ترجمة أبوالرقعمق الانطاكي











ترجمة أبوالرقعمق الانطاکي



أبوحامد أحمد بن محمد الانطاکي نزيل مصر المعروف بأبي الرقعمق، أحد الشعراء المشاهير المتصرفين في فنون الشعر، وله شوطه البعيد في أساليب البيان غير انه ربما خلط الجد بالهزل، نشأ بالشام ثم رحل إلي مصر وأخذ فيها شهرة طائلة و مکانة من الادب عظيمة، ومدح ملوکها وزعمائها ورؤسائها وممن مدح المعز أبو تميم معد بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله، وإبنه زفر عزيز مصر، والحاکم إبن العزيز، وجوهر القائد، والوزير أبوالفرج يعقوب بن کلس ونظرائهم، وصادف فيها جماعة من أهل الهزل والمجون فأوغل فيهما کل الايغال حتي نبز بأبي الرقعمق، وقد يقال إنه هو الذي سمي نفسه بذلک، وقد أعلن في شعره إنه حليف الرقاعة بقوله


أستغفر الله من عقل نطقت به
مالي وللعقل ليس العقل من شاني


لا والذي دون هذا الخلق صيرني
أحدوثة وبحب الحمق أغراني


والبيتان من قصيدة له سجل بها ليل (تنيس[1] ) وهي مدينة مصرية کان بها في بعض العهود خمسمائة صاحب محبرة يکتبون الحديث ومطلع القصيدة


ليلي بتنيس ليل الخائف العاني
تفني الليالي وليلي ليس بالفاني


وينم عن توغله في المجون قوله من قصيدة


کفي ملامک ياذات الملامات
فما اريد بديلا بالرقاعات


کأنني وجنود الصقع تتبعني
وقد تلوت مزامير الرطانات


قسيس دير تلا مزماره سحرا
علي القسوس بترجيع ورنات


وقد مجنت وعلمت المجون فما
ادعي بشئ سوي رب المجانات


وذاک إني رأيت العقل مطرحا
فجئت أهل زماني بالحماقات


وقوله من قصيدة

[صفحه 113]

ففي ما شئت من حمق ومن هوس
قليله لکثير الحمق إکسير


کم رام إدراکه قوم فأعجزهم
وکيف يدرک ما فيه قناطير؟


لاشکرن حماقاتي لان بها
لواء حمقي في الآفاق منشور


ولست أبغي بها خلا ولا بدلا
هيهات غيري بترک الحمق معذور


لا عيب في سوي أني إذا طربوا
وقد حضرت يري في الرأس تفجير


وقوله من قصيدة


فاسمعن مني ودعني
من کثير وقليل


وصغير وکبير
ودقيق وجليل


قد ربحنا بالحما
قات علي أهل العقول


فرعي الله ويبقي
کل ذي عقل قليل


ما له في الحمق والخف
ة مثلي من عديل


فمتي اذکر قالوا
شيخنا طبل الطبول


شيخنا شيخ ولکن
ليس بالشيخ النبيل


وأکثر شعره جيد علي اسلوب صريع الدلاء والقصار البصري کما قاله إبن خلکان،ويستشهد بشعره في الادب کما في باب المشاکلة[2] من التلخيص وساير کتب البيان وقد استشهد عليها بقوله


قالوا اقترح شيئا نجد لک طبخه
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا


قال السيد العباسي في (معاهد التنصيص) 1 ص 225 هو قول أبي الرقعمق يروي انه قال کان لي إخوان أربعة وکنت انادمهم أيام الاستاذ کافور الاخشيدي فجاءني رسولهم في يوم بارد وليست لي کسوة تحصنني من البرد فقال إخوانک يقرأون عليک السلام ويقولون لک قد اصطبحنا اليوم وذبحنا شاة سمينة فاشته علينا ما نطبخ لک منها قال فکتبت إليهم


إخواننا قصد والصبوح بسحرة
فأتي رسولهم إلي خصوصا


قالوا اقترح شيئا نجد لک طبخه
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

[صفحه 114]

قال فذهب الرسول بالرقعة فما شعرت حتي عاد ومعه أربع خلع وأربع صرر في کل صرة عشرة دنانير فلبست إحدي الخلع وسرت إليهم.

ترجمه الثعالبي في (يتيمة الدهر) 1 ص 296 و 269 وذکر من شعره أربعمائة وأربعة وتسعين بيتا وقال نادرة الزمان، وجملة الاحسان، وممن تصرف بالشعر الجزل في أنواع الجد والهزل، وأحرز قصب الفضل، وهو أحد المداح المجيدين والفضلاء المحسنين وهو بالشام کابن الحجاج بالعراق ولعل کونه کابن الحجاج (السابق ذکره) ينم عن تشيعه فإن ذلک أظهر أوصاف إبن الحجاج وأجل ما يؤثر عنه، فقد عرفه من عرفه بولائه الصلب لاهل بيت الوحي عليهم السلام والتجهم أمام أضدادهم والوقيعة فيهم، فقاعدة التشبيه تستدعي أن يکون شاعرنا المترجم مثله أو قريبا منه، علي أن صاحب (نسمة السحر) عده ممن تشيع وشعر وعقد له ترجمة ضيافة الذيول.

