هجاؤه
ولعلک تجده في فنه المختار مجلوب خلايقه الحسنة، ونفسياته الکريمة، وملکاته الفاضلة، فکأنه قد خمرت بها فطرته، ومزجت بها طينته، أو جرت منه الدم، واستولت علي روحه، وحکمت في کل جارحة منه، حتي ظهرت آياتها في هجاؤه النادر الشاذ، فيخيل إليک مهما يهجو أنه واعظ بار يخطب، أو نصوح يودد و يعاتب، أو مجادل دون حقه يجامل، لا أنه يغمز ويعيب، ويغيظ في الوقيعة ويناضل، ويثور ويثأر لنفسه، وتجده قد اتخذ الهجاء شکة دفاع له لا شکة هجوم، وتري کل هجاؤه خليا عن لهجة حادة، وسباب مقذع، عاريا عن قبيح المقال وخبث الکلام، بعيدا عن هتک مهجوه، ونسبته إلي کل فاحشة، وقذفه بکل سيئة، غير مستبيح ايذاء مهجوه، ولا مستحل حرمته، ولا مجوز عليه الکذب والتهمة، خلاف ما جرت العادة بين کثير من أدباء العصور المتقادمة، فعليک النظر إلي قوله في بعض أبناء رؤساء عصره وقد أنفذ إليه کتابا فلم يجبه عنه هاقد کتبت فما رددت جوابي وأتي رسولا مستکينا يشتکي وکأنني بک قد کتبت معذرا فارجع إلي الانصاف وأعلم أنه يا رحمة الله التي قد أصبحت بأبي وأمي أنت من مستجمع وقوله الآخر في هجاء جماعة من الرؤساء: عدمت رئاسة قوم شقوا حديث بنعمتهم عهدهم [صفحه 10] يرون التکبر مستصوبا وإن کاتبوا صارفوا في الدعاء ومن لطيف شعره في الهجاء قوله: إن مظلومة التي ولدت ليلة الزفا قلت من أين ذا الغلا قال لي بعلها ألم ولد المرأ للفرا قلت هنيته علي
إخرج القرن الرابع شعراء هجائين قد اتخذ کل واحد منهم طريقة خاصة من فنون الهجاء، وکل فن مع هذه نوع فذ في الهجاء، يظهر ميزه متي قرن بالآخر ومنهم مکثر ومنهم من استقل، وشاعرنا من الفرقة الثانية، وله فن خاص من الهجاء کان يختاره ويلتزم به في شعره.
ورجعت مختوما علي کتابي
ذل الحجاب ونخوة البواب
وظلمتني بملامة وعتاب
أولي بذي الآداب والاحساب
دون الانام علي سوط عذاب
تيه القيان ورقة الکتاب
شبابا ونالوا الغني حين شابوا
فليس لهم في المعالي نصاب
من الرأي والکبر لا يستصاب
کأن دعاؤهم مستجاب
زوجت من أبي عمر
ف إلي بعلها ذکر
م وما مسها بشر ؟
يأت في مسند الخبر ؟
ش وللعاهر الحجر
رغم من أنکر الخبر
صفحه 10.