كشاجم والرياسة











کشاجم والرياسة



وبما کان المترجم کما سمعت مطبوعا بسلامة النفس، وقداسة النفس، و طيب السريرة، متحليا بمکارم الاخلاق، خاليا من المکيدة والمراوغة والدسيسة، مزاولا عن البذاء والايذاء والاعتساف، کان مترفعا نفسه عن الرتبة وإشغال المنصة في أبواب الملوک والولاة، وما کان له مطمع في شأن من الوزراء والولاية والکتابة و العمالة عند الامراء والخلفاء، وما أتخذ فضايله الجمة لها شرکا، ولنيل الآمال وسيلة، وکان يري التقمص بالرياسة من مرديات النفس ويقول:


رأيت الرياسة مقرونة
بلبس التکبر والنخوه


إذا ما تقمصها لابس
ترفع في الجهر والخلوه


ويقعد عن حق إخوانه
ويطمع أن يهرعوا نحوه


وينقصهم من جميل الدعاء
ويأمل عندهم الحظوه


فذلک إن أنا کاتبته
فلا يسمع الله لي دعوه


ولست بآت له منزلا
ولو انه يسکن المروه


وکان بالطبع والحال هذه ينهي أوليائه عن قبول الوظايف السلطانية، والتولي بشئ من المناصب عند الحکام، ويحذرهم عن التصدي بوظيفة من شؤون الملک والمملکة، ويمثل بين يديهم شنعة الايتمار، وينبههم بما يقتضيه الترأس من الظلم

[صفحه 11]

والوقيعة في النفوس، ونصب العداء لمخالفيه، وما يوجب من دحض الحق، وإضاعة الحقوق، ورفض مکارم الاخلاق وحسبک ما کتبه إلي صديق له وکان قد تقلد البريد من قوله:


صرت لي عامل البريد مقينا[1] .
وقديما إلي کنت حبيبا


کنت تستثقل الرقيب فقد صر
ت علينا بما وليت رقيبا


کرهتک النفوس وانحرفت عن
ک قلوب وکنت تسبي القلوبا


أفلا يعجب الانام بشخص
صار ذئبا وکان ظبيا ربيبا؟!



صفحه 11.





  1. مذکر المقينة الماشطة.