حديث مقتل عثمان











حديث مقتل عثمان



أخرج الطبري في تاريخه وغيره من طريق يوسف بن عبدالله بن سلام قال: أشرف عثمان علي الناس وهو محصور وقد أحاطوا بالدار من کل ناحية فقال: أنشدکم بالله عزوجل هل تعلمون أنکم دعوتم الله عند مصاب أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يخير لکم وأن يجمعکم علي خيرکم فما ظنکم بالله أتقولونه لم يستجب لهم وهنتم علي الله سبحانه وأنتم يومئذ أهل حقه من خلقه، وجميع امورکم لم تتفرق أم تقولون: هان علي الله دينه فلم يبال من ولاه والدين يومئذ يعبد به الله ولم يتفرق اهله فتوکلوا، أو تخذلوا وتعاقبوا، أم تقولون: لم يکن أخذ عن مشورة وإنما کابرتم مکابرة، فوکل الله الامة إذا عصته، لم تشاوروا في الامام، ولم يجتهدوا في موضع کراهته، أم تقولون: لم يدر الله ما عاقبة أمري؟ فکنت في بعض أمري محسنا ولاهل الدين رضي فما أحدثت بعد في أمري ما يسخط الله وتسخطون مما لم يعلم الله سبحانه يوم اختارني وسربلني سربال کرامته، وأنشدکم بالله هل تعلمون لي من سابقة خير و سلف خير قدمه الله لي، وأشهدنيه من حقه وجهاد عدوه حق علي کل من جاء من بعدي أن يعرفوا لي فضلها، فمهلا لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زني بعد إحصانه أو کفر بعد إسلامه، أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها، فإنکم إن قتلتموني وضعتم السيف علي رقابکم ثم لم يرفعه الله عنکم إلي يوم القيامة ولا تقتلوني فإنکم إن قتلتموني لم تصلوا من بعدي جميعا أبدا، ولم تقتسموا بعدي فئ جميعا أبدا، ولن يرفع الله عنکم الاختلاف أبدا.

قالوا له: أما ما ذکرت من استخارة الله عزوجل الناس بعد عمر رضي الله عنه فيمن يولون عليهم ثم ولوک بعد استخارة الله، فإن کل ما صنع الله الخيرة، ولکن الله سبحانه جعل أمرک بلية إبتلي بها عباده.

وأما ما ذکرت من قدمک وسبقک مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فانک قد کنت ذا قدم

[صفحه 205]

وسلف وکنت أهلا للولاية ولکن بدلت بعد ذلک وأحدثت ما قد علمت.

وأما ما ذکرت مما يصيبنا إن نحن قتلناک من البلاء فإنه لا ينبغي ترک إقامة الحق عليک مخافة الفتنة عاما قابلا.

وأما قولک: إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة، فإنا نجد في کتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت: قتل من سعي في الارض فسادا، وقتل من بغي ثم قاتل علي بغيه، و قتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وکابر عليه، وقد بغيت، ومنعت للحق وحلت دونه وکابرت عليه، تأبي أن تقيد من نفسک من ظلمت عمدا، وتمسکت بالامارة علينا، وقد جرت في حکمک وقسمک، فإن زعمت أنک لم تکابرنا عليه وان الذين قاموا دونک ومنعوک منا إنما يقاتلون بغير أمرک فإنما يقاتلون لتمسکک بالامارة فلو أنک خلعت نفسک لانصرفوا عن القتال دونک.

قال البلاذري وغيره: لمابلغ أهل مصر ومن معهم ممن حاصر عثمان ما کتب به إلي ابن عامر ومعاوية فزادهم ذلک شدة عليه وجدا في حصاره وحرصا علي معاجلته بالقتل وکان طلحة قد استولي علي أمر الناس في الحصار، وأمرهم بمنع من يدخل عليه والخروج من عنده، وأن يدخل اليه الماء، وأتت ام حبيبة بنت أبي سفيان بادواة وقد اشتد عليه الحصار فمنعوها من الدخول فقالت: إنه کان المتولي لوصايانا وأمر أيتامنا وأنا أريد مناظرته في ذلک، فأذنوا لها فأعطته الادواة.

