اسلام أبي بكر قبل ولادة علي











اسلام أبي بکر قبل ولادة علي



عن شبابة عن فرات بن السائب قال: قلت لميمون بن مهران: أبوبکر الصديق أول ايمانا بالنبي صلي الله عليه وسلم أم علي بن أبي طالب؟ قال: والله لقد آمن أبوبکر بالنبي صلي الله عليه وسلم

[صفحه 272]

زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتي أنکحها إياه، وذلک کله قبل أن يولد علي بن أبي طالب.

وعن ربيعة بن کعب[1] قال: کان إسلام أبي بکر شبيها بالوحي من السماء وذلک أنه کان تاجرا بالشام فرأي رؤيا فقصها علي بحيرا الراهب فقال له: من أين أنت؟ فقال: من مکة فقال: من أيها؟ قال: من قريش. قال: فأي شئ أنت: قال: تاجر. قال: إن صدق الله رؤياک فانه يبعث نبي من قومک تکون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته. فأسر ذلک أبوبکر في نفسه حتي بعث النبي صلي الله عليه وسلم فجاء فقال: يا محمد ما الدليل علي ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبل بين عينيه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنک رسول الله.

وقال الامام النووي: کان أبوبکر أسبق الناس إسلاما، أسلم وهو ابن عشرين سنة.وقيل: خمس عشر سنة.

راجع الرياض النضرة 54 و 51:1، اسد الغابة 168:1، تاريخ ابن کثير 319:9، الصواعق المحرقة ص 45، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 24، الخصايص الکبري 29:1، نزهة المجالس 182:2.

قال الاميني: هلم معي ننظر إلي هذه المراسيل هل توجد فيها مسحة من الصدق؟ أما رواية ابن مهران سندا:

1- فشبابة بن سوار[2] أبوعمر والمدائني قال أحمد: ترکته لم أکتب عنه للارجاء وکان داعية، وقال ابن خراش: کان أحمد لا يرضاه وهو صدوق في الحديث وقال الساجي وابن عبدالله وابن سعد والعجلي وابن عدي: انه کان يقول بالارجاء.

وقبل هذه کلها يظهر مما رواه أبوعلي المدائني: انه کان يبغض أهل بيت النبي صلوات الله عليهم. وضربه الله بالفالج لدعاء من دعا عليه بقوله: أللهم إن کان شبابة يبغض أهل نبيک فاضربه الساعة بالفالج. ففلج في يومه ومات. ميزان الاعتدال 440:1، تهذيب التهذيب 302:4.

[صفحه 273]

2- فرات بن السائب الجرري. قال البخاري: منکر الحديث وقال يحيي ابن معين: ليس بشئ، منکر الحديث. وقال الدارقطني وغيره: متروک. وقال أحمد بن حنبل: قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذاک. ومحمد بن زياد هو اليشکري أحد الکذابين الوضاعين کما مر في ج 258:5 ط 2، ففرات عند إمام الحنابلة کذاب وضاع. وقال أبوحاتم: ضعيف الحديث، منکر الحديث. وقال الساجي: ترکوه. وقال النسائي: متروک الحديث. وقال أبوأحمد الحاکم. ذاهب الحديث وقال ابن عدي: له أحاديث غير محفوظة وعن ميمون مناکير.

(ميزان الاعتدال 325:2، لسان الميزان 430:4).

3- ميمون بن مهران حسبه ما مر في رواية فرات عنه، أضف إلي ذلک قول العجلي: انه کان يحمل علي علي کما في تهذيب ابن حجر 391:10. هب انه وثقة من وثقه، فما قيمته وقيمة حديثه بعد تحامله علي علي أميرالمؤمنين صلوات الله عليه. ثم قد أتي ميمون في حديثه بأمرين: إسلام أبي بکر زمن بحيرا. وإختلافه في زواج رسول الله صلي الله عليه وآله خديجة. أما اختلافه بينه صلي الله عليه وآله وسلم وبين خديجة فلم ينبأ عنه قط خبير. وليس من الجايز أن يکون الوسيط في قران رجل عظيم کمحمد وامرأة من بيت مجدو سؤدد ورياسة کخديجة، شاب حدث ابن اثنتين وعشرين سنة وللزوج أعمام أشراف أعاظم کالعباس وحمزة وأبي طالب وهو بينهم وفي بيتهم، وکان عمه أبوطالب کما يأتي يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده مثله، وکان لا ينام إلا إلي جنبه، ويخرجه معه حين يخرج[3] وکان هو الذي کلم خديجة حتي وکلت رسول الله صلي الله عليه وآله بتجارتها، کما في الامتاع للمقريزي ص 8.

