جبريل يسجد مهابة من أبي بكر











جبريل يسجد مهابة من أبي بکر



حدث عالم الامة الشيخ يوسف الفيشي المالکي قال: کان جبريل إذا قدم أبوبکر علي النبي صلي الله عليه وسلم وهو يحادثه يقوم إجلالا للصديق دون غيره، فسأله النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلک؟ فقال جبريل: أبوبکر له علي مشيخة في الازل، وما ذاک إلا ان الله تعالي لما أمر الملائکة بالسجود لآدم حدثتني نفسي بما طرد به إبليس فحين قال الله تعالي: اسجدوا. رأيت قبة عظيمة عليها مکتوب أبوبکر أبوبکر. مرارا وهو يقول. اسجد. فسجدت من هيبة أبي بکر فکان ما کان.

ذکره العبيدي المالکي في عمدة التحقيق هامش روض الرياحين ص 111 فقال: وحدثني ايضا شيخنا الاستاذ محمد زين العابدين البکري بما يقارب ما قاله الفيشي و سمعتها من غالب مشايخنا بالازهر.

قال الاميني: عجبا لهؤلاء القوم لم يسلم منهم حتي أمين الله علي وحيه - جبرائيل- المعصوم من الزلل من أول يومه فجعلوه في عداد إبليس اللعين الطريد لو لا أن أبابکر تدارک أمره.

عجبا لهذا الملک المزعوم يأتمنه المولي سبحانه ثم يرتاب في أمره، ولا يصلح ذلک الشنار القول بأنه إنما أئتمنه بعد زلته تلک، فانه سبحانه لا يأتمن من يمکن في حديث نفسه الکفر، فلعل تلک الخاطرة دبت فيه ولم يحصل من يسدده فتعود هاجسته کفرا صريحا.

عجبا لهذا الملک المقرب تروعه هيبة أبي بکر ولا تأخذه هيبة الاله العظيم فيطيع أبابکر وهو يهم أن يطيع الله في أمره بالسجدة، وأي سجدة هذه وما قيمتها من مثل

[صفحه 252]

جبرئيل وقد وقعت من هيبة أبي بکر لا بصفة القربان إلي المولي سبحانه والزلفي لديه والامتثال لامره فکأن هيبة أبي بکر في الملا الاعلي أعظم وأفخم من هيبة بارئه جلت عظمته.

ثم أين کانت قبة أبي بکر من مستوي عالم الملکوت؟ ومن الاحري أن تضرب هنالک قبة نبي العظمة حتي يسدد فيها من شارف الزلة لا قبة إنسان من الممکن أن تکتنفه المئاثم، وتموت بضعة المصطفي وهي واجدة عليه.

ومن أين علم أبوبکر بهاجسة جبرئيل وحديث نفسه؟ أو هل کان يعلم الغيب؟ أو اوحي اليه بواسطة غير أمين الوحي؟ لک الحکم في هذه کلها أيها القارئ الکريم.ثم العجب من مشايخ الازهر الذين أخبتوا إلي هذه الخزاية فأثبتوها في الکتب ولهجوا بها في الاندية، وخلف من بعدهم خلف ورثوا الکتاب يأخذون عرض هذا الادني فنشروها في الملا العلمي وشوهوا بها صفحة التاريخ وسمعة الاسلام المقدس، نعم: أرادوا نحت فضيلة للخليفة فأعماهم الغلو في الفضائل فنحتوها رذيلة لجبرئيل الامين، کل ذلک لانهم افتعلوها من غير بصيرة في الدين، أو روية شاعرة في المبادي الاسلامية.

وأحسب أن من اختلق هذه الرواية أراد إثباتها تجاه ما يروي لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام من تسديده لجبرئيل يوم خاطبه الله سبحانه: من أنا ومن أنت؟ فتروي قليلا وقد أخذته هيبة الجليل سبحانه حتي أدرکته نورانية مولانا الامام عليه السلام، فعلمه أن يقول: أنت الجليل وأنا عبدک جبرئيل. وقد نظم ذلک الشاعر المبدع الشيخ صالح التميمي من قصيدة له في مدح مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام وخمسها الشاعر المفلق عبدالباقي افندي العمري کما في ديوانه ص 126 وفي ديوان صاحب الاصل ص 4 قالا:


روضة أنت للعقول ودوح
يجتني من طوباک رشد ونصح


ومتي هب من عبيرک نفح
شمل الروح من نسيمک روح


حين من ربه أتاه النداء


طالما للاملاک کنت دليلا
ولناموسهم هديت سبيلا


يوم نادي رب السما جبرئيلا
قائلا: من أنا فروي قليلا


وهو لولاک فاته الاهتداء[1] .

[صفحه 253]

لک شکل نتيجة للقضايا
لک قلب للعالمين مرايا


لک فعل حوي رفيع المزايا
لک إسم رآه خير البرايا


مذ تدلي وضمه الاسراء

وليست هذه کقصة أبي بکر، فليس فيها ان جبريل نوي ما نواه إبليس من المروق عن أمره سبحانه، ولا فيها ان امير المؤمنين أنبأ عن مغيب، ولا أن هيبته غلبت هيبة الله العظيم ولا ان جبريل سجد من هيبته، ولا ان له هنا لک قبة عظيمة مکتوب عليها: علي علي، ولا أنه هتف مخاطبا: لجبرئيل بقوله: اسجد. و روعه بذلک ليست فيها هذه کلها لان الشيعة في المنتأي عن الغلو في الفضائل.


صفحه 252، 253.








  1. يعني الاهتداء إلي ذلک الجواب الحسن الجميل.