وقال جبيربن مطعم: حصر عثمان حتي کان لايشرب إلا من فقير في داره فدخلت علي علي فقلت: أرضيت بهذا أن يحصر ابن عمتک حتي والله مايشرب إلامن فقير في داره؟ فقال: سبحان الله أو قد بلغوا به هذه الحال؟ قلت: نعم، فعمد إلي روايا ماء فأدخلها إليه فسقاه.

ولما وقعت الواقعة، وقام القتال، وقتل في المعرکة زياد بن نعيم الفهري في ناس من أصحاب عثمان، فلم يزل الناس يقتتلون حتي فتح عمرو بن حزم الانصاري باب داره وهو إلي جنب دار عثمان بن عفان ثم نادي الناس فأقبلوا عليهم من داره فقاتلوهم في جوف الدار حتي انهزموا وخلي لهم عن باب الدار فخرجوا هرابا في طرق المدينة و بقي عثمان في أناس من أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضي الله عنه.

[صفحه 206]

أخرج ابن سعد والطبري من طريق عبدالرحمن بن محمد قال: إن محمد بن أبي بکر تسور علي عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه کنانة بن بشر بن عتاب، وسودان ابن حمران، وعمرو بن الحمق، فوجدوا عثمان عندامرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف سورة البقرة فتقد مهم محمد بن أبي بکر فأخذ بلحية عثمان فقال: قد أخزاک الله يا نعثل فقال عثمان: لست بنعثل، ولکن عبدالله وأميرالمؤمنين. فقال محمد: ما أغني عنک معاوية وفلان و فلان. فقال عثمان: يا ابن أخي دع عنک لحيتي، فما کان أبوک ليقبض علي ما قبضت عليه فقال محمد: ما أريد بک أشد من قبضي علي لحيتک. فقال عثمان: أستنصر الله عليک و أستعين به ثم طعن جبينه بمشقص[1] في يده.

وفي لفظ البلاذري: تناول عثمان المصحف ووضعه في حجره وقال: عبادالله لکم ما فيه، والعتبي مما تکرهون، أللهم اشهد، فقال محمد بن أبي بکر: الآن وقد عصيت قبل وکنت من المفسدين، ثم رفع جماعة قداح کانت في يده فوجأ بها في خششائه[2] حتي وقعت في أوداجه فحزت ولم تقطع، فقال: عبادالله! لا تقتلوني فتندموا و تختلفوا.

وفي لفظ ابن کثير: جاء محمد بن أبي بکر في ثلاثة عشر رجلا فأخذ بلحيته فعال بها حتي سمعت وقع أضراسه فقال: ما أغني عنک معاوية، وما أغني عنک ابن عامر، و ما أغنت عنک کتبک.

وفي لفظ ابن عساکر: قال محمد بن أبي بکر: علي أي دين أنت يا نعثل؟ قال: علي دين الاسلام، ولست بنعثل ولکني أميرالمؤمنين. قال: غيرت کتاب الله. فقال: کتاب الله بيني وبينکم. فتقدم إليه وأخذ بلحيته وقال: إنا لايقبل منا يوم القيامة أن نقول: ربنا إنا أطعنا سادتنا وکبراءنا فأضلونا السبيل، وشحطه بيده من البيت إلي باب الدار وهو يقول: يا ابن أخي ما کان أبوک ليأخذ بلحيتي.

قال ابن سعد والطبري: ورفع کنانة بن بشر مشاقص کانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فمضت حتي دخلت في حلقه ثم علاه السيف حتي قتله.

[صفحه 207]

وفي رواية ابن أبي عون: ضرب کنانة بن بشر التجيبي جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فخر لجنبه، قال الوليد بن عقبة او غيره:


علاه بالعمود أخو تجيب
فأوهي الرأس منه والجبينا[3] .

وضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خر لجنبه فقتله، وأما عمرو بن الحمق فوثب علي عثمان فجلس علي صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، وقال: أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله، وأما ست فإني طعنت إياهن لما کان في صدري عليه.