والذي جاء في السير والتاريخ في أمر هذاالقران ان خديجة بعثت إلي رسول الله صلي الله عليه وآله ورغبت في زواجه لقرابته وأمانته وحسن خلقه وصدق حديثه، وعرضت نفسها عليه صلي الله عليه وآله، فذکر ذلک رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، لاعمامه فخرج معه عمه حمزة وفي لفظ ابن الاثير: خرج معه حمزة وأبوطالب وغيرهما من عمومته. حتي دخل علي خويلد بن أسد، أو علي عمر وبن أسد عم خديجة فخطبها اليه فتزوجها عليه وآله الصلاة

[صفحه 274]

والسلام وخطب أبوطالب عليه السلام خطبة النکاح، فقال:

ألحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، و عنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا الحکام علي الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يوزن برجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فان کان في المال قل؟ فان المال ظل زايل، و أمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي کذا، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل. فزوجها.

راجع طبقات ابن سعد 113:1، تاريخ الطبري 127:2، أعلام الماوردي ص 114، الصفوة لابن الجوزي 25:1 الکامل لابن الاثير 15:2، تاريخ ابن کثير 294:2، تاريخ الخميس 299:1، عيون الاثر 49:1، اسد الغابة 435:5، الروض الانف 122:1، تاريخ ابن خلدون 172:2، المواهب اللدنية 50:1، السيرة الحلبية 150 و 149:1، شرح المواهب للزرقاني 200:1، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية 114:1.

فأين مزعمة ابن مهران من هذا التاريخ الصحيح المتواتر؟

وأما إسلام أبي بکر قبل ولادة علي أميرالمؤمنين زمن «بحيرا» الراهب فانه مأخوذ مما أخرجه ابن مندة[4] من طريق عبدالغني بن سعيد الثقفي عن ابن عباس: إن أبابکر الصديق صحب النبي وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي ابن عشرين وهم يردون الشام في تجارة حتي إذا نزل منزلا فيه سدرة قعد في ظلها ومضي أبوبکر إلي راهب يقال له: بحيرا يسأله عن شيئ الخ.

هذه الرواية ضعفها غير واحد من الحفاظ. قال الذهبي في ميزان الاعتدال 243:2: عبدالغني ضعفه ابن يونس. وأقر ضعفه ابن حجر في لسانه 45:4، وقال في الاصابة 177:1: أحد الضعفاء المتروکين.

وذکره السيوطي في الخصايص الکبري 86:1 فقال: سند ضعيف وضعفه

[صفحه 275]

القسطلاني في المواهب 50:1، والحلبي في السير النبوية 130:1.

وأفظع من هذا رواية أخرجها الحفاظ من طريق أبي نوح قراد عن يونس ابن أبي اسحاق عن أبيه عن أبي بکر بن أبي موسي الاشعري عن أبي موسي قال: خرج أبوطالب إلي الشام ومعه رسول الله صلي الله عليه وسلم في اشياخ من قريش فلما أشرفوا علي الراهب- يعني بحيرا- هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وکانوا قبل ذلک يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت اليهم قال: فنزل وهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم حتي جاء فأخذ بيد النبي صلي الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، إلي أن قال.

فبايعوه وأقاموا معه عنده، فقال الراهب: انشدکم الله أيکم وليه؟ قالوا: أبوطالب. فلم يزل يناشده حتي رده، وبعث معه أبوبکر بلالا، وزوده الراهب من الکعک والزيت.

أخرجه الترمذي في صحيحه 284:2 فقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والحاکم في المستدرک 616:2، وابونعيم في الدلائل 53:1، والبيهقي في الدلائل، والطبري في تاريخه 195:2، وابن عساکر في تاريخه 267:1، وابن کثير في تاريخه 284:2، نقلا عن الحافظ أبي بکر الخرائطي والحفاظ المذکورين، وابن سيد الناس في عيون الاثر 42:1، والقسطلاني في المواهب 49:1.

(رجال الرواية)

1- أبونوح قراد عبدالرحمن بن غزوان، قال عباس الدوري: ليس في الدنيا أحد يحدث بهذا الحديث غير قراد أبي نوح وقد سمعه منه أحمد ويحيي لغرابته و انفراده «تاريخ ابن کثير 285:2».

وقال الذهبي في الميزان 113:2: کان يحفظ، قوله مناکير، وأنکر ماله حديث عن يونس «وذکر شطرا من الحديث» فقال: ومما يدل علي انه باطل قوله: وبعث معه أبوبکر بلالا، وبلال لم يکن خلق، وأبوبکر کان صبيا.

