التوسل بلحية أبي بكر











التوسل بلحية أبي بکر



ذکر اليافعي في روض الرياحين[1] عن أبي بکر الصديق رضي الله عنه انه قال: بينما

[صفحه 240]

نحن جلوس بالمسجد وإذا نحن برجل أعمي قد دخل علينا وسلم فرددنا عليه السلام وأجلسناه بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: من يقضيني حاجة في حب النبي صلي الله عليه وآله وسلم؟ فقال أبوبکر رضي الله عنه: ما حاجتک يا شيخ؟ فقال: إن لي أهلا ولم يکن عندي ما نقتات به، واريد من يدفع لنا شيئا نقتات به في حب رسول الله صلي الله عليه وآله. قال فنهض أبوبکر الصديق رضي الله عنه وقال: نعم أنا أعطيک ما يقوم بک في حب رسول الله صلي الله عليه وسلم. ثم قال: هل من حاجة اخري؟ فقال: نعم إن لي ابنة اريد من يتزوج بها في حياتي حبا في محمد صلي الله عليه وسلم فقال أبوبکر رضي الله عنه: أنا أتزوج بها في حياتک حبا في رسول الله صلي الله عليه وسلم هل من حاجة اخري؟ فقال: نعم اريد أن أضع يدي في شيبة أبي بکر الصديق رضي الله تعالي عنه حبا في محمد صلي الله عليه وسلم. فنهض أبوبکر رضي الله عنه ووضع لحيته في يد الاعمي وقال: امسک لحيتي في حب محمد صلي عليه وسلم. قال: فقبض الاعمي بلحية أبي بکر الصديق رضي الله عنه وقال: يا رب أسألک بحرمة شيبة أبي بکر ألا رددت علي بصري. قال: فرد الله عليه بصره لوقته، فنزل جبريل عليه السلام علي النبي صلي الله عليه وسلم وقال: يا محمدالسلام يقرئک السلام، ويخصک بالتحية والاکرام، ويقول لک: وعزته وجلاله لو أقسم علي کل أعمي بحرمة شيبة أبي بکر الصديق لرددت عليه بصره، وما ترکت علي وجه الارض أعمي، وهذا کله ببرکتک وعلو قدرک وشأنک عند ربک.

قال الاميني: إنها لا تعمي الابصار ولکن تعمي القلوب التي في الصدور. حقا أن هذا الضرير قد عمي قلبه قبل بصره، فلم يعقل إن القسم بشيبة رسول الله صلي الله عليه وآله أولي من شيبة أبي بکر، فهي مقدمة قداسة وشرفا وزلفة عند الله سبحانه، وهو صلي الله عليه وآله أکبر من أبي بکر سنا وأکثر شيبة، فما أعمي الرجل عنها إن کان يريد مقسما به يبر الله سبحانه به قسمه؟ أو أنه له في شيبة أبي بکر غاية لم نعرفها؟ ثم أين عن هذه الشيبة عميان أهل السنة؟ وما أغفلهم عن الوحي المنزل فيها؟ فيقسمون علي الله بها فيکشف عن أبصارهم، وما بال الحفاظ وأئمة الحديث أرجأوا نشر هذه الرواية إلي القرن الثامن عهد اليافعي؟ هل بخلوا علي عميان الامة بمثل هذا النجاح الباهر وفي الوحي المزعوم قوله سبحانه: وعزتي وجلالي لو أقسم علي کل أعمي. الخ؟ أو أنهم وجدوا مولد هذا الحديث بعد عصورهم

[صفحه 241]

فلم يشيدوا بذکره؟ أو رؤا فيه غلوا فاحشا بتقديم لحية أبي بکر علي شيبة رسول الله صلي الله عليه وآله فطووا عن روايته کشحا؟ أو عقلوا فيه مهزأة بالله ووحيه وأمينه ونبيه فضربوا عنه صفحا؟

وللقوم حول شيبة أبي بکر روايات منها ما أسلفناه في الجزء الخامس ص 270 من أنه صلي الله عليه وآله کان إذا اشتاق إلي الجنة قبل شيبة أبي بکر. ومر هنالک أنها من أشهر المشهورات من الموضوعات، ومن المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل کما قاله الفيروز آبادي والعجلوني.

