هلم معي إلي الغلو











هلم معي إلي الغلو



هذه جملة مما وقفنا عليه من فتاوي أبي بکر وآرائه وهي علي قلتها تدلک علي مکانته من علم الکتاب، وعرفان السنة، وفقه الشريعة، واحکام الدين،أو ليس من المغالاة إذن أن يقال: علم کل ذي حظ من العلم أن الذي کان عند أبي بکر من العلم أضعاف ما کان عند علي منه؟[1] .

أليس من المغالاة؟ أن يقال: إن المعروف ان الناس قد جمع الاقضية والفتاوي المنقولة عن أبي بکر وعمر وعثمان وعلي فوجدوا أصوبها وأدلها علي علم صاحبها امور أبي بکر ثم عمر، ولهذا کان ما يوجد من الامور التي وجد نص يخالفها عن عمر أقل مما وجد عن علي، وأما أبوبکر فلا يکاد يوجد نص يخالفه؟ أليس من المغالاة؟ أن يقال: لم يکن أبوبکر وعمر ولا غيرهما من أکابر الصحابة يخصان عليا بسؤال، والمعروف: أن عليا أخذ العلم عن أبي بکر؟[2] .

أليس من المغالاة أن يقال: إن أبابکر من أکابر المجتهدين بل هو أعلم الصحابة علي الاطلاق؟ قال ابن حجر في الصواعق ص 19.

أليس من المغالاة؟ أن يقال: أن أبابکر أعلم الصحابة وأذکاهم، وکان مع ذلک أعلمهم بالسنة کما رجع إليه الصحابة في غير موضع، يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي صلي الله عليه وسلم يحفظها هو ويستحضرها عند الحاجة إليها ليست عندهم، وکيف لا يکون

[صفحه 182]

کذلک وقد واظب علي صحبة الرسول الله صلي الله عليه وسلم من أول البعثة إلي الوفاة.[3] .

أليس من المغالاة؟ ما عزوه إلي النبي الاقدس من قيله صلي الله عليه وآله وسلم ما صب الله في صدري شيئا إلا صببته في صدر أبي بکر.[4] .

أليس من المغالاة؟ مارووه عنه صلي الله عليه وآله انه قال: رأيت کأني اعطيت عسا مملو البنا فشربت منه حتي امتلات، فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم ففضلت منها فضلة فأعطيتها أبابکر. قالوا: يا رسول الله هذا علم أعطاکه الله حتي إذا امتلات ففضلت فضلة فأعطيتها أبابکر، قال صلي الله عليه وسلم: قد أصبتم «الرياض النضرة 101:1»

أليس من المغالاة؟ ما جاء به ابن سعد عن ابن عمر من انه سئل عمن کان يفتي في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: أبوبکر وعمر ولا أعلم غيرهما.

راجع اسد الغابة 216:3، الصواعق ص 20 و 10 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 35. قال الاميني: ليتني أدري وقومي ما بال القوم؟ في نحت هذه الدعاوي الفارغة، واختلاق هذه الاکاذيب المکردسة، وزعق بسطاء الامة إلي المزالق والطامات، و ردعهم عن مهيع الحق، وجدد الصدق في عرفان الرجال، ومقادير السلف.

أليست هذه الآراء تضاد نداه المشرع الاقدس وقوله لفاطمة: أما ترضين إني زوجتک أول المسلمين إسلاما وأعلمهم علما؟

وقوله لها: زوجتک خير امتي أعلمهم علما.

وقوله: إن عليا لاول أصحابي إسلاما وأکثرهم علما.

وقوله: أعلم امتي من بعدي علي.

وقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وقوله: علي وعاء علمي.

وقوله: علي باب علمي.

وقوله: علي خازن علمي.

وقوله: علي عيبة علمي.

وقوله: أنا دار الحکمة وعلي بابها.

[صفحه 183]

وقوله: أنا دار العلم وعلي بابها.

وقوله: أنا ميزان العلم وعلي کفتاه.

وقوله: أنا ميزان الحکمة وعلي لسانه

وقوله: أقضي امتي علي.

وقوله: أقضاکم علي[5] إلي أمثال هذه من الکثير الطيب،

أليست تلکم الآراء المجردة تخالف ما أسفلناه في الجزء الثالث ص 101 -95 وفي نوادر الاثر في الجزء السادس من أقوال الصحابة الاولين والتابعين باحسان في علم علي؟ نظراء عائشة. وعمر. ومعاوية. وابن عباس. وابن مسعود. وعدي بن حاتم. وسعيد بن المسيب. وهشام بن عتبة. وعطاء وعبدالله بن حجل. أني يسوغ القول بأعلمية أي أحد من الامة غير علي أميرالمؤمنين بعد ما مر في الجزء الثالث ص 100 من إجماع أهل العلم أن عليا عليه السلام هو وارث علم النبي صلي الله عليه وآله وسلم دونهم. وما أسلفناه هناک من الصحيح الوارد عن مولانا أميرالمؤمنين من قوله: والله إني لاخوه ووليه وابن عمه ووارث علمه، فمن أحق به مني؟

ثم أي نجفة من العلم کانت آية فضلة عس شربها الخليفة من يد النبي الاعظم إن صحت الاحلام؟ أقوله في الاب؟ أم رأيه في الکلالة والجد والجدتين والخلافة وغيرها؟ أبمثل هذه کان هو وصاحبه ويفتيان في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟

وأي صدر هذا لم يک ينضح بشئ من العلم- والاناء ينضح بما فيه- بعد ما صب فيه رسول الله کلما صب الله في صدره صلي الله عليه وآله؟.

وأنت جد عليم بأن الاخذ بمجامع تلکم الصحاح الماثورة عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأقوال الصحابة والتابعين في علم أميرالمؤمنين عليه السلام والجمع بينها وبين تلکم الآراء في علم أبي بکر يستلزم القول بأعلميته من رسول الله ايضا بعد کونه وعلي صلي الله عليهما وآلهما صنوين في الفضائل، بعد کون علي رديف أخيه الاقدس ونفسه في مآثره، بعد کونه وارث علمه وبابه وعيبته ووعاءه وخازنه، ولا أحسب کل القوم ولاجلهم يقول بذلک. نعم: من لم يتحاش عن الغلو في أبي حنيفة والقول بأعلميته من رسول الله

[صفحه 184]

صلي الله عليه وآله في القضاء کما مر في الجزء الخامس ص 279 ط 2 لا يکترث للقول بذلک في أبي بکر الافضل من أبي حنيفة.

هذا هو الغلو الممقوت الذي تصک به المسامع لا ما تقول به الشيعة يا اتباع أبناء حزم وتيمية وکثير وجوزية!.


صفحه 182، 183، 184.








  1. قاله ابن حزم في الفصل 136: 4. راجع ما مر في الجزء الثالث ص 95 ط 2.
  2. منهاج السنة لابن تيمية 182:3. راجع ما اسلفناه في ج 6 ص 329 ط 2.
  3. تأريخ الخلفاء للسيوطي ص 29.
  4. راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا ص 316 ط 2 وهذا الجزء ص 87.
  5. راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا ص 95 ط 2، والجزء السادس ص 61-81 ط 2.