وقال في تلخيص المستدرک تعليقا علي تصحيحه قلت: أظنه موضوعا فبعضه باطل وقال ابن حجرفي التهذيب 248:6: ذکره ابن حبان في الثقات وقال: کان

[صفحه 276]

يخطئ يتخالج في القلب منه لروايته عن الليث قصة المماليک. وقال أحمد: هذا «يعني حديث المماليک» باطل مما وضع الناس. وقال الداقطني: قال أبوبکر: أخطأ فيه قراد.

2- يونس بن أبي اسحاق. ضعف أحمد حديثه عن أبيه، وقال: حديثه عن أبيه مضطرب. وقال أبوحاتم: کان صدوقا إلا أنه لا يحتج بحديثه. وقال: أبوأحمد الحاکم ربما وهم في روايته. «تهذيب التهذيب 434:11».

3- أبواسحاق السبيعي. قال: ابن حبان: مدلس، وذکره الکرابيسي في المدلسين، وقال معن: أفسد حديث أهل الکوفة الاعمش وأبواسحاق التدليس «تهذيب التهذيب 66:8» وقال أبوحاتم: صدوق لا يحتج به: وقال ابن خراش. في حديثه لين. وقال ابن حزم في المحلي: ضعفه يحيي وأحمد جدا، وقال احمد: حديثه مضطرب «ميزان الاعتدال 339:3».

4- أبوبکر بن أبي موسي توفي سنة 106، ضعفه ابن سعد، وقال أحمد: لم يسمع من أبيه. تهذيب التهذيب 12 ص 41».

5- أبوموسي الاشعري المتوفي سنة 53-51-50-42 وهو ابن 63 سنة بلاخلاف أجده وقد وقعت الواقعة بعد عام الفيل بتسع سنين أو اثني عشر عاما قبل ولادة أبي موسي الاشعري 25-23-22-17 عاما، فان کان أبوموسي هوالشاهد للقصة قبل مولده فحبذا؟ وإن کان يرويها عمن شاهدها فمن هو؟ حتي ننظر في حاله.

هذا شأن الرواية سندا، أهذه کلها تخفي علي مثل الترمذي ومن بعده من الحفاظ فيحکمون فيها بالحسن؟ أو بالصحة کما فعله ابن حجر والحلبي؟ أنا لا أدري.نعم:الحب يعمي أو يصم.

وأما متن الرواية فهو يکفي في تکذيبها إذ سفر أبي طالب عليه السلام إلي الشام و أخذه معه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم کان وقد مضي من عمره صلي الله عليه وآله سلم تسع سنين علي ما قاله أبو جعفر الطبري والسهيلي وغيرهما، أو اثني عشر عاما علي ما قاله آخرون[5] وکان

[صفحه 277]

أبوبکر يوم ذاک إبن ست أو تسع سنين: فأين کان هو؟ وماذا کان يصنع بالشام؟ وأي اختيار کان له بين شيوخ قريش؟ ولم تکن تنعقد نطفة بلال يوم ذاک أخذا بقول من قال: انه توفي سنة 25 وله بضع وستون سنة[6] أو انه ولد في تلکم السنين أخذا بقول إبن الجوزي في الصفوة 1 ص 174 من أنه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة. کأن أبوبکر ولد وهو شيخ وبلال عتيقه، وکان معه من أول يومه، وکان من يوم ولد له الحل والعقد.

ثم أي بيعة کانت يوم ذاک؟ وما معني قول أبي موسي الاشعري: فبايعوه و أقاموا معه عنده؟ وأي ايمان واسلام علي زعم رواة هذه الافيکة، وکان قبل البعثة باحدي وثلاثين سنة، أو ثمانية وعشرين عاما، أو إثنين وعشرين، أو سبعة عشرة سنة علي زعم النووي؟ ولم تکن للنبي صلي الله عليه وآله يومئذ دعوة، ولا کلف أحدا بالايمان به، فلا يقال لمن عرف شيئا من إرهاصات النبوة انه أسلم يوم عرف وإلا لکان «بحيرا» الراهب و «نسطور» وأمثالهما من الرهبان والکهنة أقدم إسلاما من أبي بکر، وکم هنالک اناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشروا بها ثم بعد البعثة عاندوا وحسدوا، فمنهم من مات مشرکا، ومنهم من أدرکته الهداية بعد حين کما يأتي في کعب الاحبار بعيد هذا. و کيف أثبت ذلک اليوم ايمانا لابي بکر وصار بذلک أقدم الناس إسلاما ولم يثبت لابي طالب لا ذاک ولا غيره؟ وأبوموسي لم يستثن أبا طالب من اولئک الذين بايعوا يوم ذاک نظراء أبي بکر وبلال الخيالي.

