نظرة في الموضوعات











نظرة في الموضوعات



هذه الموضوعات اختلقت تجاه التاريخ الصحيح المتسالم عليه المأخوذ من مئآت الآثار الثابتة المعتضد بعضها ببعض، فيضادها ما أسلفناه في البحث عن آراء أعاظم الصحابة في عثمان وما جري بينهم وبينه من سئ القول والفعل، وفيهم بقية أصحاب الشوري وغير واحد من العشرة المبشرة وعدة من البدريين، وقد جاء فيه ما يربو علي مائة وخمسين حديثا راجع ص 69 تا 157 من هذا الجزء.

وتکذبها أحاديث جمة مما قد منا ذکرها ص 157 تا 163 من حديث المهاجرين والانصار وانهم هم قتلة عثمان.

ومن حديث کتاب أهل المدينة إلي الصحابة في الثغور من أن الرجل أفسد دين محمد فهلموا وأقيموا دين محمد صلي الله عليه وسلم.

ومن حديث کتاب أهل المدينة إلي عثمان يدعونه إلي التوبة ويقسمون له بالله انهم لا يمسکون عنه أبدا حتي يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من الله.

ومن حديث کتاب المهاجرين إلي مصر أن تعالوا إلينا وتدارکوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها، فإن کتاب الله قد بدل، وسنة رسوله قد غيرت. إلي آخر ما مر في ص 161 و 162.

[صفحه 243]

ومن حديث الحصار الاول المذکور في صفحة 168 تا 177.

ومن حديث کتاب المصريين إلي عثمان إنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتي تأتينا منک توبة مصرحة، أو ضلالة مجلحة مبلجة. إلي آخر مر ص 170.

ومن حديث عهد الخليفة علي نفسه أن يعمل بالکتاب والسنة سنة 35 کما مر ص 170 تا 172

ومن حديث توبته مرة بعد أخري کما فصلناه ص 178 تا 172.

ومن حديث الحصار الثاني الذي أسلفناه ص 177 تا 189.

ومن حديث کتاب عثمان إلي معاوية في أن أهل المدينة قد کفروا وأخلفوا الطاعة. إلي آخر ماسبق في صفحة 190.

ومن حديث کتابه إلي الشام عامة: اني في قوم طال فيهم مقامي واستعجلوا القدر في. وخيروني بين أن يحملوني علي شارف من الابل الدحيل، وبين أن أنزع لهم رداء الله. إلي آخر ما مر ص 190.

ومن حديث کتابه إهل البصرة المذکور صفحة 191.

ومن حديث کتابه إلي أهل الامصار مستنجدا يدعوهم إلي الجهاد مع أهل المدينة واللحوق به لنصره کما مر ص 191.

ومن حديث کتابه إلي أهل مکة ومن حضر الموسم ينشد الله رجلا من المسلمين بلغه کتابه إ قدم عليه. إلخ.

ومن حديث يوم الدار والقتال فيه، وحديث من قتل في ذلک المعترک مما مضي في ص 198 تا 204.

ومن حديث مقتل عثمان وتجهيزه ودفنه بحش کوکب بدير سلع مقابر اليهود المذکور ص 204 تا 217.

ومما ثبت من أحوال هؤلاء الذين زعموا انهم بعثوا أبنائهم للدفاع عن عثمان، وانهم لم يفتأوا مناوئين له إلي أن قتل وبعد مقتله إلي أن قبر في أشنع الحالات، أما علي أميرالمؤمنين فمن المتسالم عليه انه لم يحضر مقتل الرجل في المدينة فضلا عن دخوله عليه قبيل ذلک واستيذانه منه للذب عنه وبعد مقتله وبکاءه عليه وصفعه ودفعه وسبه


ولعنه وحواره حول الواقعة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 230:7 ردا علي حديث:

الظاهر ان هذا ضعيف لان عليا لم يکن بالمدينة حين حصر عثمان ولا شهد قتله.

وقد سأله عثمان أن يخرج إلي ماله بينبع ليقل هتف الناس بإسمه للخلافة، و کان ذلک مرة بعد أخري وفي إحداهما قال لابن عباس: قل له فليخرج إلي ماله بينبع فلا أغتم به ولا يغتم بي. فأتي ابن عباس عليا فأخبره فقال عليه السلام: يا ابن عباس مايريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب أقبل وأدبر، بعث إلي أن أخرج، ثم بعث إلي أن اقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج.

