اعتذار الخليفة إلي الصديقة











اعتذار الخليفة إلي الصديقة



هذه المذکورات کلها وبعض سواها تکذب ما اختلقته رماة القول علي عواهنه من رواية الشعبي انه قال: جاء أبوبکر إلي فاطمة وقد أشتد مرضها فاستأذن عليها فقال لها علي: هذا أبوبکر علي الباب يستأذن فإن شئت أن تأذني له؟ قالت: أو ذاک أحب إليک؟ قال: نعم. فدخل فاعتذر اليها وکلمها فرضيت عنه.

وعن الاوزاعي قال بلغني ان فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم غضبت علي أبي بکر فخرج أبوبکر حتي قام علي بابها في يوم حار ثم قال: لا أبرح مکاني حتي ترضي عني بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم فدخل عليها علي فأقسم عليها لترضي فرضيت.[1] .

ما قيمة هذه الرواية تجاه تلکم الصحاح؟ ولا يوجد لها أثر في أي أصل من اصول الحديث ومسانيد الحفاظ، وقد بلغت إلي الاوزاعي المتوفي 157 وأرسل بها الشعبي المتوفي 104-5-6-7-9-10 ولا يعرف من بلغها، ومن أتي بها، ومن أوحاها إلي الرجلين. نعم تساعد نصوص الصحاح ما أتي به ابن قتيبة والجاحظ قال الاول: إن

[صفحه 229]

عمر قال لابي بکر رضي الله عنهما: انطلق بنا إلي فاطمة فإنا قد أغضبناها فانطلقا جميعا فاستأذنا علي فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا عليا فکلماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلي الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهماالسلام فتکلم أبوبکر فقال: يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنک لاحب إلي من عائشة إبنتي، ولوددت يوم مات أبوک اني مت ولا أبقي بعده، أفتراني أعرفک وأعرف فضلک وشرفک وامنعک حقک وميراثک من رسول الله؟ إلا إني سمعت أباک رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما ترکنا فهو صدقة. فقالت أرأيتکما إن حدثتکما حديثا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم تعرفانه وتفعلان به؟ فقالا: نعم: فقالت: نشدتکما الله ألم تسمعا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة إبنتي فقد أحبني، ومن أرضي فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني، قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلي الله عليه وسلم. قالت: فاني اشهد الله وملائکته إنکما اسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لاشکو نکما إليه. فقال أبوبکر. أنا عائذ بالله تعالي من سخطه وسخطک يا فاطمة ثم انتحب أبوبکر يبکي حتي کادت نفسه أن تزهق و هي تقول: والله لادعون عليک في کل صلاة اصليها. ثم خرج باکيا فاجتمع الناس اليه فقال لهم: يبيت کل رجل معانقا حليلته مسرورا بأهله وترکتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتکم، أقيلوني بيعتي.[2] .

وقال الجاحظ في رسائله ص 300: وقد زعم اناس ان الدليل علي صدق خبرهما» يعني أبابکر وعمر «في منع الميراث وبراءة ساحتهما ترک أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم النکير عليهما.. قد يقال لهم: لئن کان ترک النکير دليلا علي صدقهما، أن ترک المتظلمين والمحتجين عليهما والمطالبين لهما دليل علي صدق دعواهم، أو استحسان مقالتهم، ولا سيما وقد طالت المناجات، وکثرت المراجعة والملاحات، وظهرت الشکية، واشتدت الموجدة، وقد بلغ ذلک من فاطمة إنها أوصت أن لا يصلي عليها أبوبکر. ولقد کانت قالت له حين أتته مطالبة بحقها ومحتجة لرهطها: من يرثک يا أبابکر إذا مت؟ قال:

[صفحه 230]

