حديث حجر بن عدي الكوفي











حديث حجر بن عدي الکوفي



إن معاوية بن أبي سفيان لما ولي المغيرة بن شعبة الکوفة في جمادي سنة 41 دعاه فحمدالله وأثني عليه ثم قال:أما بعد: فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، وقد قال المتلمس[1] .


لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا
وما علم الانسان إلا ليعلمها

وقد يجزي عنک الحکيم بغير التعليم، وقد أردت ايصاءک بأشياء کثيرة فأنا

[صفحه 118]

تارکها إعتمادا علي بصرک بما يرضيني، ويسعد سلطاني، ويصلح به رعيتي، ولست تارکا ايصاءک بخصلة: لا تتحم عن شتم علي وذمه، والترحم علي عثمان والاستغفار له والعيب علي أصحاب علي والاقصاء لهم وترک الاسماع منهم، وباطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والادناء لهم والاستماع منهم. فقال المغيرة: قد جربت وجربت و عملت قبلک لغيرک فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع، فستبلو فتحمد أوتذم ثم قال: بل نحمد إن شاء الله.

فأقام المغيرة بالکوفة عاملا لمعاوية سبع سنين وأشهرا لا يدع ذم علي والوقوع فيه، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتذکية لاصحابه، فکان حجر بن عدي إذا سمع ذلک قال: بل إياکم فذمم الله ولعن. ثم قام فقال: إن الله عزوجل يقول: کونوا قوامين بالقسط شهداء لله، وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لاحق بالفضل، وان من ترکون وتطرون أولي بالذم. فيقول له المغيرة: يا حجر لقد رمي بسهمک إذ کنت أنا الوالي عليک، يا حجر ويحک إتق السلطان، إتق غضبه وسطوته، فإن غضبة السلطان أحيانا مما يهلک أمثالک کثيرا، ثم يکف عنه ويصفح، فلم يزل حتي کان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في علي وعثمان کما کان يقول وکانت مقالته: اللهم أرحم عثمان بن عفان وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله فإنه عمل بکتابک واتبع سنة نبيک صلي الله عليه وسلم وجمع کلمتنا وحقن دمائنا وقتل مظلوما، اللهم فارحم أنصاره وأولياءه ومحبيه والطالبين بدمه. ويدعو علي قتلته فقام حجر بن عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها کل من کان في المسجد وخارجا منه وقال: إنک لا تدري بمن تولع من هرمک أيها الانسان مرلنا بأرزاقنا واعطياتنا فإنک قد حبستها عنا وليس ذلک لک، ولم يکن يطمع في ذلک من کان قبلک، وقد أصبحت بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين. قال: فقام معه کثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله حجر وبر، مرلنا بأرزاقنا واعطياتنا، فانا لا ننتفع بقولک هذا، ولا يجدي علينا شيئا وأکثروا في مثل هذا القول ونحوه.

إلي أن هلک المغيرة سنة 51 فجمعت الکوفة والبصرة لزياد بن أبي سفيان فأقبل حتي دخل القصر بالکوفة ثم صعد المنبر فخطب ثم ذکر عثمان وأصحابه فقر ظهم وذکر

[صفحه 119]

قتلته ولعنهم، فقام حجر ففعل مثل الذي کان يفعل بالمغيرة.

قال محمد بن سيرين: خطب زياد يوما في الجمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة فقال له حجر بن عدي: الصلاة. فمضي في خطبته ثم قال: الصلاة فمضي في خطبته، فلما خشي حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلي کف من الحصا وثار إلي الصلاة وثار الناس معه، فلما رأي ذلک زياد نزل فصلي بالناس، فلما فرغ من صلاته کتب إلي معاوية في أمره وکثر عليه فکتب إليه معاوية: أن شده في الحديد ثم احمله إلي. فلما أن جاء کتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه فقال: لا، ولکن سمع وطاعة، فشد في الحديد ثم حمل إلي معاوية. ساروا به وبأصحابه وهم:

1- الارقم بن عبدالله الکندي من بني الارقم.

2- شريک بن شداد الحضرمي.

3- صيفي بن فسيل الشيباني.

4- قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي.

5- کريم بن عفيف الخثعمي من بني عامر ثم من قحافة.

6- عاصم بن عوف البجلي.

7- ورقاء بن سمي البجلي.

8- کدام بن حيان العنزي.

9- عبدالرحمن بن حسان العنزي.

10- محرز بن شهاب التميمي من بني منقر.

11- عبدالله بن حوية السعدي من بني تميم. وأتبعهم زياد برجلين وهما: عتبة بن الاخنس السعدي، وسعيد بن نمران الهمداني، فمضوا بهم حتي انتهوا إلي مرج عذراء (بينها وبين دمشق اثنا عشر ميلا) فحبسوا بها فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسول معاوية: إنا قد أمرنا أن نعرض عليکم البراءة من علي واللعن له فإن فعلتم ترکناکم، وإن أبيتم قتلناکم، وإن أميرالمؤمنين يزعم ان دماءکم قد حلت بشهادة أهل مصرکم عليکم غير انه قد عفي عن ذلک، فابرؤا من هذا الرجل نخل سبيلکم قالوا: أللهم إنا

[صفحه 120]

لسنا فاعلي ذلک. فأمر بقبورهم فحفرت وأدنيت أکفانهم، وقاموا الليل کله يصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء لقد رأيناکم البارحة قد أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولکم في عثمان؟ قالوا: هو أول من جار في الحکم وعمل بغير الحق. فقال أصحاب معاوية: أميرالمؤمنين کان أعلم بکم. ثم قاموا إليهم فقالوا: تبرؤن من هذا الرجل قالوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه. فأخذ کل رجل منهم رجلا ليقتله وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتي قتلوا ستة وهم.

1- حجر 2- شريک 3- صيفي 4- قبيضة 5- محرز 6- کدام.

أخذنا من القصة ما يهمنا ذکره راجع الاغاني لابي الفرج 11:2 تا 16، تاريخ الطبري 141:6 تا 160، تاريخ ابن عساکر 370:2 تا 381، الکامل لابن الاثير 202: 3 تا 210، تاريخ ابن کثير 49:7 تا 55.

قال الاميني: هذه نظرية الصحابي العظيم حجر وأصحابه العظماء الصلحاء الاخيار في عثمان فکانوا يرونه أول من جار في الحکم وعمل بغير الحق، وکان حجر يراه من المجرمين فيما جابه به المغيرة بالکوفة، وقد بلغ هو وزملائه الابرار من ذلک حد إستساغوا القتل دون ما يرونه، وأبوا أن يتحولوا عن عقائدهم، وبرز الذين کتب عليهم القتل إلي مضاجعهم، فاستمرؤا جرع الموت في سبيلها زعافا ممقرا.



صفحه 118، 119، 120.





  1. هو جرير بن عبدالمسيح من بني ضبيعة، توجد ترجمته في (الشعر والشعراء) لابن قتيبة ص 52، وفي (المؤتلف والمختلف) ص 207 و 202 و 71.