ابن الاثير الجزري











ابن الاثير الجزري



وأنت تري ابن الاثير في الکامل الناقص تبعا للطبري في الذکر والاهمال کما هو کذلک في کل ما توافقا عليه من التاريخ لکنه زاد ضغثا علي أبالة فقال: وفي هذه السنة کان ما ذکر في أمر ابي ذر وإشخاص معاوية إياه من الشام إلي المدينة، وقد ذکر في سبب ذلک امور کثيرة من سب معاوية إياه وتهديده بالقتل وحمله إلي المدينة

[صفحه 329]

من الشام بغير وطاء، ونفيه من المدينة علي الوجه الشنيع لا يصح النقل به، ولو صح لکان ينبغي ان يعتذر عن عثمان، فان للامام أن يؤدب رعيته، وغير ذلک من الاعذار لا أن يجعل ذلک سببا للطعن عليه کرهت ذکرها. اه

إن الذي لم يصحح الرجل نقله صححه آخرون فنقلوه قبله وبعده فلم ينل المسکين مبتغاه، وکان قد حسب أن الحقائق الثابتة تخفي عن أعين الناس إن سترها هو بذيل أمانته، وقد ذهب عليه ان أهل النصفة من المؤلفين ورواد الحقايق من الرواة سوف لا يدعون صغيرة ولا کبيرة إلا ويحصونها علي الامة، وإن مدونة التاريخ ليست قصرا علي کتابه.

هب انه ستر التاريخ بالاهمال لکنه ماذا يصنع بالمحدثين؟ الذين اثبتوا حديث إخراجه من المدينة وطرده عن مکة والشام في باب الفتن وفي باب أعلام النبوة[1] أولا يبهظ ذلک أباذروزملائه من رجالات أهل البيت عليهم السلام ومن يري رايه من صلحاء الامة، ولا سيما ان سابقة الطرد من عاصمة النبوة لم تکن إلا لمثل الحکم « عم الخليفة» وابنه وعائلته زبانية العيث والفساد تنزيها للعاصمة عن معرتهم، وتطهيرا لها عن لوث بقائهم فيها، أفهل يساوي أبوذر ذلک العظيم عند الله ورسوله شبيه عيسي بن مريم في أمة محمد صلي الله عليه وآله الذي ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق منه، وقد امر الله سبحانه رسوله بحبه، وهو من الثلاثة الذين تشتاق اليهم الجنة، والثلاثة الذين يحبهم الله تعالي.

أفهل يساوي من هو هذا بالطريد اللعين، فيشوه ذکره بهذه التسوية، ويشهر بين الملا موصوما بذلک، ويمنع الناس عن التقرب اليه، وينادي عليه بذل الاستخفاف، ويحرم الناس عن علومه الجمة التي هو وعائها، ولعمر الحق، وشرف الاسلام، ومجد الانسانية، وقداسة ابي ذر، إن النشر بالمناشير، والقرض بالمقاريض أهون علي الديني الغيور من بعض هاتيک الشنايع.

ثم إن تاديب الخليفة للرعية إنما يقع علي من فقد الآداب الدينية وطوحت به طوائح الجهل إلي مساقط الضعة. وأما مثل ابي ذر الذي أطراه رسول الله صلي الله عليه وآله

[صفحه 330]

بما لم يطر به غيره وقر به وأدناه وعلمه وإذا غاب عنه تفقده، وشهد انه شبيه عيسي بن مريم هديا وسمتا وخلقا وبرا وصدقا ونسکا وزهدا. فبماذا يؤدب؟ ولما؟ واي تاديب هذا يراه النبي الاعظم بلاء في الله؟ ويأمر أبا ذر بالصبر وهو يقول: مرحبا بأمر الله. وبم ولم استحق ابوذر التأديب؟ وعمله مبرور مشکور عند المولي سبحانه، ويراه مولانا أميرالمؤمنين غضبا لله ويقول له: فارج من غضبت له.[2] .

نعم: يجب أن يکون أبوذر هو المؤدب للناس لما حمله من علم النبوة وأحکام الدين وحکمه، والنفسيات الکريمة، والملکات الفاضلة التي ترکته شبيها بعيسي بن مريم في أمة محمد صلي الله عليه وآله.