أهلي وولدي قالت: فما بالنا لا نرث النبي صلي الله عليه وسلم؟[3] فلما منعها ميراثها، وبخسها حقها واعتل عليها، وجلح أمرها، وعاينت التهضم، وأيست في التورع، ووجدت نشوة الضعف وقلة الناصر، قالت: والله لادعون الله عليک. قال: والله لادعون الله لک. قالت والله لا کلمتک أبدا قال: والله لا أهجرک أبدا. فإن يکن ترک النکير علي أبي بکر دليلا علي صواب منعها، أن في ترک النکير علي فاطمة دليلا علي صواب طلبها؟ وأدني ما کان يجب عليهم في ذلک تعريفها ما جهلت، وتذکيرها ما نسيت، وصرفها عن الخطأ، ورفع قدرها عن البذاء، وأن تقول هجرا، وتجور عادلا، أو تقطع واصلا، فإذا لم نجدهم أنکروا علي الخصمين جميعا فقد تکافأت الامور واستوت الاسباب، والرجوع إلي أصل حکم الله في المواريث أولي بنا وبکم، وأوجب علينا وعليکم.

فإن قالوا: کيف تظن به ظلمها والتعدي عليها، وکلما ازدادت عليه غلظة ازداد لها لينا ورقة. حديث تقول له: والله لا اکلمک أبدا. فيقول: والله لا أهجرک أبدا. ثم تقول: والله لادعون الله عليک. فيقول: والله لادعون الله لک ثم يتحمل منها هذا الکلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلي البهاء والتنزيه وما يجب لها من الرفعة والهيبة، ثم لم يمنعه ذلک عن أن قال معتذرا متقربا کلام المعظم لحقها، المکبر لمقامها، الصائن لوجهها، المتحنن عليها: ما أحد أعز علي منک فقرا، ولا أحب إلي منک غني، ولکن سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إنا معاشر الانبياء لا نورث ما ترکناه فهو صدقة.

قيل لهم: ليس ذلک بدليل علي البراءة من الظلم والسلامة من الجور، وقد يبلغ من مکر الظالم ودها، الماکر إذا کان أريبا وللخصومة معتادا أن يظهر کلام المظلوم، و ذلة المنتصف، وحدب الوامق، ومقت المحق، وکيف جعلتم ترک النکير حجة قاطمعة ودلالة واضحة؟ وقد زعمتم أن عمر قال علي منبره: متعتان کانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم: متعة النساء ومتعة الحج، أنا أنهي عنهما واعاقب عليهما[4] فما وجدتم

[صفحه 231]

أحدا أنکر قوله، ولا اسنشنع مخرج نهيه، ولا خطأه في معناه، ولا تعجب منه ولا استفهمه.

وکيف تقضون بترک النکير؟ وقد شهد عمر يوم السقيفة وبعد ذلک أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: الائمة من قريش[5] ثم قال في شکايته: لو کان سالم حيا ما تخالجني فيه الشک[6] حين أظهر الشک في إستحقاق کل واحد من الستة الذين جعلهم شوري وسالم عبد لامرأة من الانصار وهي اعتقته وحازت ميراثه، ثم لم ينکر ذلک من قوله منکر، ولا قابل إنسان بين قوله ولا تعجب منه، وإنما يکون ترک النکير علي من لا رغبة ولا رهبة عنده دليلا علي صدق قوله وصواب عمله، فأما ترک النکير علي من يملک الضعة والرفعة والامر والنهي القتل والاستحياء والحبس والاطلاق فليس بحجة تشفي ولا دلالة تضئ. إنتهت کلمة الجاحظ.


صفحه 229، 230، 231.








  1. الرياض النضرة 2 ص 120، تاريخ ابن کثير 5 ص 289.
  2. الامامة والسياسة 1 ص 14، اعلام النساء 3 ص 1214.
  3. هذا الحديث أخرجه احمد في المسند 1 ص 10، والبلاذري في فتوح البلدان ص 38، وابن کثير في تأريخه 5 ص 289.
  4. راجع الجزء السادس من کتابنا هذا ص 211 ط 2.
  5. أخرجه غير واحد من الحفاظ وصححه ابن حزم في الفصل 89:4 فقال: هذه رواية جاءت مجئ التواتر، ورواها أنس بن مالک وعبدالله بن عمر ومعاوية، وروي جابر بن عبدالله وجابر بن سمرة وعبادة بن الصامت معناها، ومما يدل علي صحة ذلک اذعان الانصار به يوم السقيفة. ه.
  6. أخرجه ابن سعد، والباقلاني، وأبوعمر، والحافظ العراقي کما مر ص 144.