وعلي عليه السلام هو الذي مر حديث رأيه في عثمان فراجع حتي يأتيک اليقين بأنه صلوات الله عليه لم يکن کالواله الحزين، ولم يکن ذاهبا عقله يوم الدار، ولا يقذفه بهذه الفرية الشائنة إلا من ذهبت به الخيلاء، وتخبطه الشيطان من المس، وخبل حب آل أمية قلبه واختبله، فلا يبالي بما يقول، ولا يکترث لما يتقول.

وأما طلحة فحدث عنه ولا حرج، کان أشد الناس علي عثمان نقمة، وله أيام الحصارين وفي يومي الدار والتجهيز خطوات واسعة ومواقف هائلة خطرة ثائرة علي الرجل کما مر تفصيل ذلک کله، وإن کنت في ريب من ذلک فأسال عنه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لتسمع منه قوله: والله ما استعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه لانه مظنته، ولم يکن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالط مما أجلب فيه ليلبس الامر ويقع الشک. وقوله: لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل. إلي أقواله الاخري التي أوقفناک عليها.

وسل عنه عثمان نفسه وقد مرت فيه کلماته المعربة عن جلية الحال، وسل عنه مروان لماذا قتله؟ وما معني قوله حين قتله لابان عثمان: قد کفيتک بعض قتلة أبيک؟ وسل عنه سعدا ومحمد بن طلحة وغيرهما ممن مر حديثهم.

وأما الزبير فإن سألت عنه مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام فعلي الخبير سقطت قال عليه السلام له: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟ سلط الله علي أشدنا عليه اليوم ما يکره، وقال فيه وفي طلحة: انهم يطلبون حقا هم ترکوه، ودما هم سفکوه، فإن کنت شريکهم فيه فإن لهم نصيبهم منه، وإن کان ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم. إلي آخر ما

[صفحه 245]

أسلفناه من کلماته عليه السلام.

وقد مر قول ابن عباس: أما طلحة والزبير فانهما أجلبا عليه وضيقا خناقه. و قول عمار بن ياسر في خطبة له: ان طلحة والزبير کانا أول من طعن وآخر من أمر. وقول سعيد بن العاص لمروان: هؤلاء قتلة عثمان معک إن هذين الرجلين قتلا عثمان: طلحة والزبير، وهما يريدان الامر لانفسهما، فلما غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم والحوبة بالحوبة.

وأما سعد بن أبي وقاص فهو القائل کما مر حديثه: وأمسکنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه ولکن عثمان غير وتغير، وأحسن وأساء، فإن کنا أحسنا فقد أحسنا، وإن کنا أسأنا فنستغفر الله.

وأعطف علي هؤلاء بقية الصحابة الذين حسب واضعوا هذه الروايات انهم بعثوا أبناءهم للدفاع عن عثمان، وقدأسلفنا اجماعهم عدا ثلاثة رجال منهم علي مقته المفضي إلي قتله، وهل تري من المعقول أن يمقته الآباء إلي هذا الحد الموصوف ثم يبعثوا أبنائهم للمجالدة عنه؟ إن هذا الااختلاق.

وهل من المعقول ان القوم کانوا يمحضون له الولاء، وحضروا للمناضلة عنه، فباغتهم الرجلان اللذين أجهزا عليه وفرا ولم يعلم بهما أحد إلي أن أخبرتهم بهما الفرافصة ولم تعرفهما هي أيضا، وکانت إلي جنب القتيل تراهما وتبصرما ما ارتکباه منه؟.

وهل عرف مختلق الرواية التهافت الشائن بين طرفي ما وضعه من تحريه تقليل عدد المناوئين لعثمان المجهزين عليه حتي کاد أن يخرج الصحابة الآباء منهم والابناء عن ذلک الجمهور، ومما عزاه إلي مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام من قوله لما انثال إليه القوم ليبايعوه: والله إني لاستحي أن أبايع قوما قتلوا عثمان. الخ؟ وهو نص علي أن مبايعيه اولئک هم کانوا قتلوا عثمان وهم هم المهاجرون والانصار الصحابة الاولون الذين جاء عنهم يوم صفين لما طلب معاوية من الامام عليه السلام قتلة عثمان وأمر عليه السلام بتبرزهم فنهض أکثر من عشرة آلاف قائلين: نحن قتلته، يقدمهم عمار بن ياسر، ومالک الاشتر، و محمد بن أبي بکر، وفيهم البدريون، فهل الکلمة المعزوة إلي الامام عليه السلام لمبايعيه عبارة أخري عن الرجلين المجهولين اللذين فرا ولم يعرف أحد خبرهما؟ أو هما وأخلاط من