وأقبل عمير بن ضابئ عليه فکسر ضلعا من أضلاعه، وفي الاصابة: لما قتل عثمان وثب عمير بن ضابئ عليه فکسر ضلعين من أضلاعه. وقال المسعودي: وکان فيمن مال عليه عمير بن ضابئ البرجمي وخضخص بسيفه بطنه. وسيوافيک حديث آخر عنه لدة هذا.

وفي لفظ الطبري وابن عبد ربه وابن کثير: ضربوه علي رأسه ثلاث ضربات، و طعنوه في صدره ثلاث طعنات، وضربوه علي مقدم العين فوق الانف ضربة أسرعت في العظم وقد أثخنوه وبه حياة وهم يريدون قطع رأسه فألقت نائلة وابنة شبيبة بن ربيعة زوجتاه بنفسهما عليه، فقال ابن عديس: اترکوه. فترکوه ووطئتا وطئا شديدا. وفي لفظ ابن کثير: في رواية: إن الغافقي بن حرب تقدم اليه بعد محمد بن أبي بکر فضربه بحديدة في فيه.

وذکر البلاذري من طريق الحسن عن وثاب وکان مع عثمان يوم الدار وأصابته طعنتان کأنهما کيتان قال: بعثني عثمان فدعوت الاشتر له فقال: يا أشتر ما يريد الناس مني قال: يخيرونک أن تخلع لهم أمرهم، أو تقص من نفسک وإلا فهم قاتلوک. قال: أما الخلع فما کنت لاخلع سربلنيه الله، وأما القصاص فوالله علمت ان صاحبي کانا يعاقبان، وما يقوم بدني للقصاص، وأما قتلي فوالله لئن قتلتموني لا تتحابون بعدي أبدا ولا تقاتلون عدوا جميعا أبدا.

وقال وثاب: أصابتني جراحة فأنا أنزف مرة وأقوم مرة، فقال لي عثمان: هل

[صفحه 208]

عندک وضوء قلت: نعم فتوضأ ثم أخذ المصحف فتحرم به من الفسقة فبينا هو کذلک إذ جاء رويجل کأنه ذئب فاطلع ثم رجع، فقلنا لقد ردهم أمر ونهاهم، فدخل محمد بن أبي بکر حتي جثي علي رکبتيه، وکان عثمان حسن اللحية، فجعل يهزها حتي سمع نقيض أضراسه ثم قال: ما أغني عنک معاوية، ما أغني عنک ابن عامر، فقال: يا ابن أخي مهلا فوالله ما کان أبوک ليجلس مني هذا المجلس، قال: فأشعره وتعاونوا عليه فقتلوه.

وأخرج من طريق ابن سيرين قال: جاء ابن بديل إلي عثمان- وکان بينهما شحناء- ومعه السيف وهو يقول: لاقتلنه، فقالت له جارية عثمان: لانت أهون علي الله من ذلک، فدخل علي عثمان فضربه ضربة لا أدري ما أخذت منه.

راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 51:3، انساب البلاذري 72:5 و 82 و 83 و 92 و 97 و 98 الامامة والسياسة 93:1، تاريخ الطبري 125:5 و 131 و 132، العقد الفريد 270:2، مروج الذهب 442:1، الاستيعاب 477:2 و 478، تاريخ ابن عساکر 372:4، الکامل لابن الاثير 72:3 و 75، شرح ابن ابي الحديد 166:1 و 168، تاريخ ابن خلدون 401:2، تاريخ ابي الفدا ج 1:170، تاريخ ابن کثير 184:7 و 185 و 187 و 188، حياة الحيوان للدميري 54:1، مجمع الزوائد 232:7، تاريخ الخميس 263:2، السيرة الحلبية 85:2، الاصابة 215:2، ازالة الخفاء 239:2 تا 242.



صفحه 205، 206، 207، 208.





  1. المشقص: نصل السهم اذا کان طويلا غير عريض.
  2. الخششاء: العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الاذن.
  3. من المستغرب جدا ان أباعمر ابن عبدالبر ذکر هذا البيت في «الاستيعاب » في ترجمة مولانا أميرالمؤمنين بعد ذکر قتله وقال: قال شاعرهم:


    علاه بالعمود اخو تجوب
    فأوحي الراس منه والجبينا.