نظرة في القضية مالك











نظرة في القضية مالک



قال الاميني: يحق علي الباحث أن يمعن النظرة في القضية من ناحيتين. الاولي: ما ارتکبه خالد بن الوليد من الطامات والجرائم الکبيرة التي تنزه عنها ساحة کل معتنق بالاسلام، وتضاد نداء القرآن الکريم والسنة الشريفة، ويتبر أمنها و ممن اقترفها من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر. أيحسب الانسان أن يترک سدي؟[1] .

أيحسب أن لن يقدر عليه أحد؟[2] .

أم: حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحکمون؟[3] .

بأي کتاب أم بأية سنة ساغ للرجل سفک تلکم الدماء الزکية من الذين آمنوا بالله ورسوله واتبعوا سبيل الحق وصدقوا بالحسني، وأذنوا وأقاموا وصلوا وقد علت عقيرتهم: بأنا مسلمون، فما بال السلاح معکم؟ لاتحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم.[4] .

ما عذر الرجل في قتل مثل مالک الذي عاشر النبي الاعظم، وأحسن صحبته،

[صفحه 162]

واستعمله صلي الله عليه وآله علي صدقات قومه، وقد عد من أشراف الجاهلية والاسلام، ومن أرداف الملوک. ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض، فکأنما قتل الناس جميعا.[5] .

ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها (النساء: 93).

وما ذا أحل للرجل شن الغارة علي أهل أولئک المقتولين وذويهم الابرياء و ايذائهم وسبيهم بغير ما اکتسبوا إثما، أو اقترفوا سيئة، أو ظهر منهم فساد في الملا الديني؟ الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اکتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا[6] .

ما هذه القسوة والعنف والفظاظة والتزحزح عن طقوس الاسلام، وتعذيب رؤس أمة مسلمة، وجعلها أثفية للقدر وإحراقها بالنار؟ فويل للقاسية قلوبهم، فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم.

ما خالد وما خطره بعد ما اتخذ إلهه هواه، وسولته نفسه، وأضلته شهوته، وأسکره شبقه؟ فهتک حرمات الله، وشوه سمعة الاسلام المقدس، ونزي علي زوجة مالک قتيل غيه في ليلته[7] انه کان فاحشة ومقتا وساء سبيلا، ولم يکن قتل الرجل إلا لذلک السفاح، وکان أمرا مشهودا وسرا غير مستسر، وکان يعلمه نفس مالک ويخبر زوجته بذلک قبل وقوع الواقعة بقوله إياها: أقتلتني. فقتل الرجل مظلوما غيرة و محاماة علي ناموسه. وفي المتواتر: من قتل دون أهله فهو شهيد[8] وفي الصحيحة من قتل دون مظلمته فهو شهيد.[9] .

والعذر المفتعل من منع مالک الزکاة لايبرئ خالدامن تلکم الجنايات، أيصدق جحد الرجل فرض الزکاة ومکابرته عليها وهو مؤمن بالله وکتابه ورسوله ومصدق بما جاء به نبيه الاقدس، يقيم الصلاة ويأتي بالفرائض بأذانها وإقامتها ، وينادي بأعلي صوته: نحن المسلمون، وقد إستعمله النبي الاعظم علي الصدقات ردحا من الزمن؟ لا ها الله.

[صفحه 163]

أيوجب الردة مجرد إمتناع الرجل المسلم الموحد المؤمن بالله وکتابه عن أداء الزکاة لهذا الانسان بخصوصه وهو غير منکر أصل الفريضة؟ أو يحکم عليه بالقتل عندئذ؟ وقد صح عن المشرع الاعظم قوله: لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله إلا باحدي ثلاثة: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارک لدينه المفارق للجماعة.[10] .

وقوله صلي الله عليه وآله وسلم لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدي ثلاث: رجل کفر بعد اسلامه، أوزني بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس.[11] .وقوله صلي الله عليه وآله: امرت أن اقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله، فاذا قالوها منعوا مني دماؤهم وأموالهم، وحسابهم علي الله.[12] .

وعهد أبوبکر نفسه لسلمان بقوله: من صلي الصلوات الخمس فانه يصبح في ذمة الله ويمسي في ذمة الله تعالي فلا تقتلن أحدا من أهل ذمة الله فتخفر الله في ذمته فيکبک الله في النار علي وجهک.[13] .

أيسلب امتناع الرجل المسلم عن أداء الزکاة حرمة الاسلام عن أهله وماله وذويه ويجعلهم أعدال أولئک الکفرة الفجرة الذين حق علي النبي الطاهر شن الغارة عليهم؟ ويحکم عليهم بالسبي والقتل الذريع وغارة ما يملکون، والنزو علي تلکم الحرائر المأسورات؟

وأما ما مر من الاعتذار بان خالدا قال: ادفئوا اسراکم وأراد الدف ء وکانت في لغة کنانة: القتل. فقتلوهم فخرج خالد وقد فرغوا منهم. فلا يفوه به إلا معتوه استأسر هواه عقله، وسفه في مقاله، لماذا قتل ضرار مالک بتلک الکلمة وهو لم

[صفحه 164]

يکن من کنانة ولا من أهل لغتها؟ بل هو أسدي من بني ثعلبة، ولم يکن أميره يتکلم قبل ذلک اليوم بلغة کنانة.