مابال الخليفة يتحري تاديب أبي ذر وهو هذا، ويبهظه تاديب الوليد بن عقبة السکير علي شرب الخمر واللعب بالصلاة المفروضة؟.

ويبهظه تاديب عبيدالله بن عمر علي قتل النفوس المحترمة.

ويبهظه تاديب مروان وهو يتهمه بالکتاب المزور عليه.

ويبهظه تاديب الوقاح المستهتر المغيرة بن الاخنس وهو يقول له: أنا أکفيک علي بن ابي طالب. فأجابه الامام بقوله: يا ابن اللعين الابتر والشرة التي لا اصل لها ولا فرع أنت تکفيني؟ فوالله ما أعز الله من أنت ناصره الخ.[3] .

ما بال الخليفة يطرد أبا ذر ويردفه بصلحاء آخرين ويري الامام الطاهر أمير المؤمنين أحق بالنفي منهم[4] ويأوي طريد رسول الله الحکم وابنه ويرفدهما وهما هما؟.

ما بال الخليفة يخول مروان مهمات المجتمع؟ ويلقي اليه مقاليد الصالح العام؟

ولم يصخ إلي قول صالح الامة مولانا أميرالمؤمنين له: أما رضيت من مروان ولا رضي منک إلا بتحرفک عن دينک وعن عقلک مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به؟ والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا في نفسه، وأيم الله إني لاراه سيوردک ثم لا يصدرک وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتک، اذهبت شرفک، وغلبت علي أمرک، يأتي تمام الحديث في الجزء التاسع إن شاء الله تعالي.

[صفحه 331]

ما بال الخليفة يعطي مروان أزمه اموره ويشذ عن السيرة الصالحة حتي توبخه زوجته نائلة بنت الفرافصة؟ وتقول: قد أطعت مروان يقودک حيث شاء، قال: فما اصنع قالت. تتقي الله وتتبع سنة صاحبيک، فانک متي اطعت مروان قتلک، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة، وإنما ترکک الناس لمکانه، فأرسل إلي علي فاستصلحه فإن له قرابة وهو لا يعصي[5] ليت الخليفة کانت له اذن واعية تسمع من بنت الفرافصة کلمتها الحکمية التي کانت فيها نجاته في النشأتين.

کان من صالح الخليفة أن يدني اليه أباذرفيستفيد بعلمه وخلقه ونسکه وأمانته وثقته وتقواه وزهده لکنه لم يفعل، وماذا کان يجديه لو فعل؟ وحوله الامويون وهو المتفاني في حبهم وهم لا يرون ذلک الرأي السديدا لانه علي طرف النقيض مما حملوه من النهمة والشره، واکتناز الذهب والفضة، والسير مع الهوي والشهوات، وهم المسيطرون علي رأي الخليفة وابوسفيان يقول: يا بني أمية تلقفوها تلقف الکرة فوالذي يحلف به أبوسفيان ما زلت أرجوها لکم ولتصيرن إلي صبيانکم وراثة. أو يقول لعثمان: صارت اليک بعد تيم وعدي فادرها کالکرة واجعل أوتادها بني امية فانما هو الملک ولا ادري ما جنة ولا نار. «راجع ص 285».

وعثمان وإن زبره تلک الساعة لکنه لم يعد رأيه في بني أمية المتلاعبين بالدين لعبهم بالاکر، ولا ادري هل تهجس في تأديب ابي سفيان علي ذلک القول الالحادي الشائن کما تهجس وفعل في أبي ذر البر التقي، ومن يماثله من الصلحاء الاتقياء؟. لقد فات ابن الاثير کل هذا فاعتذر عن الرجل بأن الخليفة يؤدب رعيته.



صفحه 329، 330، 331.





  1. راجع ص 328 -324.
  2. راجع ما مر في هذا الجزء صفحة 300.
  3. نهج البلاغة 253: 1.
  4. سيوافيک حديثه في مواقف عمار ان شاء الله تعالي.
  5. تاريخ الطبري 112: 5، الکامل لابن الاثير 69: 3.