قاالحافظ الدمياطي: في هذا الحديث وهمان: الاول: قوله: فبايعوه وأقاموا معه.والثاني: قوله: وبعث معه أبوبکر بلالا. ولم يکونا معه، ولم يکن بلال أسلم لا ملکه أبوبکر، بل کان أبوبکر حينئذ لم يبلغ عشرسنين، ولم يملک أبوبکر بلالا إلا بعد ذلک بأکثر من ثلاثين سنة وکذا ضعفه الذهبي[7] .

وقال الزرکشي في الاجابة ص 50: هذا من الاوهام الظاهرة لان بلالا إنما اشتراه أبوبکر بعد مبعث النبي صلي الله عليه واله وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذبه قومه ولما خرج

[صفحه 278]

النبي صلي الله عليه وسلم إلي الشام مع عمه أبي طالب کان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وأيام. ولعل بلالا لم يکن بعد ولد. ا ه

وقال ابن کثير في تاريخه 285:2: إن قوله: وبعث أبوبکر معه بلالا إن کان عمره عليه الصلاة والسلام إذ ذاک اثنتي عشرة سنة فقد کان عمر أبي بکر إذ ذاک تسع سنين أو عشرة، وعمر بلال أقل من ذلک، فأين کان أبوبکر إذ ذلک؟ ثم أين کان بلال، کلاهما غريب، أللهم إلا أن يقال: إن هذا کان ورسول الله صلي الله عليه وسلم کبيرا، إما بأن يکون سفره بعد هذا أو إن کان القول بأن عمره کان إذ ذاک اثنتي عشرة سنة غير محفوظ فانه إنما ذکره مقيدا بهذا الواقدي، وحکي السهيلي عن بعضهم انه کان عمره علي الصلاة والسلام إذ ذاک تسع سنين والله أعلم.

قال الاميني: إن ابن کثير غض البصر عما في الرواية من خرافة البيعة کأن لم يکن شيئا مذکورا. ثم أتي في تصحيح بعث أبي بکر بلالا بما لا يخفي علي فساده،إذ لم يزد سفر رسول الله صلي الله عليه وآله إلي الشام مع أبي طالب عليه السلام علي المرة الواحدة، و کون عمره صلي الله عليه وآله وسلم اثني عشر عاما محفوظ عند ابن سعد وابن جرير وابن عساکر و ابن الجوزي، ولم ينحصر بالواقدي کما حسبه. وقد سافر رسول الله صلي الله عليه وآله إلي الشام مرة ثانية سنة خمس وعشرين من عام الفيل مع ميسرة غلام السيدة خديجة سلام الله عليها وليس هناک أي ذکر من «بحيرا» وإنما فيه قضية «نسطور» الراهب.[8] .

وقال ابن سيد الناس في عيون الاثر 43:1 مثل مقالة الدمياطي المذکورة وکذلک الحلبي في السيرة النبوية 1 ص 129، والحديث أخرجه ابن الجوزي في صفة الصفوة 21:1، من طريق داود بن الحصين وليس فيه أثر من الوهمين ولا ذکر من أبي بکر.(نظرة في حديث کعب) وأما رواية کعب فاني لم أجدها في أصل من اصول الحديث، ولم أرلها سندا قط، وفي ذکر کعب وهو کعب الاحبار من رجال

[صفحه 279]

سندها کفاية، وحسبنا في کعب ما أخرجه البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبدالرحمن انه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذکر کعب الاحبار فقال: إن کان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الکتاب وإن کنا مع ذلک لنبلوا عليه الکذب.[9] .

م وقال ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 362: روي جماعة من أهل السير: ان عليا کان يقول في کعب الاحبار: إنه الکذاب وکان کعب منحرفا عن علي عليه السلام.وأخرج ابن أبي خيثمة باسناد حسنه ابن حجر عن قتادة قال: بلغ حذيفة ان کعبا يقول: إن السماء تدور علي قطب کالرحي. فقال: کذب کعب إن الله يقول: إن الله يمسک السموات والارض أن تزولا.[10] .

