قصة فيها كرامة لابي بكر











قصة فيها کرامة لابي بکر



أخبر ابوالعباس ابن عبدالواحد عن الشيخ الصالح عمر بن الزغبي قال: کنت مجاورا بالمدينة المشرفة علي مشرفها أفضل الصلاة والسلام فخرجت يوم عاشوراء الذي تجتمع فيه الامامية في قبة العباس وقد اجتموا في القبة قال: فوقفت أنا علي باب القبة وقلت: اريد في محبة أبي بکر شيئا. فخرج إلي شيخ منهم وقال: اجلس حتي نفرغ ونعطيک، فجلست حتي فرغوا ثم خرج ذلک الرجل وأخذ بيدي ومضي بي إلي داره وأدخلني الدار وأغلق ورائي الباب وسلط علي عبدين فکتفاني وأوجعاني ضربا، ثم أمرهما بقطع لساني فقطعاه، ثم أمرهما فحلا کتافي وقال: اخرج إلي الذي طلبت في محبته ليرد إليک لسانک. قال: فخرجت من عنده إلي الحجرة الشريفة النبوية وأنا أبکي من شدة الوجع والالم فقلت في نفسي: يا رسول الله قد تعلم ما أصابني في محبة أبي بکر فإن کان صاحبک حقا؟ فاحب أن يرجع إلي لساني وبت في الحجرة قلقا من شدة الالم فأخذتني سنة من النوم فنمت فرأيت في منامي ان لساني قد عاد إلي حاله کما کان فاستيقظت فوجدته في في صحيحا کما کان وأنا أتکلم فقلت: الحمد لله الذي رد علي لساني وازددت محبة في أبي بکر رضي الله عنه، فلما کان العام الثاني في يوم عاشوراء اجتمعوا علي عادتهم فخرجت إلي باب القبة وقلت: اريد في محبة أبي بکر دينارا، فقام إلي شاب عن الحاضرين وقال لي: اجلس حتي نفرغ. فجلست فلما

[صفحه 254]

فرغوا خرج إلي ذلک الشاب وأخذ بيدي ومضي بي إلي تلک الدار فأدخلني فيها و وضع بين يدي طعاما، ولما فرغنا قام الشاب وفتح علي بابا علي بيت في الدار وجعل يبکي فقمت لانظر ما سبب بکائه فرأيت في البيت قردا مربوطا فسألته عن قضيته فزاد بکاء فسکنته حتي سکن، فقلت له: بالله أخبرني عن حالک فقال: إن حلفت لي أن لا تخبر أحدا من أهل المدينة أخبرتک، فحلفت له، فقال: اعلم أنه أتانا في عام أول رجل و طلب في محبة أبي بکر رضي الله عنه شيئا في قبة العباس يوم عاشوراء فقام إليه أبي و کان من أکابر الامامية والشيعة فقال له: اجلس حتي نفرغ. فلما فرغوا أتي به إلي هذه الدار وسلط عليه عبدين فضرباه، وأمر بقطع لسانه فقطع، وأخرجه فمضي لسبيله ولم نعرف له خبرا، فلما کان الليل ونمنا صرخ أبي صرخة عظيمة فاستيقظنا من شدة صرخته فوجدناه قد مسخه الله قردا ففزعنا منه وأدخلناه هذا البيت وربطناه، وأظهرنا للناس موته وهو ذا نبکي عليه بکرة وعشيا. فقلت له: إذا رأيت الذي قطع أبوک لسانه تعرفه؟ قال: لا والله فقلت: أنا هو والله، أنا الذي قطع أبوک لساني، وقصصت عليه القصة فأکب علي يقبل رأسي ويدي ثم أعطاني ثوبا ودينارا وسألني کيف رد الله علي لساني؟ فأخبرته وانصرفت.

مصباح الظلام للجرداني ص 23 من الطبعة الرابعة المصرية المطبوعة بمطبعة الرحمانية بمصر سنة 1347 ه، ونزهة المجالس للصفوري 2 ص 195.

قال الاميني: ما أحوج القوم إلي اختلاق هذه الاساطير المشمرجة وهي لا يصدقها أي قار وباد مهما يقرها قصاص في اذنيه ولا يصير بها الامر إلي قراره مهما حبکت نسقه يد الافک وأبدعت في نسجه مهرة الافتعال.