[صفحه 246]

الناس الذين کانت الصحابة تضادهم في المرمي؟ وهل في المعقول أن يلهج بهذا إلا معتوه؟

وهل نحت هذا الانسان الوضاع إن صدق في أحلامه عذرا مقبولا لاولئک الصحابة العدول الذابين عن عثمان بأنفسهم وأبنائهم الناقمين علي من ناوئه في تأخيرهم دفنه ثلاثا وقد ألقي في المزبلة حتي زج بجثمانه إلي حش کوکب، دير سلع، مقبرة اليهود، ورمي بالحجارة، وشيع بالمهانة، وکسر ضلع من أضلاعه، واودع الجدث بأثيابه من غير غسل ولاکفن، ولم يشيعه إلا أربعة، ولم يمکنهم الصلاة عليه؟ فهل کل هذا مشروع في الاسلام، والصحابة العدول يرونه ويعتقدون بأنه خليفة المسلمين، وان من قتله ظالم، ولا ينبسون فيه ببنت شفة، ولا يجرون فيه أحکام الاسلام؟ أو انهم ارتکبوا ذلک الحوب الکبير وهم لا يتحوبون متعمدين؟ معاذ الله من أن يقال ذلک. أو أن هذا الانسان زحزحته بوادره عن مجاري تلکم الاحکام، وحالت شوارده بينه وبين حرمات الله، وشرشرت منه جلباب الحرمة والکرامة ومزقته تمزيقا، حتي وقعت الواقعة ليس لوقعتها کاذبة؟

ومن الکذب الصريح في هذه الروايات عد سعد بن أبي وقاص في الرعيل الاول ممن بايع عليا عليه السلام وهو من المتقاعدين عن بيعته إلي آخر نفس لفظه وهذا هو المعروف منه والمتسالم عليه عند رواة الحديث ورجال التاريخ، وقد نحتت يد الافتعال في ذلک له عذرا أشنع من العمل، راجع مستدرک الحاکم 116:3.

ومن المضحک جدا ما حکاه البلاذري في الانساب 93:5 عن ابن سيرين من قوله: لقد قتل عثمان وإن في الدار لسبعمائة منهم الحسن وابن الزبير فلو أذن لهم لاخرجوهم من أقطار المدينة.

وعن الحسن البصري[1] قال: أتت الانصار عثمان فقالوا: يا أميرالمؤمنين ننصر الله مرتين نصرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وننصرک. قال: لا حاجة لي في ذلک ارجعوا. قال الحسن: والله لو أرادوا أن يمنعوه بأرديتهم لمنعوه.

أي عذر معقول أو مشروع هذا؟ يقتل خليفة المسلمين في عقر داره بين ظهراني سبعمائة صحابي عادل وهم ينظرون إليه، ومحمد بن أبي بکر قابض علي لحيته عال بها

[صفحه 247]

حتي سمع وقع أضراسه، وشحطه من البيت إلي باب داره، وعمرو بن الحمق يثب ويجلس علي صدره، وعمير بن ضابئ يکسر اضلاعه، وجبينه موجوء بمشقص کنانة بن بشر، ورأسه مضروس بعمود التجيبي، والغافقي يضرب فمه بحديد، ترد عليه طعنة بعد أخري حتي أثخنته الجراح وبه حياة فأرادوا قطع رأسه فألقت زوجتاه بنفسهما عليه، کل هذه بين يدي اولئک المئآت العدول أنصار الخليفة غير انهم ينتظرون حتي اليوم إلي إذن القتيل وإلا کانوا أخرجوهم من أقطار المدينة، ولو أرادوا أن يمنعوه بأرديتهم لمنعوه. أين هذه الاضحوکة من الاسلام والکتاب والسنة والعقل والعاطفة والمنطق والاجماع والتاريخ الصحيح؟!.



صفحه 243، 245، 246، 247.





  1. راجع ازالة الخفاء 242:2.