راي الخليفة في قصة مالك











راي الخليفة في قصة مالک



سار خالد بن الوليد يريد البطاح حتي قدمها فلم يجد بها أحدا وکان مالک بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال: يا بني يربوع إنا دعينا إلي هذا الامر فأبطأنا عنه فلم نفلح، وقد نظرت فيه فرأيت الامر يتأتي لهم بغير سياسة، وإذا الامر لا يسوسه الناس، فإياکم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا وادخلوا في هذا الامر، فتفرقوا علي ذلک، ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الاسلام وأن يأتوه بکل من لم يجب، وإن إمتنع أن يقتلوه، وکان قد أوصاهم أبوبکر أن يأذنوا ويقيموا إذا نزلوا منزلا فإن أذن القوم وأقاموا فکفوا عنهم، وإن لم يفعلوا فلا شيئ إلا الغارة ثم تقتلوا کل قتلة، الحرق فما سواه، إن أجابوکم إلي داعية الاسلام فسائلوهم فإن أقروا بالزکاة فاقبلوا منهم وإن أبوها فلا شئ إلا الغارة، ولا کلمة، فجاءته الخيل بمالک بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع من عاصم وعبيد وعرين وجعفر فاختلفت السيرة فيهم، وکان فيهم أبوقتادة فکان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا و صلوا، فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شئ وجعلت تزداد بردا، فأمر خالد مناديا فنادي: ادفئوا اسراکم وکانت في لغة کنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدف ء فقتلوهم، فقتل ضرار بن الازور مالکا وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال: إذا أراد الله أمرا أصابه، وتزوج خالد ام تميم امرأة مالک فقال أبوقتادة: هذا عملک؟ فزبره خالد فغضب ومضي. وفي تاريخ أبي الفدا: کان عبدالله بن عمرو أبوقتادة الانصاري حاضرين فکلما خالدا في أمره فکره کلامهما. فقال مالک: يا خالد إبعثنا إلي ابي بکر فيکون هو الذي يحکم فينا. فقال خالد: لا أقالني الله إن أقلتک وتقدم إلي ضرار بن الازور بضرب عنقه. فقال عمر لابي بکر: إن سيف خالد فيه رهق وأکثر عليه في ذلک فقال: يا عمر تأول فأخطأ فارفع لسانک عن خالد فإني لا أشيم سيفا سله الله علي الکافرين.

[صفحه 159]

وفي لفظ الطبري وغيره: إن أبابکر کان من عهده إلي جيوشه أن إذا غشيتم دارا من دور الناس فسمعتم فيها أذانا للصلاة فأمسکوا عن أهلها حتي تسألوهم ما الذي نقموا، وإن لم تسمعوا أذانا فشنوا الغارة فاقتلوا وحرقوا، وکان ممن شهد لمالک بالاسلام أبوقتادة الحارث بن ربعي، وقد کان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها، وکان يحدث أنهم لما غشو القوم راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح، قال: فقلنا: إنا المسلمون. فقالوا: ونحن المسلمون، قلنا: فما بال السلاح معکم؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معکم؟ قلنا: فإن کنتم کما تقولون؟ فضعوا السلاح. قال: فوضعوها ثم صلينا وصلوا، وکان خالد يعتذر في قتله: انه قال وهو يراجعه: ما أخال صاحبکم إلا وقد کان يقول کذا وکذا. قال: أو ما تعده لک صاحبا. ثم قدمه فضرب عنقه وعنق أصحابه.

فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تکلم فيه عند أبي بکر فأکثر وقال: عدو الله عدا علي امرئ مسلم فقتلته ثم نزا علي امرأته، وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتي دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد، معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الاسهم من رأسه فحصلها ثم قال: أرئاء؟ قتلت امرءا مسلما ثم نزوت علي امرأته، والله لارجمنک باحجارک ولا يکلمه خالد بن وليد ولا يظن إلا أن رأي أبي بکر علي مثل رأي عمر فيه، حتي دخل علي أبي بکر فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر اليه فعذره أبوبکر وتجاوز عنه ما کان في حربه تلک. قال فخرج خالد حين رضي عنه أبوبکر، وعمر جالس في المسجد فقال خالد: هلم إلي يا بن ام شملة؟ قال فعرف عمر أن ابابکر قد رضي عنه، فلم يکلمه ودخل بيته. وقال سويد:کان مالک بن نويرة من أکثر الناس شعرا وإن أهل العسکر اثفوا برؤسهم القدور فما منهم رأس إلا وصلت النار إلي بشرته ما خلا مالکا فان القدر نضجت وما نزج رأسه من کثرة شعره، وقي الشعر البشر حرها أن يبلغ منه ذلک.

وقال ابن شهاب: إن مالک بن نويرة کان کثير شعر الرأس، فلما قتل أمر خالد برأسه فنصب اثفية لقدر فنضج ما فيها قبل أن يخلص النار إلي شؤون رأسه. وقال عروة: قدم أخو مالک متمم بن نويرة ينشد أبابکر دمه ويطلب اليه في

[صفحه 160]

سبيهم فکتب له برد السبي، وألح عليه عمر في خالد أن يعزله، وقال: إن في سيفه رهقا. فقال: لا يا عمر لم أکن لاشيم سيفا سله الله علي الکافرين. وروي ثابت في الدلائل: ان خالدا رأي امرأة مالک وکانت فائقة في الجمال فقال مالک بعد ذلک لامرأته: فتلتيني. يعني سأقتل من أجلک.[1] .

وقال الزمخشري وابن الاثير وأبوالفدا والزبيدي: ان مالک بن نويرة رضي الله عنه قال لامرأته يوم قتله خالد بن وليد: أقتلتني. أي عرضتني بحسن وجهک للقتل لوجوب الدفع عنک، والمحاماة عليک، وکانت جميلة حسناء تزوجها خالد بعد قتله فأنکر ذلک عبدالله بن عمر. وقيل فيه:


أفي الحق أنا لم تجف دماؤنا
وهذا عروسا باليمامة خالد؟[2] .


وفي تاريخ ابن شحنة هامش الکامل 7 ص 165: أمر خالد ضرارا بضرب عنق مالک فالتفت مالک إلي زوجته وقال لخالد: هذه التي قتلتني. وکانت في غاية الجمال،فقال خالد: بل قتلک رجوعک عن الاسلام فقال مالک: انا مسلم. فقال خالد: يا ضرار اضرب عنقه فضرب عنقه وفي ذلک يقول أبونمير السعدي:


ألا قل لحي أوطؤا بالسنابک
تطاول هذا الليل من بعد مالک


قضي خالد بغيا عليه بعرسه
وکان له فيها هوي قبل ذلک


فأمضي هواه خالد غير عاطف
عنان الهوي عنها ولا متمالک


وأصبح ذا أهل وأصبح مالک
إلي غير أهل هالکا في الهوالک


فلما بلغ ذلک أبابکر وعمر قال عمر لابي بکر: إن خالدا قد زني فاجلده. قال أبوبکر: لا، لانه تأول فأخطأ قال: فإنه قتل مسلما فاقتله. قال: لا، إنه تأول فأخطأ. ثم قال: يا عمر ما کنت لاغمد سيفا سله الله عليهم، ورثي مالکا أخوه متمم بقصائد عديدة. وهذا التفصيل ذکره أبوالفدا ايضا في تاريخه 185:1.


صفحه 159، 160.








  1. تأريخ الطبري 3 ص 241، تأريخ ابن الاثير 3 ص 149، اسد الغابة 295:4، تأريخ ابن عساکر 5 ص 105 و 112، خزانة الادب 237:1، تأريخ ابن کثير 6 ص 321، تاريخ الخميس، 233:2، الاصابة ج 1 ص 414 وج ص 357.
  2. الفائق 2 ص 154، النهاية 3 ص 257، تاريخ أبي الفدا ج 1 ص 158، تاج العروس 8 ص 75.