وإن صحت المزعمة فلما ذا غضب أبوقتاة الانصاري علي خالد وخالفه وترکه يوم ذاک وهو ينظر إليه من کثب، والحاضر يري مالا يراه الغائب؟

ولماذا اعتذر خالد بان مالکا قال: ما أخال صاحبکم إلا قال کذا وکذا؟ وهذا اعتراف منه بانه قتله غير أنه نحت علي الرجل مقالا، وهو من التعريض الذي لا يجوز القتل «بعد تسليم صدوره منه» عند الامة الاسلامية جمعاء، والحدود تدرأ بالشبهات.

ولماذا رآه عمر عدوا لله، وقذفه بالقتل والزنا؟ وإن لم يفتل ذلک ذؤابة[14] أبي بکر.

ولماذا هتکه عمر في ملا من الصحابة بقوله إياه: قتلت امرءا مسلما ثم نزوت علي امرأته، والله لارجمنک بأحجارک؟.

ولماذا رأي عمر رهقا في سيف خالد وهو لم يقتل مالکا وصحبه وإنما قتلتهم لغة کنانة؟

ولماذا سکت خالد عن جوابه؟ وما أخرسه إلا عمله، إن الانسان علي نفسه بصيرة لو ألقي معاذيره.

ولماذا صدق أبوبکر عمر بن الخطاب في مقاله ووقيعته علي خالد وما أنکر عليه غير أنه رآه متأولا تارة، ونحت له فضيلة اخري؟

ولماذا أمر خالد بالرؤس فنصبت أثفية للقدور، وزاد وصمة علي لغة کنانة؟ ولماذا نزي علي امرأة مالک، وسبي أهله، فرق جمعه، وشتت شمله، وأباد قومه، ونهب ماله؟ أکل هذه معرة لغة کنانة؟

ولماذا ذکر المؤرخون ان مالکا قتل دون أهله محاماتا عليها؟

ولماذا أثبت المترجمون ذلک القتل الذريع علي خالد دون لغة کنانة، وقالوا في

[صفحه 165]

ترجمة ضرار وعبد بن الازور: إنه هو الذي أمره خالد بقتل مالک بن نويرة[15] وقالوا في ترجمة مالک: إنه قتله خالد. أو: قتله ضرار صبرا بأمر خالد؟[16] هذه أسؤلة توقف المعتذر موقف السدر، ولم يحر جوابا.ما شأن أبناء السلف وقد غررت بهم سکرة الشبق، وغالتهم داعية الهوي، وجاؤا لا يرقبون في مؤمن إلا ولاذمة واولئک هم المعتدون؟ فتري هذا يقتل مثل مالک ويأتي بالطامات رغبة في نکاح ام تميم.

وهذا يقتل سيد العترة أميرالمؤمنين شهوة في زواج قطام.

وآخر[17] شن الغارة علي حي من بني أسد فأخذ امرأة جميلة فوطئها بهبة من أصحابه، ثم ذکر ذلک لخالد فقال: قد طيبتها لک «کأن تلکم الجنود کانت مجندة لوطي النساء وفض ناموس الحرائر» فکتب إلي عمر فأجاب برضخه بالحجارة.[18] .

وهذا يزيد بن معاوية يدس إلي زوجة ريحانة رسول الله الحسن السبط الزکي السم النقيع لتقتله ويتزوجها[19] أو فعله معاوية لغاية له کما يأتي. ووراء هؤلاء المعتدين قوم ينزه ساحتهم بأعذار مفتعلة کالتأويل والاجتهاد- وليتهما لم يکونا- وتخطأة لغة کنانة، والله يعلم ما تکن صدورهم وما يعلنون، وإن حکمت فاحکم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين.


صفحه 162، 163، 164، 165.








  1. سورة القيامة آية: 3.
  2. سورة البلد آية: 5.
  3. سورة العنکبوت آية: 4.
  4. سورة آل عمران آية: 188.
  5. سورة المائدة آية: 32.
  6. سورة الاحزاب آية: 58.
  7. الصواعق ص 21، تاريخ الخميس 333:2.
  8. مسند احمد 1 ص 191، نص علي تواترة المناوي في الفيض القدير 6 ص 195.
  9. أخرجه النسائي والضياء المقدسي کما في الجامع الصغير، وصححه السيوطي راجع الفيض القدير 6 ص 195.
  10. صحيح البخاري 63:10 کتاب المحاربين. باب: قول الله تعالي ان النفس بالنفس، صحيح مسلم 37:2، الديات لابن ابي عاصم الضحاک ص 10، سنن ابي داود 219:2 سنن ابن ماجة 110:2، مصباح السنة 2:50، مشکاة المصابيح ص 291.
  11. الديات لابن أبي عاصم الضحاک ص 9، سنن ابن ماجة 110:2، سنن البيهقي 19:8.
  12. صحيح مسلم 30:1، الديات لابن ابي عاصم الضحاک ص 18 و 17 سنن ابن ماجة 457:2، خصايص النسائي ص 7، سنن البيهقي 19:8 و 196.
  13. أخرجه أحمد في الزهد کما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 70.
  14. مثل يضرب يقال: فتل ذؤابة فلان. أي أزاله عن رأيه.
  15. الاستيعاب 338:1، أسد الغابة 39:3، خزانة الادب للبغدادي 9:2، الاصابة 209:2.
  16. الاصابة 357:3، مرآت الجنان 62:1.
  17. هو ضراربن الازور زميل خالد بن الوليد وشاکلته في النزو علي الحرائر.
  18. تاريخ ابن عساکر 31:7، خزانة الادب 8:2، الاصابة 209:2.
  19. تاريخ ابن عساکر 226:4.