نبا الهجرة











نبا الهجرة



فلما عتت قريش علي الله عزوجل، وردوا عليه ما أرادهم به من الکرامة، وکذبوا نبيه صلي الله عليه وسلم، وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عزوجل لرسوله صلي الله عليه وسلم في القتال فنزل قوله تعالي: اذن الذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية. ثم أنزل الله تعالي: وقاتلوهم حتي لا تکون فتنة ويکون الدين لله.

فلما أذن الله تعالي له صلي الله عليه وسلم في الحرب وتابعه هذ الحي من الانصار علي الاسلام والنصرة له ولمن إتبعه، وأوي إليهم من المسلمين، أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمکة من المسلمين بالخروج إلي المدينة والهجرة إليها، واللحوق باخوانهم من الانصار، وقال: إن الله عزوجل قد جعل لکم إخوانا ودارا تأمنون بها. فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله صلي الله عليه وسلم بمکة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مکة والهجرة إلي المدينة، فهاجر بنو جحش فغلقت دورهم هجرة تخفق أبوابها يبابا، ليس فيها ساکن خلاء من أهلها. وکان بنو غنم بن دودان أهل اسلام قد أو عبوا إلي المدينة هجرة نساءهم ورجالهم، ثم تتابع المهاجرون وفيهم:أبوسلمة بن عبدالاسد، عامر بن ربيعة الکعبي، عبدالله بن جحش، عبد بن جحش أبوأحمد، عکاشة بن محصن، شجاع بن وهب، عقبة بن وهب، عربد بن حمير، منقذ بن نباته، سعيد بن رقيش، محرز بن نضلة، يزيد بن رقيش، قيس بن خابر، عمرو بن محصن، مالک بن عمرو، صفوان بن عمرو، ثقف بن عمرو، ربيعة بن أکثم، الزبير بن عبيدة، تمام بن عبيدة، سخبرة بن عبيدة، محمد بن عبدالله بن جحش، عمر بن الخطاب، عياش بن أبي ربيعة، زيد بن الخطاب، عمرو بن سراقة، عبدالله بن سراقه، خنيس بن حذافة، إياس بن البکير، عاقل بن البکير، عامر بن البکير، خالد بن البکير، طلحة بن عبيد الله، حمزة بن عبدالمطلب، صهيب بن سنان، زيد بن حارثة، کنار بن حصين، عبيدة بن الحارث، الطفيل بن الحارث، الحصين بن الحرث، مسطح بن أثاثة، سويبط بن سعد، طليب بن عمير، خباب مولي عتبة،عبدالرحمن بن عوف، الزبير بن عوام، أبوسبرة بن أبي رهم، مصعب بن عمير، أبوحذيفة بن عتبة، سالم مولي أبي حذيفة، عتبة بن غزوان، عثمان بن عفان، أنسة مولي رسول الله، أبوکبشة مولي رسول الله.

وأقام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بمکة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة. ولم يتخلف معه بمکة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبوبکر بن أبي قحافة رضي الله عنهما حتي إذا کان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله صلي الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مکة من بين ظهري قومه، وما کان يعلم بخروجه صلي الله عليه وسلم أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبوبکر الصديق وآل أبي بکر، أما علي فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعد مکة، حتي يؤدي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الودائع التي کانت عنده للناس، وکان رسول الله صلي الله عليه وسلم ليس بمکة أحد عنده شئ يخشي عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلي الله عليه وسلم.

فلما أجمع رسول الله صلي الله عليه وسلم الخروج فخرج ومعه أبوبکر ثم عمدا إلي غار بثور جبل بأسفل مکة فدخلاه فأقام فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاثا ومعه صاحبه.

ثم خرج بهما دليلهما عبدالله بن أرقط سلک بهما أسفل مکة ثم مضي بهما علي الساحل أسفل من عسفان[1] ثم سلک بهما علي أسفل أمج[2] ثم استجاز بهما حتي عارض بهما الطريق بعد أن جاز قديدا[3] ثم أجاز بهما من مکانه ذلک فسلک بهما الخرار[4] ثم سلک بهما ثنية[5] المرة، ثم سلک بهما لقفا[6] ، ثم استبطن بهما مدلجة

[صفحه 268]

مجاج[7] ثم سلک بهما مرجح مجاج ثم تبطن بهما مرجح[8] من ذي العضوين (الغضوين) ثم بطن ذي کشر[9] ثم أخذ بهما علي الجداجد[10] ثم علي الاجرد[11] ثم سلک بهما ذا سلم بن بطن أعدا مدلجة تعهن[12] ثم علي العبابيد[13] ثم أجازبهما الفاجة[14] ثم هبط بهما العرج[15] فحمل رسول الله صلي الله عليه وسلم رجل من أسلم يقال له: أوس بن حجر علي جمل له يقال له: ابن الرداء. إلي المدينة وبعث معه غلاما له مسعود بن هنيدة، ثم خرج بهما دليلهما من العرج فسلک بهما ثنية العائر[16] عن يمين رکوبه[17] حتي هبط بهما بطن رئم[18] ثم قدم بهما قباء[19] علي بني عمرو بن عوف حين اشتد الضحاء وکادت الشمس تعتدل.