علي ان کعبا لو کان يصدق نفسه فيما أخبره من الارهاصات والبشائر لما کان يبقي علي دين اليهود طيلة حياة النبي صلي الله عليه وآله وما کان يأخر إسلامه إلي عهد عمر بن الخطاب، ولما کان يتعلل عندما سئل عما منعه عن إسلامه في العهد النبوي بقوله: إن أبي کان کتب لي کتابا من التوراة فقال: اعمل بهذا. وختم علي ساير کتبه وأخذ علي بحق الوالد علي الولد أن لا أفض الختم عنها، فلما رأيت ظهور الاسلام قلت: لعل أبي غيب عني علما ففتحتها فاذا صفة محمد وامته فجئت الآن مسلما[11] وکان له يوم توفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اثنان وثمانون عاما[12] وأثر الکذب لايح في جل ما جاء به کعب وحسبه ما أخرجه ابن عساکر في تاريخه 5 ص 260 من حديث ذي قربات الذي حکم الحفاظ بعدم صحته، وما جاء به السيوطي في الخصايص الکبري 31:1 من حديث إخباره عمر وعثمان: بانهما مذکوران بالخلافة في التوراة، وفيها ان عثمان يقتل مظلوما، ومع هذه کلها لم يعلم صدور هذه البشارة منه في أيام إسلامه ولعله کان قبله فلا يقبل قوله لا يصدق في حديثه.علي ان الاحلام إن صحت وصدقت فلم لم يحدث أبوبکر أحدا من الصحابة

[صفحه 280]

بما أخبره «بحيرا» من البشارة في نفسه من أنه يکون وزيرا وخليفة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي يدور حديثه في دور النبي صلي الله عليه وآله علي ألسنتهم، وتخبت إليه أفؤدتهم، وتزهر بمذاکرته أنديتهم؟ أوانه حدث بها لکن الصحابة ضربوا عنها صفحا فلم تنه إلي المحدثين، ولا انتهت إلي أحد من أرباب الصحاح والمسانيد حتي انتهت النوبة إلي الغلاة في الفضائل من المتأخرين فأرسلوها إرسال المسلم تجاه الحقائق الراهنة.

ولو کان أبوبکر أول من أسلم بتلکم التقاريب فأين کان هو إلي منتهي سبع سنين من البعثة التي يقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيها: لقد صلت الملائکة علي وعلي علي سبع سنين لانا کنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا؟[13] .

وفي أولية أميرالمؤمنين في الاسلام أحاديث صحيحة عنه صلي الله عليه وآله وعن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام قدمناها في الجزء الثالث، وأسلفنا هناک ما يربو علي ستين حديثا من الصحابة والتابعين في أن عليا أول الناس إسلاما وأول من صلي وآمن من ذکر. و قد مرت هناک صحيحة الطبري ان أبابکر أسلم بعد أکثر من خمسين رجلا، ولو کان أبوبکر أول من أسلم وقد آمن به صلي الله عليه وآله قبل ولادة علي عليه السلام فأين کان هو يوم قال العباس لعبدالله بن مسعود: ما علي وجه الارض أحد يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة: محمد وعلي وخديجة؟ (تاريخ ابن عساکر 318:1).

فلا يحق آنئذ لاي مغال في الفضائل أن يدع تلکم الصحاح عن النبي الاعظم و وصيه الاقدس والصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان، ويأخذ تجاهها برواية کعب، و إن هو إلا کعب ليس إلا، ولا يثبت الحق بالکعاب. ليس بأمانيکم ولا أماني أهل الکتاب، ولا تتبع أهوائهم وأحذرهم أن يفتنوک.


صفحه 272، 273، 274، 275، 276، 277، 278، 279، 280.








  1. في الخصايص الکبري عن کعب. وهو الصحيح.
  2. في ميزان الاعتدال: سواد.
  3. يأتي تفصيل ذلک في الکلام عن أبي طالب عليه السلام.
  4. ابوعبدالله محمد بن اسحاق الاصبهاني الحافظ الرجال المتوفي 355.
  5. طبقات ابن سعد 102:1، تاريخ الطبري 195:2، تاريخ ابن عساکر 269 و 2:1، تاريخ ابن کثير 285:2، الروض الانف: 118:1، امتاع المقريزي ص 8، عيون الاثر 43:1، شرح المواهب للزرقاني 196:1.
  6. تهذيب التهذيب 503:1.
  7. حياة الحيوان للدميري 275:2، تاريخ الخميس 292:1.
  8. تاريخ ابن عساکر 272 و 267:1، دلائل النبوة لابي نعيم 54: 1، الصفوة لابن الجوزي 24:1، تاريخ ابن الفدا ج 114:1، الاجابة للزرکشي ص 50، تاريخ الخميس 262. 1.
  9. تهذيب التهذيب 8 ص 439، الاصابة 3 ص 316.
  10. الاصابة: 316:3.
  11. الاصابة 316:3.
  12. راجع الاصابة، اسد الغابة، تهذيب التهذيب.
  13. راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا ص 224 -220 ط 2.