ومنها ما ذکره العجلوني في کشف الخفا 1 ص 233 من أن لابراهيم الخليل وأبي بکر الصديق شيبة في الجنة.

ثم قال: في المقاصد نقلا عن شيخه ابن حجر: لم يصح أن للخليل في الجنة لحية ولا للصديق، ولا أعرف ذلک في شيئ من کتب الحديث المشهورة ولا الاجزاء المنثورة. ثم قال: وعلي تقدير ثبوت وروده فيظهر لي أن الحکمة في ذلک: أما في حق الخليل فلکونه منزلا منزلة الوالد للمسلمين لانه الذي سماهم بالمسلمين و امروا باتباع ملته، وأما في حق الصديق فلانه کالوالد الثاني للمسلمين، إذ هو الفاتح لهم باب الدخول علي الاسلام.

قال الاميني: إن الذي سمي الامة المرحومة بالمسلمين هو الله سبحانه کما في قوله تعالي: جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباکم وما جعل عليکم في الدين من حرج ملة أبيکم إبراهيم. هو سماکم المسلمين من قبل وفي هذا. (الحج 78).

وإن أمکنت التسمية من ابراهيم من قبل فإنها غير ممکنة منه في هذا وهو القرآن الکريم، وإنما وقع ذکر ملة ابراهيم في البين إمتنانا منه سبحانه علي الامة بجعل الاسلام شريعة سهلة لا حرج فيها ترغيبا في الدخول فيه. فالقول بأن ابراهيم سماهم مسلمين لا يتم مع قوله تعالي: «وفي هذا» يعني في القرآن. قال القرطبي: هذا القول مخالف لقول عظماء الامة. وقال القرطبي: هذا لا وجه له لانه من المعلوم ان ابراهيم لم يسم هذه الامة. في القرآن المسلمين.

وقال ابن عباس: الله سماکم المسلمين من قبل في الکتب المتقدمة وفي

[صفحه ]

الذکر. وکذا قال مجاهد وعطاء والضحاک والسدي ومقاتل وقتادة وابن مبارک. وتدل علي تعين هذا القول قرائة ابي بن کعب: الله سماکم المسلمين. کما في تفسير البيضاوي 2 ص 112، وکشاف الزمخشري 2 ص 286، وتفسير الرازي 6 ص 210، وتفسير ابن الجزي الکلبي 3 ص 47.

واستقربه الرازي في تفسيره فقال: لانه تعالي قال: ليکون الرسول شهيدا عليکم ويکونوا شهداء علي الناس. فبين أنه سماهم بذلک لهذا الغرض وهذا لا يليق إلا بالله.

واستصوبه ابن کثير في تفسيره 3 ص 236 وقال: لانه تعالي قال: هو اجتباکم وما جعل عليکم في الدين من حرج. ثم حثهم وأغراهم علي ما جاء به الرسول صلوات الله عليه بأنه ملة أبيهم الخليل، ثم ذکر منته تعالي علي هذه الامة بما نوه به من ذکرها والثناء عليه في سالف الدهر وقديم الزمان في کتب الانبياء يتلي علي الاحبار والرهبان فقال: هو سماکم المسلمين من قبل. أي من قبل هذا القرآن. وفي هذا.

وبهذا تعرف قيمة ما حسبه المتفلسف من أن تنزيل ابراهيم منزلة الاب للمسلمين لمحض التسمية فانه مما لا يقام له وزن وإلا لوجب إتخاذ من سمي أحدا باسم أبا تنزيليا ومن المعلوم بطلانه، وإنما سماه الله أبا للمسلمين لانه عليه السلام أب الرسول الامين وإن قريشا من ذريته وهو صلي الله عليه وآله أبوالامة وامته في حکم أولاده وأزواجه أمهاتهم کما ورد عنه صلي الله عليه وآله من قوله: إنما أنا لکم کالوالد. أو: مثل الوالد.[2] .

أنا لا أدري ما هي الخاصة في الاب التنزيلي لامة خاصة أن تکون له لحية في الجنة دون الاب الحقيقي للامم جمعاء، وهو أبوالبشر آدم عليه السلام، ولا لحية له؟ مع ما ورد عن کعب الاحبار أنه قال: ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم، له لحية سوداء إلي سرته. ذکره ابن کثير في تاريخه 97:1.