أني يصدق ذو مسکة بأن رجلا شهيرا يعد من علية قوم ومن أکابر امة تمسخ ويربط في داره وهو بعد مجهول لا يعرف اسمه، ولا ينبئ عنه خبير، و يسع لخلفه إخفاء أمره بدعوي موته، ولم يسأل أهله عن تجهيزه وتشييعه ودفنه ومقبره وسبب موته، وتتأتي لولده الغشية عليها عن أعين الناس وأسماعهم کأن في آذانهم صمما وفي أبصارهم عمي.

ولماذا أخذه إبن الجاني- الذي لم يخلق بعد لا هو ولا أبوه- ضيفه إلي والده

[صفحه 255]

هو لا يعرف الرجل ولم يخش من الفضيحة، ولماذا أو قفه علي أمر أبيه وعواره وقد کان يستخفيه ويظهر للناس موته؟

وأني يصدق بأن رجلا قطع لسانه دون مبدئه وحبه لخليفته قد استخفي قصته، وما أشاع بها، وما صاح وما باح بمظلمته، وما أبان أمره عند قومه، وما أفاض عن شأنه بکلمة، ولا يمم قاضيا ولاحاکما ولا الدوائر الحکومية الصالحة للنظر في مظلمته من عدلية أو دائرة شرطة، وعقيرته مرفوعة من شدة الالم، ولم يزل القوم يتربص الدوائر علي الشيعة، ويختلق عليهم طامات کهذه.

وأني يصدق انه لما خرج من دار من جني عليه وهو مقصوص اللسان وقد ملا فمه دمه، ولاذ بالحجرة الشريفة باکيا قلقا من شدة الالم، ما باه له أي أحد، وما عرفت مع هذه کلها من أمره قذ عملة، ولا تنبه لامره سدنة الحضرة الشريفة؟ وما بال الرجل لم يمط الستر في وقته عن جناية عدو خليفته، ولم يفش سره، ولم يعلن کرامة الصديق، ولم يفضح عدوه، ولم يعرب عن هذه المکرمة الغالية، ولم يقرط الآذان بسماعها، وينبس أمره ولم ينبشه، کأن لسانه بعد مقطوع، وأنه لم يجده في فيه صحيحا؟ أو رضي بأن يفشفش[1] بعده أعلام قومه؟

وإن تعجب فعجب عود هذا الشحاذ الجرئ إلي سؤاله مرة ثانية في سنته القابلة بعد أن رأي ما رأي قبل أن أعوم، ووقوفه في ذلک الموقف الخطر في قبة العباس يوم عاشوراء، ومضيه من دون أي تحاش إلي تلک الدار التي وقعت فيها واقعته الخطرة الهائلة، ودخوله فيها رابطا جأشه، وإلقاءة نفسه إلي التهلکة، ولم يکن يعرف شيئا من قصة الشيعي ومسخه، ولا من حنو الشاب وعطفه، وقد قال الله تعالي: ولا تلقوا بأيديکم إلي التهلکة.

ولعله کان في هذه کلها علي ثقة وطمأنينة من انه قط لا يبقي بلا لسان، وان لسان مهما قطع يرد اليه کما کان من برکة الخليفة، وهو في حسبانه هذا وقدومه إلي المهالک مجتهد وله أجره وإن أخطأ کاجتهاد سلفه.

[صفحه 256]

وقد أنصف الشيخ الصالح المدني في اختلاق هذه القصة علي شيعي کبير لم يولد بعد ولم تسمه امه. وجاء غيره باسطورة معتوه قموص الحنجرة[2] وافتجر[3] في القول و أفجس[4] ألا وهو الشيخ عليا المالکي، قال الشيخ ابراهيم العبيدي المالکي في عمدة التحقيق المطبوع بمصر في هامش روض الرياحين ص 133: سمعت خالي العالم الشيخ عليا المالکي يقول: إن الرافضي إذا أشرف علي الموت يقلب الله صورة وجهه وجه خنزير فلا يموت إلا إذا مسخ وجهه وجه خنزير، ويکون ذلک علامة علي انه مات علي الرفض، فيستبشرون بذلک الروافض، وإن لم يقلب وجهه عند الموت يحزنون ويقولون: إنه مات سنيا، انتهي.

