شجاعة أبي بکر
ويعرب عن فرارهما يوم ذاک قول رسول الله صلي الله عليه وآله بعد ما فرا: لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله علي بديه ليس بفرار. وفي لفظ: کرار غير فرار. وفي لفظ: والذي کرم وجه محمد لاعطينها رجلا لا يفر، وفي لفظ: لادفعن إلي رجل لن يرجع حتي يفتح الله له. وفي لفظ: لا يولي الدبر.[1] . وقال ابن أبي الحديد المعتزلي فيما يعزي إليه من القصيدة العلوية: [صفحه 201] وما أنس لا أنس اللذين تقدما وللراية العظمي وقد ذهبا بها يشلهما من آل موسي شمردل يمج منونا سيفه وسنانه أحضرهما أم حضر أخرج خاضب عذرتکما إن الحمام لمبغض ليکره طعم الموت والموت طالب ومما ينبأنا عن هذا الجانب حديث کع الخليفة عن ذي الثدية لما أمره رسول الله صلي الله عليه وآله بقتله وهو في صلاته غير شاک السلاح، فرأي مخالفة الامر النبوي أهون من قتل الرجل، فآب إليه صلي الله عليه وآله وسلم معتذرا بما سيوافيک تفصيله إنشاء الله. نعم يراه ابن حزم في کتاب «المفاضلة بين الصحابة» ومن لف لفه أشجع الصحابة علي الاطلاق ونحتوا له حديثا علي أميرالمؤمنين انه قال: أخبروني من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت، قال: أما اني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه ولکن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: لا نعلم: فمن؟ قال: أبوبکر، أنه لما کان يوم بدر فجعلنا لرسول الله صلي الله عليه واله وسلم عريشا فقلنا: من يکون مع رسول الله صلي الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشرکين؟ فوالله مادنا منا أحد إلا أبابکر شاهرا بالسيف علي رأس رسول الله لا يهوي اليه أحد إلا هوي إليه، فهو أشجع الناس. الحديث.[5] . ليت القوم لم يحذفوا سند هذه الاثارة المفتعلة وکانوا يروونها بالاسناد حتي نعرف الملا العلمي بالذي اختلقها، وحسبنا أن الحافظ الهيثمي ذکرها بلا اسناد في [صفحه 202] مجمع الزوايد 9:461 وضعفه وقال: فيه من لم أعرفه. وتکذبها صحيحة ابن اسحاق قال: کان رسول الله صلي الله عليه وسلم «يوم بدر» في العريش وسعد بن معاذ قائم علي باب العريش الذي فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم متوشح السيف في نفر من الانصار يحرسون رسول الله صلي الله عليه وسلم يخافون علي کرة العدو.[6] . ثم إن حراسة النبي صلي الله عليه واله وسلم لم تکن تنحصر بيوم بدر ولا بأبي بکر بل في کل موقف من مواقفه صلي الله عليه وآله کان يتعهد أحد من الصحابة بحراسته، فکانت الحراسة لسعد بن معاذ ليلة البدر وفي يومه لابي بکر علي ما ذکره الحلبي في السيرة 353:3، ولمحمد بن مسلمة يوم أحد، وللزبير بن العوام يوم الخندق، وللمغيرة بن شعبة يوم الحديبية، ولابي أيوب الانصاري ليلة بني بصفية ببعض طرق خيبر، ولبلال وسعد بن أبي وقاص وذکوان بن عبد قيس بوادي القري، ولابن أبي مرثد الغنوي ليلة وقعة حنين.[7] . وکانت هذه السيرة في الحراسة مستمرة إلي أن نزل قوله تعالي في حجة الوداع والله يعصمک من الناس. فترک الحرس[8] فأبوبکر رديف اولئک الحرسة بعد تسليم ما جاء في حراسته. ولو صدق النبأ وکانت يوم بدر لابي بکر تلک الاهمية الکبري لکان هو أولي وأحق بنزول القرآن فيه يوم ذاک دون علي وحمزة وعبيدة لما نزل فيهم ذلک اليوم: هذان خصمان إختصموا في ربهم. سورة الحج: 19.[9] . ولو صحت المزعمة لما خص علي وحمزة وعبيدة بقوله تعالي: من المؤمنين رجال [صفحه 203] صدقوا ما عاهدو الله عليه الآية. الاحزاب: 23.[10] . ولما نزل في علي أميرالمؤمنين قوله تعالي: هوالذي أيدک بنصره وبالمؤمنين «سورة الانفال: 62» ولما ورد فيها ما ورد عن النبي الاعظم مما أسلفناه[11] في الجزء الثاني ص 51 -46. ولما خص لمولانا علي قوله: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله «سورة البقرة: 207» کما ذکره القرطبي في تفسيره 21:3 وفصلنا القول فيه في الجزء الثاني ص 49 -47 ط 2. وکان حقا علي رضوان منادي الله يوم بدر بقوله: لا سيف إلا ذو الفقار ان ينوه باسم أبي بکر وبسيفه المشهور علي رأس رسول الله صلي الله عليه وآله ثم هل تنحصر مغازي النبي الاعظم وحروبه الدامية ببدر؟ وهل العريش کان في البدر فحسب دون ساير الغزوات؟ وهل سيد العريش النبي الاعظم کان يلازم عريشه ولم يحضر قط في ميادين القتال؟ أو کان ينزل بالمعارک ويستخلف صاحبه علي العريش؟ ما أعوز النبي الاعظم يوم خيبر مجاهد کرار غير فرار لا يولي الدبر، و کان معه الخليفة الاشجع؟ أکان فرارا غير کرار؟ ومن المعني في قول المورخين من أن النبي صلي الله عليه وسلم دفع لواءه لرجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا؟[12] أهذا الرجل وصاحبه نکرتان لا يعرفان؟ لا ها الله. وأين کان الاشجع؟ يوم خرجت کتائب اليهود يقدمهم ياسر فکشف الانصار حتي انتهي إلي رسول الله صلي الله عليه وآله في موقفه، فاشتد ذلک علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و أمسي مهموما.[13] . ولماذا بعث صلي الله عليه وآله يوم ذاک- وکان الاشجع معه- سلمة بن الاکوع إلي علي؟ [صفحه 204] وکان قد تخلف بالمدينة لرمد عينيه، وکان لا يبصر موضع قدمه فذهب اليه سلمة وأخذ بيده يقوده[14] وملا المسامع قوله صلي الله عليه وآله لاعطين الراية إلي رجل کرار غير فرار. أکان الاشجع في العريش يوم خيبر؟ لما قاتل المصطفي بنفسه يومه ذلک أشد القتال وعليه درعان وبيضة مغفر، وهو علي فرس يقال له: الظرب[15] وفي يده قناة وترس کما في السيرة الحلبية 3 ص 39. أکان الاشجع في العريش يوم أحد يوم بلاء وتمحيص؟ حتي خلص العدو إلي رسول الله فدث بالحجارة حتي وقع لشقه فاصيبت رباعيته، وشج في وجهه، وکلمت شفته، فجعل الدم يسيل علي وجهه، وجعل يمسح الدم ويقول: کيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلي ربهم.[16] . أکان الاشجع في العريش؟ يوم قال فيه علي: لماتخلي الناس عن رسول الله صلي الله عليه وآله يوم أحد نظرت في القتلي فلم أر رسول الله صلي الله عليه وآله فقلت: والله ما کان ليفر وما أراه في القتلي، ولکن الله غضب علينا بما صنعنا، فرفع نبيه، فما في خير من أن أقاتل حتي أقتل، فکسرت جفن سيفي ثم حملت علي القوم فأفرجوا لي فإذا برسول الله بينهم. وقد أصابت عليا يوم ذالک ستة عشر ضربة کل ضربة تلزمه الارض فما کان يرفعه إلا جبريل. «اسد الغابة 20:4» أکان الاشجع في العريش يوم وقع رسول الله في حفرة من الحفر التي عمل أبوعامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون؟ فأخذ علي بن أبي طالب بيده صلي الله عليه وآله واحتضنه ورفعه طلحة حتي استوي قائما.[17] . [صفحه 205] أکان الاشجع في العريش يوم رأي رسول الله في ميدان النزال وهو لابس درعين: درعه ذات الفضول ودرعه فضة، أو يوم حنين وله درعان: درعه ذات الفضول والسعدية. «شرح المواهب للزرقاني 24:2» أکان الاشجع في العريش يوم ضرب وجه النبي بالسيف سبعين ضربة وقاه الله شرها کلها؟ «المواهب اللدنية 124:1» أکان الاشجع في العريش يوم بايع رسول الله علي الموت ثمانية؟ هم: علي، والزبير، وطلحة،، وأبودجانة، والحارث بن الصمة، وحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، وسهل بن حنيف، ورسول الله يدعوهم في أخراهم.«الامتاع للمقريزي ص 132» أکان الاشجع في العريش يوم کان علي يذب عن رسول الله من ناحية، وأبو دجانة مالک بن خرشة من ناحية، وسعد بن أبي وقاص يذب طائفة، والحباب بن المنذر يحوش المشرکين کما تحاش الغنم؟ «الامتاع للمقريزي ص 143» أکان الاشجع في العريش يوم حمي الوطيس، وجلس رسول الله صلي الله عليه وآله تحت راية الانصار؟ وأرسل إلي علي أن قدم فقدم علي وهو يقول: أنا أبوالقصم[18] . أکان الاشجع في العريش يوم انتهي رسول الله إلي أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال: اغسلي عن هذا دمه يا بنية فوالله صدقني اليوم؟ يوم ملا علي درقته ماء من المهراس فجاء به إلي رسول الله صلي الله عليه وآله ليشرب منه، وغسل عن وجهه الدم وصب علي رأسه، و أخذت فاطمة (سلام الله عليها) قطعة حصير فاحرقته فألصقته عليه فاستمسک الدم.[19] . أکان الاشجع في العريش لما ملا الفضاء نداء جبرئيل؟ لا سيف إلا ذو الفقار أکان الاشجع في العريش يوم نظم حسان بن ثابت جبريل نادي معلنا [صفحه 206] والمسلمون قد أحدقوا لا سيف إلا ذو الفقار أکان الاشجع في العريش يوم حمراء الاسد؟ وقد خرج صلي الله عليه وآله وهو مجروح في وجهه، مشجوج في جبهته، ورباعيته قد شظيت، وشفته السفلي قد کلمت في باطنها، وهو متوهن منکبه الايمن من ضربة ابن قميئة، ورکبتاه مجحوشتان.( طبقات ابن سعد رقم التسلسل 553). أکان الاشجع في العريش يوم حنين؟ لما حمي الوطيس وفر الناس عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولم يبق معه إلا أربعة: ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم: علي ابن أبي طالب والعباس وهما بين يديه، وأبوسفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من جانبه الايسر، ولا يقبل أحد من المشرکين جهته صلي الله عليه وآله وسلم إلا قتل. (السيرة الحلبية 123:3). أکان الاشجع في العريش يوم الاحزاب؟ وکان رسول الله صلي الله عليه وآله ينقل مع صحبه من تراب الخندق وقد واري التراب بياض بطنه ويقول: لاهم لولا أنت ما اهتدينا فأنزلن سکينة علينا إن الاولي لقد بغوا علينا (طبقات ابن سعد رقم التسلسل 575، تاريخ ابن کثير 96:4). أکان الاشجع في العريش يوم قال صلي الله عليه وآله وسلم: لضربة علي خير من عبادة الثقلين وفي لفظ: قتل علي لعمرو أفضل من عبادة الثقلين. وفي لفظ: لمبارزة علي لعمرو بن ود أفضل من أعمال أمتي إلي يوم القيامة؟[21] . نعم: للرجل موقف يوم أحد لما طلع يومئذ عبدالرحمن بن أبي بکر (وکان من المشرکين) فقال: من يبارز وارتجز يقول: [صفحه 207] لم يبق إلا شکة ويعبوب فنهض إليه أبوبکر رضي الله عنه وهو يقول: أنا ذلک الاشيب ثم ارتجز فقال لم يبق إلا حسبي وديني فقال له عبدالرحمن: لولا أنک أبي لم أنصرف. الامتاع ص 144
لم يؤثر عن الخليفة قبل الاسلام مشهد يدل علي فروسيته، کما أنه لم نجد له في مغازي النبي صلي الله عليه وآله مع کثرتها وشهوده فيها موقفا يشهد له بالبسالة، أو وقفه تخلد له الذکر في التاريخ، أو خطوة قصيرة في ميادين تلک الحروب الدامية تعرب عن شئ من هذا الجانب الهام غير ما کان في واقعة خيبر من فراره عن مناضلة مرحب اليهودي کصاحبه عمر بن الخطاب، قال علي وابن عباس: بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم أبابکر إلي خيبر فرجع منهزما ومن معه، فلما کان من الغد بعث عمر فرجع منهزما يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه. أخرجه الطبراني والبزار کما في مجمع الزوائد 124:9 ورجال اسناد البزار رجال الصحيح غير محمد بن عبدالرحمن ومحله الصدق، وذکر انهزام الرجلين يوم خيبر القاضي عضد الايجي في المواقف وأقره شراحه کما في شرحه 276:3، وذکره القاضي البيضاوي في طوالع الانوار کما في المطالع ص 483.
وفرهما والفر قد علما حوب[2] .
ملابس ذل فوقها وجلابيب
طويل نجاد السيف أجيد يعبوب[3] .
ويلهب نارا غمده والانابيب
وذان هما أم ناعم الخد مخضوب[4] .
وإن بقاء النفس للنفس محبوب
فکيف يلذ الموت والموت مطلوب
ولا فتي إلا علي
ولا فتي إلا علي
والنقع ليس بمنجلي
حول النبي المرسل
ولا فتي إلا علي[20] .
ولا تصدقنا ولا صلينا
وثبت الاقدام إن لا قينا
إذا أرادوا فتنة أبينا
وصارم يقتل ضلال الشيب
وصارم تقضي به يميني
صفحه 201، 202، 203، 204، 205، 206، 207.