ثبات الخليفة علي المبدء











ثبات الخليفة علي المبدء



عن أبي سعيد الخدري: إن أبابکر جاء إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي کذا وکذا فاذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي. فقل له رسول الله صلي الله عليه وسلم إذهب إلي فاقتله. قال: فذهب اليه أبوبکر فلما رآه علي تلک الحالة کره أن يقتله فجاء إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال النبي صلي الله عليه وسلم لعمر: إذهب إليه فاقتله. قال فذهب عمر فرآه علي تلک الحال التي رآه أبوبکر فکره أن يقتله فرجع فقال: يا رسول الله إني رأيته متخشعا فکرهت أن أقتله قال: يا علي إذهب فاقتله. فذهب علي فلم يره فرجع فقال: يا رسول الله إني لم أره. فقال النبي صلي الله عليه وسلم إن هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتي يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية.[1] .

وعن أنس بن مالک قال: کان في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم رجل يعجينا تعبده و اجتهاده وقد ذکرنا ذلک لرسول الله صلي الله عليه وسلم باسمه فلم يعرفه فوصفناه بصفته فلم يعرفه فبينا نحن نذکره إذ طلع الرجل قلنا: هو هذا. قال: إنکم لتخبروني عن رجل إن في وجهه لسفعة من الشيطان فأقبل حتي وقف عليهم ولم يسلم فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم انشدک الله هل قلت حين وقفت علي المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني؟ قال: أللهم نعم.ثم دخل يصلي فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من يقتل الرجل؟ فقال أبوبکر أنا، فدخل عليه فوجده يصلي فقال: سبحان الله أقتل رجلا يصلي: وقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قتل المصلين، فخرج. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما فعلت؟ قال: کرهت أن أقتله وهو يصلي وأنت قد نهيت عن قتل المصلين. قال: من يقتل الرجل؟ قال عمر: أنا. فدخل فوجده واضعا جبهته فقال عمر: أبوبکر أفضل مني فخرج فقال له النبي صلي الله عليه وسلم مه؟ قال: وجدته واضعا وجهه لله فکرهت أن أقتله. فقال: من يقتل الرجل؟ فقال علي: أنا. فقال: أنت

[صفحه 217]

إن أدرکته. فدخل عليه فوجده قد خرج فرجع إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال له: مه؟ قال: وجدته قد خرج قال: لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان کان أولهم وآخرهم.[2] .

صاحب القصة هو ذو الثدية رأس الفتنة يوم النهروان قتله أميرالمؤمنين الامام علي يوم ذاک کما في صحيح مسلم وسنن أبي داود، قال الثعالبي في ثمار القلوب ص 233: ذو الثدية شيخ الخوارج وکبيرهم الذي علمهم الضلال، وکان النبي صلي الله عليه وسلم أمر بقتله وهو في الصلاة فکع عنه ابوبکر وعمر رضي الله عنهما، فلما قصده علي رضي الله عنه لم يره، فقال له النبي صلي الله عليه وآله: أما انک لو قتلته لکان أول فتنة وآخرها، ولما کان يوم النهروان وجد بين القتلي فقال علي رضي الله عنه: ائتوني بيده المخدجة. فاتي بها فأمر بنصبها.

قال الاميني: هلم معني نسائل الرجلين ممن أخذا أن الصلاة تحقن دم صاحبها؟ هل أخذاها عن شريعة غاب الصادع بها، فارتبکا بين قوليه؟ أليست هي الشريعة المحمدية وصاحبها هو الذي أمر بقتل الرجل؟ وهو ينظر إليه من کثب، ويعلم أنه يصلي، و قد أخبرته الصحابة وفيهم الرجلان بخضوعه وخشوعه في صلاته، وإعجابهم بتعبده و اجتهاده، وفي المخبرين أبوبکر نفسه، غير أن رسول الله صلي الله عليه وآله عرف بواسع علمه النبوي أن کل ذلک عن دهاء وتصنع يريد بن إغراء الدهماء للحصول علي امنيته الفاسدة التي لم يتمکن منهاإلا علي عهد الخوارج فأراد صلي الله عليه وآله قمع تلک الجرثومة الخبيثة بقتله، ولقد أراد صلي الله عليه وآله تعريف الناس بالرجل إيقافهم علي ما انطوت عليه أضالعه فاستحفاه عما دار في خلده حين وقف علي القوم وفيهم النبي صلي الله عليه وآله وأراد أن يعلموا أنه يجد نفسه خيرا أو أفضل منهم ومنه صلي الله عليه وآله.

أي کافر هذا يجب قتله لا سيما بعد قوله صلي الله عليه وآله وسلم: إن في وجهه لسفعة من الشيطان؟ وأي شقي هذا يقف علي المنتدي وقد ضم صدره نبي العظمة ولم يسلم؟ وأي صفيق يعرب عن سوء ما هجس في ضميره بکل صراحة، غير محتشم عن موقفه، ولا مکترث لمقاله؟

[صفحه 218]

نعم لذلک کله أمر صلي الله عليه وآله بقتله وهو لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي، لکن الشيخين رؤفا به حين وجداه يصلي تثبتا علي المبدء، وتحفظا علي کرامة الصلاة ومن أتي بها، وزاد عمر: ان أبابکر خير مني ولم يقتله. أو لم يکن النبي الآمر بقتله خيرا منهما؟ أولم يکن هو مشرع الصلاة والآتي بحرمتها؟ أو لم يکن مصدقا لدي الصديق وصاحبه في قوله حول الرجل وإعرابه عن نواياه؟

کان خيرا للشيخين أن يترکا هذا التعلل الواضح فساده ويتعللا بما في لفظ أبي نعيم في الحلية من أنهما هابا أن يقتلاه، وبما أسلفناه عن ثمارالقلوب للثعالبي من أنهما کعا عن الرجل. أي جبنا وضعفا وتهيبهما الرجل وإن کان مصليا غير شاک السلاح، فلعله يکون معذرا لهما عن ترک الامتثال، فلا يکلف الله نفسا إلا وسعها، لکنهما يوم عرفا نفسهما کذلک والانسان علي نفسه بصيرة ولو ألقي معاذيره لماذا أقدما علي قتل الرجل، ففوتا علي النبي صلي الله عليه وآله طلبته وعلي الامة السلام والامن ولو بعد لاي من عمر الدهر عند ثورات الخوارج؟ وأبوبکر هذا هو الذي يحسبه ابن حزم والمحب الطبري والقرطبي والسيوطي أشجع الناس کما مر ص 200 وقد يهابه ظل الرجال في مصلاهم.

وللرجل (ذي الثدية) سابقة سوء عند الشيخين من يوم قسم رسول الله صلي الله عليه وآله غنيمة هوازن قال ذوالثدية للنبي صلي الله عليه وآله لم أرک عدلت. أو: لم تعدل هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فغضب رسول الله صلي الله عليه وآله وقال: ويحک إذا لم يکن العدل عندي فعند من يکون؟ فقال عمر: يا رسول الله ألا أقتله؟ قال: لا، سيخرج من ضيضئ هذا الرجل قوم يخرجون من الدين کما يخرج السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم تراقيهم. تاريخ أبي الفدا ج 1 ص 148، الامتاع للمقريزي ص 425.

[صفحه 219]


صفحه 217، 218، 219.








  1. مسند أحمد 15:3، تاريخ ابن کثير 298:7.
  2. حلية الاولياء 317:2، ج 227:3، مسند البزار من طريق الاعمش، وابويعلي مسنده کما في تأريخ ابن کثير 7 ص 298، الاصابة 484:1.