ولما دنوا من قباء بعثوا رجلا من أهل البادية إلي أبي أمامة وأصحابه من الانصار فثار المسلمون إلي السلاح واستقبله زهاء خمسمائة من الانصار فوافوه وهو مع أبي بکر في ظل نخلة، ثم قالوا لهما: ارکبا آمنين مطاعين. فعدل بهم ذات اليمين حتي نزل بقباء في دار بني عمرو بن عوف فأقام رسول الله صلي الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف بن الاثنين ويوم الثلثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده وقد يقال کما في سنن أبي داود

[صفحه 269]

ص 74: إنه أقام في قباء أربعة عشر ليلا، وحکي موسي بن عقبة إثنين وعشرين ليلة. وقال البخاري: بضع عشرة ليلة، وبقباء کانت منازل الاوس والخررج.

ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة فأدرکت رسول الله صلي الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء، فکانت أول جمعة صلاها بالمدينة.

قال عبدالرحمن بن عويم: حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم من مکة وتوکفنا[20] قدومه کنا نخرج إذا صلينا الصبح إلي ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلي الله عليه وسلم، فوالله ما نبرح حتي تغلبنا الشمس علي الظلال، فاذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلک في أيام حارة.

فلما قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم المدينة وصلي الجمعة أتاه عتبان بن مالک وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف، فقالوا: يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فانها مأمورة- يعني ناقته- فخلوا سبيلها فانطلقت، حتي إذا وازنت دار بني بياضة تلقاه زياد بن لبيد وفروة ابن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلي العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فانها مأمورة. فخلوا سبيلها. فانطلقت حتي إذا مرت بدار بني ساعدة إعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا: يا رسول الله هلم الينا إلي العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فانها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت حتي إذا وازنت دار بني الحرث بن الخزرج اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبدإالله بن رواحة في رجال من بني الحرث بن الخزرج فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلي العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فانها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت، حتي إذا مرت بدار بني عدي بن النجار اعترضها سليط بن قيس، وأبوسليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي فقالوا: يا رسول الله هلم إلي أخوالک إلي العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت حتي إذا أتت دار بني مالک بن النجار

[صفحه 270]

برکت علي باب مسجده صلي الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد[21] لغلامين يتيمين من بني النجار:

سهل وسهيل ابني عمرو، فلما برکت ورسول الله صلي الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلي الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت إلي خلفها فرجعت إلي مبرکها أول مرة فبرکت فيه ثم تحلحلت[22] ورزمت[23] ووضعت جرانها[24] فنزل عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم فاحتمل أبوأيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء: هو يا رسول الله لسهل و سهيل ابني عمرو وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا.

راجع سيرة ابن هشام 2 ص 31 تا 114، تاريخ الطبري 233:2 تا 249، طبقات ابن سعد 1 ص 201 تا 224، عيون الاثر 152:1 تا 159، الکامل لابن الاثير 38:2 تا 44 تاريخ ابن کثير 138:3 تا 205، تاريخ ابن الفدا ج 121:1 تا 124، الامتاع للمقريزي ص 30 تا 47، السيرة الحلبية 61:3:2.


صفحه 268، 269، 270.








  1. بضم الاول ثم السکون: محل من مکة علي مرحلتين.
  2. بفتح الهمزة والميم: بلد من اعراض المدينة.
  3. بضم الاول وفتح الدال: موضع فيه ماء بين مکة والمدينة. بها منازل خزاعه.
  4. بفتح المعجمة وتشديد الراء: موضع قرب الجحفة.
  5. ثنية المرة مخفف الراء.
  6. يقال: لقف بالتحريک وبفتح اللام وسکون الفاء. وبکسر اللام وسکون الفاء.
  7. بفتح الميم وکسره بجيمين وصححه بعض بفتح الميم ثم المعجمة وآخره مهملة.
  8. بفتح الميم وسکون الراء بعدها معجمة مکسورة وآخره مهملة.
  9. بفتح الکاف وسکون الشين وآخره مهملة.
  10. بالمعجمتين والمهملتين بينهما ألف. من الآبار القديمة.
  11. اسم جبل هناک.
  12. تعهن بکسر اوله وهائه وتسکين العين وآخره نون: اسم عين ماء سمي به علي ثلاثة أميال من السقيا بين مکة والمدينة، ويقال في ضبطه غير هذا.
  13. ويقال: العبابيب، ويقال: العثيانة.
  14. ويقال: الفاحة بالمهملة. والقاحة. مدينة علي ثلاثة مراحل من المدينة.
  15. بفتح العين وسکون الراء: عقبة بين مکة والمدينة.
  16. قال محمد يحيي الدين المصري في حاشية سيرة ابن هشام 108:2: لم يذکر ياقوت العائر لا بالعين المهملة ولا بالغين المعجمة. أقول: ذکره في العين المهملة 6 ص 103 وقال: جبل بالمدينة. وفي حديث الهجرة: ئنية العائر عن يمين رکوبه. ويقال: ثنية الغائر بالغين المعجمة. اه ملخصا.
  17. بفتح الراء: ثنية صعبة عند العرج.
  18. بکسر الراء المهملة موضع علي أربعة برد من المدينة وقيل: ثلاثة برد.
  19. بضم اوله: قرية علي ميلين من المدينة.
  20. استشعرناه وانتظرناه.
  21. بکسر الميم وفتح الباء بينهما مهملة ساکنة أصله الموضع الذي يجفف فيه التمر.
  22. تحلحلت: تحرکت. وقد يقال: تلحلحت. أي لزمت مکانها.
  23. وعند ابن الاثير: أرزمت. أي رغبت ورجعت في رغائها.
  24. الجران، ککتاب: قال السهيلي: أي عنقها. وقال غيره: الجران. ما يصيب الارض من صدرها وباطن حلقها.