وإن کانت الحکمة في لحية ابراهيم الخليل وأبي بکر ما زعمه العجلوني من الابوة فما الحکمة في لحية موسي بن عمران؟ وقد جاء في الحديث ليس أحد يدخل الجنة إلا جرد مرد إلا موسي بن عمران فان لحيته إلي سرته (السيرة الحلبية 425:1)

[صفحه 243]

ثم إن للامة المسلمة أبا تنزيليا روحيا هو أحق بالابوة من الخليل عليه السلام وهو نبيها الاقدس محمد صلي الله عليه وآله کما مر حديثه، وبها حياتها الحقيقية، وهوالذي يدعوهم لما يحييهم، ومنه کيانها المستقر، وعز ها الخالد، فهو أولي باللحية من أبيه الخليل وصاحبه أبي بکر. والعجب کل العجب في عد أبي بکر أبا ثانيا للامة لانه فتح لها باب الدخول إلي الاسلام، وإن الذي فتح باب الاسلام بمصراعيه لدخول الامم فيه، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، هو رسول الله صلي الله عليه واله وسلم بدعوته الکريمة، وبراهينه الصادقة، ومعاجزه المعلومة، ونواميسه المقدسة، وخلايقه الرضية، ومغازيه الدامية. فهو أولي بأن تکون له لحية في الجنة.

علي ان الامة قط لم تعرف بابا فتحه الخليفة لها إلي الاسلام، ولم يدر أي أحد أنه متي فتحه، وأين فتحه، ولماذا فتحه، وأي باب هو نعم. لا تخفي علي الامة جمعاء انه غلق بابا عليها وحرمها من خير أهله وعلمه ورشده وهداه، ألا:وهو باب مدينة علم النبي مولانا أميرالمؤمنين بالنص المتواتر، وهو الباب الذي منه يؤتي إلي الله، و اليه يتوجه الاولياء، فلو لا انتزاع الامر منه لانتشرت علومه، وزهرت معالمه، وتبلغت حکمه، وعمل باحکامه، فأکل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم، منهم أمة مقتصدة وکثير منهم ساء ما يعملون، لکنه عليه السلام منع عن حقه فجهلت العباد، وأجدبت البلاد، وصوحت المرابع، وظهر الفساد في البر والبحر بما کسبت أيدي الناس، وإلي الله المشتکي. وإن أراد القائل من فتح الباب بدئة الفتوح في أيام الخليفة؟ فالخليفة الثاني علي ذلک أجدر باللحية منه، لان عمدة الفتوح وقعت في أيامه.

نعم: إن يکن هناک من يحق أن يعد للامة أبا ثانيا تنزيلا بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهو مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام الذي به کان تمام الدعوة؟ والنجاح في المغازي، وهو نفس النبي القدسية وخليفته المنصوص عليه، ولذلک جاء من طريق أنس بن مالک عنه صلي الله عليه واله وسلم قوله: حق علي علي هذه الامة کحق الوالد علي الولد، ومن طريق عمار و أبي أيوب الانصاري قوله: حق علي علي کل مسلم حق الوالد علي ولده.[3] .

[صفحه 244]


صفحه 240، 241، 0، 243، 244.








  1. طبع بمصر في المطبعة السعيدية هامش العرائس للثعلبي توجد الرواية في ص 443 ينقل عنه القسطلاني في المواهب، وقال الزرقاني في شرح المواهب 3 ص 157 مؤلف حسن، و طبع لليافعي کتاب آخر مستقلا في مصر سنة 2315 باسم روض الرياحين ايضا، وهو تأليفه الاخر غير المطبوع في حاشية العرائس.
  2. تفسير الخازن 3 ص 314، تفسير النسفي هامش الخازن 3 ص 314.
  3. الرياض النضرة 2 ص 172 نقلا عن الحاکمي، کنوز الدقائق ص 64 نقلا عن الديلمي، مناقب الخوارزمي ص 254 و 244، فرائد السمطين لشيخ الاسلام الحمويي، نزهة المجالس 2 ص 212.