التمسك بالافائك











التمسک بالافائک



والعجب العجاب قول ابن حجر في الصواعق ص 20: لا يقال بل علي أعلم من أبي بکر للخبر الآتي في فضائله: أنا مدينة العلم وعلي بابها. لانا نقول: سيأتي ان ذلک الحديث مطعون فيه، وعلي تسليم صحته أو حسنه فأبوبکر محرابها. ورواية فمن أراد العلم فليأت الباب لا تقتضي الاعلمية فقد يکون غير الاعلم يقصد لما عنده من زيادة الايضاح والبيان والتفرغ للناس بخلاف الاعلم. علي ان تلک الرواية معارضة بخبر الفردوس: أنا مدينة العلم، وأبوبکر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي بابها. فهذه صريحة في أن أبابکر أعلمهم، وحينئذ فالامر بقصد الباب إنما هو لنحو ما قلناه لا لزيادة شرفه علي ما قلته لما هو معلوم ضرورة ان کلا من الاساس والحيطان والسقف أعلي عن الباب. اه.

قال الاميني: إن الطعن في حديث أنا مدينة العلم لم صدر إلا من ابن الجوزي ومن يشاکله من رماة القول علي عواهنه، وقد عرفت في الجزء السادس ص 81 -61 ط 2 نصوص العلماء علي صحة الحديث، واعتبار قوم حسنه، وتقرير آخرين ما صدر ممن تقدمهم إلي ذينک الوجهين وتزييف ما ارتآه ابن الجوزي.

وأما ما ذکره من رواية الفردوس فلا يختلف اثنان في ضعفها وضعف ما يقاربها في اللفظ مما تدرج نحته في الازمنة المتأخرة تجاه ما يثبته هتاف النبي الاعظم من

[صفحه 198]

فضيلة العلم الرابية لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام وابن حجر نفسه من اولئک الذين زيفوه وحکموا عليه بالضعف کما في کتابه الفتاوي الحديثية ص 197 فقال: حديث ضعيف، و معاوية حلقتها فهو ضعيف ايضا. فأذهله لجاجه في حجاجه عن حکمه ذاک، ورأي ما حکم عليه بالضعف نصا في أعلمية أبي بکر.

وقال العجلوني في کشف الخفا ج 204:1: روي الديلمي في «الفردوس» بلا إسناد عن ابن مسعود رفعه: أنا مدينة العلم وأبوبکر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي بابها. وروي ايضا عن أنس مرفوعا: أنا مدينة العلم، علي بابها، ومعاوية حلقتها. قال في المقاصد: وبالجملة فکلها ضعيفة وألفاظ أکثرها رکيکة.وقال السيد محمد درويش الحوت في أسني المطالب ص 73: أنا مدينة العلم، أبوبکر أساسها، وعمر حيطانها وذلک لا ينبغي ذکره في کتب العلم لا سيما مثل ابن حجر الهيثمي ذکر ذلک في الصواعق والزواجر وهو غير جيد من مثله: ا ه. فلم يبق إذن مجال للمناقشة بالتعبير بالباب لمولانا صلوات الله عليه وبالاساس و الحيطان والسقف والحقلة لغيره، حسب المسکين ناحت هذه المهزأة مدينة خارجية يرمق إليها، ويتجول بين جدرانها، ويتفيأ تحت سقفها، ويدق بابها بالحلقة، وقد عزب عنه أنه صلي الله عليه وآله وسلم يريد أن السبب الوحيد للاستفادة من علوم النبوة هو خليفته مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، کما أن المدخل الوحيد للمدنية بابها، فهو معني کنائي جيئ به لافادة ما ذکرناه، والاساس لا فضيلة له غير أنه يقوم عليه سياج المدينة المشاد للوقاية عن الغارات والسرقات، وأما معنويات المدنية فلا صلة لها بشيئ من ذلک، والاستفادة بالسقف علي فرض تصويره في المدن ليس إلا الاستظلال ودفع عايدة الحر والقر ولذلک لا يسقف إلا المحال التي يتصور فيها ذلک کالبيوت والحمامات والحوانيت والربط وأمثالها. فقاصد المدينة للاستفادة مما فيها من علم أو ثروة أو أي من أقسام النفع معنوية ومادية لا يتوصل بها إلا بالدخول من الباب، فهو أهم مما جاء به ابن حجر من الاساس والجدار والسقف وأما الحلقة فيحتاج إليه لفتح الباب وسده و الدق إذا کان مرتجا غير أن باب علم النبوة غير موصود، ولا يزال مفتوحا علي البشر بمصراعيه أبد الدهر.

[صفحه 199]

ثم إن من الواضح ان المراد من التعبير بالباب ليس الولوج والخروج فحسب وإنما هو الاستفادة والاخذ ، ولا يتم هذا إلا أن يکون عنده کل علم النبوة الذي أراد صلي الله عليه وآله سوق الامة إليه، وحصر الطريق إلي ذلک بمن عبر عنه بالباب تأکيد اللحصر ثم زاد في التأکيد بقوله: فمن أراد المدينة فليأت الباب.

فعلي امير المؤمنين هو الباب المبتلي به الناس، ومن عنده کل علم النبوة وکل ما يحتاج إليه البشر من فقه أو عظة أو خلق أو حکم أو حکم أو سياسة أو حزم أو عزم، فهو أعلم الناس لا محالة، وأما زيادة الايضاح والبيان والتفرغ للناس، فلا يجوز أن تنفک عمن سيق إليه البشر لغاية التفهم، وإزاحة الجهل، لا لمحض البيان وجودة السرد، لان وضوح البيان بمجرده غير واف للغرض، لا رتباک صاحبه عند الجهل بما يقدم إليه من المعضلات، کارتباک الاعلم عند التفهيم إذا أعوزه البيان عن الافهام، فمن الواجب أن يجتمعا في إنسان واحد الذي هو مرجع الامة جمعاء، وهو قضية اللطف الواجب عليه سبحانه، فذلک الانسان هو عدل الکتاب العزيز وهما الثقلان خليفتا النبي الاقدس لا يتفرقا حتي يردا عليه الحوض، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليکفر

[صفحه 200]


صفحه 198، 199، 200.