نظرة في كتاب عثمان بن عفان











نظرة في کتاب عثمان بن عفان



وأعطف علي کتاب عثمان بن عفان للمدرس في کلية اللغة العربية بمصر الاستاذ صادق إبراهيم عرجون نظرة ممعنة حيث يقول في فاتحته: فهذا طراز من البحث في سيرة ثالث الراشدين «عثمان» رضي الله عنه، صورت به حياته صورة لا أعيذها من اجمال غير مجحف بحق، ولا أعضها تفصيل يظهر حجة أويدفع شبهة.

وقد احتفلت فيه بتحقيق ما احتف بهذه السيرة الاسيفة من عوامل اجتماعية و سياسية، دفعت المجتمع الاسلامي دفعا عاصفا إلي أخطر انقلاب عرفه التاريخ في الاسلام

وسيرة عثمان رضي الله عنه حرية بالبحث الممحص الهادئ، ليکشف منها ما سترته الاقاصيص العابثة من فضائل، وما شوهته الروايات الغالطة من محاسن، ويصحح ما غالطت بينها من حقائق، ويزيف ما بهرجه المتقولون من أکاذيب مزورة وحکايات باطلة.

[صفحه 255]

وقد حاولت جهدي أن أتتبع الخطوط الاصيلة في حياة عثمان رضي الله عنه، فلائمت بينها حتي ارتسمت منها هذه الصورة التي أرجو أن تکون لبنة بين لبنات متساندة في دراسة حياة رجالات الاسلام، وسير أبطاله الغر الميامين، تبصرة وذکري للمؤمنين، والله ولي التوفيق. اه.

ثم ألق نظرة أخري علي مواضيع کتابه تجدها عير منطبقة علي ما يقول في شئ منها، وإنما هي نعرات طائفية ممقوتة، وفضائل مفتعلة دستها يد الغلو فيها، وسفاسف موضوعة حبذت الشهوات إختلاقها، کلل أساطير السلف بزخرف القول، وزخرف أباطيل الاولين بالبيان المزور، لم نجدله فحصا عن حال الاسانيد، وتهافت المتون، وفقه الحديث، وطرق مواضيع مهمة من فقه عثمان وأغاليطه وأحداثه وهو يروقه التفصي عنها فلم يتفص إلا بالتافهات لا سيما في المسائل الفقهية التي هو بمجنب عنها، فنحت لها اعذارا باردة، أو انها أعظم من تلکم المآثم، فلنمر عليها کراما.

وما ظنک بکتاب يکون من مصادره کتاب فجر الاسلام، لاحمد أمين ذلک المتحذلق المختلق، وکتاب الخضري ذلک الاموي المباهت، ومحاضرات کرد علي العثماني الشامي المناوئ لاهل بيت الوحي، وأمثال هذه من کتب السلف والخلف مما لايعرج عليه؟ وفيه الخلط والخبط، وضوضاء الدجالين، ولغط المستأجرين.

ومن أعجب ما رأيت قوله ص 41 من الکتاب تحت عنوان «الکذب علي ذلک رسول الله»:وفي هذه المرحلة من تاريخ الاسلام بدئت أکاذيب الفرق والاحزاب فيما يکيد به بعضها لبعض، حتي أخذت تلک الاکاذيب صورة الحجاج بأحاديث يتقولها زعماء الفرق ورؤساء الاحزاب علي سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقد کثر من هذه الاکاذيب ما زعموه کان في حق الائمة والخلفاء، وقالت کل شيعة فيمن شايعته وفي منافسيه عندها ماشاء لها الهوي، وتجاذب هذا النوع طرفي الافراط والتفريط مدحا وذما، و اختلاقا وتقولا، حتي غشي سير هؤلاء الاجلاء بغشاء من الغموض حجب الحقايق عن کثير من الناظرين.

وليس بأقل خطرا من ذلک ما افترقوه في جنب القرآن الکريم من تأويلات محرفة لآيات الله تعالي عن مواضعها، ومن هنا وهناک تألفت سلسلة الموضوعات

[صفحه 256]

والخرافات والاساطير التي ابتلي بها المسلمون، وانتشرت بينهم التلبيسات الملتوية والشبه الغامضة، فشوهت جمال الشريعة المطهرة، وحشي بها کثير من کتب المؤلفين المتقدمين والمتأخرين، حتي أصبحت وبالاعلي الدين، وشرا علي المسلمين، وحائلا دون نهضتهم وتقدمهم، وسلاحا في أيدي خصوم الاسلام، وعائقا عن الوصول إلي کثير من الحقايق التاريخية والعلمية والدينية، ولولا توفيق الله تعالي رحمة بهذه الامة، ورعاية لهذا الدين الکريم، لطائفة من أئمة المسلمين المصطفين الاخيار، إنتهضوا لنقد الاسانيد وتنقيح الروايات، وبهرجة الزائف منها، وحظر الرواية عن کل صاحب بدعة في الاسلام، لما بقيت للاسلام صورته النيرة التي جاء بهاالقرآن الحکيم، وأداها رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي أصحابه نقية صافية. اه.

هذه نفثات الاستاذ الصادق، وهذه حسراته وزفراته المتصاعدة وراء ضياع التاريخ الاسلامي، وراء طمس الحقايق تحت أطباق الظلمات، وراء تشويه الاساطير والمخاريق والاباطيل جمال الشريعة المطهرة، ولعمر الحق لقد أحسن وأجاد، والرايد لايکذب، غير أن المسکين هو من أسراء تلکم السلاسل المتسلسة من الموضوعات والخرافات التي أبتلي بها المسلمون، وعاقته الاغشية المدلهمة عن الوصول إلي الحقايق التاريخية والعلمية والدينية، وثبطته التلبيسات الملتوية عن نيل الصحيح الناصع من التاريخ والحديث، فما أصاب من الحق نيلا، وما أسعفته فکرته هذه علي الطامات ولا قدر شعرة، وما أوضحت له سبل النجاح، وما هدته إلي المهيع اللايح، فليته ثم ليته کان يأخذ بأقوال اولئک الائمة المصطفين الاخيار في نقد الاسانيد في الجرح والتعديل، وکان يعمل بها ويتخذها دستورا لنفسه، مقياسا فيما سطره من الاکاذيب والافائک، وليته کان يرحم هذه الامة، ويرعي هذا الدين الکريم مثلما هم رحموا ورعوا، وما زرف في تأليفه، وما أعاد لا ساطير الاولين الخلقة جدتها بعد ألف وثلثمائة عاما من عمرها.

وهل هو بعد ما وقف علي هذا الجزء ووجد کتابه مؤلفا من سلسلة بلايا وحلقة أباطيل زيفها اولئک الائمة الذين هو اصطفاهم واختارهم وأثني عليهم يقرع سن الندم ويتبع سنن الحق اللاحب؟ أو أنه يلج فيما سود به صحائف کتابه أو صحيفة تاريخه ويتمادي في عيه وليه؟ وما التوفيق إلا بالله.

[صفحه 257]



صفحه 255، 256، 257.