها، وتلکأ وتلعثم کأن في لسانه عقلة وفي شفتيه عقدة، أو انه کان في اذنه وقرأ عن سماعها فلم تنه اليه، وإن اضطرته الحالة إلي ذکر شئ منها جاء به في صورة مصغرة کما تجده هاهنا حيث جعل ما هو من اشهر فضائل ابي ذر ضعيفا، وهو يعلم أن طريق هذا الاسناد ليس منحصرا بما ذکره هو من طريق ابن عمرو الذي أخرجه ابن سعد والترمذي وابن ماجة والحاکم، وإنما جاء من طريق علي امير المؤمنين وأبي ذر وأبي الدرداء وجابر بن عبدالله وعبدالله بن عمر وابي هريرة، وحسن الترمذي غير واحد من طرقه في صحيحه 221: 2.

وإسناد أحمد من طريق ابي الدرداء في مسنده 197: 5 صحيح رجاله کلهم ثقات. وإسناد الحاکم من طريق ابي ذر صححه هو واقره الذهبي کما في «المستدرک» 342: 3.

وإسناد الحاکم من طريق علي عليه السلام وأبي ذر ايضا صححه هو وأقره الذهبي کما في «المستدرک» 480: 4.

وأما إسناد ما أخرجه ابن کثير من طريق ابن عمرو فقال الذهبي فيما نقله عنه المناوي في شرح الجامع الصغير: سنده جيد. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجال أحمد وثقوا وفي بعضهم خلاف. وحسنه السيوطي في الجاامع الصغير. فأين الضعف المزعوم؟

ولا يهمنا التعرض لبقية ما رمي القول فيه علي عواهنه فانها مأخوذة من الطبري مع عدم الاجادة في الاخذ، لعله اراد إصلاح ما في روايته من التهافت فزاد عوارا علي عواره، وروايته هي من جملة اساطير أوقفناک علي وضعها ص 327.

والممعن في کتب المحدثين يعلم أن هذه الجنايات التي اوعزنا إلي بعضها لم تعد کتب الحديث فتجدها تثبتمامن حقه الحذف، وتحذف ما يجب ان يذکر، ونکل عرفان ذلک إلي سعة باعک ايها القارئ الکريم!

لقد کنت في غفلة من هذا فکشفنا عنک غطاءک

فبصرک اليوم حديد «سور ق 22»

[صفحه 335]



صفحه 332، 333، 334، 335.