كرامة دفن أبي بكر











کرامة دفن أبي بکر



أخرج ابن عساکر في تاريخه قال: روي أن أبابکر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال لمن حضره: إذا أنا مت وفرغتم من جهازي فاحملوني حتي تقفوا بباب البيت الذي فيه قبر النبي صلي الله عليه وسلم فقفوا بالباب وقولوا:السلام عليک يارسول الله هذا أبوبکر يستأذن. فان أذن لکم بأن فتح الباب وکان الباب مغلقا بقفل فادخلوني وادفنوني، وإن لم يفتح الباب فأخرجوني إلي البقيع وادفنوني به، فلما وقفوا علي الباب وقالوا ما ذکر سقط القفل وانفتح الباب وإذا بهاتف يهتف من القبر: ادخلوا الحبيب إلي الحبيب فإن الحبيب إلي الحبيب مشتاق.

وذکره الرازي في تفسيره 5 ص 378، والحلبي في السيرة النبوية 3 ص 394، والديار بکري في تاريخ الخميس 264:2، والقرماني في أخبار الدول هامش الکامل 1 ص 200، والصفوري في نزهة المجالس 2 ص 198.

قال الاميني: أراد رواة هذه الرواية تصحيح عمل القوم في دفن الخليفة في موطن القداسة (حجرة النبي صلي الله عليه وآله) بعد أن أعيتهم المشکلة وعجزوا عن الجواب، فإن الحجرة الشريفة إما أن تکون باقية علي ملکه صلي الله عليه وآله کما هو الحق المبين. أو أنها عادت صدقة يؤل أمرها إلي المسلمين أجمع؟ وعلي الاول کان يشترط فيه رضاء أولاد وارثته الوحيدة السبطين الامامين وأخواتهما ولم يستأذن منهم أحد. وعلي الثاني کان يجب علي الخليفة أو علي من تولي الامر بعده أن يسأذن الجامعة الاسلامية ولم يکن من أي منهما شئ من ذلک، فبقي الدفن هنالک خارجا عن ناموس الشريعة. وإن قيل: إنه دفن بحق ابنته؟ فأي حق لها بعد ما جاء به أبوها من قوله: إنا معاشر الانبياء لا نورث ما ترکناه صدقة؟ علي انا اسلفنا في الجزء السادس ص 190 ط 2: انه لم يکن لامهات المؤمنين إلا السکني في حجرهن کالمعتدة ولم يکن لهن ترتيب آثار الملک علي شئ منها. وقدمنا هنالک ايضا ان علي فرض الميراث وعلي تقدير الارث من العقار فإن لعائشة تسع الثمن من حجرتها لانه صلي الله عليه وآله توفي عن تسع، ومساحة المحل لا يسع

[صفحه 250]

تسع ثمنها جثماز انسان مهما کبرت الحجرة. علي أن حقها کان مشاعا وليس لها التصرف فيه بغير اذن شريکاتها في الميراث.

أراد القوم التفصي عن هذه المشکلات فکونوا ما يستتبع مشکلة بعد مشکلة و هي: ان الخليفة هل قال ما قاله بعهد من النبي صلي الله عليه وآله أو انه أحاط علما بالمغيب؟ أما الثاني فلا أحسب أحدا يدعي له ذلک بعد ما أحطنا خبرا بکل ما قيل في فضائله، وبعد ما أوقفناک علي مبلغ علمه في المشهودات، فأين هو عن الغيوب؟

وأما الاول فلو کان ذلک لما کان لترديده بين الدفن في الحجرة إن فتح الباب وسقط القفل، وبين الذهاب به إلي البقيع إن لم يکن ذلک، فان ما أخبر به النبي صلي الله عليه وآله لا بد أن يکون، فلا ترديد فيه.

نعم: من المحتمل انه صلي الله عليه وآله لم يعهد ذلک لنفس أبي بکر وإنما رواه عنه من لا يثق به الخليفة ولذلک نوه بما قال بالترديد، أو أن الرواية لا صحة لها، ولذلک لا تنتشر في الصحاح والمسانيد إلي عهد الحافظ ابن عساکر، وهي علي فرض صحتها مکرمة عظمي وقعت بمشهد الصحابة ومزدحم المهاجرين والانصار يوم شيعوه إلي مقره الاخير، وکان يجب والحالة هذه أن يتواصل الهتاف بها، وبذلک الهتاف المسموع من القبر الشريف منذ ذلک العهد إلي منصرم الدهر، ولم يکن يوم ذاک في الابصار غشاوة، ولا في الآذان وقر، ولا في الالسنة بکم، لکنه ويا للاسف لم ينبس أحد عنها ببنت شفة، وما ذلک إلا لان المکرمة لم تقع، والقفل ما سقط، والباب ما انفتح، والهتاف لم يکن، وادخلوا الحبيب إلي الحبيب، فإن الحبيب إلي الحبيب مشتاق مهزأة نشأت من الغلو في الفضائل تنبأ عن روح التصوف في مختلق الرواية. نعم:


ما کل من زار الحمي سمع الندا
من أهله أهلا بذاک الزائر


م- هذه الکرامة المنحوتة المنحولة ذکرها الرازي ومن بعده مرسلين إياها ارسال المسلم، محتجين بها عداد فضائل أبي بکر، غير مکترثين لما في اسنادها من العلل أو جاهلين بها، وإنما أخرجها ابن عساکر من طريق أبي طاهر موسي بن محمد بن عطاء المقدسي عن عبدالجليل المدني عن حبة العرني فقال: هذا منکر، وأبو الطاهر کذاب، وعبدالجليل مجهول، وفي لسان الميزان 391:3: خبر باطل. ا ه

[صفحه 251]

وأبوالطاهر المقدسي کذبه ابوزرعة وأبوحاتم. وقال النسائي ليس بثقة و قال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه کان يضع الحديث. وقال ابن عدي: کان يسرق الحديث. وقال العقيلي: يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات، منکر الحديث وقال منصور بن اسماعيل: کان يضع الحديث علي مالک. راجع المصادر المذکورة ج 5 ص 231 ط 2)


صفحه 250، 251.