وتخرق بعض الثقات في تاريخ حلب شاهدا علي هذه المخرقة فقال: لما مات ابن منير[5] خرج جماعة من شبان حلب يتفرجون فقال بعضهم لبعض: قد سمعنا انه لا يموت أحد ممن کان يسب أبابکر وعمر إلا ويمسخه الله تعالي في قبره خنزيرا ولا شک أن ابن منير کان يسبهما، فأجمعوا رأيهم علي المضي إلي قبره، فمضوا ونبشوه فوجدوا صورته خنزيرا ووجهه منحرفا عن جهة القبلة إلي جهة الشمال، فأخرجوا علي قبره ليشاهده الناس ثم بدالهم أن يحرقوه فأحرقوه بالنار وأعادوه في قبره وردوا عليه التراب وانصرفوا، وذکره العلامة الجرداني في مصباح الظلام المؤلف سنة 1301 والمطبوع بمصر سنة 1347 وقرظه جمع من الاعلام ألا وهم کما في آخر الکتاب: العالم العفيف السيد محمود أنسي الشافعي الدمياطي، والعلامة الشيخ محمد جودة، والعلامة الاوحد الشيخ محمد الحمامصي، وحضرة الفاضل اللبيب الشيخ عطية محمود قطارية، والعالم العامل الشيخ محمد القاضي، وحضرة الشاعر اللبيب محمد أفندي نجل العلامة الشيخ محمد النشار.

ليست هذه النفثات إلا کتيت[6] الاحن، ونغران[7] الشحناء. وإن شئت قلت:

[صفحه 257]

إنها سکرة الحب، وسرف المغالاة. قد أعمت الاهواء بصاير اولئک الرجال فجاؤا بهذه المخاريق المخزية، والافائک المزخرفة، بيتوها غير مکترثين لمغبة صنيعهم، و لا متحاشين عن معرة قيلهم، وشتان بينها وبين أدب الدين، أدب العلم، أدب التأليف، أدب العفة، أدب الدعاية والنشر. إنهم ليقولون منکرا من القول وزورا، ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضي من القول. کأن هؤلاء يحدثون عن امة بائدة لم يبق لها الملوان من يشاهده أحد من الاجيال الحاضرة، أو ليست الشيعة هؤلاء الذين هم مبثوثون في أرجاء العالم وأجواء الامم، يشاهدهم کل ذي بصر وبصيرة أحياء وأمواتا؟ فمن ذاالذي شهد أحدهم أنه انقلب عند موته خنزيرا غير اولئک الشبان الموهومين الذين شاهدوا ابن منير في قبره؟ وهل الشيخ عليا المالکي هو وجد أحدا من الشيعة کما وصفه؟ أو روي له ذلک الافک فوثق به کما وثق العبيدي؟ وهل کان يمکنه أن يقف علي الموتي جميعا أو أکثرهم وليس هو بمغسل الموتي أو من حفاري القبور ولا من نباشيها؟

علي ان التشيع ليس من ولائد تلکم العصور وإنما بدء به منذ العهد النبوي، فهل کان السلف الشيعي من الصحابة والتابعين يموتون کذلک وکان فيهم من يعرف بالتشيع کأبي ذر وسلمان وعمار والمقداد وأبي الطفيل؟ فهل يسحب هذا الرجل ذيل مزعمته إلي ساحة اولئک الاعاظم؟ قطعت جهيزة قول کل خطيب.[8] .


صفحه 254، 255، 256، 257.








  1. فشفش: افرط في الکذب، وانتحل ما لغيره.
  2. يقال فلان قموص الحنجرة: اي کذاب.
  3. افتجر في الکلام: اي اختلقه وذکره من غير ان يسمعه من احد.
  4. أفجس: افتخر بالباطل.
  5. احد شعراء الغدير مرت ترجمته في الجزء الرابع ص 289 - 279 ط 2 مات في دمشق ثم نقل إلي حلب فدفن بها.
  6. الکتيت: صوت غليان القدر والنبيذ ونحوهما.
  7. نغر الرجل علي فلان نغرا ونغرانا: غلا جوفه عليه غضبا.
  8. مثل يضرب لمن يقطع علي الناس ماهم فيه بحماقة يأتي بها.