نعم ويشبه إبن الحجاج في تغلب المجون علي شعره؛ ولا يبعد جدا أن يکون هذا مرمي کلام الثعالبي، ومن شعره قصيدة في ممدوح[3] له علوي منها قوله


وعجيب والحسين له
راحة بالجود تنسکب


إن شربي عنده رنق
ولديه مربعي جدب


وله الورد المعاذ به
والجناب الممرع الخصب


وهو الغيث الملث إذا
أعوزتنا درها السحب


والي الرسي ملجأنا
من صروف الدهر والهرب


سيد شادت علاه له
في العلا آباؤه النجب


وله بيت تمد له
فوق مجري الانجم الطنب


حسبه بالمصطفي شرفا
وعلي حين ينتسب


رتبة في العز شامخة
قصرت عن نيلها الرتب

[صفحه 115]

ذاک فخر ليس تنکره
لکم عجم ولا عرب


ولانتم من بفضلهم
جاءت الاخبار والکتب


وإليکم کل منقبة
في الوري تعزي وتنتسب


وبکم في کل معرکة
تفخر الهندية القضب


وبکم في کل عارفة
ترفع الاستار والحجب


وإذا سمر القنا اشتجرت
فبکم تستکشف الکرب


وله من قصيدة


أولها باح وجدا بهواه
حين لم يعط مناه


مغرم أغري به السق
م فما يرجي شفاه


کاد يخفيه نحول ال
جسم حتي لا تراه


لو ضنا يخفي عن ال
عين لاخفاه ضناه


ومنها قوله


حبذا الرسي مولي
رضي الناس ولاه


جعل الله أعادي
ه من السوء فداه


فلقد أيقن بالثر
وة من حل ذراه


من رقي حتي تناهي
في المعالي مرتقاه


فاق أن يبلغ في ال
سؤدد والمجد مداه


ملک مذکان بال
سطوة ممنوع حماه


بحر جود ليس يدري
أين منه منتهاه


لم يضع من کان إب
راهيم في الناس رجاه


لا ولا يفرق من
صرف زمان إن عراه


من به استکفي أذي ال
أيام والدهر کفاه


کيف لا أمدح من لم
يخل خلق من نداه


ومن غرر محاسنه قوله يمدح من قصيدة أولها


قد سمعنا مقاله واعتذاره
وأقلناه ذنبه وعثاره

[صفحه 116]

والمعاني لمن عييت ولکن
بک عرضت فاسمعي يا جاره


من مراد به أنه أبد الده
ر تراه محللا أزراه


عالم أنه عذاب من الل
ه مباح لاعين النظاره


هتک الله سترة فلکم هت
ک من ذي تستر أستاره


سحرتني ألحاظه وکذا ک
ل مليح لحاظه سحاره


ما علي مؤثر التباعد والا
عراض لو آثر الرضي والزياره


وعلي أنني وإن کان قدعذ
ب بالهجر مؤثرا ايثاره


لم أزل لاعدمته من حبيب
أشتهي قربه وآبي نفاره


يقول في مدحها


لم يدع للعزيز في سائر الار
ض عدوا إلا وأخمد ناره


فلهذا اجتباه دون سوا
ه واصطفاه لنفسه واختاره


لم تشيد له الوزارة مجدا
لا ولا قيل رفعت مقداره


بل کساها وقد تخرمها الد ه
ر جلالا وبهجة ونضاره


کل يوم له علي نوب الده
روکر الخطوب بالبذل غاره


ذو يد شأنها الفرار من السبخ د
ل وفي حومة الوغي کراره


هي فلت عن العزيز عداه
بالعطايا وکثرت أنصاره


هکذا کل فاضل يده تم
سي وتضحي نفاعة ضراره


فاستجره فليس يأمن إلا
من تقيا بظله واستجاره


فإذا ما رأيته مطرقا يع
مل فيما يريده أفکاره


لم يدع بالذکاء والذهن شيئا
في ضمير الغيوب إلا أناره


لا ولا موضعا من الارض إلا
کان بالرأي مدرکا أقطاره


زاده الله بسطة وکفاه
خوفه من زمانه وحذاره


وذکر النويري من شعره في (نهاية الارب) في الجزء الثالث ص 190 قوله


لو نيل بالمجد في العلياء منزلة
لنال بالمجد أعناق السماوات


يرمي الخطوب برأي يستضاء به
إذا دجا الرأي من أهل البصيرات

[صفحه 117]

فليس تلقاه إلا عند عارفه
أو واقفا في صدور السمهريات[4] .


ترجمه إبن خلکان في تاريخه 1 ص 42 وقال بعد الثناء عليه وقل کلام الثعالبي المذکور وذکر أبيات من شعره وذکره الامير المختار المسيحي في تاريخ مصر وقال توفي سنة تسع وتسعين وثلثمائة، وزاد غيره في يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان، وقيل في شهر ربيع الآخر، وأظنه توفي بمصر.

و ترجمه اليافعي وأرخ وفاته کما ذکر في (مرآة الجنان) 2 ص 452، وابن العماد الحنبلي في (الشذرات) 3 ص 155، والسيد العباسي في (معاهد التنصيص) 1 ص 226،والزرکلي في (الاعلام) 1 ص 74، وصاحب (تاريخ آداب اللغة) 2 ص 264

[صفحه 118]



صفحه 113، 114، 115، 116، 117، 118.





  1. تنيس بکسرتين وتشديد النون وياء ساکنة وسين مهملة.
  2. هي ذکر الشي بلفظ غيره لوقوعه في صحبته کقول أبي الرقعمق اطبخوا وارادة خيطوا.
  3. هو نقيب الاشراف بمصر أبواسماعيل ابراهيم بن أحمد بن محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ترجمان الدين ابي محمد القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن المثني الرسي المتوفي سنة 365 راجع (تاج العروس) 4 ص 161.
  4. هذه ابيات من قصيدة ذکرها الثعالبي في (اليتيمة) 1 ص 174.