وفد النصاري وأسؤلتهم











وفد النصاري وأسؤلتهم



أخرج الحافظ العاصمي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: لما قبض النبي صلي الله عليه وآله اجتمعت النصاري إلي قيصر مالک الروم فقالوا له: أيها الملک أنا وجدنا في الانجيل رسولا يخرج من بعد عيسي إسمه أحمد وقد رمقنا خروجه وجائنا نعته فأشر علينا فانا قد رضيناک لديننا ودينانا قال: فجمع قيصر من نصاري بلاده مائة رجل وأخذ عليهم المواثيق أن لا يغدروا ولا يخفوا عليه من امورهم شيئا وقال: وانطلقوا إلي هذا الوصي الذي من بعد نبيهم فسلوه عما سئل عنه الانبياء عليهم السلام وعما أتاهم به من قبل، والدلايل التي عرفت بها الانبياء، فان أخبرکم فآمنوا به وبوصيه واکتبوا بذلک إلي، وإن لم يخبرکم فاعلموا انه رجل مطاع في قومه، يأخذ الکلام بمعانيه، ويرده علي مواليه، وتعرفوا خروج هذا النبي. قال: فسار القوم حتي دخلوا بيت المقدس واجتمعت اليهود إلي رأس جالوت فقالوا له مثل مقالة النصاري بقيصر، فجمع رأس جالوت من اليهود مائة رجل، قال سلمان فاغتنمت صحبة القوم فسرنا حتي دخلنا المدينة وذلک يوم عروبة[1] وأبوبکر قاعد في المسجد رضي الله عنه يفتي الناس فدخلت عليه فأخبرته بالذي قدم له النصاري واليهود فأذن لهم بالدخول عليه فدخل عليه رأس جالوت

[صفحه 180]

فقال: يا أبابکر إنا قوم من النصاري واليهود جئناکم لنسألکم عن فضل دينکم فان کان دينکم أفضل من ديننا قبلناه وإلا فديننا أفضل الاديان؟ قال أبوبکر:سل عما تشاء اجبک إن شاء الله قال: ما أنا وأنت عند الله؟ قال أبوبکر: أما أنا فقد کنت عند الله مؤمنا وکذلک عند نفسي إلي الساعة ولا أدري ما يکون من بعد. فقال اليهودي: فصف لي صفة مکانک في الجنة، وصفة مکاني في النار، لارغب في مکانک وأزهد عن مکاني. قال: فأقبل أبوبکر ينظر إلي معاذ مرة وإلي ابن مسعود مرة، وأقبل رأس جالوت يقول لاصحابه بلغة امته: ما کان هذا نبيا: قال سلمان: فنظر إلي القوم، قلت لهم: أيها القوم ابعثوا إلي رجل لم ثنيتم الوسادة لقضي لاهل التوراة بتوراتهم، ولاهل الانجيل بانجيلهم، ولاهل الزبور بزبورهم، ولاهل القرآن بقرآنهم، ويعرف ظاهر الآية من باطنها، وباطنها من ظاهرها. قال معاذ: فقمت فدعوت علي بن أبي طالب وأخبرته بالذي قدمت له اليهود والنصاري فأقبل حتي جلس في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ابن مسعود: وکان علينا ثوب ذل: فلما جاء علي بن أبي طالب کشفه الله عنا قال علي: سلني عما تشاء اخبرک إن شاء الله قال اليهودي:ما أنا وأنت عند الله؟ قال أما أنا فقد کنت عند الله وعند نفسي مؤمنا إلي الساعة فلا أدري ما يکون بعد. وأما أنت فقد کنت عند الله وعند نفسي إلي الساعة کافرا ولا أدري ما يکون بعد.

قال رأس جالوت: فصف لي صفة مکانک في الجنة وصفة مکاني في النار فأرغب، في مکانک وأزهد عن مکاني قال: علي: يا يهودي لم أر ثواب الجنة ولا عذاب النار فاعرف ذلک، ولکن کذلک أعد الله للمؤمنين الجنة وللکافرين النار، فان شککت في شييء من ذلک فقد خالفت النبي صلي الله عليه وسلم ولست في شيئ من الاسلام. قال: صدقت رحمک الله فإن الانبياء يوقنون علي ما جاؤا به فإن صدقو آمنوا، وإن خولفوا کفروا. قال: فأخبرني أعرفت الله بمحمد أم محمدا بالله؟ فقال علي: يا يهودي ما عرفت الله بمحمد ولکن عرفت محمدا بالله لان محمدا محدود مخلوق وعبد من عباد الله اصطفاه الله واختاره لخلقه وألهم الله نبيه کما ألهم الملائکة الطاعة، وعرفهم نفسه بلا کيف ولا شبه. قال صدقت قال: فاخبرني الرب في الدنيا أم في الآخرة؟ فقال علي: إن «في» وعاء فمتي ما کان بفي کان محدودا ولکنه يعلم ما في الدنيا والآخرة، وعرشه في هواء الآخرة وهو محيط بالدنيا، والآخرة بمنزلة القنديل في وسطه إن خليت يکسر، إن أخرجته لم يستقم

[صفحه 181]

مکانه هناک فکذلک الدنيا وسط الآخرة. قال: صدقت قال: فأخبرني الرب يحمل أو يحمل؟ قال علي بن أبي طالب: يحمل قال رأس جالوت: فکيف؟ وإنا نجد في التوراة مکتوبا ويحمل عرش ربک فوقهم يومئذ ثمانية. قال علي: يا يهودي: إن الملائکة تحمل العرش، والثري يحمل الهواء، والثري موضوع علي القدرة وذلک قوله تعالي: له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثري. قال اليهودي صدقت رحمک الله. الحديث «زين الفتي في شرح سورة هل أتي للحافظ العاصمي»


صفحه 180، 181.








  1. يعني يوم الجمعة وکان يسمي قديما بيوم عروبة، ويوم العروبة. والافصح ترک الالف واللام.